أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ديمة جمعة السمان - “رواية عودة الموريسكي من تنهداته- للكاتب عدوان نمر عدوان في اليوم السابع















المزيد.....



“رواية عودة الموريسكي من تنهداته- للكاتب عدوان نمر عدوان في اليوم السابع


ديمة جمعة السمان

الحوار المتمدن-العدد: 8413 - 2025 / 7 / 24 - 18:47
المحور: الادب والفن
    


القدس:24 تموز 2025
ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية الأسبوعية رواية "عودة الموريسكي من تنهداته" للكاتب د. عدوان نمر عدوان.
تقع الرواية التي صدرت عن مركز أوغاريت الثقافي عام 2010 في رام الله في 120 صفحة من القطع المتوسط.
ابتدأت مديرة الندوة ديمة جمعة السمان بالترحيب بالحضور، وقالت:
في روايته "عودة الموريسكي" يكتب عدوان عدوان نصًا مركّبًا، عابرًا للزمن والحدود، يجمع بين التاريخ والهوية، بين الروح والجسد، ليقدّم سردية نادرة تتناول فكرة الذاكرة الوراثية، لا كمفهوم علمي فحسب، بل كقوة وجودية قادرة على إحياء ما ظُن أنه مات.
بطل الرواية، موسى، ليس مجرّد شخصية واحدة، بل كائن متعدّد الطبقات والأنوات، يُولد في فلسطين المعاصرة، لكن روحه تنبض بنبض آخر، غريب وأصيل في آن.
يحمل في داخله صوتًا قديمًا، شوقًا لا يُفسّر، وحسرةً على مكان لم يعرفه في حياته: الأندلس. شيئًا فشيئًا، تتكشّف القصة: موسى ليس فقط موسى، بل هو أيضًا أندريس، ويوسف بن سليمان، وأحمد الموريسكي، كلهم عاشوا في أجساد مختلفة، لكنهم في الجوهر كيان واحد.
الرواية تمضي في تتبّع خيط هذه الروح المتنقلة، التي عاشت نكبة الأندلس بكل تفاصيلها: الطرد، التنصير القسري، مطاردة محاكم التفتيش، إخفاء الهوية الدينية خلف الأسماء المسيحية، والاغتراب عن اللغة، عن الميراث، عن الذات.
هذه الروح، التي ظنّ التاريخ أنها اندثرت، عادت إلى الحياة في جسد شاب فلسطيني معاصر، يعيش نكبة أخرى: الاحتلال، الشتات، سؤال الهوية، والمنفى الداخلي والخارجي.
هنا، يربط عدوان عدوان ببراعة بين الأندلس وفلسطين، بوصفهما تجربتين متكررتين في تاريخ القمع والاقتلاع. وكأن موسى في حقيقته هو سليل كل من طُردوا من ديارهم، من كل من حُوصروا في لغتهم ودينهم وثقافتهم، لكنه يحمل أيضًا وعد العودة.
يقول النص ضمناً: قد تُقتل الجغرافيا، لكن الروح إن وجدت من يحميها، تعود.
موسى لا يعرف في البداية سرّ الحنين الغريب الذي يجتاحه كلما قرأ عن قرطبة أو ساراغوسا، ولا معنى الأحلام التي تلاحقه بلغة عربية قديمة. لكنه كلما اقترب من ذاكرته الوراثية، كلما استعاد أسماءه، استعاد حقيقته، وكأن الرواية تقول لنا: الهويات العميقة لا تُمحى، بل تُخزّن في الجينات، تنتظر من يوقظها.
الرواية كتبت عن الهوية كرحلة روحية وجسدية، تنتقل من جيل إلى جيل، ومن اسم إلى آخر، ومن منفى إلى آخر، لكنها لا تموت. بل قد تعود أقوى، أوعى، وأكثر إصرارًا على التذكير: "نحن لم ننتهِ بعد".
رواية عودة الموريسكي هي أشبه بمرآة للوجع المتكرر، وللروح التي تعبر العصور لتحكي قصتها في كل من يحتاج إلى تذكّر. إنّها تثبت ببراعة أنّ الظلم لا يمحى بالصّمت.. وأنّ الذّاكرة مهما حاولوا طمسها تعود في جسد جديد لتكمل الطربق، إنّها تُحيي الهوية الجمعية من تحت الركام، وتؤكد أن المنفى لا يقتل، بل يُخصب الذاكرة ويجعلها تنتظر الجسد المناسب لتنهض من جديد. ومع ذلك، فإن هذا التوغّل في العمق الرّوحي والرمزي جاء على حساب عنصر التشويق وتصاعد الحبكة. فالرواية، رغم قوتها الموضوعية واللغوية، افتقدت أحيانًا إلى التوتر الدرامي، وتسلسل الأحداث الجاذب، مما قد يُشعر القارئ أحيانًا بأن النصّ يسير بأكثر مما يتحرك، ويتأمل أكثر مما يُفاجئ. إنها رواية تُقرأ بالفكر لا باللهاث، وبالقلب لا بسرعة الحدث.
عودة الموريسكي بيان يعيد وصل ما انقطع بين الماضي والحاضر. نصّ يذكّر القارئ بأن الأرواح المظلومة لا تنطفئ، بل تنتقل، تنتظر أن يُفتح لها الباب لتعود، لا لتأخذ مكانها القديم، بل لتكتب تاريخًا جديدًا… بصوتٍ لم يُكتم بعد.
وقال محمود شقير:
تبدأ رواية د. عدوان نمر عدوان بفقرة تمهيدية على لسان سارد لا نعرفه يعد حول تدوين قصته التي تنطوي على عجائب، منوهًا إلى أنه "ضد التدوين أو التسجيل الحرفي للأحداث"ص5
بعد ذلك، وتحت عنوان فرعي "حركة بزمط" يأخذنا الكاتب إلى مشهد من تاريخ الأندلس، حيث الظلم الذي ساد في غرناطة، وتمرُّد بزمط على السلطة الحاكمة، والتفاف الفقراء والمهمّشين من حول حركته، واضطرار عبد الله الصغير أن يفرج عن الفارس موسى ابن أبي غسان للتصدي لهذه الحركة.
ثم ينقلنا الكاتب إلى مشهد آخر كما لو أنه بذلك يمهّد للعجائب التي تشتمل عليها قصة بطل روايته؛ المشهد خاص بزوج من قرية الطيرة الفلسطينية، وهو الذي، من شدّة غيرته على زوجته الجميلة، أطلق النار على البحر حين شاهده وهو يداعب ساقي زوجته.
2
هنا بعد تلك الأحداث التي تبدو غير مترابطة لولا عنصر التمهيد الذي ذكرناه، نتعرّف إلى السارد الذي ينتمي إلى قرية من قرى مدينة نابلس اسمها عقاب لحمر، وهو يتحدث بإطراء عن اهتمام أهل قريته بالزراعة وبانتمائهم للأرض، ثم يلقي ضوءًا كافيًا على شخصية أبي جحدر الساخر سليط اللسان، ويذكر بعض سخرياته واجتهاداته حول الجنس والقدرة الجنسية والخصاء والعبيد وشهوات النساء، وحول أهمية اقتران الحب والجنس معًا على النحو الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش.
وبعد إضاءة سريعة على تاريخ قريته أيام حكم العثمانيين يعود بنا السارد إلى الزمن الحديث، وعبر أسلوب التوالد السردي، حيث يولد السرد من السرد، نرى السارد وقد انتقل إلى نابلس للدراسة في مدارسها، وللتعرف إلى نماذج بشرية يكون له معها حوارات كاشفة، مثلًا: سعيد الذي تستهويه القصص وحب الثقافة وملاحقة النساء، والنفور من مصنع أبيه الذي يستغل العمال، علمًا بأن جدّه جبّار كان مع الثوار ضد الانكليز، الذين قبضوا عليه وأعدموه. ومثلًا: السامري كامل الذي لا يعترف بدولة إسرائيل، وينكر وجود الهيكل في القدس، لكنه يؤمن بوجوده في جبل جيرزيم في نابلس.
3
ومن خلال تقنية التوالد السردي ذاتها، وعبر لغة السرد الجميلة، وبالتداخل ما بين الماضي والحاضر، ينتقل السارد موسى عمران إلى غرناطة لدراسة الماجستير في جامعتها.
اختيار غرناطة ليس فقط بسبب تشابه طبيعتها الجغرافية مع طبيعة الجغرافية الفلسطينية، بل ربما لتشابه المعاناة السياسية من بعض الأوجه. ولدى استرسال السارد في وصف جمال غرناطة وما حولها من سهول وجبال نجد أنفسنا وقد دخلنا فجأة في إطار أدب الرحلات، حيث الوصف اللافت للأمكنة ولمنجزات الحضارة الإسلامية فيها.
وفي هذا المقطع من الرواية يتعرّف السارد إلى طالب جامعي إيطالي له حضور بارز في النص، اسمه جاكبو، له مغامرات مستمرة مع النساء، كما يتعرّف السارد إلى الفتاة الجميلة المدهشة جيسكا، التي أحبته وأحبها.
4
تزدحم الرواية بتفاصيل كثيرة، وبكثير من الاستشهادات الفكرية من مفكرين آخرين، وتلفت النظر الحوارات التي تدور بين شخوص الرواية، فهي تتسم بالعمق وتكشف بعض أفكار الكاتب، وتدلّل على اتساع ثقافته.
وما يلفت النظر بحق في هذه الرواية فكرة اختراق الزمن ص66، والتحدّث مع شخصية من القرون الوسطى ، تلك الفكرة التي وردت في رواية الياباني توشيكازو كاواجوتشي الموسومة ب "قبل أن تبرد القهوة" الصادرة عام 2015 أي بعد رواية د. عدوان عدوان بخمس سنوات، حيث المقهى الذي يتيح لأي شخص أن يسافر عبر الزمن الماضي للتحدّث إلى شخص آخر لم يعد موجودًا على قيد الحياة، وحيث عليه أن يعود إلى الزمن الحاضر قبل أن يبرد فنجان قهوته الذي تقدّمه له نادلة المقهى، وإلا فسوف يبقى هناك في الماضي.
ينتقل السرد في رواية د. عدوان عدوان على لسان الطبيب المغربي الطاهر بن علون الذي يروي عن موسى بن أبي غسان، هذا الفارس الذي لم يستسلم أمام الجيش الإسباني الذي حاصر غرناطة، وجعل أهلها يعيشون سبعة أشهر في مجاعة لم يحدث ما يماثلها من قبل (مجاعة رهيبة تذكّرنا بمجاعة الفلسطينيين في قطاع غزة الآن).
وفي الأثناء، يتكشّف السرد عن قصة حب مدهشة بين موسى بن أبي غسان وفيكتوريا الجميلة التي أهدته خاتمًا ظل محتفظًا به، وأهداها وشاحًا ظلت ترتديه حتى أدركها الموت. ومن المشاهد المؤثرة في الرواية أن الفارس الشجاع موسى الذي آثر الغرق في ماء النهر على الاستسلام، امتنع حصانه الوفي عن تناول الطعام إلى أن ذوى ومات.
5
أخيرًا، يعود بنا السرد إلى فلسطين، حيث تأتي الغرناطيّة جيسكا زائرة إلى القدس وبيت لحم، لتلتقي حبيبها موسى عمران، ثم تنتظر السماح لها بالانتقال إلى نابلس مع فريق من المتطوّعين والمتطوّعات، وهي التي ظهرت في الرواية على نحو متميز جعلها من النماذج النسائية الفنية التي لا تُنسى.
وحين اقتحمت دبابات المحتلّين الإسرائيليين مدينة نابلس فقد قتلت الدبابات وجرحت أعدادًا من المدنيين الأبرياء، ومن ضمنهم تلك الغرناطيّة التي كانت ضد الاحتلال وممارساته التعسفية، ولهذا جاءت من بلادها للتضامن مع شعب فلسطين ولمساندته في نضاله ضد العدوان.
وقال صافي صافي:
في روايته "عودة الموريسكي من تنهداته" للكاتب عدوان عدوان، إذا صح أن معنى اسم موسى هو “المنقذ” أو “المنتشل”، فإنه لم ينقذ نفسه لا في الأندلس ولا في نابلس، فاختارا “الانتحار” الثوري، فالأول ألقى بنفسه في نهر “شانيل” في غرناطة، والثاني صوب رصاصة في رأسه. وما يجمعهما هو عدم تقبلهما للخيار الأصعب وهو الاستسلام، والاستسلام هنا لا تعني الحياة، بما سيسجله التاريخ، وما سيقرأه أحفاده وذريته، وذرية المسلمين من بعده، فالذين استسلموا في الحالتين لقوا نهايتهم الحتمية، القتل والتهجير والتنصير. نهاية مأساوية في كل الخيارات، لكن خيار المقاومة سيظل علامة فارقة لمن بعدهم، وإن ماتوا. ما يجمعهما هو عدالة قضيتهما، وحصارهما وتجويعهما. ما يجمعهما اختيارهما التمرد حتى لو وقف العوام ضدهما في الحروب اللفظية المتطايرة، وتفسخ الحركات السياسية والعسكرية في غير اتجاه. ما يجمعهما أن البعض وقف حليفا للأعداء، فالقلاع تسقط من الداخل، يسقطها المنهزمون نفسيا. ما يجمعهما أنهما انتظرا مساعدة من الخارج فلم تأتهما، فماتا أبطالا. إنه خيار.
أما موسى الأول، النبي، فإنه لقى حتفه، لا يعرف كيف وأين، فضاعت جثته، وظل خيالا في خيال، رغم المقامات الكثيرة التي سميت باسمه، والمناطق الجغرافية من جبال وأودية وسهول خلدته. حتى الألواح التي نزلت عليه في طور سيناء، ضاعت، وقام الرواة المتعددون باسترجاع بعض شذرات كلماتها على مدى قرون، لتختلط الحقيقة بالخيال، وليستنطق الله بما لا يمكن أن يقوله، وأن يوصف بالحقد على الآخرين، ومن قتل واغتصاب وحرق ونازية منذ حوالي 4000 عام.
هذا الاسم ؛“موسى”؛ ذكر أكثر من 80 مرة في رواية عدد صفحاتها 120، ليس عبثا، وإنما ربما محاولة للبحث عن المنقذ/ المهدي/ المنتشل الذي لم يأت في الحالة الأولى الأولى، ولا في الثانية ولا في غيرها، فظل كل موسى يبحث عن نهاية له، عن قراره بالتحدي، بالتمرد، بالبحث عن ذاته، ولا يقبل انتحار “ألبير كامو”، بأن يظل تابعا لرؤية الحكام والرعاع، فالعبثية هي مآلات الحياة، وليست الإهمال، ولا السكون، ولا الاستلام، ولا المال والجاه، إنما القدرة على اتخاذ قرارات في الحياة قبل الممات الذي لا بد منه أخيرا، فالموت معلن مسبقا، وعليك أن تواجهه أو تختاره. إنه موسى بن أبي غسان، حدة الشباب وريحانه، وقوته وصلابته، ونشاطه، وإن كان موسى الأول قد تجاوز المائة وعشرين عاما، فإن موسى النابلسي عاش خمسمائة وعشرين سنة. عمر طويل قبل سقوط الأندلس، والتخلص من الموريسكيين، والموريسكيون هم العرب الذين بقوا في الأندلس بعد سقوط دويلاتهم، تحت الحكم الإسباني، وأجبروا على تغيير ديانتهم، وإن كان ظاهريا، وضاعت أسماء عائلاتهم في السجل المدني، ليسمى الواحد منهم باسم الأب أولا وباسم عائلة الأم ثانيا، وخضعوا لمراقبة شديدة في طقوسهم، ليثبتوا موالاتهم للدولة الجديدة، أما معابدهم فتغيرت لمعابد الإسبان أو تم بعض التغيير في معالمها بما يحاكي ثقافتهم، أو حولت إلى متاحف ومزارات يؤمها السياح. إن ما حدث للعرب في الأندلس لا يمكن وصفه بالكلمات، من الإجبار على تغيير مللهم، للقتل والاغتيال والاحتيال، وحرق المزارع والمعامل، ونهب المدن وتدميرها، وتدنيس مساجدها، وتخريب بيوتها، وهتك نسائها وبناتها (بالضبط كما يجري اليوم وجرى في مناطق عديدة)، مارسها “البيض”، وما زالوا حتى في ظل انتشار منظمات حقوق الإنسان، والأمم المتحدة ومجلس الأمن، وجميعات حقوق المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة، حتى تحول الآخرون لذوي احياجات أساسية في الطعام والشراب. وأبو عبد الله الصغير/ المخمور، آخر حكام غرناطة، الدويلة الأندلسية التي سقطت. أبو عبدالله المشؤوم، التعيس، الزغابي، عبديل، ابن أبي الحسن، الذي ثار على أبيه، واقتلعه من الحكم (هذا يحدث اليوم)، لرفضه دفع الجزية ل “فرناندو الثاني”، ملك أراغون عام 1482، كما يفعل ملوك غرناطة. عبدالله هذا الذي احتوى المتمردين (بزمط، يشبه القرمطي) سلم غرناطة، بعد يأسه من الحفاظ على حكمه، فوقع اتفاقية ولاء تحافظ على أملاك المسلمين وعاداتهم وتقاليدهم وبيوتهم، التي لم يتم في النهاية الالتزام بأي من بنودها، واستقر في النهاية في المغرب العربي. هكذا تجري الأمور في مثل حالاته. مر الكثير بين موسى الأول والأخير: موسى جت، وموسى النبي، وموسى بن نصير، حتى موسى بن أبي غسان، وموسى بن ميمون. كلهم جاءوا منقذين، لكن موسى النابلسي المسكون بالمكان، بمكانين، بالأندلس وبنابلس، موسى الذي يحفظ غرناطة عن ظهر قلب، وإن لم يزرها من قبل (في الرواية)، يحفظ جبالها وأوديتها وسهولها، وأسوارها، وحدائقها، وتماثيلها، وغرفها، وبرك مائها، وتصميم كل شيء فيها. ويحفظ سلوك أمرائها، والحاشية، والناس، والوزراء، وأماكن الجلوس، والخشوع، والحكايات، والتجسس. موسى المريض بالمكان، المهووس به، الذي لا يستطيع فصل الماضي عن حاضره. موسى النابلسي الذي يلقى كل الصعاب في السفر، وفي العودة وفي التنقل. موسى الذي يعيش بين جبلين مثل نهدي فتاة يتوسطها صليب، جبلين متقابلين، أحدهما قاعدة عسكرية تراقب ما تحتها، وما فوقها، وفي كل اتجاه، وثانيهما الجبل المقدس عند السامريين الذين حافظوا على تراثهم الديني والاجتماعي منذ آلاف السنين. يلتقي موسى ب “جسيكا” الغجرية، ويغرم بها، فهو غجري مثلها، غجري الصحراء والعرب، لا يثبت في مكان، وتتحول كل الأماكن له، ولا يمتلك أي منها، “جسيكا”، تسحره، وتزوره في بيت لحم، لكنه لا يرى فيها إلا “فكتوريا” التي يعرف تفاصيل جسدها وتضاريسه خلية خلية، ويتبين خريطة روحها، ويتبين لغتها وما يثيرها وما يبهجها وما يسرها. “فكتوريا” هي ابنة أخ الملكة “إيزابيلا”، المقاتلة الشرسة، التي وقعت في الأسر، ويوما بعد يوم وقعت في حب ابن أبي غسان، واندمجت في حياة العرب، وتقاليدهم، وخطوط كلماتهم. بطلة القتال، وبطلة الفراش، حتى رحلت في صفقة تبادل الأسرى، فظلت في قلبه، وظل في قلبها. لم يبق من فكتوريا إلا الآهات والعذاب والذكريات وخاتم، وظل معها وشاحها هدية منه. يقرر موسى النابلسي المقاومة، هو وغيره في البلدة القديمة، يستبسل في الدفاع عن نفسه، ومدينته، بين هدير الدبابات، والطائرات، والمسيرات، والرصاص، والقذائف، فيقتل منهم الكثير، ويختلفون حول النهايات، منهم من قرر أن يسلم نفسه وينجو، ومنهم من قرر البقاء. موسى النابلسي قرر البقاء، وكاد يقتل المستسلمين الذين قتلوا في النهاية من عدوهم، يصاب في يده، وفي جسده، ويقاوم، تنفذ ذخيرته، فيقرر الانتحار، برصاصة في رأسه، فيرى في مماته “جسيكا” تقف فوق رأسه، فالأموات لا يموتون، بل ترحل أجسادهم، ولا يستطيعون التحكم بها. ما أشبه موسى ابن أبي غسان بموسى النابلسي. ما أشبه اليوم بالبارحة. لكن: هل كان يجب أن ينتحر الأول لينتحر الثاني؟ ألم ينتظرا أن يتم إعدامها بدل الانتحار؟ هل انقسم الناس بين مستسلم ومقاوم؟ أين الحياة والباحثين عنها؟ هل ما جرى في الأندلس ونابلس هو مثال للكل الفلسطيني/ العربي/ الإسلامي؟ هل يكفي أن لا نستسلم، أم أن هناك طرق للحياة الكريمة.
أختار د. عدوان عدوان هذه البدائل بطريقة ساحرة ومقنعة، فروايته مركبة متشعبة بين مكان ومكان، وشخصيات وشخصيات، بين الماضي والحاضر، وأحداث تتشابه وتختلف. رواية الموازة والتداخل بين الماضي والحاضر. إنها رواية موجهة لمن لديه الجلد في القراءة، وفي الحياة، وفي التمرد حتى لو كان من أجل التمرد. هذا حال المورسكيين قديما، وحالهم حديثا.
وقالت نزهة أبو غوش:
شخصية موسى بطل الرواية من الناحية النفسية، هي شخصية معقدة متشظّية، تحمل في داخلها توترًا دائمًا بين الزمان والمكان، وبين الوعي واللاوعي. يظهر من خلال جلسات التنويم المغناطيسي التي خضع لها أنه يعاني من حالة من الانشطار النفسي، إذ يعيش في الحاضر ويتلبّسه الماضي، تحديدًا شخصية "موش بن أنر الغسّان"، أحد الموريسكيين الذين نُفوا من الأندلس.
من أبرز مظاهر حالته أرق، إرهاق، تعب دائم، ونحول جسدي شدي الشعور بأنه يعيش "حيوات سابقة" متداخلة في لاوعيه، تظهر على شكل ذكريات غامضة غير واضحة التفاصيل تظهر عليه ملامح الانفصال عن الواقع، كأنه يتقمّص شخصية تاريخية من القرون الوسطى.
ازدواج الهوية: بين كونه فلسطينيًا معاصرًا، وبين كونه فارسًا أندلسيًا عائدًا من المنفى.
التحليل الفلسفي: لا يُعرض موسى كشخص يعمل أو يسعى للثروة، لكنه يكشف من خلال وضعه النفسي والاجتماعي عن فقر حضاري ومادي مزدوج: يعيش في عالم غريب عليه – المنفى في الداخل والخارج
. تصف الرواية حالة الموريسكيين تاريخيًا واللاجئين المعاصرين اقتصاديًا كفئات مقهورة. يعاني موسى من أزمة الاندماج في عالم تحكمه القوة والمال، وهذا ما يُرى في مفارقات مثل علاقته مع الإسبانية "جيسيكا" أو الطبيب الأوروبي.
موسى كنموذج إنساني وروائي: البنية السردية للشخصية، موسى ليس مجرد بطل تقليدي، بل شخصية مفتوحة على التأويل، متعددة الأبعاد. يُبنى عبر أسلوب التداخل الزمني والرّوحي، حيث يستخدم الكاتب التنويم المغناطيسي كأداة أدبية لربط الماضي بالحاضر.
الرمزية: يمثل موسى الإنسان الفلسطيني والعربي الذي ما زال يعيش آثار الطرد الاستعماري، ويعيد تمثيلها في روحه وجسده. وهو أيضًا رمز لكل من حاول العودة إلى تاريخه فوجد أنه صار منفيًا من جديد.
التحوّل الدّرامي للشخصية : يبدأ موسى الرواية مضطربًا ومريضًا، لكنه مع تطور الرّواية يبدأ في استعادة توازنه من خلال الاعتراف بجراحه وذاكرته، وإن كانت النهاية مفتوحة على الألم.
أمثلة : يقول الطبيب الذي يعالجه بالتنويم المغناطيسي: "روت لي هذه الشخصية ذكريات معينة عن حياتها السابقة مؤيدة بوقائع وأسماء أشخاص ومدن وطرقات..." ويقال عنه: "كان يظهر عليه الإرهاق والتعب والأرق، نحول جسده شديد، وعيناه دامعتان عند كل ذكرى"
تبدو في الرواية غلبة عنصر الخيال على الواقع:
توظف الرواية عدة تقنيات لتغليب الخيال: التقنية السردية أثرها في تغليب الخيال للتنويم المغناطيسي واختراق الوعي واللاوعي، وفتح بوابة الذاكرة العميقة؛ والتنقّل الزّمني وكسرخطّية الزمن، وتوليد تشظي سردي شعوري. كذلك الأسلوب الشعري الرمزي وتفعيل لغة الحلم، وتوسيع فضاء التخييل، وتداخل الأصوات السردية وإلغاء المركزية، وفتح المجال لوجهات نظر متعددة.
وقالت رفيقة أبو غوش:
أرى أن القصد أو التّحليل الدّلالي لعنوان الرواية هي عودة ليست انتقالًا فيزيائيّا بقدر ما هي عودة رمزيّة؛ هي عدوة الذّات: الهويّة، والرّوح المكبوتة، فهي تحمل انسجامًا بين الحنين للهويّة ورفض الانقطاع عن الماضي.
من هو الموريسكي؟ وفق تعريف الموسوعة الإلكترونيّة، يُعرّف الموريسكي: هو "مصطلح يشير إلى المسلمين الّذين أجبروا على التّنصّر في الأندلس بعد سقوط غرناطة، وتعرّضوا للاضطّهاد والطّرد". شبه الجملة "من تنهّداته" تمنح بعدًا وجدانيّا، فهي الدّلالة إلى الألم والمعاناة الّتي تتوق للانعتاق من قيود التّاريخ والهويّة، والبحث عن الذّات والوجود.
البنية الزمنكيّة والمكانيّة للرّواية: اختار الكاتب زمنين؛ لسرد أحداثه: الأول هو زمن الأندلس (غرناطة أواخر القرن ال 15)؛ والمكان الثّاني فلسطين (نابلس) في الواقع الفلسطيني المعاصر. وتنتقل الأحداث ما بين الأزمنة والأمكنة بشكل معقّد.
لعب أدوار البطولة شخصيّتان محوريّتان: موسى بن أبي الغسّان (الأندلسي) قائد مقاوم عنيد، لم يستسلم أبدًا، وتعرّض للسّجن والدّسائس؛ لكنّه كان رمزًا للمقاومة حتّى نهايته. الشّخصيّة الثّانية: هي موسى عمران النّابلسي (الفلسطيني)، الشّاب الّذي تعلّم في اسبانيا، وتماهى مع شخصيّة موسى بن الغسّان المُقاوم؛ فتقمّص شخصيّته، واكتسب روح المُقاومة، وعدم الاستسلام للمُحتل. الشّخصيّتان هنا ترمزان لروح المقاومة المُتجدّدة عبر الأجيال والمكان، وتظهران أنّ الذّاكرة التّاريخيّة ستظلّ حيّة في نفوس النّاس مهما حصل (العودة الموريسكيّة في الذّات الفلسطينيّة). الشّخصيّة الثالثة لعبت دور الرّاوي (الطبيب النّفسي) الّذي يشخّص حالة موسى النّابلسي؛ فيكشف حالة التّقمّص، والتّماهي مع شخصيّة موسى بن الغسّان، وارتباطه بها.
تعتبر الرّواية مكثّفة، وتزخر في الرّموز والدّلالات (السيمائيّات)، ومن الممكن اعتبارها رواية سرديّة تأريخيّة؛ واقعيّة مُتخيّلة، وممكن اعتبارها ضمن الأدب المُقاوم.
تناولت الرّواية مضامين متعدّدة مثل: الهويّة، والمقاومة، والانقسام الدّاخلي، والخيانة، والتّاريخ كحاضر مباشر؛ وتلامس التّحليل النّفسي الإنساني."عرفت من العلاج ، أنّ هذه الشّخصيّة (موسى بن الغسّان) ميّتة، وحتّى نعيش وتخرج من موتها الأبدي كان عليها أن تقتلني أنا موسى الفلسطيني، موسى النّابلسي" ص 95.
تهدف الرّواية لدعوة للمقاومة والكرامة، والتّمرّد على الأوضاع السّياسيّة غير العادلة، وأنّ الإنسان العادي يستطيع تحقيق النّصر بعيدّا عن القادة؛ بالثّورة والتّحرّر من العبوديّة. هي دعوة لعدم التّنهّد حول الماضي، والاستسلام لآلامه؛ بل دعوة للنّهضة نحو التّحرّر في المستقبل وللأجيال القادمة. كما ذكر: " تذكّرت سيناريو غرناطة وهي تساوم الأسبان على الاستسلام، وتذكّرت حصان بن الغسّان وحياته، وكيف خرج شاهرًا سلاحه، وكيف قاتل، وكيف رمى نفسه علي نهر "شانيل" فاقسمت ألف مرّة على الموت وشعرت بأنّ حياتي بدت قريبة جدّا من نهايتها" ص 116.
امتاز أسلوب الرّواية بالتّشويق والإثارة، في السّرد المُتنقّل ما بين الماضي والحاضر؛ والتّنقل بين الأمكنة المختلفة ما بين فلسطن وغرناطة، في ربط الأحداث، والشّخصيّات؛ وإيجاد التّشابه بينهما. تتشابه البلدتان في وضع الخيانة والانقسام الدّاخلي، وتركّز على خطروجود العملاء والجواسيس؛ ممّا تسبّب في سقوط غرناطة، وكما يُصوّر الحال في فلسطين.
ظهرت اللّغة ما بين الشّعريّة والسّرد، من حيث الوصف واستعراض المشاعر الدّاخليّة؛ والآلم التّاريخي، فهي لغة سرديّة متسلسلة، بعيدة عن اللّغة التّقريريّة؛ تسودها الإيحاءات ولغة الدّلالات. لغة الرّواية قويّة وفصيحة، تتناغم مع مواقف القوّة والضعف، قويّة التّعبيرعن الانفعالات، والأحداث التّاريخيّة المؤلمة.
برزت قدرة الكاتب على استخدامه للفكر الفلسفي بصورة واضحة، ممّا أضفى قيمة فكريّة للسّرد. كما ذكر: "أليس بالحقائق . الحقائق المريرة وحدها يتحرّر الإنسان؟". " قالوا لي: لا تقاتل، فالحرب خاسرة. فقلت: الخسارة الوحيدة هي أن لا نقاتل"؟ "لم يهزم موسى من الشّر الدّاخلي المألوف – وهو الّذي لا يأتي من الخارج بل من داخل الجماعة نفسها"." لا أنسى، لأنّ النسيان موت. وما نُسي، عاد يُقتل من جديد".
تسود الرواية عاطفة الحزن، والحنين للوطن، وعاطفة الانتماء والمقاومة؛ نتيجة للصّراعات الخارجيّة من النفي والتّهجير القسري، والتّعذيب، خاصّةً ممّا عاناه الموريسكيّون في غرناطة، وبالمقابل في فلسطين، تحديدًا في مدينة نابلس، هذا بالإضافة للصّراعات الدّاخليّة، وما تبعها من تنهيدات، وحسرة.
إنّ رواية "عودة الموريسكي من تنهيداته" تثير بعض التساؤلت العميقة؛ نظرًا لطبيعتها التّأمّليّة والفلسفيّة، وارتباطها بسياق تاريخي وإنساني معقّد، مثالًا على ذلك: من هو الموريسكي المعاصر؟ هل هو مجرّد شخصيّة تاريخيّة؟ أم هو رمز لكل إنسان مهجّر، او منفيّ، أو مخلوع عن جذوره وهويّته؟ هل ما حدث للموريسكيين في الأندلس يُعاد اليوم في فلسطين، أو سوريا، أو في أماكن اخرى في الوطن العربي؟ هل العودة إلى الوطن، أو الذّات ممكنة بعد كلّ هذا التّيه؟.
إنّ شخصيّة الموريسكي، موسى بن الغسّان، هي شخصيّة موجودة فعلًا في فلسطين؛ وبرزت شخصيات عديدة تتحلّى بمواصفات الموريسكي، بل أفضل بكثير، من الممكن أن يُحتذى بهم أو بهن؛ في الانتماء والمقاومة، وحب الوطن، والدّفاع عنه؛ من أجل الحفاظ على الهويّة واللّغة، ويُمثّلون نموذجًا حيّا في المقاومة والتّضحيات.
رواية "عودة الموريسكي من تنهيداته" للكاتب عدوان ليست مجرّد سرد تاريخي فحسب، بل هي عمل أدبي رمزي يتعامل مع قضايا عميقة مثل: الهويّة، المنفى، الذّاكرة، والمقاومة الثّقافيّة.
هذه الرّواية تعتبر عملًا متكاملًا، وجديرة بالقراءة؛ ويُنصح بترجمتها للغات أجنبيّة متعدّدة، بورك هذا العمل القيّم. إنّ سرد الرّواية التّأريخيّة؛ لتحيي الذّاكرة، وتنعشها؛ ولنتعلّم من أسباب الهزائم وتفاديها.
وقال بسام داوود:

رواية تاريخية ,اسلوب شيق ,لغة سهلة .
موسى من قرية ناعمة احدى قرى محافظة نابلس يعمل اهلها بالزراعة وفلاحة الارض , انتقل من قريته لمدينة نابلس وبدأ حياة اخرى اكمل دراسته الجامعية علمته الجامعة اشياء كثيرة فلم يعد موسى هو موسى بل موسوات.
عشق البلدة القديمة في نابلس شاركهم اعمالهم الوطنية ضد الاحتلال .
التقى بالطلب السامري كامل الذي يقول انهم لا يعترفون بالصهيونية ولا بدولة اسرائيل ولا بيهوديتها ولا بتوراتهم ويقول لنا توراتنا الخاصة بنا التي تشير ان جبل هيكل موجود في جبل جرزيم الذي نقيم به وليس في القدس .
يقول موسى نحن في الداخل بقينا حبيسي سجننا الخاص الذي لا نريد ان نبدله كنا ننتظر الخيول العربية تأتي محررة للبلاد لكنها لم تكن فلسطينية الهوى قلوبهم معنا وسيوفهم علينا . هجروا اليهود من بلادهم لفلسطين ليكونوا اشد عنصرية وكراهية .
حلت الهدنة وعقدت اتفاقية اوسلو رجع الكثير من الفلسطينين الى غزة واريحا وبقية مدن الضفة الغربية بعد تيه طويل في الدول العربية ,رجعوا اعتبروا السلام حصان طروادة الذي سيدخلون منه الى فلسطين ارادوا انا يبدأوا النضال من الداخل لان النضال من الخارج اصبح مستحيلا .
قرر ان يكمل دراسة الماجستير في اسبانيا سافر الى مدريد البلد الجميلة شعر بوجود تقارب بين هذه البلاد وفلسطين اقام في السكن الداخلي للجامعة مشاركا طالبا ايطاليا اسمه جاكبو وطالبة من كوريا الجنوبية سألته من اين ؟ اجاب من باليستاين قالت باكستان ؟ فظننت ان العالم يحفظنا عن ظهر قلب , بدأ يتأقلم مع زملائه الطلبة ويتخلص من عادة القروي الخجول صاحب الايطاليين ارتاح معهم فهم مرحين تعاطفوا معهم كونه فلسطيني يقول هذه الشعوب تصدق اي شيء تسمعه وان لم تصدق تأخذ الامور بمحمل الفكاهة .
جاكبو يريد ان يزور قصر الحمراء برفقتي حتى لا يضيع اللحظة التاريخية في رؤية عربي يعاود الدخول لقصره المسلوب فقلت له ان حياتنا في فلسطين تسلب يوميا بالقتل والنهب والسطو والاسر فلن تجد في ما يثير لان حياتنا هي الموت اليومي .
ان قصر الحمراء هو احد ثمار التزاوج العربي الاوروبي في القرون الوسطى ظل شاهدا على عمق هذا التزاوج عرب -اسبان ,مسيحية -اسلام , شرق-غرب , ذائقة صحراوية مع بهاء الطبيعة وفي نهاية المطاف رائعة انسانية كبرى ورائعة تاريخية في العصور الغابرة .
دخلت قسم التاريخ اردت نبش القبور قبور الموتى هذا من ناحية ومن ناحية اخرى لابقى بالقرب من جيسكيا مرشدة القسم هذه المرأة الفاتنة التي سحرتني بجمالها احبتني واحببتها واخذ التقارب يزداد بيننا فهي تمثل المراة الغرناطية مستبدة رجولية وانثوية في نفس الوقت واعتبرت نفسي انني هانيبعل القادم اليهم .
في اثناء النقاش في محاضرة الاستاذة ماريا في قسم التاريخ عن ديانات التوحيد قالت لي يا موسى جت ,يا موسى النبي ,يا موسى بن النصير , يا موسى بن ابي الغسان ,يا موسى ميمون ,ففكرت بهذه الاسماء والذي حيرني هو موسى بن ابي الغسان لا سيما ان اسمه عربي ,قالت لي انت مقاتل مثله .
بدأت البحث عن تاريخ هذا الرجل قال لي جاكبو لا تفكر بالماضي لا تعش بالماضي الماضي وهم فنحن نحب الماضي لانه ذهب وتلاشى ولو رجع لكرهناه .
استمريت بالبحث اكتشفت ظلم الطبقات الحاكمة في الاندلس فرضت الضرائت والاتاوات تحت حجة مقاومة الاسبان فاخذ وضع الناس يزداد سوءا بسبب حصار الاسبان لهم والحكام يعيشون عيشة ترف غير ملتفتين لخطر الاسبان وازداد تفسخم والمنافسة فيما بينهم على الحكم الى ان قام العوام بالثورة البيضاء والتفوا حول رجل اسمه بزمط عينوه اميرا وايده الفقراء والمهمشون والارقاء واخذ نفوذه يزداد في الجنوب مما ازعج الامير عبد الله الصغير الذي اضطر اما لتقاسم الحكم معه او اخراج موسى بن ابي الغسان من السجن فالشعب يحبه وهو القادر على ضبط الامور .
لاحظ موسى بن ابي الغسان بعد خروجه من السجن بانه ان ترك حركة بزمط على حالها فانها ستسبيح غرناطة بعد ان استفحلت في الجنوب فقرر ان يستعيد البزة العسكرية وشارة القائد الذي فقدها سابقا وبحسه العسكري طالب بسيفه المذهب وحصانه القديس الذي رباه مهرا صغيرا وتولى قيادة الجيش وتواصل مع بزمط مادا اليه يد السلام واخذ يستميل الناحية الجنوبية من غرناطة ويضيق الخناق على بزمط وجماعته فالقى القبض على ابنه وساومه على انهاء التمرد الذي قامت به حركته وعمل صفقة مع الحاكم زغل لتوحيد المملكة ليكون الزغل حاكما وهو اميرا للجيش وقام بزيارة للملك فرديناند حاملا مع مجموعة من الهدايا بقصد تلطيف الاجواء بينهما واثناء عودته هاجمه مجموعة من الملثمين قتلت عددا من رجاله فقاتلهم وقتل عددا منهم ولحق بقائدهم واصابه اصابة اسقطته عن حصانه ولحق به ونزل عن حصانه ليقاتله رجلا امام رجل فهو قائد شهم وهذه من شيمة الابطال ولما كشف عن لثامه فاذا به امراة وليس رجلا وتبين ان اسمها فكتوريا وهي ابنة اخ الملكة ايزابيلا حملها للقصر وعاملها معاملة حسنة وتأقلمت مع سكانه من نساء واميرات ووقعت في حبه كما انه هو احبها وتعلقا ببعض الا انها رحلت عنهم بعملية تبادل اسرى فجاءت مأسورة ورجعت بطلة ولو بقيت لاتهمت بالخيانة وجلبت لاهلها العار وبقي من اثارها خاتم اهدته لموسى كما هو اهداها شالا اخضر .
فرديناند وزوجته ايزابيلا يراقبان الوضع بشكل دقيق ويراقبان الخلافات بين الامراء العرب واساس هذا الخلاف ان زوجات السلطان الغالب ابو الحسن وهما الاميرة عائشة الحرة والاميرة ثريا تتنافسان فيما بينهما على ولاية العهد لابنائمها وبتأثير من الاميرة ثريا ضغطت على السلطان فاعتقل عائشة وولديها ونشبت على اثرها ثورة في غرناطة وانقسم الناس لقسمين قسم مؤيد للسلطان وثريا وقسم مؤيد لعائشة وولديها فر على اثرها ابو الحسن عند اخيه في مالقا ليجلس ابنه عبدالله الصغير وعمره 25 سنة مكانه وخرج بعد ذلك لمواجهة الاسبان وهزمهم في بعض المواقع واثناء عودته هاجموه وتم اسره ليصبح عمه زغل هو الحاكم .
فرديناند اقنع عبدالله الصغير بالصلح مستغلا صغر سنه وقلة خبرته فاطلق سراحه بعد ان وقع على معاهدة صلح لكن الاسبان نقضوا ما جاء في المعاهدة وضربوا الحصون الاسلامية بالمنجنيق والصخور النارية ليبدأ القائد موسى ابن ابي الغسان بمقاومتهم بكل بسالة وشجاعة .
ازدادت الفتن بين المسلمين وانقسمت غرناطة مرة اخرى قسم يحكمه عبدالله الصغير وقسم يحكمه عمه الزغل وهذا ما يريده فرديناند وايزابيلا فقاما بمهاجمة امارة الزغل وطلبوا من عبدالله الصغير الاستسلام وحاصروا غرناطة ومنعوا عنها كل انواع الامدادات من غذاء وذخائر والقائد موسى يدافع عنها بكل بسالة ليقال ان الدفاع عن غرناطة كان دفاعا مستميتا ويعد من امجد ما عرف في تاريخ المدن المحاصرة فضربوا اروع الامثلة في الدفاع والبسالة وكانوا يهاجمون الاسبان بالرغم من الحصار ويوقعون بهم فصمدت غرناطة بكل شجاعة لكن دخل فصل الشتاء واشتد البرد ونفذت المواد الغذائية والذخائر وامتد الحصار لاكثر من سبعة اشهر ليسود جو من اليأس فايقن الناس ان السقوط لا مفر منه وفي نفس الوقت يزداد تصميم القائد موسى بالدفاع والمقاومة ويرفض الاستسلام فهذه غرناطة هي درة العالم الا ان الحصار ازداد واشتد الجوع والمرض فاقر الملأ بالتسليم وبدأت المفاوضات مع الاسبان لتوقيع معاهدة الاستسلام وقع عليها الامير عبدالله الصغير وقام بتسليم مفاتيح غرناطة وهو باكيا لفرديناند لتقول له امه ابك مثل النساء فلم تحافظ على ملكك مثل الرجال وكان ذلك سنة 1492 م .
اما القائد موسى فركب حصانه وحمل سيفه وصمم على المقاومة ليلتقي مع مجموعة من الفرسان عند نهر شانيل فهجم عليهم وقتل عددا منهم فتكالبوا عليه واصابوه بجراح سقط على اثرها عن ظهر حصانه فشاهدته فكتوريا واسرعت اليه لتمنعهم من قتله لكنها وصلت متأخرة حيث اصيب بضربة اخرى ليقفز في النهر ويغوص في اعماقة فاخرجوا جثته ورأت فكتوريا الخاتم في اصبعه واقسمت ان لا تعاشر رجلا بعده وبقيت متوشحة بالشال الاخضر الى ان ماتت .
اما حصانه الوفي فبقي واقفا مكانه وامتنع عن الاكل والشرب الا ان مات .
وقدم الاسبان ووضعوا الصليب على قصر الحمراء وبدأ عهدا جديدا لاسبانيا لتصبح اقوى دولة في العالم والتي ستسيطر على ما وراء البحار وتهيء العالم لاسدال الستار على عصر القرون الوسطى والدخول في العصر الحديث .
الاسبان نقضوا كل بنود المعاهدة التي وقعوا عليها وبدأوا كل انواع المضايقات ضد المسلمين من قتل وتهجير وحرق بيوتهم وكتبهم واغتصاب نسائهم مما اضطر اعدادا كبيرة منهم للهجرة الى بلاد المغرب حاملين معهم مفاتيح بيوتهم على امل العودة , اما من بقي في البلاد فاطلق عليهم اسم المورسكيين وتم تعميدهم وتعرضوا لاشد انواع المضايقات واجبروا على تغيير ديانتهم مما اضطر الكثير منهم للهجرة .
رجع موسى النابلسي الى نابلس وبدأت الانتفاضة وانخرط في صفوفها وجاءت جيسيكا لزيارة فلسطين واقامت في بيت ساحور وقابلها موسى هناك ووعدته بزيارة نابلس في حال حصولها على تصريح بذلك .
انضم موسى مع شباب المقاومة في البلدة القديمة في نابلس وبدأت المناوشات مع جيش الاحتلال وقام الجيش بتطويق البلدة من جميع جهاتها وبدأت المواجهات العنيفة وسقط عدد من الشهداء والجرحى الى ان نفذت ذخيرة المقاومين ليقرروا الاستسلام بينما موسى يرفض ذلك ويصمم على المقاومة ليكرر تجربة موسى ابن ابي الغسان واصيب بجراح عميقة اوقعته ارضا واطلق الرصاص على راسه بدلا من وقوعه بالاسر حضر الناس والطواقم الطبية لاسعاف الجرحى ونقل الشهداء وحضر بعض المتطوعين الاجانب لمكان الحادث فسمعت ضرخة قوية من احدى المتطوعات فكر البعض انها زوجة الشهيد فقالوا انها امريكية وقال البعض انها فرنسية او ايطالية ولم يقل احد انها غرناطية .

وقالت مريم غسّان المصري:
إن التفاعل مع الخطاب الروائي يتطلب وجود عنصرين أساسيين لا غنى عنهما، وهما: القارئ والنص المقروء. والنص الروائي لا يُعدّ مجرد حكاية تُروى؛ بل هو نسيج مترابط من مكونات داخلية وخارجية، يتشكل عبر عناصر فنية وأسلوبية، وأخرى تُعرف بـ (العتبات النصية) التي ترافق الخطاب الروائي، مثل: العنوان، والغلاف، والتقديم، وكل ما يسبق المتن السردي من إشارات تمهيدية ودلالية. ومن هنا، فإن فهم الرواية لا يتم فقط من خلال التفاعل مع متنها؛ بل من خلال قراءة العتبات التي تشكل بوابات الدخول إلى عالم الرواية، وتمنح القارئ مفاتيح أولية لتأويل مضمونها.
وإذا أخذنا رواية "عودة الموريسكي" نموذجًا الصادرة عن مركز أوغاريت، رام الله، عام 2010م، نلحظ كيف جاءت العتبات النصية لتؤدي دورًا حاسمًا في تشكيل التوقعات القرائية؛ فالعنوان يحمل دلالة تاريخية وثقافية عميقة، تشير إلى الماضي الأندلسي المقهور، وتحفّز القارئ على التساؤل حول أبعاد هذه "العودة": هل هي عودة هوية؟ أم عودة سردية؟ أما الغلاف، فقد صُمّم بطريقة تستثير البصر وتوحي بمناخ الرواية، مما يجعل منه عتبة بصرية ذات دلالة مزدوجة، جمالية ووظيفية.
وعند التفاعل مع السرد الروائي، لا بد من أن تكون هناك علاقة تبادلية بين القارئ والنص؛ إذ يطرح القارئ أسئلته، ويأتي النص ليقدّم أجوبته عبر رموزه ودواله. وهذا التفاعل العميق لا يتم إلا عبر وعي ثقافي وتأويلي يمتلكه القارئ، يمكنه من الحفر في طبقات المعنى والكشف عن العلاقات الكامنة بين العتبات والمتن.
أولًا: التحليل اللغوي والتركيبي والدلالي للعنوان:
يتكون العنوان من كلمتين، هما: "عودة"، وهي مصدر يدل على الرجوع إلى شيء سابق، فالكلمة مشحونة بالحنين والرفض للانقطاع، وتحمل في طياتها توقًا للهوية، وللوطن، وللذات، أما "الموريسكي"، فهو اسم يُطلق على المسلمين الذين أُجبروا على التنصّر في إسبانيا بعد سقوط الأندلس في القرن الخامس عشر، وتعرضوا لاحقًا للطرد، أو الاضطهاد الشديد، بالإضافة إلى تركييب لاحق يتبعها يتكون من جار ومجرور، ومضاف ومضاف إليه، ما يعطي شعورًا بالتماسك والدلالة التخصيصية. ليست أي "عودة"؛ بل "عودة الموريسكي" تحديدًا، فيحصر الفعل في شخصية تاريخية لها حمولة ثقافية، وسياسية عميقة تتمثل في تركيب "شبه الجملة" من تنهداته، ما يعطي جرسًا حسيًا عميقًا يشير إلى الألم والمعاناة من حدث غير متوقع أو شبه مستحيل، وهو عودة الموريسكي، أي عودة المهزوم والمطرود، لا بمعنى مادي فقط؛ بل عودة الذاكرة، والهوية، والروح المطموسة.
إن "العودة" هنا ليست مجرد حركة مادية من مكان إلى آخر؛ بل رمز للتمرد على التاريخ الرسمي؛ لاستعادة الكرامة الثقافية والدينية، ومقاومة النسيان القسري، ورفض الانصهار في ثقافة المنتصر، أما "الموريسكي"، فهو أكثر من فئة تاريخية؛ بل أصبح رمزًا للإنسان العربي/المسلم المنفي أو المقصي، سواء في الماضي (في الأندلس)، أو في الحاضر (في فلسطين أو الشتات).
فالعنوان يُفكّك الحدود بين الماضي والحاضر، ويُعيد تشكيل الشخصية المقهورة كفاعل تاريخي قادر على العودة – ولو رمزيًا – ليستعيد ما سُلب منه".
و"عودة الموريسكي" في العنوان هي دعوة للمساءلة في هل يستطيع من تمّ طرده من التاريخ أن يعود؟ وهل يمكن لذاكرة جمعية أُريد لها أن تُمحى، وأن تنهض من رمادها؟
بهذا، يصبح العنوان حمّال دلالات تحررية، ووجدانية، ومعرفية، تتقاطع مع قضايا الاستعمار والتهجير وطمس الهوية.
والعودة تفترض غيابًا طويلًا، مما يمنح العنوان طابعًا زمنيًا يمتد من الماضي إلى الحاضر وربما يتطلع إلى المستقبل، وهنا تبرز دلالة الاستمرارية والربط بين التاريخ والآن.
وعليه فالعنوان "عودة الموريسكي من تنهداته" ليس مجرد وصف لحالة؛ بل هو إعلان سردي وموقف فلسفي. يُمهّد الطريق لرواية تبحث عن العدالة الرمزية، وتعيد طرح سؤال: من نحن حين نُجبر على أن نكون غيرنا؟ إنه عنوان موجز لحكاية شعب، وثورة ذاكرة، وانبعاث هوية.
ثانيًا: تحليل الغلاف.
يمثل غلاف رواية "عودة الموريسكي" مرآة بصرية مكثفة لثيمات الهوية المفقودة، والحنين الممزق، والانتماء المنقوص، حيث نرى في منتصفه صورة لوجه رجل يظهر نصفه فقط، في مشهد تتقاطع فيه الظلال مع النور، وتنطوي فيه المساحات الداكنة على قدر هائل من الرمزية، وهذه الصورة لا تقتصر على التعبير عن هوية فردية؛ بل تتجاوز ذلك إلى تمثيل جماعي لأمةٍ منسية ومقهورة: الموريسكيون، وأحفاد المسلمين الذين طُردوا من الأندلس، أو أُجبروا على التنصّر بعد سقوطها. إن وجود الوجه بشكل جزئي يوحي بانكسار الذات وتشتتها بين زمنين ومكانين، بين ماضٍ مجيد وواقعٍ منسلخ عن الجذور، كما أن العتمة التي تحيط بالصورة تكرّس الإحساس بالاختفاء القسري والطمس الثقافي، في حين أن الخط العربي المستخدم في كتابة العنوان يلمّح إلى جذور الشخصية وارتباطها العميق بالهوية الإسلامية التي تحاول العودة منها أو إليها، ما يكرّس عنوان الرواية نفسه باعتباره رسالة استعادة لما تمّ سلبه. ويبدو أن الغلاف يعبّر عن صراع داخلي حاد لا يخلو من الألم والتأمل في آن، فالرجل الذي يتوارى خلف الظلال لا ينظر مباشرة إلى المتلقي؛ بل يبدو كأنه غارق في ذاكرته، محاولًا استرجاع ماضٍ دُفن قسرًا. كما تحمل الخلفية القاتمة بدلالاتها اللونية رمزية تاريخية لحالة القهر والاستلاب التي عاشها الموريسكيون، حيث تحل الألوان الداكنة محل الضوء، في تأكيد على المعاناة والتغييب؛ لكنها في الوقت ذاته توحي بأن عودة الهوية ممكنة من عمق الظلام، وهو ما يتقاطع مع مسار الرواية الذي يسرد رحلة الإنسان في استعادة ذاته وتاريخه، مهما بدا ذلك مستحيلًا.
أما عن الغلاف الخلفي لصورة الغلاف؛ إذ يبرز السرد الآتي من الرواية نفسها: "سألته مَن أنت؟ فأجاب: الحبّ شهوة الأرواح، والعشق مَهْوة الأجساد. وأفضل ما يكونان عندما يُصبحان نغمة واحدة. هناك له كينونته، فذلك أجمل محفل، وقال لي: أبحث عني... وأشار إليه. وكان حفل حضوره محفل غيابه، وقال: إنْ أردتني، فلتبحثي عني هناك، حيث لا أحد، حيث لا يقين، حيث يمكن للعدم أن يُكمل المعنى. هنالك فقط أنا والعالم، ككائنين مفترقين بلا أمرٍ مسبق، يتناميان من وهمهما ويغادران العالم."
إن الحديث هنا يعكس جدلية فلسفية بين الحضور والغياب، وهي فكرة محورية في الرواية، حيث إن الموريسكي – بوصفه شخصية تاريخية منفية – حاضر في الذاكرة وغائب عن الجغرافيا، وحاضر في الوجدان وغائب عن الحاضر السياسي، والعبارة "حفل حضوره محفل غيابه" تعكس بذكاء عمق هذه الازدواجية، أما العبارة "ابحث عني... وأشار إليه" تفتح المجال لتأويل الرواية باعتبارها رحلة داخلية نحو الذات، نحو الهوية المسلوبة أو المموهة، وهي رحلة كل موريسكي فقد اسمه، لغته، وديانته، وأُجبر على أن يعيش حياة مزدوجة، وهذا يتقاطع تمامًا مع مضمون الرواية التي تسلط الضوء على صراع الهوية والانتماء والبحث عن الجذور في عالم يحاول اقتلاعها، بالإضافة إلى أن فكرة "حيث لا أحد، حيث لا يقين، حيث يمكن للعدم أن يُكمل المعنى" تتجاوز الإطار السردي التقليدي، لتدخلنا في فضاء صوفي وجودي، وكأن الرواية تقول إننا لا نجد الحقيقة في الامتلاء؛ بل في النقص، وفي التوق، وفي الأسئلة لا الأجوبة.
فالرواية لا تسرد فقط قصة تاريخية عن الموريسكيين؛ بل تستخدم التاريخ كمرآة لفهم واقع معاصر مليء بالتشظي والانفصال، سواء كان ذلك في فلسطين أو في أي سياق منفي، وعودة الموريسكي هنا ليست عودة جسدية؛ بل عودة من "تنهداته"، من آلامه، من ذاكرته، من لاوعيه الجمعي، من مكان غير مرئي؛ ولكنه عميق التأثير.
وعليه، فالخطاب المكتوب على الغلاف يحمل نبرة شاعرية تأملية تتناغم مع الأسلوب السردي للعمل، الذي غالبًا ما يستخدم لغة حُلمية، وتأملية، ورمزية، أكثر من كونها تقريرية، والغلاف – بهذا التركيب البصري والرمزي – لا يُقدِّم مجرد صورة ترويجية للرواية؛ بل يعمل كمدخل تأويلي يُمهّد للقارئ ما هو آتٍ في النص السردي من توترات ثقافية وتاريخية، ومن هنا فإن كل عنصر في الغلاف، من اللون إلى الصورة إلى الخط، يؤدي وظيفة دلالية تصب في جوهر الرواية، ليغدو الغلاف خطابًا بصريًا قائمًا بذاته، يوازي الخطاب السردي؛ بل ويتواطأ معه ليُنتج تأملًا في معنى الهوية، والمحو، والعودة الرمزية إلى الذات الأصلية.
ثالثًا: ربط الغلاف مع المضمون.
يعكس غلاف رواية "عودة الموريسكي من تنهداته" بعمق التوترات التي تُشكل جوهر النص السردي للروائي "عدوان عدوان"، حيث تمثل الصورة المركزية – لوجه رجل يظهر نصفه فقط وسط ظلال داكنة – البعد الوجودي الذي يعيشه البطل، وهو الموريسكي العائد، الذي يمثل فئة تاريخية مُجبرة على الانفصال عن هويتها الدينية والثقافية. فالوجه المجتزأ يعبّر عن التمزق النفسي والاغتراب الذي عاشه الموريسكيون بين الإسلام الذي انتموا إليه والمسيحية التي فُرضت عليهم قسرًا، وبين الوطن الذي طُردوا منه والمهجر الذي لم يمنحهم الأمان. هذه الدلالات البصرية تتقاطع مع رحلة البطل داخل الرواية، حيث يبدأ بحثًا شاقًا عن الذات والحق والحقيقة، ضمن إطار درامي مشحون بالتاريخ والمعاناة. أما الظلال في الغلاف، فهي ليست مجرد اختيار جمالي؛ بل تمثل عبء الماضي الثقيل، وطمس الهوية، والتغييب الذي مارسته قوى القمع في أوروبا ما بعد سقوط الأندلس. وتأتي الألوان القاتمة لتعزز الإحساس بالكآبة والحنين والضياع، وهو الإحساس الذي يتردد صداه في السرد من خلال العودة الرمزية التي يسعى إليها البطل. ولعل الخط العربي المستخدم في العنوان يؤكد البعد الحضاري الإسلامي الذي تشبث به الموريسكي في ظل محاولات المسخ والتشويه، كما يربط القارئ من اللحظة الأولى بعالم الرواية الثقافي والفكري. وبهذا، يصبح الغلاف مدخلًا بصريًا دقيقًا لما ينتظره القارئ داخل الرواية من صراع داخلي عميق بين الانتماء والمحو، بين الجذور والارتحال، بين "العودة" التي تحمل في طيّاتها معنى النجاة، والانتماء، والانبعاث من جديد.
يمكننا القول، إن بوابات المعنى للرواية تهمس للقارئ بما لا يمكن أن يُقال داخل الرواية صراحة؛ فهو ثالوث نصي لخطاب ذاتي عميق، يفتح للمتلقي باب التأمل الوجودي، ويهيئه لتلقي نص لا يحكي فقط عن الماضي؛ بل عن كل حاضر مهدد بالنسيان والاقتلاع.



#ديمة_جمعة_السمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية -بين جنّتين- للكاتب سرمد التّايه في اليوم السابع
- -الخرّوبة- سرديّة الكرامة والصّمود في وجه الغياب والاقتلاع.
- رواية -الخروبة- للكاتب رشيد النجاب في اليوم الساتبع
- رواية - عين التينة- للروائي صافي صافي في اليوم السّابع
- رواية - عناق على حاجز إيريز- للكاتبة رولا خالد غانم على طاول ...
- رواية -لعبة الزمن- للكاتبة نزهة أبو غوش في اليوم السابع
- رواية -حسناء فارس- للأديبة د. روز اليوسف شعبان في اليوم السا ...
- رواية - لا تقربيه ولو كان آخر رجال العالم- في اليوم السابع
- (حمروش) في اليوم السابع للأديب جميل السلحوت
- -الوسادة االعجيبة- للكاتبة حنان جبيلي عابد في اليوم السابع
- -حمروش-: صرخة في وجه الخرافة ودعوة لتحرير العقول. “
- حين تصبح الذاكرة وطناً: قراءة في منزل الذكريات للأديب محمود ...
- - ولع السباحة في عين الأسد- في اليوم السابع
- قصة - أرفض تسميتي معاقا- للكاتبة عابدة خطيب في اليوم السابع
- رواية - تراتيل في سفر روزانا- في اليوم السابع
- رواية -ذاكرة في الحجر- لكوثر الزين في اليوم السابع
- ثورة أدبيّة تُصَدِّع الجدران.. تكشف المستور..تضيء عتمة المكا ...
- قصة- حزمة نور-لنبيهة جبارين في ندوة اليوم السابع
- ديوان -ما زال في العمر بقية-في ندوة اليوم السابع
- رواية -في قلبي...-في ندوة اليوم السابع


المزيد.....




- السطوة الناعمة لهوليود.. كيف غيّرت أميركا شكل السينما العالم ...
- محللون إسرائيليون: نخسر معركة الرواية في كارثة الجوع بغزة
- -أشبه بأفلام التجسس-.. كيف وصلت طائرات بوينغ إلى إيران رغم ا ...
- صدر حديثا : صور من ذاكرة قروية للأديب والباحث مسعود غنايم
- -كل ما نريده هو السلام-.. مجتمع مسالم وسط صراع أمهرة في إثيو ...
- -ميغان 2- دمية القرن الجديد التي أعادت تعريف رعب الدمى في ال ...
- هل يحب أولادك أفلام الرعب؟ أعمال مخيفة مناسبة للأطفال
- -وحشتوني يا أهل الأردن-.. أحلام تشوق جمهورها لحفلها في مهرجا ...
- مايا ويند: هكذا تتواطأ الجامعات الإسرائيلية مع نظام الفصل ال ...
- منع فرقة -كنيكاب- الأيرلندية من المشاركة في مهرجان -سيجيت-.. ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ديمة جمعة السمان - “رواية عودة الموريسكي من تنهداته- للكاتب عدوان نمر عدوان في اليوم السابع