أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عيسى طاهر اسماعيل - حلق الشوارب رمزية الإذلال والنظرة الدونية للمرأة في الفكر التكفيري














المزيد.....

حلق الشوارب رمزية الإذلال والنظرة الدونية للمرأة في الفكر التكفيري


عيسى طاهر اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 8406 - 2025 / 7 / 17 - 20:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في زمن يشهد فيه المشرق العربي تحولات جذرية، تطفو على السطح ممارسات تكشف عن البنية الأيديولوجية العميقة للجماعات المتطرفة. الأحداث التي شهدتها مدينة السويداء السورية مؤخراً مثال واضح صارخ على هذه الممارسات، حيث أقدم عناصر من الجيش السوري الجديد - الذي يضم في صفوفه جهاديين تكفيريين - على حلق شوارب رجال من الطائفة الدرزية قسراً، في مشهد يحمل دلالات رمزية عميقة تستحق التأمل والتحليل.

الشارب
رمز الرجولة في الثقافة العربية

منذ القدم، احتل الشارب مكانة خاصة في الثقافة العربية والشرق أوسطية، حيث يمثل رمزاً للرجولة والكرامة والهيبة. فالشارب في الوعي الجمعي العربي ليس مجرد شعر ينبت على الوجه، بل هو علامة على النضج الذكوري والقوة والشخصية المهيبة، كما قد يعد رمزا مرئيا مهما للإختلاف بين المرأة والرجل – عدا النساء اللواتي لسبب أو آخرتظهر لديهم شعر واضح في أماكن عدة من الوجه ومنه الشارب -، تتعاظم أهمية هذا الرمز المرئي كلما كانت المرأة محتقرة ودونية مبخسة.

هذه الرمزية الثقافية العميقة جعلت من حلق الشارب قسراً فعلاً يحمل دلالة إهانة شديدة، إذ يُنظر إليه كنزع لرمز الرجولة وإنزال للرجل من مكانته الاجتماعية ومسواته بالمرأة. وفي بعض المجتمعات التقليدية، يُعتبر حالق الشارب مُنتقصاً من رجولته، بل قد يُتهم بالخنوثة أو بالسلوك المخنث، وهو ما يُعد في هذه المجتمعات إهانة بالغة واضحة. ضمن هذه الرمزية، أخبرني صديق أنه عندما كان مراهقا قام بحلق شاربه وبعد فترة لقى خاله الذي كان قد قدم من الريف فنهره خاله وأهانه لحلقه شاربه، حيث بصق عليه مرددا كلامه عدة مرات: هل أنت امرأة؟

النمط التكفيري
الإذلال كأداة سيطرة

عندما تتكرر ممارسة حلق الشوارب في أكثر من مناسبة وأكثر من فيديو، فإن هذا يشير إلى وجود نمط واضح في السلوك التكفيري. هذا النمط يكشف عن استراتيجية مدروسة تهدف إلى كسر كرامة الخصم وإذلاله نفسياً قبل إخضاعه جسدياً.

فالجماعات التكفيرية تدرك تماماً القيمة الرمزية للشارب في الثقافة العربية، ولذلك تستخدم حلقه كأداة لتحقيق أهداف متعددة:
1- إذلال الخصم وكسر معنوياته.
2- إرسال رسالة إلى باقي المجتمع عن قوة الجماعة وهيمنتها.
3- تأكيد السيطرة الذكورية وتكريس لدونية المرأة، في محاولة خاصة لفرض تفسيرها الخاص للهوية الإسلامية بإعتباره التفسير الصحيح والوحيد الذي يتطابق والنص الإلهي.

البنية اللاواعية
المرأة كرمز للدونية

لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق في هذه الممارسة هو ما تكشفه من البنية اللاواعية للفكر التكفيري تجاه المرأة. فعندما يستخدم حلق الشارب كوسيلة إذلال، فإن الرسالة الضمنية هي: “نحن ننزلك منزلة المرأة”، وكأن المرأة في هذا الفكر هي الدرجة الأدنى في هرمية الدونية في الوجود، حيث تتوقف درجات الدونية لتبلغ القاع.

هذا التصور يكشف عن نظرة دونية متجذرة للمرأة في الأيديولوجية التكفيرية، حيث تُختزل المرأة إلى كائن أدنى يمكن استخدامه كرمز للإهانة والتحقير. وهذا المنطق المعكوس يُظهر كيف أن الجماعات التكفيرية تحتقر المرأة إلى درجة أنها تستخدم “التأنيث” كشكل من أشكال العقاب والإذلال.

الخطاب الصوفي، الخطاب المضاد
المرأة كرمز للروحانية والكمال

في المقابل، نجد أن الخطاب الصوفي الأصيل يقدم رؤية مختلفة تماماً للمرأة، حيث يُعلي من شأنها ويرى فيها رمزاً للجمال الإلهي والكمال الروحي. فالمرأة في الأدب الصوفي ليست مجرد كائن جسدي، بل هي تجلٍ للحكمة الإلهية والجمال المطلق.

الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، أحد أعظم المتصوفة في التاريخ الإسلامي، بل في التاريخ الإنساني، يكتب: “فإن الحق يُحب الجمال، وليس ثمة أجمل من المرأة”. وهذا النص يُظهر كيف أن التصوف يرى في المرأة انعكاساً للجمال الإلهي، وليس مجرد كائن أدنى كما يصورها الفكر التكفيري.

كذلك، نجد في الشعر الصوفي تمجيداً للمرأة كرمز للحبيبة الإلهية. فالمرأة في الغزل الصوفي تمثل النفس الطاهرة التي تتوق إلى الوصل مع الحبيب الأزلي، وهي الطريق إلى المعرفة الروحية والكشف الصوفي.

في الخطاب الصوفي، يُعتبر الوصول إلى الحقيقة الإلهية مرتبطاً بالتخلي عن الذكورة المتعجرفة والانفتاح على الأنوثة الروحية. فالصوفي الحقيقي يجب أن يكون مثل “المرأة” في تلقيه للفيض الإلهي، خاضعاً ومتقبلاً وغير مقاوم.

هذا المفهوم يُظهر كيف أن الصوفية ترى في الأنوثة قيمة إيجابية مطلقة، بل ضرورية للوصول إلى الكمال الروحي. وهو ما يتعارض تماماً مع الفكر التكفيري الذي يرى في التأنيث إهانة ونقصاً.

بين الروحانية والتطرف

إن ممارسة حلق الشوارب قسراً تكشف عن عمق الهوة بين الروحانية الإسلامية الأصيلة والتطرف التكفيري. فبينما يُعلي التصوف من شأن المرأة ويراها رمزاً للجمال والكمال الإلهي، يحتقرها الفكر التكفيري إلى درجة استخدام “التأنيث” كأداة للإذلال.

هذا التناقض يُظهر أن الجماعات التكفيرية تمارس شكلاً من أشكال الذكورية المتطرفة التي تنتقص من كرامة المرأة والرجل معاً. فالرجل الذي يُحلق شاربه يُهان، والمرأة التي تُستخدم كرمز للإهانة تُحتقر.

إن استرداد الرؤية الصوفية للمرأة كرمز للجمال والكمال الروحي هو جزء من مقاومة الفكر التكفيري وتطرفه. فالمرأة في التصوف الإسلامي ليست مجرد كائن أدنى، بل هي طريق إلى الحقيقة والجمال الإلهي، وهي الشريك الكامل في الرحلة نحو الله.

وهكذا، فإن حلق الشوارب قسراً ليس مجرد ممارسة عنيفة، بل هو تجلٍ لأزمة فكرية عميقة تتطلب مواجهة جذرية من خلال استرداد الرؤية الروحية الأصيلة التي تُكرم الإنسان - رجلاً كان أم امرأة - وتُعلي من شأنه وتصون كرامته.



#عيسى_طاهر_اسماعيل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ركلة ألفاريز، ركلة تقضّ مضجع الحقيقة
- المقولات الفيثاغورية التجريد الملجم
- الكائن
- اللغم والحرية
- عقل ينتج وعقل ينبهر بإنتاج غيره!


المزيد.....




- بسبب -كثرة المصافحات-.. البيت الأبيض يكشف سبب ظهور كدمات على ...
- للمرة الأولى في الإتحاد الأوروبي.. سلوفينيا تمنع وزيرين إسرا ...
- مراسلون بلا حدود: ترامب يستلهم أساليب الأنظمة الاستبدادية
- حرب غزة تسبب مشاكل عقلية لآلاف الجنود الإسرائيليين
- مسؤول سوري: القصف الإسرائيلي يعرقل البحث عن الأسلحة الكيميائ ...
- -عدالة مُضللة-.. كيف دمرت خوارزميات البريد البريطاني حياة ال ...
- بيت ديفيدسون ينتظر مولوده الأول من شريكته إلسي هيويت
- راجت إحدى أغانيها على تيك توك مؤخرا.. وفاة كوني فرانسيس عن ع ...
- أردوغان: الهجمات الإسرائيلية على سوريا تُهدد المنطقة بأكملها ...
- محلل درزي سوري لـCNN: إسرائيل لا تحمي الدروز.. وتستخدم السوي ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عيسى طاهر اسماعيل - حلق الشوارب رمزية الإذلال والنظرة الدونية للمرأة في الفكر التكفيري