أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عيسى طاهر اسماعيل - الكائن














المزيد.....

الكائن


عيسى طاهر اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 7666 - 2023 / 7 / 8 - 14:15
المحور: الادب والفن
    


في فضاء مثقوب تهيأ لكائن أن يهبط على الأرض، وكأن الثقب كان كوة بدا له النظر من خلالها أمرا يبعث على الدهشة المستدامة. مهبطه لم يكن رأس جبل ولا سفحه ولم يكن صحراء ولا سهلا، وإنما كان شجرة.
أول ما تفحصها كانت رائحتها ثم حدق في اوراقها ومن ثم الأغصان ثم نظر للأسفل فتهيأ له أنه رأى شيئا صغيرا يتجه إليه، ما إن اقترب حتى تلاشى شيئا فشيئا. نزل من على الشجرة فرأى أشجارا أخرى تبعد عن شجرة المهبط أمتارا فأمتارا. آثر أن يبقى، فالمكان آمن والغذاء وفير.
عاش آجالا يلتقط، رأى مثيلا له في أشجار أخرى، تسلق شجرته حتى أعاليها، تأمل السماء، أدرك أنه كان هناك وأن أحدهم قد قذف به. كان يستأنس بمثيله من الكائنات وينفر عن سواه، كان أحيانا يهبط من الشجرة يشرب من نبع ماء قريب. حتى أصبحت أعدادهم أكثر من الشجر والحجر، حتى غدت الأيادي أكثر سرعة في الإلتقاط والأفواه أكثر شرها، لقد ولت أيام الوفرة وتمثلت في أحلام راودتهم، كانت حياة لا تعب فيها ولا مرض، ولا عداوات ولا معارك تنشب، كان الطعام وفيرا يلتقط.
كان فضاءه فضاء جوع، لم يسلم شيء من دائرة رغبته، كل ما تراه العين كان محل رغبة عميقة لأن يأُكل. لكن ساعات وساعات من البحث اللاغب لم يتكلل بأي نجاح يذكر، كان كل ما حوله وكل ما في مدى رؤيته وحواسه، لا يتحرك. الجمود واللاحركة أصاب كل شيء، أشجار لا تحمل ثمارا، ماء لا يحتوي على كائنات وفضاء مسحور بالخواء، لا يحمل في اتساعه ما يؤكل، كل ذلك كان لعنة أصاب ذلك الكائن الذي قام يوما منتصبا يمشي بعدما مل المكوث في أعالي الأشجار وقرر يوما أن ينزل ليلتقط المزيد.
كانت الشمس على وشك المغيب، عندما تراءى للكائن أن هناك نار في لفح شجرة، وكأن النار تومئ له بقدوم خير وافر. قصد النار مسرع الخطى، اقترب من الشجرة المتقدة فرأى كائنا ملقى في النار ورائحة شواء ملأ منخريه، كانت رائحة مقززة، لكنه منظر مغر ولا بد أن يلتقط ما وقع في يديه، سحب جسم الكائن المشوي وأختار شجرة ووضع الكائن أمام عينيه متفحصا، مد يده ونزع شيئا من اللحم المشوي وقرّبه من فمه، شمه، بدا له الرائحة مقززة، لم يألف منخريه يوما رائحة كهذه، قرب من فمه وسد بإصبعين منخريه الاثنين وبدأ بمضغه. لم يكن طعمه مستساغا، لكن الجوع كان قد نال منه ولم يجد بدا من مضغ المزيد. في لحظة ربما بدت طويلة أو قصيرة، توقف عن الأكل، أحس وكأن كائنا يتحرك في رأسه، يحاول أن يخرج منه. ثم وقع مغشيا عليه. انقضى زمن، ربما كان يوما أو بضع يوم، استفاق الكائن، أحس وكأن رأسه قد أصبح رأسين، بل رؤوسا، بدا ثقيلا وكأنه ملأ بأثقال لم يتعود أن يحملها جسمه الرشيق. تحسس رأسه بيديه الاثنتين لاح له وكأن رأسه قد أنتفخ، أحس أن هناك أشياء في حلقه تهم بالخروج، لم يكن له أن يصد شيئا، أطلق صرخة مدوية خرج على إثرها شيء منه، أحس أنه شيء جميل، أحس أن ذلك الشيء لن يعود إليه يوما ما.



#عيسى_طاهر_اسماعيل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللغم والحرية
- عقل ينتج وعقل ينبهر بإنتاج غيره!


المزيد.....




- لهذا السبب ..استخبارات الاحتلال تجبر قواتها على تعلم اللغة ا ...
- حي باب سريجة الدمشقي.. مصابيح الذاكرة وسروج الجراح المفتوحة ...
- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...
- بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عيسى طاهر اسماعيل - الكائن