أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جهاد حمدان - الاستيطان الصهيوني يتمدد إلى الأغوار















المزيد.....

الاستيطان الصهيوني يتمدد إلى الأغوار


جهاد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 20:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، لم يكن هناك ما يشير إلى أنّ الكيان الصهيوني سيتوقف عن توسيع مشروعه الاستيطاني في الضفة الغربية. فالاتفاق الذي قُدِّم للشعب الفلسطيني كخطوة نحو "السلام" لم يتضمّن نصاً صريحاً يُلزم الاحتلال بتجميد الاستيطان أو وقفه، بل تجاهل هذه القضية تماماً، ما فتح الباب أمام تل أبيب لاستغلال "المرحلة الانتقالية"، التي كان يفترض أنْ تستمر خمس سنوات وتنتهي بإقامة دولة فلسطينية، بوصفها فرصة ذهبية لفرض أمر واقع على الأرض. لقد استُخدمت تلك المرحلة كغطاء زمني لمصادرة مزيد من الأراضي، وتوسيع المستوطنات القائمة، وبناء بؤر استيطانية جديدة، وترسيخ وقائع ميدانية تُفرّغ مفهوم "الحل النهائي" من مضمونه، وتحوّل الخريطة الفلسطينية إلى رقع ممزقة محاطة بجدران وأسلاك.
المرحلة الانتقالية، كما حددها الاتفاق، كانت تبدأ بإنشاء السلطة الفلسطينية ونقل تدريجي لبعض الصلاحيات المدنية والأمنية، ثم تُستكمل بمفاوضات حول قضايا الوضع النهائي، مثل القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات. لكنّ هذه المرحلة لم تكن سوى فخ قانوني وسياسي، جرى فيه ترسيخ سيطرة الكيان الصهيوني بحجة "التفاوض"، وبدلاً من تقليص الاحتلال، جرى تمديده وتكثيفه، وتوسيع المستوطنات بشكل غير مسبوق، لا سيما في القدس الشرقية وغور الأردن. باختصار، لم يكن أوسلو اتفاقاً لإنهاء الاحتلال، بل إطاراً لإدارته وإدامته بشروط الصهاينة.

عند توقيع اتفاقيات أوسلو، كان عدد المستوطنين في الضفة الغربية لا يتجاوز 110 آلاف، موزعين على مستوطنات محدودة المساحة والنطاق. أما اليوم، في عام 2025، فقد تجاوز عدد المستوطنين حاجز 750 ألفاً، يعيشون في أكثر من 290 مستوطنة وبؤرة استيطانية، كثير منها لم يكن له وجود قبل 30 عاماً. هذا التحول لم يكن نتاج الزمن فقط، بل نتيجة مشروع ممنهج، تقوده حكومات يمينية متعاقبة، مدعومة بإجماع صهيوني على أنّ الضفة الغربية أرض توراتية لا يجوز التخلي عنها.
لكن الاستيطان ليس أرقاماً فقط، بل مساحات مسروقة وسيطرة على الموارد. فقد ارتفعت نسبة الأراضي التي يسيطر عليها الكيان الصهيوني بشكل مباشر إلى أكثر من 10% من الضفة، ناهيك عن منطقة "ج" التي تمثل نحو 60% من المساحة الكلية، وتمنع فيها السلطة الفلسطينية من ممارسة أي شكل من أشكال السيادة أو حتى الإدارة المدنية.
من بين كل مناطق الضفة الغربية، تبقى الأغوار الفلسطينية، على الحدود مع الأردن، واحدة من أخطر الجبهات الاستيطانية، وأكثرها وضوحاً في التعبير عن نوايا المشروع الصهيوني الاستراتيجي. فهذه المنطقة، التي تشكل نحو 30% من مساحة الضفة الغربية، ليست فقط سلة غذاء فلسطين، بل بوابة الضفة إلى العالم العربي أيضاً، وخط التماس المباشر مع الأردن.
منذ العام 2020، وضعت دولة الاحتلال الأغوار في صلب خطط الضم والإلحاق، بدءاً من تصريحات بنيامين نتنياهو التي أعلن فيها أنّ "الأغوار ستكون جزءاً لا يتجزأ من حدود إسرائيل"، وصولاً إلى ما تضمنته "صفقة القرن" من دعم أميركي لهذه الخطوة. غير أنّ التطورات الأخيرة كشفت تصعيداً غير مسبوق في هذا الاتجاه، تمثّل في مصادقة الحكومة في أيار 2025 على إقامة 22 مستوطنة جديدة، بينها ثلاث مستوطنات في منطقة الأغوار، تمهد لعملية ضم فعلية وصامتة لكامل المنطقة. وهذا كلّه يأتي في إطار ما أعلنه وزير المالية الصهيوني سموتريتش حول بسط الإدارة المدنية الصهيونية على الضفة الغربية في عام 2025 حيث قال: "لقد أصدرت تعليماتي إلى مديرية الاستيطان في وزارة الدفاع وإلى الإدارة المدنية للبدء في إعداد البنية التحتية اللازمة لبسط السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة".
إلى جانب الاستيطان المدني، تندفع المؤسسة العسكرية الصهيونية نحو عسكرة الأغوار تحت ذريعة "الأمن". فقد أُعلن عن إنشاء فرقة "جلعاد" العسكرية، وهي وحدة جديدة متخصصة بمهام التمشيط والرقابة في الأغوار، كما تم تخصيص موازنات لبناء جدار إلكتروني بطول 97 كيلومتراً يمتد على طول الحدود مع الأردن، بحجة منع "تهريب الأسلحة والمخدرات". أما في الواقع، فتتحدّث وسائل الإعلام الأردنية عن انتهاكات متزايدة للسيادة الوطنية، بما في ذلك عمليات تسلل متكررة لمسيرات تحمل مواد مخدرة، تُطلق من مناطق الاحتلال. وفي هذا السياق، لا يمكن النظر إلى ما يجري في الأغوار الفلسطينية بمعزل عن الأثر المباشر والعميق على الأردن، سياسياً وأمنياً وديموغرافياً. فالأغوار لا تشكّل فقط حدوداً طبيعية بين فلسطين والأردن، بل هي العمق الاستراتيجي الشرقي للضفة الغربية، وأيّ ضمٍ صهيوني لها يعني عملياً فصل الفلسطينيين عن حدودهم العربية وتحويل الأردن إلى المنفذ الوحيد الممكن لأيّ "حل سكاني" قسري مستقبلي، مكمّل لمخطط الترانسفير الصامت الذي بدأ منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967. وإنْ لم يُقابل هذا التمدد الاستيطاني بإرادة فلسطينية وأردنية موحدة، فستتضاعف المخاطر الجدّيّة لاختفاء الأغوار بل والضفة الغربية من الخريطة السياسية لأي دولة فلسطينية قابلة للحياة، وبقائها فقط في خرائط الاحتلال، ولكن بأسماء توراتية.
وعلى الرغم من هذا المشهد الكارثي، ظلّ موقف السلطة الفلسطينية محصوراً في بيانات الإدانة وبعض التحركات الخجولة على الأرض وفي المحافل الدولية، فيما استمرّت أجهزتها الأمنية في التنسيق مع الاحتلال، وإضعاف المقاومة الشعبية المحدودة ومطاردة الفصائل المسلحة ما وفرّ فرصاً لحكومات الكيان المتعاقبة لاغتصاب مزيد من الأراضي وزرعها بالمستوطنين المتوحشين الذين لا يكفّون عن مهاجمة القرى والبلدات الفلسطينية المجاورة.
على الصعيد الدولي، يُكتفى بالإدانات الشكلية. فالولايات المتحدة، وإنْ عارضت لفظياً بعض مشاريع الاستيطان، إلا أنها لم تتخذ ضدّها إجراءً رادعاً. أما الاتحاد الأوروبي، فظل يتحدث بلغة القانون من دون أنّ يفعل شيئاً مهماً لتطبيقه. لكنّ الأشهر الماضية شهدت تحولاً ملحوظاً في الموقف الأوروبي من الاستيطان الصهيوني تحت الضغوط الشعبية المؤيدة للشعب الفلسطيني في وجه الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري التي يتعرض لها في غزة وتزايد هجمات قطعان المستوطنين على المدنيين في القرى والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية.
ففي أيار/ مايو 2025، أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أنّ 17 دولة من دول الاتحاد قررت مراجعة اتفاقية الشراكة مع الكيان الصهيوني، خصوصاً فيما يتعلق بالتزامه بالفصل الثاني من الاتفاقية، الذي يشترط احترام حقوق الإنسان. وتُشير الخطوة إلى رغبة أوروبية متزايدة لفرض عقوبات مستهدفة، بما في ذلك النظر في إيقاف امتيازات تجارية لا تطال بشكل عام الاتفاقية، وإنما الجوانب ذات العلاقة بالاستيطان. وتبع ذلك حملات ضغط إعلامية ودبلوماسية غير مسبوقة، وصلت إلى حد التهديد بإنهاء المعاملة التجارية التفضيلية للكيان. كما أصدرت المفوضية الأوروبية توجيهات صارمة بشأن التوسيم الدقيق لمنتجات المستوطنات، تزامنت مع خطط من دول أوروبية، أبرزها إيرلندا، لتبني تشريعات تحظر استيراد أو توريد منتجات وبضائع من المستوطنات. وجاء هذا التوجه متوائماً مع رأي محكمة العدل الدولية الصادر في تموز/ يوليو 2024 الذي دعا الدول إلى تجنب أي تعامل اقتصادي مع المستوطنات، كما دعت منظمات حقوقية وأحزاب سياسية أوروبية إلى تشديد الإجراءات ضد الكيان الصهيوني شملت وقف الاستيراد وإيقاف المعاملات مع المستوطنين.
هذا التغيير ليس مجرّد تحوّل في اللغة، بل يعكس تقاطعات بين مواقف حكومية وقضائية ومجتمعية داخل الاتحاد الأوروبي. لكن، هذا التوافق المتزايد تعترضه عقبة كبرى تتمثل في عدم الإجماع الكامل داخل دول الاتحاد، فبينما أبدت دول مثل ألمانيا وفرنسا تردداً واضحاً، تواصل دول مثل إيرلندا وإسبانيا دعم سنّ تشريعات صارمة.
وبشكل عام، يتحرك الموقف الأوروبي حالياً من نبرة الإدانة إلى خطوات ملموسة قد تفرض كلفة اقتصادية على دولة الكيان في حال استمرّ الاستيطان على حاله، ما يمثل تحولاً استراتيجياً في أدوات الضغط الدولية تجاهه.
بالنسبة للأردن، تبدو الأمور أكثر خطورة، فالمشروع الصهيوني في الأغوار يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الأردني، سواء من حيث عسكرة الحدود، أو تسريب المخدرات، أو التحريض الضمني على فكرة "الوطن البديل". وعلى الرغم من كل هذه المحاذير ما زال الرد الرسمي الأردني ضمن الحدود الدبلوماسية، ودون أنْ يصاحبها أي إجراءات ملموسة لمواجهته.
في ظل هذا الواقع، لا بد من العمل الجاد لإفشال هذا المشروع الاستيطاني. أولاً، إعادة النظر في اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة باتجاه إلغائهما، فهما اللتان منحتا الاحتلال الوقت والشرعية الزائفة لينفذ مخططاته. ثانياً، تفعيل المقاومة الشعبية بكل أشكالها داخل الضفة الغربية، وترسيخ الصمود الفلسطيني في الأغوار. ثالثاً، دعم الجهد القانوني والسياسي الدولي ضد الاستيطان. وأخيراً، فإنّ الرهان الحقيقي يبقى على وعي الناس، وارتباطهم بأرضهم، وقدرتهم على إفشال الطرد والضم عبر البقاء والمواجهة اليومية. فالاستيطان ليس قدراً، ويمكن إسقاطه كما أُسقطت مشاريع استعمارية من قبله، شريطة أنْ تتوافر الوحدة الوطنية الفلسطينية والإرادة السياسية، والتنسيق الكامل بين فلسطين والأردن والقوى الدولية المعارضة للاستيطان.



#جهاد_حمدان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستيطان الصهيوني يتمدد إلى الأغوار


المزيد.....




- دبابات إسرائيلية تتوغل في دير البلح لأول مرة منذ بدء حرب غزة ...
- بينهم شارون وسنو وايت و-الجميلة النائمة-.. من هم الأطول غياب ...
- بيان مشترك لبريطانيا و24 دولة أخرى يطالب بإنهاء حرب غزة -فور ...
- راشفورد يدخل تاريخ برشلونة: ثاني إنجليزي خلال 100 عام
- كاميرات ذكية وعزلة مطلقة وصور لدمار غزة.. هكذا تحتجز إسرائيل ...
- وثائق مسرّبة وصفقات غامضة: -قطرغيت- تطارد مستشار نتنياهو في ...
- وزير الخارجية الفرنسي: مبادرة سفينة -حنظلة- المتجهة إلى غزة ...
- لحظات رعب بالجو.. النيران تشتعل في طائرة أثناء إقلاعها بلوس ...
- في مسلسل -لا رحمة لأحد- الكاميرا حاولت منع البطل من قتل خصوم ...
- فرنسا توافق على إعادة طبل ملكي إيفواري نهب قبل 100 عام


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جهاد حمدان - الاستيطان الصهيوني يتمدد إلى الأغوار