نور طالب ناظم
الحوار المتمدن-العدد: 8393 - 2025 / 7 / 4 - 22:11
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
المبحث الثاني
التطور التاريخي للملكية الخاصة
لم تظهر الملكية الخاصة على مسرح التاريخ صدفةً، ولا بوصفها نتاجًا طبيعيًا لـ”الفطرة الإنسانية” كما يروّج لذلك الفكر القانوني السائد، بل على العكس تمامًا: إنّها نتيجة ضرورية فرضتها التحوّلات الاجتماعية–الاقتصادية التي شهدتها المجتمعات البشرية عبر أطوارها المختلفة، والتي مرّت بمراحل طويلة لم تكن تعرف فيها الملكية الخاصة، قبل أن تنتقل إلى المجتمع الطبقي¹.
ويمكن تلمّس هذا الطابع التاريخي للملكية عند دراسة أطوار الحضارة السابقة للتاريخ المكتوب²، حيث لم تكن البنية الاجتماعية البدائية للإنسان تعرف أيّ شكل من أشكال الملكية الخاصة. بل كانت الحياة الجماعية منظّمة على أسس التعاون والمشاركة بين الأفراد والجماعات، في إطار ما يُعرف بـ”المشاعية البدائية”.وحيث إنّ هذا البحث يتناول العلاقة الجدلية بين الملكية الخاصة وبنية التشريع المدني وتطوره، فمن الضروري أولًا أن نُبيّن الأسباب المادية–الاجتماعية التي أدّت إلى نشوء الملكية الخاصة، وتحوّلها إلى النواة التاريخية للتناقض الطبقي في التشكيلات الاجتماعية–الاقتصادية المتعاقبة. لذلك، نقسّم هذا المبحث إلى أربعة مطالب رئيسية، كما يلي:
1. المطلب الأول: أطوار الحضارة ما قبل التاريخ المكتوب
2. المطلب الثاني: الملكية داخل القبيلة
3. المطلب الثالث: انقسام العمل داخل القبيلة
4. المطلب الرابع: نشوء الملكية الخاصة وظهور الدولة
المطلب الأول
أطوار الحضارة ما قبل التاريخ المكتوب
لقد عاشت البشرية حقبة زمنية طويلة قد تمتد إلى آلاف السنين قبل أن تعرف الملكية الخاصة، وقد عاشت أطوارًا مختلفة استطاعت من خلالها أن تطوّر من أساليب إنتاجها وعلاقات إنتاجها، وهذا ما سوف نعرفه من خلال تقسيم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع:
الفرع الأول: المرحلة الوحشية
تنقسم هذه المرحلة إلى ثلاثة أطوار³:
1. الطور الأدنى: يمثل طفولة النوع البشري، الذي ما زال في حالته البدائية، حيث كان يعيش في الغابات الاستوائية ويعتمد في معيشته على الثمار والجذور.
2. الطور المتوسط: تمكّن الإنسان من تطوير أدواته من خلال استعمال الأدوات الحجرية، واكتشاف النار، واستخدامها في إعداد الغذاء السمكي.
3. الطور الأعلى: بدأ الإنسان بتطوير إنتاجه؛ فاكتشف القوس والسهم، ما ساعده على الصيد، وهو ما ساعد على الاستقرار في أماكن وقُرى كما تطوّرت الحرف اليدوية.
في ضوء ما سبق، لا يمكن لنا أن نخلص الى استنتاج قانوني يبيّن أن الإنسان عرف الملكية الخاصة في هذه المرحلة، لأن ظروف الحياة البدائية لم تسمح بنشوء مثل هذه الظاهرة المتقدّمة
الفرع الثاني: المرحلة البربرية
تنقسم هذه المرحلة إلى ثلاثة أطوار⁴:
1. الطور الأدنى: بدأ مع ظهور الفن الفخاري، وتدجين الحيوانات، واستئناسها، وجمع الحبوب الزراعية.
2. الطور المتوسط: شهد انتشار تدجين الحيوانات بمختلف أنواعها، واستقر الإنسان في البيوت، وزرع النباتات الصالحة للأكل، واستخدم أدوات البناء.
3. الطور الأعلى: تميز هذا الطور باكتشاف الحديد والمحراث، وممارسة الزراعة وحراثة الحقول، وتطوّر صناعة الزيت والعربات، وتبادل السفن وظهور المدن.
الفرع الثالث: مرحلة الحضارة
تميزت هذه المرحلة، وخاصة في طورها الأعلى، بظهور العلامات الأولى لنشوء الملكية الخاصة والدولة، وبدأت تُسنّ أولى التشريعات المدنية.
⸻
المطلب الثاني
الملكية داخل القبيلة
بعد استقرار الإنسان نتيجة اكتشاف الزراعة، أصبحت القبيلة النواة الأولى للتجمع البشري⁵. وكان هذا التجمع البسيط، الذي يتكوّن من عشرات الأفراد، يساعد بعضهم البعض لمواجهة الظروف المعيشية ومخاطر الطبيعة. ونتيجة تأخر أدوات الإنتاج، كانت علاقات الإنتاج تحدّد حالة التعاون بين أفراد القبيلة، وكان الجميع يقتسمون كل شيء بشكلٍ متساوٍ⁶؛ وبالتالي، كانت الملكية عامة (مشاعية).
لكن بعد تطوّر أساليب الزراعة وتحولها إلى وسيلة لإنتاج الفائض إلى جانب القنص والرعي، أدى ذلك إلى نشوء فائض من الإنتاج، تحقق معه نوع من التمايز الطبقي داخل القبيلة من خلال الاستئثار بالفائض، وكانت هذه الحالة تفرضها الفوارق العمرية أو المكانة الاجتماعية داخل القبيلة، فأنشأت استقراطية القبلية التي أصبحت تستحوذ على المنتوج الأكبر⁷. وفي ضوء هذا الأساس ظهر الميل إلى التملك الذي سيتطور إلى أن يصل إلى شكله المتكامل وهو الملكية الخاصة.
المطلب الثالث
انقسام العمل داخل القبيلة
أدّى اكتشاف الزراعة وتطوّر طرق الإنتاج إلى انقسام العمل إلى قبائل للزراعة وقبائل للري ⁸. فقاد ذلك إلى نشوء مجتمع مستقر ووفرة في الإنتاج، ونتيجة لذلك نشأ التبادل بين القبائل عن طريق رؤساء القبائل، وعدّت القطعان ملكية شخصية، ومعادل عام تلعب وظيفة النقد للتبادل مع جميع البضائع⁹.ومع تزايد الإنتاج الذي استمر بتطوّر الزراعة وتربية الحيوانات، وتطوّر الصناعات الحرفية، ظهرت الحاجة إلى قوة عمل جديدة تحتاجها القبيلة فلجأت الى الحرب التي لعبت دورًا أساسيًا في تطوّر النشاط الإنتاجي من خلال تحويل الأسرى إلى عبيد، فقاد ذلك إلى نشوء العبودية وانقسام المجتمع إلى طبقتين أسياد وعبيد، ومستثِمرين ومستثَمرين¹⁰.وبعد ذلك حدث تغيّر جوهري داخل العائلة، انتقلت خلالها السيطرة الى الرجل على حساب المرأة نتيجة سيطرته على الماشية وثمراتها وسيطرته على العبيد ، وبالتالي أصبح هو المتحكّم في الإنتاج. فنتج عن ذلك ظهور الزواج الأحادي ونشوء العائلة الفردية كقوة اقتصادية في وجه العشيرة فافضى ذلك الى انقسام العشيرة الى عدد من العائلات الكبيرة. وهكذا استمر تنامي الثروات عند الافراد واخذت الصناعات الحرفية تتقدم اكثر كصناعة الزيوت والاسلحة الحديدية، كما تطورت بدوره الزراعة بشكل اكبر ما ادى الى الاعتماد على العبيد كعنصر جوهري في زيادة الانتاج. فنتج عن ذلك انقسام ثاني في العمل كان بين الزراعة والعمل الحرفي. وكنتيجة لكل ذلك ظهرت الملكية الخاصة بأوضح تجلياتها، وتعمق الانقسام الطبقي أكثر مع تزايد فائضالإنتاج والثروات¹¹.
المطلب الرابع
نشوء الملكية الخاصة وظهور الدولة
نتيجة النمو السكاني المتزايد، وازدياد حالة الاختلاط الاجتماعي بين القبائل على أساس رابطة الدم وترابط المصالح المشتركة، قاد ذلك الى اندماج اجتماعي اكبر في ارض مشتركة واحدة، افضى الى تكون الشعب الذي يحكمه زعيم عسكري، وبدانا نرى هياكل اجتماعية داخل المجتمع وهي: (القائد العسكري، والمجلس، والجمعية الشعبية)¹²، التي كانت وظيفتها التنظيم وشن الحروب ، ومن هنا انتقل المجتمع من وضع اقتصادي يعتمد على تنظيم مشاعي ومشترك إلى وضع اقتصادي جديد يعتمد على غزو القبائل ونهبها ومراكمة الثروات عند العائلات الكبيرة ، ما أدى إلى ازدياد الفروقات في الثروات وظهور طبقة القادة العسكريين، الذين بدأوا تدريجيًا في امتلاك الأراضي. ومع تزايد التبادل التجاري ظهرت طبقة جديدة لا تشارك في الانتاج وهي طبقة التجار التي كان لها دور في ظهور النقود المسكوكة فنتج عنها الفائدة المئوية والربا. والى جانب ذلك ادى تطوّر الملكية العقارية عند العوائل القوية الى ظهور الرهن العقاري، وفي ضوء كل ذلك، أخذ التناقض بين طبقات المجتمع يزداد بشكل كبير، فانقسم المجتمع إلى أسياد وعبيد، وأغنياء وفقراء، ودائنين ومدينين، ومستثمرين ومستَثمرٍ بهم. ودائمًا ما تكون الطبقة الأولى سيدة على الثانية، وبالتالي أخذت الصراعات ما بين المصالح المادية تكبر داخل المجتمع، ولم تستطع الهيئات القديمة التي كانت سائدة في المجتمع المشاعي أن تحلّ هذه الصراعات، فانفجرت وحلّت مكانها هيئة جديدة تنظّم الحياة الاجتماعية والوضع الاقتصادي الجديد لصالح الطبقة المالكة¹³، ولصالح الملكية الخاصة، فتم اختراع الدولة كمؤسسة من داخل المجتمع الجديد المحتدم بالصراعات الطبقية.
____
الهوامش
1. فريدريك إنجلز، أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة، دار التقدم، موسكو، ص 25.
2. Lewis H. Morgan, Ancient Society, Charles H. Kerr & Co, Chicago, p.10.
3. المرجع السابق، ص 10.
4. المرجع السابق، ص 11.
5. أحمد محمد غنيم، تطور الملكية القبلية، القاهرة، 1957، ص 13.
6. المرجع السابق، ص 13.
7. سلامة كيلة، من فيبل إلى ماركس، ص 9.
8. فريدريك إنجلز، المصدر السابق، ص 215 و216.
9. المرجع نفسه، ص 223 و224.
10. المرجع نفسه، ص 223.
11. المرجع نفسه، ص 224.
12. سلامة كيلة، المرجع السابق، ص 89.
13. فريدريك إنجلز، المصدر السابق، ص 227
#نور_طالب_ناظم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟