أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - قاسم كريم - من السقيفة الى ولاية الفقيه: رحلة الخلافة الإسلامية بين التاريخ والأسطورة














المزيد.....

من السقيفة الى ولاية الفقيه: رحلة الخلافة الإسلامية بين التاريخ والأسطورة


قاسم كريم

الحوار المتمدن-العدد: 8413 - 2025 / 7 / 24 - 15:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


منذ اللحظة التي أغمض فيها النبي محمد ﷺ عينيه في المدينة، بدأت الأمة الإسلامية تواجه سؤالًا محوريًا لم ينتهِ حتى يومنا هذا: من يحكم باسم الدين؟ وإذا كان الدين خالصًا لله، فهل الأرض خالصة لمن؟ ومنذ أول بيعة لأبي بكر الصديق وحتى إعلان ولاية الفقيه في طهران، ظل مفهوم "الخلافة" يتأرجح بين الفقه والسياسة، بين الحلم والواقع، وبين السيف والمصحف.
في سنواتها الأولى، كانت الخلافة الإسلامية أشبه بورشة سياسية مفتوحة على التجربة والمبايعة والشورى. لكن مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه غيّر قواعد اللعبة. انقسم الصحابة بين من يطالب بالقصاص ومن يفضّل تهدئة النفوس. وجاء الإمام علي بن أبي طالب، آخر الخلفاء الراشدين، ليحكم أمة تشققت من داخلها، ويحاول جمعها بسيف مبلّل بالحكمة. ورغم محاولاته، اصطدمت إرادته بفتن معقدة: معركة الجمل، ثم صفّين، ثم النهروان، وفي النهاية اغتياله على يد أحد الخوارج أنهى مرحلة من التاريخ الإسلامي لم تتكرر بعدها.
ما أعقب ذلك كان صلحًا تاريخيًا بين الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان، تنازل فيه الأول عن الخلافة حقنًا للدماء، وكرّس فيه الثاني مفهوم الحكم المركزي الوراثي، حين أورث ابنه يزيد منصب الخلافة. هكذا، لم تكن "الخلافة الراشدة" نظامًا مؤبدًا، بل فكرة سياسية انتهت بانتهاء زمنها. أما ما تبقى بعدها، فكان ملكًا عضوضًا، حكمًا باسم الخلافة لا جوهرها.
في بغداد، وُلد العباسيون من رحم المعارضة، لكنهم تحوّلوا إلى قوة مركزية ثم إلى رمز باهت، حتى جاءت لحظة المغول سنة 1258م، وأغرقوا دجلة بالحبر والدم. حاول المماليك في القاهرة لاحقًا إنقاذ ما تبقى، وأعادوا الخلافة بصيغة رمزية، لا تتجاوز الخطبة والمنبر والمواكب. ثم جاء العثمانيون، فدمجوا السلطنة بالخلافة، وورّثوها كما تُورّث التاج. لم يكن الخليفة في إسطنبول إلا سلطانًا يحمل لقبًا شرعيًا لا سلطات مستقلة له.
لكن في عام 1924، أطلق مصطفى كمال أتاتورك رصاصة الرحمة على الخلافة العثمانية، معلنًا فصل الدين عن الدولة، في لحظة مفصلية ولّدت فراغًا وجوديًا لدى كثير من المسلمين. هنا بدأ السؤال يعود من جديد: هل يمكن أن توجد دولة إسلامية في القرن العشرين؟ وهل الخلافة ضرورة دينية أم وهمٌ تاريخي؟
ظهرت حينها حركات كالإخوان المسلمين التي رأت أن الإسلام لا ينفصل عن الحكم، وسعت لإحياء دولة إسلامية عبر الدعوة ثم السياسة. أما حزب التحرير، فحلم بخلافة عالمية لا وطن لها. في المقابل، تبنّت حركات معتدلة مثل النهضة والعدالة والتنمية فكرة الدولة ذات الهوية الإسلامية ضمن حدود الديمقراطية. ومع كل هذه المحاولات، ظل النموذج غائبًا.
ثم حدث ما لم يكن في الحسبان: الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979م. نجح الإمام الخميني في الإطاحة بالشاه، وأعلن قيام نظام حكم ديني شيعي يرتكز إلى ولاية الفقيه، في تجربة بديلة تمامًا عن الخلافة السنية الكلاسيكية. لم تُعلن "خلافة"، لكنها كانت نوعًا جديدًا من الدولة الدينية. أصبحت إيران مركزًا جديدًا لنشر الإسلام السياسي الشيعي، مؤثرة في العراق ولبنان واليمن، ومحط إعجاب ورفض في آنٍ واحد من الحركات الإسلامية السنية.
البعض رأى في إيران نموذجًا ثوريًا ناجحًا، والبعض الآخر رأى فيها خروجًا عن الإسلام الصحيح. أما الحركات الجهادية كداعش، فرفضت التجربة ونادت بالخلافة على طريقتها، ساعية بالقوة والدم إلى إعادة مجد مضى، لكنها اصطدمت برفض شعبي وعلمي شديد، وظل حلمها مدفونًا في ركام الجغرافيا.
اليوم، يقف المسلم أمام سؤال مركّب: هل نحتاج إلى خلافة؟ أم دولة عادلة؟ وهل يمكن أن تكون الديمقراطية بنكهة إسلامية؟ وما معنى "الدولة الإسلامية" إن لم تكن تُطبّق إلا بالموت والحديد؟
في نهاية الأمر، يتبيّن أن الخلافة لم تكن شكلًا واحدًا، بل كانت فكرة تتشكل حسب التاريخ، وأن الدولة الإسلامية ليست معادلة جاهزة، بل مشروع فكري وسياسي يحتاج إلى مراجعة عميقة. فربما لا نحتاج إلى خلافة تعيد إنتاج التاريخ، بل إلى رؤية جديدة تستلهم القيم دون أن تتقيد بالنماذج المنقضية.
الخلافة ليست راية تُرفع، ولا منصبًا يُورّث، بل هي فكرة تحتاج إلى بعث... لكن بعثًا واعيًا، لا أسطوريًا.

المصادر
• الطبري. تاريخ الأمم والملوك. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. القاهرة: دار المعارف،.
• ابن كثير. البداية والنهاية. بيروت: دار الفكر، بدون تاريخ.
• الذهبي. سير أعلام النبلاء. بيروت: مؤسسة الرسال.
• ابن الأثير. الكامل في التاريخ. بيروت: دار الكتب العلمي.
• عبد الرازق، علي. الإسلام وأصول الحكم. القاهرة: دار الهلال، 1925.
• المودودي، أبو الأعلى. نظام الإسلام. الرياض: دار القلم،.
• قطب، سيد. معالم في الطريق. القاهرة: دار الشروق،.
• حلاق، وائل. الدولة المستحيلة: الإسلام، السياسة، الحداثة. الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013.
• عمارة، محمد. الإسلام والسياسة: رد على شبهات العلمانيين. القاهرة: دار الشروق
• البنا، حسن. رسائل الإمام الشهيد. القاهرة: دار الدعوة.
• النبهاني، تقي الدين. نظام الإسلام. منشورات حزب التحرير،.
• العروي، عبد الله. مفهوم الدولة. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي.
• بيات، آصف. ما بعد الإسلاموية: الأوجه المتغيرة للإسلام السياسي. ترجمة: عمرو عثمان. بيروت: دار جداول،.
• لويس، برنارد. أزمة الإسلام والحداثة. بيروت: دار الكتاب العربي،



#قاسم_كريم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من السقيفة الى ولاية الفقيه: رحلة الخلافة الإسلامية بين التا ...


المزيد.....




- الجهاد الاسلامي: تصريحات ويتكوف تعكس نوايا مبيتة لاستمرار ال ...
- أحمد هارون: الحركة الإسلامية في السودان قد تعود إلى السلطة
- -دعوة عاجلة-.. إيهود باراك يقول إن إسرائيل -تنهار- ويدعو للع ...
- الاحتلال يعتقل مفتي القدس من داخل المسجد الأقصى
- الاحتلال يعتقل مفتي القدس من المسجد الأقصى
- إيهود باراك: إسرائيل تنهار والعصيان المدني هو الحل
- الرئيس تبون يلتقي بالبابا ليون 14 بالفاتيكان ويمنحه غصنا من ...
- حفلة ختان يهودية في الإمارات والسفير الإسرائيلي معلقًا: من ا ...
- الكشف عن جدارية تصور المسيح وهو يشفي المرضى في مصر
- وزير إسرائيلي: نتجه إلى محو غزة وستكون كلها يهودية


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - قاسم كريم - من السقيفة الى ولاية الفقيه: رحلة الخلافة الإسلامية بين التاريخ والأسطورة