رضا سعد
الحوار المتمدن-العدد: 8407 - 2025 / 7 / 18 - 00:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الساعة الخامسة من فجر ١٧ تموز أذاع حردان عبد الغفار التكريتي البيان رقم واحد من راديو بغداد، معلنا فيه نجاح الانقلاب، وصدرت عدة قرارات بإحالة كبار الضباط على التقاعد وتعيين أحمد حسن البكر رئيسا للجمهورية، وحردان التكريتي رئيساً لأركان الجيش وآمراً للقوة الجوية، كما تم تعيين عبد الرزاق النايف رئيساً لمجلس الوزراء، والّذي بدوره قدم أسماء أعضاء وزارته يوم ١٨ تموز إلى البكر (١) .
كان زعيم هذا الانقلاب هو أحمد حسن البكر ، فهو قائد الحزب وعسكري معروف ورئيس وزراء سابق ( بعد انقلاب ٨ شباط ) ، ولم يكن صدام في تلك الفترة نجماً في الحزب أو في العملية الانقلابية بل كان واحداً من المشاركين فيها، ولم يحصل اي عمل من أجل مصادرة القرار لمصلحته داخل الزمرة المنقلبة (٢) .
وصدر مرسوم جمهوري بتعيين هؤلاء الوزراء في المناصب المقترحة، وشغل الدكتور ناصر الحاني وزارة الخارجية، وصالح مهدي عماش وزارة الداخلية، وأصبح مجلس قيادة الثورة هوَ السلطة التشريعية والتنفيذية معًا، وقد ضم الأشخاص الآتية اسماؤهم :
١ ـ أحمد حسن البكر رئيساً.
٢ ـ عبد الرزاق النايف عضواً.
٣ ـ عبد الرحمن الداود عضواً.
٤ ـ حردان التكريتي عضواً.
٥ ـ حماد شهاب التكريتي عضواً.
٦ ـ صالح مهدي عماش عضواً
٧ ـ سعدون غيدان عضواً.
وبعد أنْ عرف الشعب العراقي أسماء قادة الانقلاب، ارتسمت على وجوههم الحيرة والقلق. فتولي البكر ومجموعته السلطة يعني نجاح الولايات المتحدة الأمريكية، و حسمها الأُمور في العراق لصالحها، وهذا يعني عودة حزب البعث الشمولي إلى السلطة، خصوصاً أن بعض الأسماء من مجرمي الحرس الوطني الذي قاد انقلاب ٨ شباط عام ١٩٦٣ (٣) .
بعد نجاح الانقلاب عقد البكر اجتماعا طارئا للقيادة القطرية قال فيه: « تذكرون جيداً ما قلته عن عبد الرزاق النايف في اجتماع سابق حول تجميد قرار التخلص منه أنا الآن أدعوكم أن تتحركوا بأسرع وقت للإطاحة به . وقد ذكر صلاح عمر العلي (٤) : استفسرنا عن السبب فأشار إلى تقارير تفيد أن رئيس الوزراء يتحرك وبسرعة جنونية للإطاحة بحكم الحزب ، وقال إن عبد الرزاق النايف اتصل بعسكريين لتجنيدهم ضد الحزب ولم يكن يعرف بانتماء بعضهم إلى الحزب، وأضاف أسرعوا يا رفاق قبل أن يطيح بنا سأغادر الآن اجتمعوا وخططوا للخلاص منه (٥) .
لم يرض البعثيون عن النتائج التي أسفر عنها انقلابهم المشترك مع الداود والنايف، الذين خانا الرئيس عبد الرحمن عارف في ١٧ تموز ١٩٦٨ ، ولم يقتنعوا بما تحقق من نجاح اوصلهم مع حليفيهما الى الحكم، ولم يقبلوا بالاتفاق أصلاً سوى غاية تعبوية للوصول والسيطرة على الحكم. على هذا كانوا يضمرون النيّة خيانة، للتخلص منهما منذ اليوم الاول لتحالف صيغ على أعتاب النوايا الخبيثة .
فتحركوا سريعاً للانقلاب عليهما طرفاً مقابلاً، بحركة سريعة في ٣٠ تموز، وبترتيب بسيط، تأسس على قيام الرئيس البكر بإيفاد وزير دفاعه الداود، الى الاردن لمعاينة القوات العراقية المنفتحة لأغراض الدفاع على الارض الاردنية، وفور وصوله الأردن، استدعى البكر، عبد الرزاق النايف، كرئيس وزراء للتشاور وتناول الغداء.
فانقض عليه صدام، وجماعته في المكتب، وهددوه بالموت او السفر الى الخارج على الفور، وبالتوقيت نفسه قصد ضباط بعثيون من الوحدات الموجودة في الاردن وزير دفاعهم الداود، وقاموا بتهديده أو القبول بمنصب سفير، على الرغم من امتناع قائد القوات العراقية المنفتحة في الأردن اللواء الركن حسن مصطفى النقيب (الذي انشق عن البعث
لاحقاً وعمل معارضاً الى عام ٢٠٠٣)، عن تنفيذ أمر الاعتقال بالطريقة التي أرادها البكر هاتفياً. في المحصلة رضخ إبراهيم الداود لأمر العزل الواقع وهو في عمان، مثلما فعل عبد الرزاق النايف في بغداد، وبرضوخهم معاً ووقوعهم في مصيدة الخيانة السياسية معاً، فرض الحزب سيطرته التامة على كل منافذ السلطة في الدولة العراقية، وازاح كل المعارضين لإجراءاته هذه، واعاد تشكيل الحكومة وقيادة القوات المسلحة، لتكونان من البعثيين حصراً.
لقد نجح الانقلاب الذي تأسس على خيانة الاتفاق المبرم بين الجانبين، وسيطر الحزب على الدولة سيطرة كاملة، وباتت تأثيرات هذه السيطرة تظهر تباعاً لتمتد خمسة وثلاثين عاماً كانت مليئة بالأحداث، ومحاولات التآمر والانقلابات القائمة على الخيانة، كان اشهرها واكثرها تأثيراً على العراق بشكل عام وعلى القوات المسلحة بشكل خاص، انقلاب صدام حسين على البكر عام ١٩٧٩ ، الذي يمثل أعلى أنواع الخيانة، والذي توجه فيه صدام وأشقاؤه وحاشيته الى إرغام البكر على التنازل بدعوى المرض، ومنح نفسه رتبة مهيب ركن وهو لم يدخل الكلية العسكرية اصلاً (٦) .
وبالنسبة لموقف الشعب العراقي من ذلك الإنقلاب المشؤوم ، فقد قابل الشعب العراقي انقلاب ۱۷ و ۳۰ تموز بالقلق وعدم الارتياح ، بسبب التاريخ الدموي للبعثيين عندما جاءوا إلى الحكم إثر انقلاب ۸ شباط الفاشي عام ١٩٦٣ ، واغرقوا البلاد بالدماء ، واستباحوا حرمات المنازل ، وزجوا بمئات الألوف من الوطنيين في غياهب السجون ، ومارسوا ابشع أساليب التعذيب الجسدي والنفسي ضدهم ، من خلال جهاز قمع عنيف جدا وهو الحرس القومي ، وفصلوا عشرات الألوف من أعمالهم ووظائفهم ومدارسهم وكلياتهم ، وصفوا كل مكاسب ثورة الرابع عشر من تموز .
وفي الوقت نفسه شعر البعثيون بالضعف ، بسبب ابتعاد جماهير الشعب عنهم ، ودفعهم خوفهم من فقدان السلطة إلى اللجوء إلى الأساليب الوح الوحشية والعنيفة لإخافة القوى العسكرية والسياسية ، ومنعها من القيام
بأي تحرك ضد سلطتهم ، وقد توجوا عملهم ذلك بحملة إعدامات وحشية لعدد من المواطنين ، بتهمة التجسس للأجنبي !! ، وتعليقهم في ساحة التحرير ، فقد أعدم البعثيون ۲۹ ضابطاً ، وضابط صف رمياً بالرصاص ، بالإضافة إلى ۱۲ مدنياً أُعدموا شنقاً .
كما أقدم البعثيون على إعدام ۷۷ ضابطاً ، في ۷ شباط ١٩٦٩ ، بتهمة الاشتراك في محاولة انقلابية بقيادة الزعيم الركن عبد الغني الراوي، شريكهم في انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ والذي تمكن من الهرب إلى إيران .
لقد جرت حملة الاعدامات بعد محاكمات صورية سريعة ، من قبل طه ياسين رمضان ، الملقب بالجزراوي ، ولقبه الشعب العراقي بالجزار ، وبمعيته عدد من أعضاء القيادة القطرية للحزب .
وخلال دقائق ، كانت المحاكمات تجري وتصدر قراراتها ، وتنفذ أحكام الاعدامات بالضباط المتهمين بالمحاولة الانقلابية المزعومة ، وقد ظهر بعد ذلك ، أن العديد من أولئك المعدومين ثبت عدم تورطهم بالمحاولة المزعومة ، وتم إرسال رسائل اعتذار إلى ذويهم !
وبصرف النظر عن صحة أو كذب وقوع تلك المحاولة ، فقد كان هدف البعثيين إفهام القوى السياسية والعسكرية أن حزب البعث سوف يضرب بيد من حديد ، كل من يفكر بالتصدي لحكمهم (٧) .
.
الهوامش
(١) مقال للأستاذ عبد الهادي الركابي بعنوان : انقلاب ١٧ تموز . رابط المقال : https://iraqicenter-fdec.org/archives/77
(٢) محمد حسين بزي ، المصدر السابق الذكر ، ص ٤٠ .
(٣) عبد الهادي الركابي ، المصدر السابق الذكر .
(٤) صلاح عمر العلي - هو عضو مجلس قيادة الثورة سابق والقيادة القطرية لحزب البعث.
(٥) غسان شربل ، العراق من حرب إلى حرب: صدام مر من هنا، ط۱، بيروت، ٢٠١٠ ، ص ٢٦٧ - ٢٦٨ .
(٦)
https://alsabaah.iq/12101-.html .
(٧)حامد الحمداني ، صفحات من تاريخ العراق الحديث من ثورة ١٤ تموز الى حرب الخليج الثانية ، الكتاب الثاني ، ص ١٨٢ .
(٨) يراجع كتابنا السابق ، صدام حسين ديكتاتور العراق ، سلسلة رجال من الماضي ، ج٤ ، ص ٤٣ - ٥٤ .
#رضا_سعد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟