أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - فراس ناجي - هل سيكون الشرق الأوسط الجديد اسرائيلياً؟















المزيد.....

هل سيكون الشرق الأوسط الجديد اسرائيلياً؟


فراس ناجي
باحث و ناشط مدني

(Firas Naji)


الحوار المتمدن-العدد: 8396 - 2025 / 7 / 7 - 08:15
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


أرض مستباحة بمستوطنات وسياحة توراتية معزولة عن السكان الأصليين، مع التحكم بثروات واقتصاد المنطقة، هذا هو مستقبل المشرق العربي في مخيلتي خلال الفترة ما بين الشروع بالعدوان الإسرائيلي على إيران في فجر يوم 13 حزيران 2025 وما بين مساء نفس اليوم عندما بدء الرد الإيراني. هذا السيناريو ليس خيالياً بالضرورة إذا ما تحقق النصر المطلق لإسرائيل وامريكا كما كان مخططاً عند شن العدوان المفاجئ على إيران.

لقد انكشف الخطر الصهيوني اليوم كمشروع يهدف الى الإبادة الجماعية الاستعمارية لأسباب عرقية واقتصادية وسياسية تحت غطاء ديني، وهو نفس النهج الذي اتبعه الأوربيون في السيطرة على أراضي "العالم الجديد" وتم من خلاله إبادة السكان الاصليين فيها. ففي أمريكا على سبيل المثال ظل أكثر من نصف الأراضي بيد سكانها الأصليين أكثر من ثلاثة قرون قبل ان يتم إبادة معظمهم خلال القرن التاسع عشر من خلال الحروب والأمراض والتجويع والتهجير القسري والقتل الجماعي، وهي وسائل يتم استخدامها حالياً لإبادة الفلسطينيين في قطاع غزة المُحاصر.

كانت إسرائيل طوال عقدي الألفية الثالثة تعمل على حماية أمنها من خلال البطش بأعدائها من جهة والتطبيع مع الدول العربية من جهة ثانية مع رفض الاعتراف بالحقوق الفلسطينية؛ لكن هذه الاستراتيجية تغيرت بعد معركة طوفان الأقصى التي أضعفت قوة الردع الإسرائيلية وقوضت إنجازات إسرائيل في الاندماج في محيطها العربي وقيادة تحالف اقتصادي وأمني إقليمي. فتصاعدت أولوية الحلول العسكرية على التنمية الاقتصادية لترسيخ إسرائيل كقوة إقليمية ضاربة ومهيمنة تقضي على القضية الفلسطينية من خلال التهجير والابادة الجماعية، ومن ثم إرضاخ دول المنطقة على التطبيع في منظومة اقتصادية-سياسية تقودها اسرائيل. وهذه الاستراتيجية الإسرائيلية تتماهى مع سياسات الرئيس الأمريكي ترامب الذي يعمل على إعادة النظر في التزامات أمريكا العالمية وإعادة تشكيل النظام الدولي القائم ليخدم المصالح الامريكية المباشرة كما يراها هو. فالجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم عاجزة عن تنفيذ أي من قرارتها، ومجلس الأمن الدولي في حالة شلل تام، بينما استخدمت أمريكا الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اعلان عدم امتثال إيران لالتزاماتها الدولية قبل يوم واحد من الهجوم الإسرائيلي، ثم تبرير الهجوم بتصريح رئيس الوكالة بأن إيران تمتلك كمية من المواد تكفي لصُنع نحو 12 قنبلة نووية، كل ذلك رغم معارضة روسيا والصين لموقف الوكالة هذا.

والأخطر من ذلك هو سعي أمريكا لفرض تحويل مفهوم الأوطان وجغرافية الدول المحمية بالقانون الدولي الى "أراضي عقارية" يمكن أن تحتلها أية دولة تمتلك القوة؛ فعدّ الرئيس ترامب سيطرة أمريكا على غزة "صفقة عقارية" وطرح مايك هاكابي سفير أمريكا في إسرائيل إعطاء "أراضي عقارية" للفلسطينيين في أي أرض إسلامية لإقامة دولتهم فيها. كل هذا مع طموحات ترامب التوسعية للاستيلاء على أراضي جديدة مثل جرينلاند وكندا وقناة بنما، يعود بالعالم الى عصر الامبراطوريات في القرن التاسع عشر والذي أدّى الى جرائم الإبادة الجماعية والحروب العالمية.

لقد فشل العدوان الإسرائيلي-الأمريكي في تحقيق أهدافه المُعلنة في التدمير الكامل للقدرة النووية الإيرانية والقضاء على القوة الصاروخية الاستراتيجية الإيرانية التي تهدد إسرائيل وفي تغيير النظام الحالي الى آخر مُطبّع مع إسرائيل. في المقابل ورغم الاضرار الكبيرة التي اصابت إيران في مختلف المجالات، فقد صمدت كدولة ونظام سياسي وشعب ونجحت في ايلام إسرائيل من خلال قصفها الصاروخي الدقيق والمدمر لبنك أهداف واسع واستراتيجي شمل منشآت عسكرية/استخباراتية وبنية تحتية ومؤسسات اقتصادية وعلمية في وسط تل أبيب وميناء حيفا ومناطق أخرى. وعلى الرغم من إن الأطراف الثلاث المنخرطة في هذه الحرب – إسرائيل وامريكا وإيران – قد أعلنت انها حققت انتصاراً كبيراً فيها، الا ان أي طرف لا يبدو سيعاود خرق وقف إطلاق النار الحالي على الاقل في المستقبل القريب، ما يعني إن هذه الحرب قد خلقت نوعاً من توازن الردع الهش، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار عدم التزام إسرائيل سابقاً بأي وقف لإطلاق النار – مثلما حصل مؤخراً في غزة ولبنان وسوريا – إذا كانت تشعر بالتفوق العسكري والقدرة على إيذاء الطرف الآخر بدون ان تدفع هي ثمناً مؤلماً لخرقها للاتفاق. لكن هذا لا يعني على الاطلاق إن الحرب الحالية في المنطقة قد انتهت، فتوازن القوة الهش الحالي قد ينهار بتطورات الصراع الإسرائيلي-الإيراني أو في تغيرات الأحداث في مختلف دول المنطقة.

إن صمود إيران كان بسبب عوامل موضوعية أهمها الحكمة الاستراتيجية في إدارة النزاع مع أمريكا وإسرائيل على مدى عقود لم تقع فيها إيران في فخاخ التصعيد بل أجبرتهما على البدء بالعدوان، ما دعم موقف الحكومة الايرانية بالدفاع عن النفس دولياً وداخلياً؛ بالإضافة الى بناء القدرات الذاتية علمياً وتكنولوجياً لتطوير وحماية البرنامج النووي والسلاح الصاروخي؛ مع القدرة على إيلام الأعداء من خلال القصف الموّجَه والمدمِر. من هذا المنطلق، يمكن أن تكون تجربة الصمود الإيراني عامل يقظة وأمل لشعوب ومجتمعات المشرق العربي. اليقظة في وجوب العمل الدؤوب لتحصين دولهم امام التحدي الوجودي في كون أراضيهم هي الساحات القادمة للمشروع الاستيطاني اللا إنساني الإسرائيلي-الغربي في ظل شلل النظام الدولي الحالي في ضبط هذا التوحش أو الدفاع عن دول المنطقة. إن هذا المشروع يسير وفق خطط مرحلية تستند إلى احتلال الأراضي والتوسع من خلال الاستيطان والسيطرة السياسية والاقتصادية على الشرق الأوسط عبر التفوق التكنولوجي والعسكري لفرض رضوخ واذعان مجتمعات المنطقة وأنظمتها السياسية. والأمل هو في صمود قوة إقليمية وثبات نهج مقاومة ذاتي ضد هذا المشروع العدواني يكون مصدر الهام ونواة لبناء مشاريع مقاومة ذاتية في دول المشرق العربي في سبيل تشكيل نظام أمنى إقليمي يمكن أن يخلق توازن قوة ضد قوى الهيمنة الاسرائيلية-الغربية.

إن منظومة سايكس-بيكو الإقليمية في المشرق العربي والتي خلقها الاستعمار بنسخته الأوربية بعد الحرب العالمية الأولى أصبحت متهرئة ومستحقة للتغيير، فلم تنتج مجتمعات مستقرة أو تنمية اقتصادية، بينما دولها لا تستطيع أن تحمي مجتمعاتها أو حدودها. فها هم الغرب وإسرائيل يسعون لبناء شرق أوسط جديد على أساس الدويلة الأثنية-الطائفية تحت مظلة تحالف الأقليات الذي تقوده إسرائيل ليستبدل مفهوم الدولة-الأمة أو الدولة الوطنية الذي لم ينجح في المشرق العربي طوال تجربة استمرت أكثر من قرن. فما هي الاستراتيجيات التي يمكن ان تطرحها القوى الوطنية في مجتمعاتنا لمواجهة هذه التحديات الوجودية والمركبة؟

بالطبع الجواب على هذا السؤال هو موضوع واسع ومعقد ويستدعي حلقة نقاش خارج نطاق هذه المقالة، لكن ما يمكن التطرق اليه هو الحاجة الى تغيير البوصلة في طريقة التفكير والتحليل وإيجاد الحلول لخلق مسار مختلف عن الطريق المسدود الذي وصلنا اليه من خلال تجربة أكثر من قرن حاولنا فيه استلهام الحلول وبناء الخبرات على هدى الحداثة الغربية. ولعل ما يدعم هذا الطرح هو الأزمة الخانقة التي تمر بها تجربة الحداثة في الدول الغربية، وهي التي تم خلق وتطوير مفاهيم الحداثة فيها بناء على تجربتها الذاتية في صيرورة استمرت قروناً عديدة وليست عبر فرض نموذج دخيل خلال قرن واحد كما هو حال في تجربتنا في المشرق العربي.

هذه البوصلة الجديدة لابد ان تحددها الأجوبة على أسئلة عديدة من أهمها: إذا كان مفهوم الدولة الوطنية الذي أسسته سايكس-بيكو قد أثبت فشله، فما هو البديل لمشروع تحالف الدويلات الاثنية-الطائفية تحت راية الغرب وإسرائيل؟ هل نعود الى مفهوم الأمة العربية الذي لم ينجح سابقاً ونحاول إعادة احيائه بتصرّف، أو نتوجه الى مفهوم الأمة الإسلامية وبتصرّف أيضاً من خلال مفهوم الدولة الحضارية الذي تتبناه الصين وروسيا ويقود حالياً التغيرات العالمية نحو التعددية القطبية؟ في كل الأحوال لابد لهذه الأجوبة أن تعالج التحديات المجتمعية والاقتصادية والجيوستراتيجية التي تواجه مجتمعاتنا الان وتجد لها الحلول.

في النهاية، لابد من التأكيد إنه على الرغم من هذه الضبابية والتحديات المركبة إلا إن الخطوات الأولى بالنسبة للقوى الوطنية الفاعلة في دول المشرق هي واضحة ولا مواربة فيها، وهي العمل لتحقيق الاستقلال عن الهيمنة الغربية وبناء الإرادة الحرة الجامعة للقوى المجتمعية الفاعلة على مدى الأوطان. وبالنسبة الى العراق، هذا يعني العمل على التخلص من سيطرة البنك الفيدرالي الأمريكي على عائدات مبيعات النفط، وفك الارتباط مع القوات الامريكية وانسحابها من العراق، والخروج من الرقابة الدولية لمجلس الأمن، بالإضافة الى تجسير الهوة التي تحول دون المشاركة الشعبية الفاعلة في العملية السياسية.



#فراس_ناجي (هاشتاغ)       Firas_Naji#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحدي الوجودي للمشرق العربي
- الشرق الأوسط بعد عودة ترامب الى الحكم
- الحرب حول فلسطين ومستقبل المنطقة – الى أين؟
- ثورة بغداد المنسية 1831- المحطة المبكرة في بزوغ العراق الحدي ...
- حرب غزة وانكشاف أزمة الحداثة الغربية
- إنتخابات مجالس المحافظات وأزمة أحزاب المعارضة في العراق
- تحوّل إسرائيل الى عبء جيوستراتيجي على أمريكا وانعكاساته الاق ...
- طوفان الأقصى والمشروع الوطني العراقي
- 14 تموز وتقرير المصير لكرد العراق
- الحرب البريطانية العراقية 1941 ودروس اليوم - نزاعُ أجيالٍ أد ...
- الحزب الشيوعي العراقي وعملية التغيير السياسي في العراق
- الغطاء السياسي لسرقة القرن في العراق
- الانتخابات المبكرة في العراق وإصلاح المنظومة الانتخابية
- رؤية اجتماعية-ثقافية لنشوء الدولة العراقية، القسم الثاني
- رؤية اجتماعية-ثقافية لنشوء الدولة العراقية، القسم الأول
- التغيير السياسي في العراق: الممكن المستعصي
- ما بين ثورة العشرين العراقية ويوم الأنزاك الأسترالي- مقارنة ...
- الانغلاق السياسي في العراق، الى أين؟
- حكام العراق الجدد وخرافة الدولة المصطنعة
- المعارضة الوطنية والتحديات القادمة - انتخابات مجالس المحافظا ...


المزيد.....




- شركة في دبي تأمل بإطلاق خدمة التاكسي الطائر في عام 2026
- ماذا قدّم أسبوع باريس للأزياء الراقية لعروس شتاء 2026؟
- أوروبا تمنح إيران مهلة: إما التفاوض بشأن برنامجها النووي أو ...
- صفقات بين واشنطن والمنامة بنحو 17 مليار دولار.. عشية لقاء تر ...
- النووي الإيراني ـ الترويكا الأوروبية تهدد طهران بإعادة فرض ا ...
- ميخائيل بوغدانوف مهندس السياسة الروسية في الشرق الأوسط
- لماذا خاطب بزشكيان الإيرانيين المغتربين؟ خبراء يجيبون
- %52 من الإسرائيليين يؤيدون حكما عسكريا في غزة
- هآرتس: تدمير غزة يُنفذ عبر مقاولين إسرائيليين يتقاضون 1500 د ...
- عاجل | وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل مهاجمة قوات النظام الس ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - فراس ناجي - هل سيكون الشرق الأوسط الجديد اسرائيلياً؟