كامل عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 10:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
- رد وتعقيب -
نشر موقع الحوار المتمدن مقالا للكاتب سليم نصر الرقعي بتاريخ 2025 / 6 / 23 تحت عنوان - التصور الاسلامي الليبرالي لدولة سوريا الجديدة والرشيدة!؟ - وفيه يخبرنا بداية المقال بأنه مدّون ليبي من اقليم برقة- اما نهاية المقال فكان التوقيع على الشكل التالي:
- أخوكم العربي/ البريطاني المحب – !!
وسواء كان الكاتب ليبياً ام بريطانيا فقد سررت بمقاله جدا, كونه يتعاطف مع السوريين في محنتهم الحالية , ويتمنى أن تنتهي بأقرب وقت, ولكن المقال احتوى على تناقضات عجيبة غريبة . بدأ المقال كما يلي :
(كمسلم ليبرالي غير علماني وغير أصولي فإنني أرى أنه يمكن بناء دولة سوريا الجديدة والرشيدة وفق الفكر العربي الإسلامي (الليبرالي) بعيدًا عن ايديولوجيات الأصولية العلمانية وكذلك الأصولية الدينية لتصبح سوريا أول دولة عربية مسلمة تعلن في دستورها بأنها دولة ((ليبرالية)) دينها الإسلام، أي أنها دولة مسلمة لكنها (ليبرالية) وليست (أصولية .....)
لو أن الكاتب قال:كلبرالي مسلم: لهان الأمر لكنه يصّر على ان تكون اللبرالية ملحقة بالاسلام . وهكذا تكون اللبرالية أداة بيد أصحاب الأنظمة السياسية سواء كانت دينية ام علمانية لنقول لبرالي مسيحي , لبرالي يهودي , لبرالي علماني, لبرالي ديمقراطي؟!
ان اللبرالية يا صاحبي نظام سياسي متكامل معنيُ بالعدالة الاجتماعية أولا وبالأخلاق والقيم الإنسانية ثانيا, ظهر الى الوجود في القرن السابع عشر الذي عُرف بقرن الأنوار وقد قام تنويره على أساس استبدال الأخلاق القائمة على الدين, بأخلاق نقدية عقلانية كأساس لحضارة كونية تتدّخل فيها الدولة لتطوير المجتمع اقتصاديا وسياسيا كي يأتي التطوير متناسبا مع الواقع ومع موهبة الأفراد وجهدهم لتحصيل ثروتهم . تطورت اللبرالية على يد الفلاسفة الأوروبيين- بدءا من جون لوك, مرورا ب ستيوات ميل, وصولا الى جون رويلز- بما يتناسب مع العلم ومكتشفاته الجديدة .وجميعهم ميزّوا بين اللبرالية كنظام سياسي معني بالعدالة الاجتماعية ,وبين الديمقراطية كأداة في الحكم, لا علاقة لها في العدالة الاجتماعية , وهي أقدم من اللبرالية ومع أن الكاتب أشار الى شيء من هذا بقوله: (أنا أنصح كل الدول العربية وخصوصًا سوريا الجديدة بعدم الاستعجال في الدخول الى حلبة التنافس واللعبة الديمقراطية إلا بعد تعزيز روح الليبرالية في المجتمع والدولة ....) لكنه عاد الى التناقض عندما بدأ بالحديث عن عائلة الشرع - واحتمالية تشكيلها في سوريا لإمارة اسلامية لبرالية ديمقراطية- ناقض نفسه- تماما مثل ترامب ليخلط عباس بدبّاس, فهو يتحدث عن إمكانية تحويل سوريا الى إمارة اسلامية ديمقراطية تستند على آيات قرآنية تمثل الروح اللبرالية حسب وصفه مثل ((لا إكراه في الدين)) ((أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين!؟؟))((لست عليهم بمسيطر)) ((وما أنت عليهم بجبار)) (((من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)) ((لكم دينكم ولي دين)) ويتناسى أن هناك آيات أخرى في القرآن تحض على العنف وهي أكثر من الآيات التي ذكرها صديقنا والآية التالية هي النموذج ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يُقتلوا أو يُصلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) سورة المائدة الآية ( 33) .كما انه لم يخبرنا ما مصير غير المسلمين في سوريا الاسلامية ؟ هل سيدفعون جزية أو ضريبة لقاء حماية الدولة الاسلامية لهم!! انا انصح الكاتب أن يقرأ كتاب - الدولة المستحيلة – للدكتور وائل حلاق وهو مسيحي فلسطيني يحترم الإسلام كثيرا وقد كتب في كتابهحرفيا فيه حرفيا ص 284 ( ان الفقراء في الاسلام جزء أصيل من الله وهو جزء أصيل منهم وحين تقوم على خدمتهم فكأنك تخدم الله ) .ليتعرف على وجهة نظره حول استحالة تحويل تشكيل دولة اسلامية في القرن الواحد والعشرين .
بكل أسف ومرارة أقول : جرى للبرالية ما جرى لكل الأنظمة السياسية في التاريخ سواء كانت قومية أم دينية حيث استطاعت الطبقات المسيطرة أن تهضمها وتجعلها بالنهاية تخدم مصالح فئة في المجتمع على حساب باقي الطبقات الاجتماعية . وبناء على ذلك أصبحت اللبرالية على يد تاتشر وأمثالها وكأنها هي الأداة , والديمقراطية هي النظام السياسي !! أما تدّخل الدولة في الاقتصاد فهو ضار جدا لحركة السوق لأنه سيحرم المجتمع من الصراع التنافسي الذي يراكم فيه الأذكياء الثروة بين يديهم, في حين سيعاني الفقراء الأغبياء من تبعات عجزهم. وهو ما أدى بالنهاية الى تفاوت شديد في توزيع الثروة القومية داخل دول تسمي نفسها لبرالية , وهل يعقل أن تُسمى دولة مثل أمريكا لبرالية وفيها يمتلك ترامب وايلون ماسك وعدد محدود من المليارديرين أكثر من 95% من الدخل القومي ؟ .نعم يمكننا أن نسمي هذه الدولة ديمقراطية . لكن بموجب هذه الديمقراطية وصل هتلر الى السلطة في ألمانيا, أما بريطانيا التي تسكن فيها يا صديقي فهي أول من شوّه اللبرالية ولحقتها فيما بعد أمريكا وفرنسا وكل الدول الأوروبية تقريبا
سوريا الى أين ؟ تحت قيادة الشرع .
تفاءل السوريون بسقوط النظام السوري المتوحش الذي أذاقهم العذاب ألوانا , ذادت جرعة التفاؤل بتلك الطريقة التي تّم فيها فتح أبواب السجون في الداخل ,والسماح لمن يرغب في الخارج للعودة الى وطنه دون أن تتم مساءلته كما كان يتم سابقا, لكن جرعة التفاؤل خّفت كثيرا بعد استبدال الشيخ بالضابط , الأنكى من هذا هو إجراءاتهم السياسية التي نمّت عن رغبة في الاحتفاظ بالسلطة الى الأبد مثل الطريقة التي تعاملوا فيها مع عقد ما سموه مؤتمر وطني, وبعده محاولة تركيب برلمان من دون انتخابات يفّصلونه على مقاسهم ويجعل الوصول الى انتخابات مضمونة لصالحهم, ولو أنهم قرؤوا التاريخ السوري وانتخاباته أيام الانتداب الفرنسي أولا ومن ثم بعد الاستقلال لغيروا رأيهم . ان انتخابات عام1928 أيام الانتداب الفرنسي نتج عنها دستور ينص على عدم التجديد لولاية رئاسية ثانية للرئيس وكان الغرض منه قطع الطريق على أي رئيس يضعف أمام كرسي الحكم , والبرلمان المشكل بموجب تلك الانتخابات لم يعجب فرنسا التي ادّعت أنها منتدبة الى سوريا لتحديثها . وكأن التحديث يتم بقصف البرلمان لأن انتخاباته جاءت بما لا يناسبها !!!!!!.
أما بعد الاستقلال فقد جرت الانتخابات بشكلين .
الشكل الأول: لإنتاج دستور جديد للدولة (تجرى مرة واحدة فقط ) وقد استطاعت الكتل السياسية المنتخبة التفاهم فيما بينها بعد جلسات دامت شهورا متعددة وتوافقت على دستور يتألف من 167مادة, كانت المادة الثالثة فيه حول دين الدولة والتي أخذت وقتا يوازي كل المواد الأخرى ,
الطريف في الأمر أن النواب المسلمين كان بينهم جهتان
- جهة توّد أن ينص الدستور على أن يكون دين الدولة هو الاسلام وهم حزب الاخوان المسلمين بقيادة مصطفى السباعي.
- جهة أخرى تريد أن ينص الدستور على أن يكون دين الدولة هو الاسلام وهي رابطة العلماء المسلمين بقيادة الشيخ أبو الخير الميداني.
بالنهاية توافق المجتمعون على أن يكون دين ريس الدولة مسلما.
الشكل الثاني : انتخابات لاختيار أعضاء البرلمان تجرى بشكل دوري كل أربع سنوات ينتج عنها وزارة تشكلها الأغلبية , في حين تتحول الأقلية الى معارضة رسمية في البرلمان.
نُشر الدستور في الجريدة الرسمية في أيلول عام 1950وكان أول دستور في المنطقة يسمح للمرأة بالمشاركة في الانتخابات ويلغي الطائفية السياسية فيها .
استمرت الانتخابات - بعد ان عاد العسكر الى ثكناتهم اثر هزيمتهم في حرب 1948- بنفس الروح وجرت انتخابات في عام 1954نتج عنها كتل سياسية تمثل كل فئات الشعب تمثيلا واقعيا مما أطار صواب كل الدول العربية المجاورة ومن ورائها امريكا والغرب وقد اشتركوا جميعا في إجهاض الحكم النيابي السوري وإعادته الى الحظيرة العربية .
العجيب الغريب في حكومة سوريا الحالية بقيادة الشرع أن تسلك سلوكا مشابها لحكومات الشرعية
الثورية ,وإلا ما معنى تشكيل ما سمته مؤتمر وطني بتعيين أعضائه من قبلها؟؟ وهي الآن تستعد لتشكيل برلمان بالتعيين وللرئيس الشرع حصة الأسد بهذا التعيين ؟؟ ولماذا لم تعتمد الدستور السوري ايام الخمسينات والذي يصلح للفترة الحالية صلاحية تامة ! طيلة المرحلة الانتقالية . ربما لم يفت الوقت كي تتبنى الحكومة الحالية دستور الخمسينات تعمل بموجبه طيلة الفترة الانتقالية وتهيئ الجو لانتخابات حرة بإشراف دولي وبهذا السلوك تكون حقا قد أسست لاعتبارها امتدادا لحكم الخمسينات وشرعيته الدستورية وليس لها علاقة بالشرعية الثورية التي حكمت سوريا بموجبها من عام 1963 حتى عام 2024
#كامل_عباس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟