أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حاتم جعفر - حدث ذات مكان. أو (طيحان الحظ بين حقبتين).















المزيد.....

حدث ذات مكان. أو (طيحان الحظ بين حقبتين).


حاتم جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 8403 - 2025 / 7 / 14 - 00:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حدث ذات مكان.
أو (طيحان الحظ بين حقبتين).

بعد مضي فترة على تعيينه بصفة عامل في الدائرة ربما تجاوزت السنة، نجح في نسج علاقات متميزة مع عدد من موظفي وعمال الدائرة التي يشتغل فيها، كان من أبرزها تلك التي جمعته بالأستاذ عادل الذي تمَ إبعاده من سلك التعليم ولأسباب سياسية وليُنَسَّب الى إحدى دوائر الدولة في مدينته بصفة موظف في قسم الأرشيف، بعد خدمة ربما زات على الخمسة عشرة سنة، قضى جلّها في أماكن نائية عن منطقة سكناه.
وإذا كان لنا من إشارة الى ما يتصفان به ويشتركان، فيمكن القول بأنهما كثيرو الكلام وربما يتنافسان في ذلك حتى تُحار الى أيهما ستعطي أولوية التفوق في هذا المجال. أمّا لو دخلا في نقاش أي موضوع فسوف لن يخرجا منه الاّ بعد أن يشبعوه تفصيلاً حتى لو كان من الصغر والهامشية بحيث لا يشكل أية أهمية تُذكر، بل حتى لو جاء على حساب المحيطين بهما وما إذا كان سيؤدي الى مّللهم ونفرتهم منهما، غير أنَّ هذه الصفة أي كثرة الكلام وفي كل الأحوال سوف لن تأتي على حساب ما يتمتعان به من علاقات واسعة ومن ثقة يحضون بها من قبل المحيطين بهما لما يتصفان به من خلق رفيع ومن رضا وقبول من قبل أكثرية زملائهم.
العلاقة بينهما (الأستاذ عادل وذلك العامل الذي أتينا على ذكره) أخذت تتعزز وتتطور أكثر فأكثر، وليدخلا من بعدها في حوارات ونقاشات معمقة ومسهبة، كانت قد أفضت الى أن تتكشف خلالها طريقة تفكير كل منهما، فضلاً عمّا بدا عليهما من تقارب ملحوظ في توجهاتهما السياسية والى أي الأحزاب ينتميان أو لنقل يميلان. وتعزيزا لتلك العلاقة وبعد أن بدءا يشعران بالقلق بسبب ما يحيط البلد من تطورات ليست بالمريحة، ومن أجل أخذ الحيطة والحذر، لذا راحا ينعزلان شيئاً فشيئا عمّا يحيط بهما وذلك درءاً للمخاطر التي من الممكن أن تطالهما.
وعملا بالوصايا التي كانا قد حفظاها عن ظهر قلب، وبالإستناد الى العديد من التجارب السابقة التي مرَّ بها البلد في سنوات سابقة، وكذلك حرصاً منهما على وظيفتيهما من الضياع بعد أن ذاقا الأمرين، خاصة وأن قرارات الفصل بدأت تطال الكثير من ملاكات الدولة ولإعتبارات سياسية صرفة، لذا وللأسباب الفائتة مجتمعة فقد إرتأيا عدم التصريج علانية بأي موقف سياسي قد يترتب عليه إلحاق الأذى بهما، خاصة بعد أن تسرب الى مسامعهما من الأخبار ما يشي بصدور توجيهات وتعليمات صريحة الى ملاكات الحزب الحاكم وعناصره، مفادها بضرورة مراقبتهما، حيث إعتبرتهما من العناصر المشبوهة، الواجب رصدها ومتابعتها. وبعد أن وصلت مسامعهما هذه الأخبار، فقد حمدا الله وشكراه ومن باب الدعابة لما يحملانه من (أفكار هدّامة) حسب المصطلح الذي كان شائعاً ومتداولاً آنذاك في أدبيات السلطة وحزبها الحاكم، والذي عادة ما ينعتون به كل مَنْ يتقاطع مع أفكارهم وتوجهاتهم.
وأرتباطا بما يجري من أحداث ولأن الأستاذ عادل يتمتع بهذه الخاصية، اي الحس الأمني المبكر ويشم عن بُعد تلك (الروائح الكريهة) بسبب خبرتهم الطويلة معهم، ويدرك كذلك تحركات أصحابها وخلفياتها وما يهدفون اليه، فقد نقلها بدوره وبحكم العلاقة الخاصة والمتميزة وما يجمعهما من ثقة متبادلة الى صديقه العامل الذي بات الأقرب اليه وعلى مختلف المستويات. فكم من مرة حذَّره من التمادي في توجيه الإنتقادات الى إدارة المؤسسة التي يشتغلان فيها وبحضور بعض العاملين تحديدا.
ومن بين الأشخاص الذين جرى التركيز عليه في تحذيره لصديقه، هو ذاك الذي يتمتع بشاربين طويلين، متدليان على جانبي فمه، كان قد تعمَّدَ إطلاقهما على هذا النحو، تزلفاً وتملقاً لصاحب السلطة والقرار ليمتدا، مُذكراً بتلك العلامة الفارقة التي يتميّز بها الحزب الذي ينتمي اليه حسب إدعاءه عن غيره من الأحزاب. فـهذا الشخص كان دائب الحركة ويتمتع بصلاحيات مطلقة، ضارباً عرض الحائط كل إشتراطات وقوانين العمل المفروضة على جميع الموظفين والتي ينبغي الإلتزام بها، لتجده متلصصا على هذا وذاك، كل ذلك قبالة ما أعطي له من وعود تتمثل بحصوله على ترقية وظيفية أو على زيادة مجزية في راتبه، لذا وفي الكثير من الحالات راح واشياً بزملاءه ولم يتورع عن الإيقاع حتى بأقرب المقربين اليه، ملفقاً ومتهماً إياهم بما ليس فيهم. أي بإختصار وبشكل مباشر وباللغة التي كانت دارجة آنذاك، فهو كاتب تقارير من الطراز الأول، حيث لا ذمة له ولا ضمير، وأعتقد مَنْ عاش تلك الحقبة من الزمن سيتذكر الكثير من هؤلاء.
وتحذير الأستاذ عادل لصديقه لم يقتصر على صاحب الشاربين، بل هناك شخص آخر لا يقل سوءاً وأذى عن سابقه، كان قد تمَّ (تجنيده) هو الآخر ليقوم بمهمة التلصص على زملاءه. وفي الحديث عنه وإذا ما أردنا التوقف على شخصيته، فهو من ذلك النوع الذي لا يطيب له الكلام ويهنأ الاّ حين الحديث عن الغجريات أو النوريات كما يطلق عليهن في بلاد الشام، وبالكاولية كما درج عامة أهل العراق على تسميتهم وبصرف النظر وغير مبالٍ بمن يكون جليسه. فبمجرد أن يأتي أحدهم على ذكر هذا الصنف أي الكاولية حتى لو جاء ذلك عرضاً ومن دون قصد، الاّ تجده وقد شمَّرَ عن ساعديه ولسانه ليأتيك منه ما طاب له من أرذل الكلام وأرخصه ومن دون وجل أو خجل.
وعن حالة عاشق عالم الكاولية هذا وللمزيد من التوضيح، ففي لقاءاته التي كانت تجري مع زملاءه وأثناء فترة الإستراحة، لم يكن مبالياً في أحاديثه التي أشرنا اليها لكل الإعتراضات والإعتبارات الأخلاقية التي كانت تصل مسامعه، بل كثيرا ما تجده متمادياً في (تحليقه) و(تغريداته)، ولم يتوانَ حتى عن وصف ما كان يقوم به من (بطولات) حين يجن الليل وشكل الخيمة التي كان ينزوي فيها، والتي عادة ما تكون عارية عن أية حشمة وإستقلالية، ومن هناك أي من تلك الخيمة سيلحقها بوصلات خاصة من الرقص وعلى إيقاعات لا تقل مجوناً عن تلك التي تجري في الأماكن الخاصة والمغلقة، ولم يوقفه عن ذلك كائناً مَنْ كان.
من ثم وبعد أن تأخذه النشوة (ولا زال الكلام المباح له) ويشعر أنه قد بات في أعلى درجات التحليق والتسامي، سيتبعها بإعطاءه إيعازاً وبإشارة خاصة متفق عليها لإحداهن كي تلتحق به في إحدى الزوايا أو أي مكان، لا يبعد كثيرا عن مراسيم الحفل المقام على شرفه كما يطيب له الإدعاء، وليستمع الحاضرون من رواد الكاوليه وعلى اثر خلوته هذه من الآهات والأنين ما ينده له جبين حتى الحمار.
غير أن ما حدث معه وفي إحدى (بطولاته) وجولاته التي كان يقوم بها لصنف الكاولية وما لم يكن في الحسبان، هو إلتقاءه هناك وبالصدفة المحضة بصاحب الشاربين الطويلين، والذي على ما يبدو كان قد سبقه الحضور، بناءأ على ما وصلته من معلومات ومن مصادر خاصة، تفيد بأنَّ إحداهن ممن كَثُرَ الكلام عن جمالها وطيب مؤانستها قد حضرت ومعها فرقتها الخاصة. في ذات الوقت فهي تُعد إحدى محضيات ذلك الشخص الذي وعلى ما وصفناه بأحد متابعي عالم الكاولية وأنشطتها وحضور أماسيهم بشوق ولهفة.
وبعد أن إلتقيا تحت خيمة الكاولية وبدأت فصول الحفل تأخذ مدياتها ورقص مَنْ رقص وشرب من الراح من شرب، وأخذت النشوة بالتسامي شيئا فشيئا ولتفعل فعلها. هنا وفي لحظات كهذه، لابد لهما من أن ينتقلا الى عالم آخر يتسق مع ما كان يسعيان الى تحقيقه، فمسك الختام إذن هو المبتغى. هنا ستحدث الواقعة، حيث كل منهما لايطيب له أن ينهي ليلته الاّ بمؤانسة تلك السيدة التي ذاع صيتها كأجمل نساء الغجر ويقضي منها وطر..... . فحصل ما حصل وتبادلا من الشتائم والسباب أقذعها ولم ينتهِ أمر خلافهما الاّ بالعودة الى صاحبة الشأن فلها القرار الفصل، الغير قابل للطعن ولا النقض ولا التمييز، فما عليها إذن وعلى ما هو متعارف عليه في عالم الغجر سوى الإعلان عن الى أي من الجانبين ستميل. فما كان لها الاّ أن تختار ذلك الذي أسميناه بسليط اللسان وأقذره، وعلى شفتيها من الإبتسامة ما يشي الى كم الثقة والسلطة الممنوحة لها.
قرار كهذا لم يَطبْ ولم يرضِ بالتأكيد صاحب الشاربين الطويلين، فراح يزبد ويرعد ويهدد غريمه بإنزال أقصى العقوبات الإدارية بحقه إن لم يتراجع عن قراره ويفسح له في المجال لقضاء سهرته مع تلك الغجرية الفاتنة الجمال والحضور. لكن المفاجئة التي حصلت هي إصرار الآخر على ما يريد ويرغب حتى لو أتى ذلك على حساب وظيفته. أمام هكذا إصرار لم يكن أمام صاحب الشاربين الطويلين من خيار ومخرج يداري به حرجه وإهتزاز سلطته سوى اللجوء الى أسلوب أو لنقل نوع من الإبتزاز، يتمثل بقبول الطرف المنافس على تكليفه بإحدى المهام الأمنية داخل الدائرة، فكان له ما أراد وعلى نحو سريع ومن دون أن يأخذ من الوقت رمشة عين. أمّا لو سألتم ما هي هذه المهمة فهي وبإختصار: مراقبة الأستاذ عادل وصديقه العامل، المشبوهين من قبل أجهزة الدولة، وكتابة التقارير الدورية عنهما وإيصالها الى أصحاب الشأن.
مرة أخرى سيبرز التساؤل من جديد: ما الذي سيستفيده صاحب الشاربين من هذه المساومة انها وكي لا نطيل، فستساعده في الحصول على وظيفة أرقى وراتب أعلى كما كان قد وُعدَ به من قبل مسؤوليه وذلك لقاء (أتعابه الأمنية وحرصه على سلامة أمن الدولة). أنه عالم الفاشينستات، فلهن القول الفصل، وما أشبه اليوم بالبارحة.
ما فات من أحداث وما رافقها من وَصفٍ ووجع، ومن خلال السطور التي وردت في المقال، ربما كانت شديدة القسوة بل هي كذلك، وبالتأكيد كان البعض بل الكثير منّا قد عاش تلك الحقبة من الحكم وإكتوى بنارها وأوجاعها، ولكن سيبرز السؤال هنا ويفرض نفسه: هل أنَّ من جاء من بعدهم وتبوأ مراكز القرار ومفاصل السلطة والتحكم بها، يمكن أن نَعدَّهُ أقل قسوة وأكثر رحمة ممن سبقه، أم أنَّ كلاهما قد غرفا من ذات القاع، وأدارا مرافق الدولة بذات العقلية وآلة القمع حتى إشتركا بذات الإنحطاط !!!.

السويد - مالمو



#حاتم_جعفر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في حاضرة النص.
- قصيدة حيِّ على وطني.
- سقوط الكتابة.
- أين يا ليل صباباتي وأحلامي وكأسي
- أين يا ليل صباباتي وأحلامي وكأسي...
- حيّاك يا صاحبي.
- الوردة لم تَمُت بَعدُ.
- العرّاف ولحظات من الهيام.
- فانتازيا النوم المضطرب.
- كلمات ليست مبعثرة.
- في صحبة المتنبي وشارعه العتيد.
- ختامها قندرة.
- هل أتاك حديث المرجلة؟
- سلاما ايتها الشفيعة.
- رواية صخور الشاطئ ( سأقتطف منها بضعة أزهار)
- بالأبيض والأسود(لم تكوني بالسيدة الفاضلة)
- بالأبيض والأسود
- رياض أبو القماچي.
- ربما سنختلف قليلا.
- شطحات إبن عيدان


المزيد.....




- ترامب -مستاء للغاية- من بوتين.. ويهدد بعواقب تجارية قاسية عل ...
- -لا يمكنني الوقوف مكتوف الأيدي-.. رجل يقفز إلى النار لإنقاذ ...
- قطر: تعويض المتضررين من سقوط شظايا اعتراض الصواريخ الإيرانية ...
- اشتباكات السويداء…دروز يطالبون بحماية دولية وعناصر الأمن الس ...
- ترامب يخطف الأضواء بعد فوز تشيلسي على باريس سان جيرمان
- طبيبة جزائرية تكشف سر الفروقات في تكاليف الولادة بين الذكور ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي لـ-يورونيوز-: لا نعتزم فرض سيطرة طو ...
- انهيار داخلي في وزارة العدل الأمريكية: استقالات جماعية تكشف ...
- البيتكوين يكسر حاجز 120 ألف دولار وسط تفاؤل بتنظيم السوق في ...
- لمواجهة الرسوم الجمركية الأميركية.. المفوضية الأوروبية تجهز ...


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حاتم جعفر - حدث ذات مكان. أو (طيحان الحظ بين حقبتين).