ثنائيات الفكر الفلسفي: خلدون النبواني في مواجهة دريدا وهابرماس

بهيج حسن مسعود

الحوار المتمدن-العدد: 8372 - 2025 / 6 / 13 - 21:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

مقدمة: إشكالية الثنائيات في الفلسفة
تشكِّل الثنائيات الفكرية عصبَ التحليل الفلسفي منذ عصر أفلاطون. في هذا السياق، يُقدِّم الفيلسوف السوري_الفرنسي خلدون النبواني (مواليد 1975) رؤيةً نقديةً فريدة لثنائيات عملاقَي الفلسفة المعاصرة: جاك دريدا التفكيكية ويورغن هابرماس التواصلية، مع طرح بديل عملي يتجاوز الإشكاليات المجردة نحو فكرٍ مرتبطٍ بالسياقات العربية .
1_ الثنائيات التقليدية تحت المجهر
أ_ ثنائيات دريدا: الهدم دون بناء
اعتمد صاحب "التفكيكية" على تفكيك الثنائيات المؤسِّسة للميتافيزيقا الغربية:
_الكلام / الكتابة: كشف هيمنة "الكلام" بوصفه تعبيرًا عن الحضور المباشر، مقابل "الكتابة" كفضاءٍ للتأجيل والغياب.
_العقل / الجسد: تفكيك أولوية العقل كمصدرٍ وحيدٍ للحقيقة.
_المركز / الهامش: فضح آليات تهميش "الآخر" في الخطاب الفلسفي.
لكن النبواني يرى أن مشروع دريدا يظلُّ حبيس النصوص دون اقتراح أطرٍ عمليةٍ للتغيير الاجتماعي، ويُهمل السياقات التاريخية مثل تأثير الاستعمار في تشكيل هذه الثنائيات.
ب_ ثنائيات هابرماس: العقلانية المثالية
ركَّز فيلسوف "العمل التواصلي" على ثنائياتٍ تعكس إشكالات الحداثة:
_العقلانية الأداتية / التواصلية: نقد تحوُّل العقل إلى أداة هيمنة (في الاقتصاد/الدولة)، مقابل الدعوة لعقلٍ تواصليٍّ قائمٍ على الحوار.
_النظام / عالم الحياة: تحذيرٌ من غزو البيروقراطية والسوق لمجال القيم والهوية.
_الحداثة / ما بعد الحداثة: رفضُ مقولات "نهاية الحداثة".
ويُشير النبواني إلى أن هابرماس أغفل تأثير الهيمنة الغربية في تشكيل هذه الثنائيات، كما تجاهل دورَ الهامش (العربي، الأفريقي) في إنتاج المعرفة.
2_ النبواني: من النقد إلى التركيب
في مشروعه الفلسفي، وخاصةً في كتابه "التباسات الحداثة" (2017)، قدَّم حلولاً توفيقيةً تجمع بين:
_ كشف اللايقين الدريدي.
_ الأطر العملية لهابرماس.
_ السياقات التاريخية للعالم العربي.
أ_ نقد مزدوج:
1_ لدريدا: "الهدم النصي دون بناء بديل" و"الغموض المُتعمَّد".
2_ لهابرماس: "المركزية الغربية" و"تجاهل إخفاقات الحداثة في المجتمعات غير الأوروبية".
ب_ التركيب الجديد:
يدعو إلى:
"تحويل التفكيك من لعبة لغوية إلى أداةٍ لكشف الهيمنة في الخطاب السياسي العربي، مع توظيف شروط الحوار الهابرماسي (الصدق، الوضوح، المشروعية) لحل النزاعات".
3_ الثنائيات البديلة: نحو فلسفة عملية
ابتكر النبواني ثنائياتٍ جديدةً تنطلق من الواقع العربي:
أ_ النص / السياق
_ الجوهر: ربط الخطاب الفلسفي بالسياقات التاريخية والاجتماعية.
_ التطبيق: تحليل خطابات "الثورات العربية" وفق سياقات المظلومية والاستبداد، لا كظواهر مجردة.
ب_ التنظير / الممارسة
_ الجوهر: تجاوز التجريد النظري نحو حلول عملية.
_ التطبيق: تفكيك الطائفية كأداة هيمنة سياسية (لا مجرد مفهوم ديني)، ومقاربة كيفية تجاوزها في المجتمعات المُتعدِّدة.
ج_ المركز / الهامش
_ الجوهر: إعادة الاعتبار للمهمشين منتجي المعرفة.
_ التطبيق: قراءة تراث مفكِّري الهامش (مثل الجزائري مالك بن نبي أو المصري رفاعة الطهطاوي) كجسورٍ بين الثقافات، لا كناقلين سلبيين.
4_ تطبيقات في الواقع العربي
أ_ تفكيك الثنائيات السياسية:
_ رفض ثنائية "الدين / العلمانية" بوصفها منتجًا لصدمة الاستعمار، ودعوته لقراءتها كـ"مساحات تداخل" لا تناقض.
_ نزع السلاح عن ثنائية "الأصالة / المعاصرة" عندما توظف لإسكات الأسئلة النقدية.
ب_ مقاربة الحداثة العربية:
في دراسته لرفاعة الطهطاوي٠ كتاب "الطهطاوي: بروميثيوس العرب"، 2019:
_ يرفض قراءة الحداثة العربية كـ"مشكلة فلسفية" (على طريقة هيغل).
_ يحللها كـ"استجابة عملية" للتحديات التاريخية (كحملة نابليون).
ج_ نقد الاستبداد الطائفي:
يرى أن التحاصص الطائفي يُنتج ثنائياتٍ مصطنعةً (سُنّي/شيعي، مسلم/مسيحي) أخطر من الدكتاتورية التقليدية، لأنها تُفكِّك النسيج الاجتماعي ذاته.
الخاتمة: فلسفة من قلب المعاناة
يُقدِّم خلدون النبواني نموذجاً لفلسفة حية تتجاوز الثنائيات الجاهزة عبر:
1_ تحويل أدوات التفكيك إلى سكاكين تشريح للخطاب السياسي.
2_ توظيف العقلانية التواصلية لبناء جسور الحوار في المجتمعات المأزومة.
3_ إنتاج معرفةٍ من الهامش تُعيد تعريف المفاهيم من منظور التجربة المعيشة.
"الهامشُ قادرٌ على إنتاج رؤى أكثر إشراقًا من المركز
عندما يتحوّل مكانُ الإقصاء إلى منصةٍ لإعادة تخيُّل العالم".
_ خلاصة مشروع النبواني في "التباسات الحداثة".

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل