أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عدي الراضي - الشباب المغربي وسؤال القدوة : حين تخصب التفاهة وتجف القيم.














المزيد.....

الشباب المغربي وسؤال القدوة : حين تخصب التفاهة وتجف القيم.


عدي الراضي
باحث في التاريخ والتراث.

([email protected])


الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 04:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الشباب المغربي وسؤال القدوة: حين تُخصب التفاهة وتَجفّ القيم
عدي الراضي – كاتب وباحث في التاريخ والتراث

في زمن التحولات المتسارعة وضجيج المحتوى الرقمي، يعيش الشباب المغربي على إيقاع أزمة رمزية عميقة: اختلال في نماذج التماهي، وتشويش في مفهوم النجاح، وتراجع حاد في حضور القدوة الحقة داخل الفضاء العام. فبينما تُروَّج وجوه التفاهة على أنها علامات للتميز والانتشار، يتم تغييب رموز معرفية ووطنية تركت بصمات لا تمحى في الذاكرة الجماعية.

المشكلة، بكل وضوح، ليست في غياب القدوة المغربية، بل في تغييبها. فالتاريخ المغربي لم يبخل علينا برجال شكّلوا منارات في السياسة والعلم والمقاومة والفكر. من يوسف بن تاشفين، المؤسس الصلب لدولة المرابطين، الذي جمع بين الورع والحنكة، إلى ابن خلدون، واضع أسس علم الاجتماع الذي بلور نظريته في المجال المغاربي، إلى محمد بن عبد الكريم الخطابي، رمز التحرر ومُلهم حركات المقاومة في العالم، وموحى وحمو الزياني، قائد ملحمة الهري، الذي جسّد الشجاعة والكرامة، وصولًا إلى العصر الحديث مع علماء مغاربة مثل إدريس اليزمي، مخترع بطاريات الليثيوم.

كل هؤلاء ليسوا مجرد أسماء في كتب التاريخ، بل مشاريع رمزية مهملة، في وقت تُصنع فيه "القدوة" من فراغ، وتُسوَّق بناءً على عدد المتابعين وليس من عمق الرسالة التي يحملها.

المفارقة الصادمة أن الفضاء العمومي المغربي، بما فيه الإعلام الرسمي، يتواطأ مع هذا الخلل، إما بالصمت أو بالترويج، في مشهد يُنتج جيلاً يرى في التباهي والاستهلاك رموزًا للنجاح، ويتعامل مع المعرفة والمسؤولية كأنها عبء من الماضي.

من منظور نفسي وتربوي، التماهي مع القدوة هو عملية تأسيسية في تشكّل الهوية. فإذا افتقد الشاب نموذجًا نافعًا، تاه في تقليد الأوهام. وإذا عُرضت عليه قدوة مشحونة بالقيم والمعرفة، بُنيت لديه شخصية مستقلة ومبادِرة. وهنا يكمن جوهر الإشكال: القدوة اليوم ليست غائبة، بل مخفية خلف ستار من "المحتوى" السطحي.

المطلوب ليس فقط الحنين إلى النماذج العظيمة، بل إعادة تفعيلها داخل الذاكرة المعاصرة: في المناهج، في الإعلام، في المنابر الثقافية. المدرسة لم تعد تصنع الرمزية، والأسرة تراجعت أمام زحف الشاشات، والدولة ما زالت تتردد في الجواب عن سؤالها الجوهري: أي جيل نريد؟

إن من يُشيد بنجوم "الترند" ويتجاهل أعلام المعرفة والمقاومة، لا يبني مجتمعًا بل يهيئ لانهيار قيمي ناعم. لذلك، لا بد من مشروع بديل: إعلام يقدّم المعنى لا الإثارة، تعليم يُعلي من قيمة الإنسان لا من معدّله، مؤسسات تحتفي بمن يزرع في الناس الوعي لا الوهم. مشروع يُعيد تشكيل الاهتمام الثقافي والنظرة التربوية، ويعيد الاعتبار للقيمة والجهد والمعرفة في زمن تتزاحم فيه الأصوات الفارغة كصوت الريح في البراميل الفارغة ؛ وتفتقر فيه الرؤى.

فالقدوة الحقيقية ليست تلك التي تحظى بأضواء الكاميرات، بل التي تنير طريقًا في الظل. ليست من تملأ الضجيج، بل من تملأ الذاكرة بالأثر. وكما لا تنبت الحياة في تربة ملوثة، لا تنهض الأجيال في بيئة رمزية عقيمة. فلنعد إذًا إلى السؤال الجذري: من نحتفي به؟ من نروّج له؟ ومن نضعه في مرآة شبابنا؟

الجواب ليس رفاهًا وترفا فكريًا، بل شرط بقاء ونجاة. فالتربة الرمادية، مهما بدت محايدة، هي في الحقيقة تربة مهجنة فلسفة، وغير صالحة للإنبات زراعة.



#عدي_الراضي (هاشتاغ)       [email protected]#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيت هرهور : البنية المجالية والتحولات السوسيو-تاريخية
- أضواء كاشفة على جوانب قاتمة من تاريخ قرية أفراسكو النائية.
- ثورة الملك والشعب قفزة نوعية في مسيرة الكفاح الوطني بالمغرب.
- الوضعية الاقتصادية والإجتماعية لقبائل الجنوب الشرقي بعد معرك ...
- قراءة في قصيدة -نسير في فوضى -للشاعرة فاطمة بورزى.
- معركة -تحيانت-محطة نوعية في تاريخ مقاومة أيت حديدو للإستعمار ...
- التقاط الأخبار ؛بين سطور الأسفار؛ لإنارة عتمة تاريخ مجاط.
- -ثِمْجّاط-مجال الرعي ومنتجع الرحال.
- جيل مخضرم.
- -زلاغ -و-ثغاط-أعلام أمازيغية تحرس مدينة فاس.
- شظايا جسد متفتت.
- جسور من الاوراق.
- أشاوس المقاومة المنسيون من رجال أيت حديدو الشجعان:عادين وعرا ...
- القنديل الوامض في عتمة تاريخ قرية أفراسكو الغامض.
- -أنرار- في تاريخ قصور منابع زيز بين الوظيفة الزراعية والسوسي ...
- أنوار ساطعة على أركان دامسة من تاريخ تاعرعارت المنسية.
- منتدي شباب اميلشيل من أجل التنمية المستدامة: قراءة في الشعار ...
- الأنظمة الرعوية بأعالي زيز-تويلي-نموذجا.
- حلف أيت يفلمان: التاريخ والمجال.
- قصبة عدي وبيهي بالريش معلمة تاريخية.


المزيد.....




- شاهد.. مطاردة مثيرة وثقتها كاميرا من داخل دورية الشرطة تعبر ...
- أناقة بطابع معماري.. هكذا تمزج مصممة أزياء بين الشرق والغرب ...
- هزيمة قاسية.. الائتلاف الحاكم في اليابان يخسر الأغلبية في ان ...
- بدء خروج عائلات البدو المحتجزة في السويداء بعد الاتفاق على إ ...
- -قدرات محليّة-.. إيران تستبدل الدفاعات الجوية المتضررة في ال ...
- الجيش الإسرائيلي يفرض حظراً على ارتداء قناع الوجه في الضفة ا ...
- استخبارات ألمانية: -روسيا تكثف التجسس في ألمانيا كما بالحرب ...
- السودان: البرهان ورئيس وزرائه في الخرطوم وكلفة إعادة إعمار ا ...
- مباحثات بين رئيسي الجزائر وزيمبابوي تتوّج بالتوقيع على اتفاق ...
- مرض الكبد الدهني.. ما هو وكيف يتم علاجه؟


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عدي الراضي - الشباب المغربي وسؤال القدوة : حين تخصب التفاهة وتجف القيم.