|
رأس المال العلم نقد -نقد الإقتصاد السياسي- نص تأليفي
طارق شامخ
الحوار المتمدن-العدد: 8371 - 2025 / 6 / 12 - 23:43
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
هذا النص هو عمل تأليفي موجز و تقديم لأهم ما ورد في كتابي بعنوان " رأس المال ـ العلم " " نقد نقد الإقتصاد السياسي " و قد صدر منه الجزء الأول بداية سنة 2025 عن دار النشر : نقوش عربيّة ـ تونس ـ و هو نقد للاقتصاد السياسي المعاصر يستفيد من ماركس و ينقده و يتجاوزه بالتطرق إلى جديد عصرنا . على أهمية هذا النص الذي يعرّف بمحتوايات كتابي إلّا أن نقيصته تكمن في الاكتفاء به و ترك التحليل و النقد العلمي المفصل و المعتمد على المنهج التجريدي و ترك الأرقام المصورة للمجسد المعاصر و كل الحسابات الرياضية ... هذا النص بشكله المقتضب يسئ لمجمل العمل إذا اكتفينا به و لكنه يعتبر مقدمة هامة حتى نرتقي بالتعامل النقدي إلى مرتبة أعلى مجددين الحلم الثوري . تبدو بضاعة عصرنا ككلّ البضائع بالرغم أنها ليست كذلك و تبدو سوق تداولها ككل الأسواق في حين لا البيع بيع و لا الشراء شراء... بضاعة تحقق الربح بدون أن تتضمنه ... إنها بضاعة مصانع ليست مصانع هي شبيهة بشركات الخدمات ... مصانع بدون عمال فالربوتات الذكيّة هي من يتولى الصناعة و المراقبة و الترصيف و الشحن و النقل و البيع و الشراء ... مصانع بها مهندسون و علماء و قلة من العمّال و لكن تدخّل جميعهم يقع خارج صيرورة العمل و خلق القيمة و لكن الربو لا يخلق القيمة فهذه خاصية بشريّة إذا نحن هنا أمام بضاعة لا تتضمن القيمة "كماهيّة" و عليه فهي في ذاتها ليست بضاعة برغم أنها تقوم بما يشبه العمل فهي ذكيّة و ذاتية الحركة أي تنتج " قيمة " ! . و لكن هذه المصانع التي تسمى مصانع 4.0 أو 5.0 و هي مصانع تعتمد تكنولوجيات متقدمة : الرقمنة و الذكاء الصناعي و السحابة الرقمية و الانترنات المتخصصة و تنتج دون عمال ... لا تشكل أغلبية المصانع في العالم فالطبقة العاملة مازالت منتشرة و عددها يزداد لكن التسابق حثيث لاستعمال هذه التتكنولوجيات بحيث لدينا مصانع تشكل درجات انتقالية فهي بين المصانع الآلية و المصانع الرقميّة و الاتجاه الغالب في العالم هو التوجه نحو الرقمنة و الذكاء الصناعي و عليه فبحثنا في هذا النوع من البضاعة الذكية الجديدة و صناعتها الرقميّة التي تخلصت كليا من قوة العمل له المشروعيّة إذا نتحدث عن الإنتاج الرقمي الصافي فما ذلك إلا لاستخلاص المفاهيم الأكثر بساطة حتى نتمكن من الإحاطة بهذا المجسم الغريب . انطلق ماركس في نقده للاقتصاد السياسي من البضاعة التي عايشها عصره و هي بضاعة الصناعة الكبيرة الآلية و هي تشبه تلك التي كانت تنتجها الحرفة و الاختلاف بينهما كبير جدا فواحدة من إنتاج يدوي بحت و الأخرى إنتاجها آليا لا يشكل العمل الحي في إنتاجها غير مرافق و تابع للآلة ، فهما نتاج أنماط إنتاج و علاقات إنتاج مختلفة . في الحرفة تبقى أداة الإنتاج كما المواد الأوليّة ملتصقة بيد الحرفي و هو سيّد العمل و يتغيّر هذا الوضع نسبيا في المانيقكتورة فالرأسمال يأخذ العمل في البداية كما هو و يغيره فيما بعد و في الصناعة الآلية يتحوّل العامل إلى تابع إلى الماكينة التي تحتكر أدوات الإنتاج و تزيد في فاعليتها و يصبح العامل تابعا لها و يتجزأ العمل و يكثف و يسرّع و لا يبقى منه غير شبه عمل أي حركات و انتباه و يصبح بحق نوعا من الأشغال الشاقة للعامل يحطم جسده بعمل تكرّر فيه نفس الحركة و يحطم نفسيته و أعصابه و يشل قدراته الفكريّة و هذا يعني أن العمل الملموس النافع خالق القيمة الإستعمالية و أساس تقسيم العمل الإجتماعي سحب من تحت أيدي العمال و صار عملهم أشبه بالعمل المجرّد ، بل أن العمل المجرّد فقد قاعدته الماديّة أي الأعمال النافعة الملموسة ليصبح ذكرى عمل مجرّد صالح لاحتساب القيمة و للتداول و التبادل و تحديد فائض القيمة و هو مجال اغتراب البضائع و إنتاجها ... فكلما فتت العمل و فقد صفته الملموسة تطورت الرأسمالية أكثر ... و مهما كان شكل العمل فإن أي تطوير للتكنولوجية سيشكل تطويرا لإنتاجية العمل الإجتماعيّة مادام العمل موزعا على الماكينات . انطلقنا في بحثنا من البضاعة الذكيّة التي لا تتضمن قيمة في ذاتها و لكنها تحوزها حالما ترتبط بعلاقات الإنتاج الرأسمالية ، فرأس المال لا ينتج البضائع فقط بل خلف هذه البضائع إنما ينتج علاقات الإنتاج و يعيد إنتاجها و عليه كل ما يدخل نطاق علاقات الإنتاج الرأسمالية سيتحصل على قيمة على سعر و لكن توافد هذه البضائع سيدخل اضطرابا على معدلات العمل المجرد أساس كل العمليات الرأسمالية كاحتساب نسب الربح و الفوائد و الريوع و على الأجور ... إن بضائعنا الذكية تحوز لها على قيمة بالسطو على قيم منتجة من طرف مصانع آلية مشغلة ، تحوز على أجور العمال و مرابيح الصناعيين البرجوازيين و مرابيح الحرفيين و تضغط عليها أيما ضغط . و بما أن تصدير البضائع هو تصدير لشكل من أشكال رأس المال و بالتالي هو تصدير لشكل من نمط الإنتاج فإننا نشهد حمى التسابق العالمي لاستعمال الرقمنة و الذكاء الإصطناعي ... و هذا سيشكل ضغطا كبيرا على العمال لترتفع نسب تسريحهم و نسب العمل الهش و يرتفع نسق التسريع في العمل و تفتيته و تشديده . بضاعتنا لا تحتوي على قيمة في ذاتها و هي نتاج تطبيق العلم في الإنتاج و ما العلم غير التجربة المجمعة للعمل عبر تاريخ البشرية و تجميع إبداعاتها معارفها و تطبيقاتها و عليه يمكن القول إن بضائعنا تحوز على قيمة عامة كعمل عام و لكن هذه القيمة و إن كانت شبيهة بقيمة منتجات المشاعات ، لكنها في طور أعلى منها و هذه القيمة العامة لا تحرّك إنتاجية العمل الإجتماعية السابقة بل تحرّك إنتاجيّة شموليّة و لها إمكانيات خلق الثروات الطائلة التي لا تنضب لو لا تقييدها بالعلاقات الرأسمالية للإنتاج . هنا نكون قد مسكنا بمفهوم جديد أرقى و هو العمل العام على أساس مجسد واقعي جديد و هو البضاعة الذكيّة و الإنتاج الرقمي و هو مفهوم أرقى من مفهوم العمل المجرّد و أكثر بساطة منه و مع ذلك و على خلاف توصيات ماركس المنهجيّة فإن المفهوم الأدنى هو الذي سيبقى مفتاح فهم المجسّد الأرقى مثلما هو مفتاح فهم المجسدات القديمة . نحن هنا أمام مسألة جديدة لم تعترض ماركس . و لكن ماذا سيفيدنا هذا المفهوم الجديد " العمل العام " و مجسده الجديد و هو لا يفسر و لا يفهم إلا بمفهوم أدنى " العمل المجرّد " ؟ القيمة هي حركة لرأس المال ، و إذا كانت ماهية القيمة هو عمل مجرّد لا يبرز إلا في حركة رأس المال و علاقات إنتاجه ، فإن العمل العام و قيمته العامة أي الإبداع البشري هما نتاج حركة رأس مال مختلف عن رأس المال الذي وصفه ماركس و حلل أجزاءه و أشكاله و حركته و دوراته و تراكمه و أزماته ... نحن إزاء رأسمال الإنتاج الرقمي مختلف عن الرأسمال الصناعي و هو ما أسميته " بالرأسمال ـ العلم " و هو مصطلح لا عقلاني بالنظر إلى طبيعة الإنتاج الرأسمالي نفسه . فهذا الرأسمال لا يقسم إلى رأسمال ثابت و آخر متحوّل و لا يخلق قيمة و لا فائض قيمة و عليه فهو ليس رأسمالا في ذاته بل هو ليس رأسمالا إلّا ضمن علاقات الإنتاج الرأسمالية . و حركة رأس المال هذا سريعة و تشمل عديد الدورات و تغطي نطاق العالم و لا يمكن ضبطها إلا كنتيجة و لهذا الرأسمال أشكال جديدة هيمنت على القديمة فالإنتاج الرقمي الصناعي و الخدماتي و الزراعة الذكية هيمنت على الصناعات الآلية المشغلة القديمة و انتاج الخدمات القديم و هيمنت على الزراعة الآلية. و التجارة الإلكترونية بالبضائع و الصيرفة الإلكترونية هيمنت على التجارة القديمة و الصيرفة القديمة بل لعل أشكال رأس المال ـ العلم المتداخلة فهي تسير على نفس الطرقات السيارة السريعة للإنترنات المختصة ، فسخت و تفسخ أشكال رأس المال الصناعي ...لقد أصبح العمل المأجور كما العمل الكلي الذي يشمل موظفي رأس المال لا لزوم له كل يوم و تحال البشرية على البطالة و التهميش . فالبطالة تغيرت نوعيا و لم يعد العاطلون جيشا احتياطيا لتنمية رأس المال كما في السابق حيث كانت الأزمات التي تشهد موجة طرد للعمال يعقبها انفراج و ازدهار بفعل توسع نطاق فاعليّة رأس المال في العالم مما ينجرّ عنه مزيد التشغيل .أمّا اليوم فإن المصانع تتحول إلى نوع من شركات الخدمات تتطور بالإنكماش فهي ليست في حاجة إلى مقرات و فروع كبيرة و كثيرة و حتى ما تبقى من عمل فيها يحقق من المنزل عن بعد . عاطل اليوم ليس عاطل الصناعات الآلية و جمهرة العاطلين و المهمشين في العالم لا تشكل طبقة بل هي عماد مجتمع المستقبل اللاطبقي و لا ينظر إليها اليوم كعاطلين إلا بحكم اندراجها ضمن علاقات انتاج رأسمالية و هي الشريحة الأكثر ثورية إلى جانب ما تبقى أو ما سيتبقى من عمال في العالم . رأس المال ـ العلم الذي بلورناه يمكن أن نراه في شكله الصافي في المصانع و المزارع الرقمية الأكثر تطورا و كذلك في المصانع و المزارع البين بين أي بين الصناعي و الرقمي فأين لا يوجد عمال مباشرين للعمل و خلق القيمة في أي جزء من المصنع فهناك إنتاج رقمي و أي جزء من المصنع يشغل عمالا و لو كان رقميا و يستعمل الذكاء الاصطناعي انما يرجع الفضل في زيادة الانتاج و الرفع في إنتاجية العمل الإجتماعية للعمال الذين يعتصرهم الروبو نفسه .. رأس المال ـ العلم حتى و إن هيمن و مارس الإنتاج الريعي على الصناعة الآلية المشغلة و ابتز القيمة التي تنتجها ، و هذا نتاج احتكار العلم ، و بالرغم من أنه يدفع الإنتاج المشغل و يحطمه في نفس الوقت إلّا أنه لا يشكل أساس علاقات الإنتاج الرأسمالية فهي نقيضه بالضبط فالعلم لا يمكن توظيفه للمصلحة الفردية الضيقة الا ليرجع بالوبال على كل البشر ... العمل العام مقيد بالعمل المجرّد فهما في صراع شبيه بصراع المادة و اللامادة الذي شكل فجر هذا الكون فهل نحن على مقربة من فجر جديد للإنسانيّة؟ رأينا أن رأس المال ـ العلم هو أساس نمط انتاج جديد داخل أسلوب الإنتاج القديم أسميته " نمط الإنتاج الرقمي " و أخطر مهمة للمشتغل بنقد الاقتصاد السياسي هو تحديد أنماط الإنتاج القديمة منها و المهيمنة و الجديدة و كان ماركس قد اعتبر مثلا نمط إنتاج الشركات المساهمة و نمط الإنتاج التعاوني للعمال أنماط إنتاج مبشرة بالشيوعيّة . و للتوضيح فإن نمط الإنتاج المهيمن مع باقي الأنماط يشكل البناء التحتي و نمط الإنتاج المهيمن يتخذ له بناء فوقيا لتعزيز هيمنته ... و الذي يفرق أنماط الإنتاج أساسا هو نمط العمل و شكل الإستغلال و هي عوامل رأيتها تغيرت بشكل جذري بالنسبة للإنماط القديمة و عليه فإن نمط الإنتاج الرقمي هو نمط ليس رأسمالي في ذاته و إنما لأنه يندرج ضمن علاقات الإنتاج الرأسماليّة فالعمل ضمنه لا يتعدى كونه عمل عام أي دون قوة عمل و ليس فيه استغلال مباشر و إنما يصبح استغلاليا بما يبتزه من قيمة من المصانع المشغلة . نمط الإنتاج الرقمي كان نتاج تطور في شروط الإنتاج و منها النقل و المواصلات و التي طورها نمط الإنتاج الصناعي و رجعت بالوبال عليه . و نمط الإنتاج هذا هو نمط الشيوعيّة المستقبليّة ، الشيوعيّة الرقميّة . و ككل أنماط الإنتاج المستقبلية الجديدة داخل أسلوب الإنتاج المهيمن هي تدخل عليه اضطرابات و هزات و أزمات في مستوى البناء التحتي و الفوقي و هذا شبيه بفعل نمط الإنتاج المانيفكتوري صلب أسلوب الإنتاج الإقطاعي . و مثلما غير رأس المال الصناعي الزراعة و حولها إلى زراعة صناعيّة فإن رأس المال ـ العلم حول الزراعة الصناعيّة الى زراعة ذكيّة تعتمد عديد التكنولجيات لتطوير إنتاجية العمل الإجتماعية إلى الإنتاجية الشمولية و لو أن هذه الإنتاجية الأخيرة تبقى مقيدة . كما تطور خصوبة الأرض و مثلما اقتلع ما تبقى من العمل من الزراعة اقتلعت كل الأسس الطبيعية عن الزراعة فاقتلع الأرض أو قلصها نسبيا و زاد نطاقها و فاعليتها بشكل مطلق و تخلص من ضغوطات العوامل الطبيعية أو يكاد ... و هذا غير الريع أو اقتلعه من جذوره ... هكذا يتخلص رأس المال من العمل أبو الثروة و من الأرض أمه و هو بذلك يضرب أساسه في العمق . تتعمق أزمات الرأسمالية القديمة و يتفاقم التناقض بين قوى الإنتاج المتطورة بسرعة و التي يتصادم فيها نمط انتاج صناعي بآخر رقمي و تضيق علاقات الإنتاج بهذا التطور العاصف و لن يعرف من حل بغير تحرير العمل من رأس المال و تحرير العلم من احتكاره ، إن ما نشهده من صراعات و حروب سيبقى دائم التأجج و لن يخفت مرحليا الا بمزيد تطوير نمط الانتاج الصناعي في البلدان المهيمن عليها و مزيد احتكار نمط الانتاج الرقمي في البلدان المهيمنة و هذا سيشكل أساس تقسيم عمل عالمي جديد و لكن الصراع من أجل امتلاك نمط الانتاج الرقمي و أسسه التكنولوجية و مواد تجهيزاته الالكترونية و الصراع السبرني على أشده في العالم ... الازمات المالية ستكون أهول و أفضع و أزمات فائض الانتاج و التداين و التضخم و الركود و الأزمات الايكولوجية و الصحية ستكون دائمة كضريبة على الجشع الرأسمالي ... و إذا كانت الأزمات هي أساس الثورات سابقا ، وهي تتضمن أسس تجاوزها في داخلها فإنه ينضاف إليها عامل جديد يفاقمها و هو و جود نمط انتاج جديد يهز أركان أسلوب الإنتاج معلنا دخولنا نطاق ثورات شيوعية عالمية مباشرة و بالتالي معلنا تقلص المراحل الانتقالية الاشتراكية و التي كانت قد شكلت عقبة لهذا المرور مع استمرار التطويق الرأسمالي . تتغير الأمبرياليّة التي وصفها لينين جذريا نحو مزيد من الهيمنة الأوسع و الأعمق و التي تمارس من طرف مجوعات من الدول و الشركات المتعددة الجنسيات التي فاق نفوذها و هيمنتها ما كان للتروستات و الكارتيلات و السنديكات التي شكلت امبريالية عصر لينين . نقدنا لماركس مكننا منه عصرنا و هذه أمثلة من ذلك النقد ، لقد بات واضحا أن العمل الذي فاق فيه الروبو أجود العمال ليس هو ميزة الإنسان الأولى و على أهميته يشكل الإبداع البشري خاصيته الأساسية و الذي بلورناه في شكل مفهوم على غاية من البساطة و هو العمل العام و الذي يخترق كل التشكيلات الطبقية و اللاطبقيّة السابقة و كل الأشكال المجتمعية و مع ذلك لم يبلور بشكل نقي إلا في عصرنا . فقيمة البضاعة التي تمثل متوسّط كمية من العمل الضروري و الإجتماعي قد وقع إسقاط الإبداع منها و هذا لضرورة عملية و هي ضرورة التبادل . و حتى باعتبار الإبداع عملا مركبا فإننا نرتكب خطأ أفظع و مع ذلك فلأجل عيون تسهيل التبادل نخترق كل قوانين القيمة و التساوي التي نحرص على احترامها لفظيا . فالقيمة كاملة لا تختزل في وقت عمل و هذا ما مكننا من نقد بعض المفاهيم التي صاغها و طورها ماركس في رأس المال و قد لاحظنا أنه من المستحيل تضمين العمل البشري كحركات جسدية و كفكر و بذل أعصاب و كإبداع في البضاعة إلا بشكل تعسفي و طبقي . و هذا مكننا من عدم اعتبار القيمة مساوية للسعر حتى في الظروف المثالية لتساوي العرض و الطلب . و اعتبرنا أن الصنميّة البضاعية أو صنميّة المال و تحول العلاقات بين الأشياء إلى علاقات اجتماعيّة و العلاقة بين البشر على علاقة شيئيّة ، لا ترجع إلى انشطار القيمة إلى قيمة استعمالية و قيمة تبادلية ولا إلى تطور الإنتاج البضاعي بل ترجع أساسا إلى محاولة تضمين القيمة في البضاعة تعسفا كأنما نضمن روحا لصنم . و رأيت أن تحديد قيمة قوة العمل التي تساوي قيمة وسائل الاستهلاك الشخصي للعامل و عائلته تجسّد في الطور الأول للتبادل ، ففي رأينا عندما ندخل مرحلة الإنتاج و استهلاك قوة العمل انتاجيا لا يجب أن نعيد استعمال تحديد قيمة قوة العمل التي بلورت خارجه و ذلك حتى نحترم منهج البحث العلمي . ففي الإنتاج يتضح أن قيمة قوة العمل التي بلورت في مرحلة التبادل الأولى هي قيمة ناقصة ، لأن قيمة المنتوج المتحصل عليه يستمدها من قيمة قوة العمل متحوّلة أثناء العمل و هذا الكلام يفند رأي ماركس الذي يقول بأن قوة العمل تنتج قيمة أكثر من قيمتها و هذا يعتبر تجاوزا لقانون القيمة و قانون حفظ الطاقة . فخلال الوقت الضروري ينتج العامل ما يساوي قيمة قوة عملة التي بلورت ناقصة في مرحلة التداول الأولى و في الوقت الزائد لا ينتج العامل عملا زائدا هكذا و كأن لا مصدر قيمي له ، بل ينتج عملا زائدا مصدره ما تبقى من قيمة قوة العمل و عليه سميت قيمة قوة العمل الأولى قوة ضرورية و الأخري قيمة إضافيّة و هي مصدر فائض القيمة . و نقدت تعريف ماركس للقيمة الزائدة على أنها عمل غير مدفوع الأجر كأنها دون مصدر قيمي ... فائض القيمة لا يمكن أن يكون عملا غير مدفوع الأجر و العمل نفسه لا قيمة له و هي تساوي قيمة قوة العمل التي تبذل في الوقت الزائد و هي تحديدا ليست فائض قيمة بل قيمة ناقصة أصلا مقتطعة من قيمة قوة العمل . قيمة قوة العمل التبادليّة مع فائض القيمة تساوي قيمة قوة العمل الجملية و إذا أضفنا القيمة القديمة لوسائل الانتاج أو العمل الميت نحصل على قيمة السلعة . إن دخولنا عصر الإنتاج الرقمي غير التمفصل الطبقي و كما رأيا ما عادت الطبقة العاملة هي القوة الأساسية في الثورة إلا جزئيا ، بل لعل شرائح منها ستتخذ مواقف رجعيّة بالنظر لتفاقم ظاهرة البطالة و التهميش و من جهة أخرى لنا شريحة من البرجوازية ممن يحتكرون العلم في الإنتاج الرقمي و الزراعة الذكية و التجارة الإلكترونيّة بالبضائع أو بالنقد ليسوا برجوازيين في ذواتهم و رأسمالهم ليس رأسمالا في ذاته و إيراداتهم ليست في شكل ربح صناعي بل في شكل ريع لاحتكار العلم و أما عن البرجوازيّة الصغيرة من المنتجين الصغار فقد أقفل الباب أمامهم للارتقاء في السلم الطبقي أما عن العاطلين و المهمشين فهم ليسوا احتياطيا لتنمية رأس المال بل جيشا متقدما للقضاء على الرأسمالية و تشهد الدولة القطرية أو القوميّة تغيرات كبرى فالرقمنة و الذكاء الإصطناعي يعطيها الفرصة لتحتجب على العيون أكثر فلها من أساليب الرقابة و التوجيه ما تعجز عنه المؤسسات القديمة و سوف تخفف من جهازها البيروقراطي و نفقاتها و تتمركز أكثر و تخفي مركزتها تلك و ستغرق المجتمع في التفاهة أكثر و تتخلص من الساسة و المثقفين و الأكادميين و رجال الدين و تجعل منهم خدما و يتقدم ممثلون من البرجوازية لتحكم و تجعل من السياسة مصدرا للربح و من الأحزاب شركات للتربح و ستغرق المجتمع في الكذب و الدعاية للبديل المجتمعي الرأسمالي بقيمه الفردانية و ترفع من قيمة الربح السهل و السريع و الفرجة و الاستهلاك و احتقار الذات البشرية . إن التغيرات التي تشهدها الدول تنحو نحو ارساء دولة عالمية غير مرئية و لكنها تحكم العالم عبر مؤسسات عالمية قديمة و لكنها غيرت محتوياتها و بالنظر لتواصل الأزمات و تفاقمها ستصبح السياسة العالمية فاشية و صهيونية بشكل جلي و ستكون معادية للإنسان و للحق في تقرير المصير و هذا سيفجر الصراعات بين كبريات الدول الرأسمالية من أجل السطو على موارد الكرة أرضية و على أسواقها و على تحقيق المرابيح المطلقة و هو ما سيكون أساس اندلاع حروب نظامية و ارهابية و ابادة جماعية متواصلة ... كما أن التطورات غيرت الصراع الطبقي جوهريا و شكليا ليتخذ شكل صراع بين شرائح عاطلة و مهمشة و كادحة عمالا فقراء و منتجين صغار شرائح ذات اهتمامات متعددة و متنوعة ضد الرأسمالية المحلية و الأجنبية في نفس الوقت و هذا الصراع و ان اتخذ الشكل المحلي إلى أنه عالمي بالفعل و ليس بالقوة . كما أن الرقمنة و الذكاء الاصطناعي و الاتصالات و الانترنات و التشكل الطبقي الجديد و شكل الدولة الجديد سيغير شكل تنظم الجماهير من التنظم الهرمي السلطوي الذي كان نسخة للتنظيم الهرمي للانتاج و للدولة ... فالجماهير المنتشره على مساحات شاسعة ستمكنها التكونولوجيا المعاصرة من التنظم بشكل ناجع ملائم للعصر ستنتظم بشكل شبكي قاعدي لا سلطوي يصعب اصطياده و رصده ... ان دخولنا عصر الثورة الشيوعية عالميا أي عصر تجاوز المرحلة الإشتراكية أو اختزالها سيغير السياسات و التوجهات و طرق العمل النضالية و لكن هذا لا يعني أن لا نأخذ بعين الإعتبار الخصوصيات التي تفرق المجتمعات والدول بعضها عن بعض برغم تأثير نمط الإنتاج الرقمي و دمجه أكثر لمصير كل جماهير العالم . كل هذه التطورات لم أطرحها بشكل مفصل في الجزء الثاني من الكتاب فاكتفيت بالظواهر الإقتصادية بالنظر إلى أن هدف كتابي هو دراسة نقدية لكتاب رأس المال لكارل ماركس و حيث انتهت دراسته توقفت أنا بدوري فالموضوعات التي أشرت إليها هي موضعات لكتب بمفردها . نقد نقد الإقتصاد السياسي .. هو العنوان الثاني للكتاب بما يعني دخول عصر نهاية الرأسماليّة و عدم امكانيّة عودتها و عليه نحن ندخل عصر تجاوز الإقتصاد السياسي و نقده و تدخل الثورة نطاق عصر الثورة الشيوعية المباشرة . فنقيض الإقتصاد السياسي بحق هي الشيوعيّة . و هذا يعني أيضا دخول عصر نقد ماركس نفسه بما يمكن عصرنا من مفاهيم أرقى و أكثر بساطة و شمولا لكل أشكال المجتمعات السابقة . و حتى في خصوص المنهج الجدلي الذي فرض نفسه و نحن نتبع خطى ماركس نراه لا يسعفنا فلا بد أن نطور منهجا يواتي الثورات العلميّة و التطورات العاصفة التي يشهدها أسلوب الإنتاج الرأسمالي في مرحلة تفسخه و نأكله الداخلي كعلامة على النضج و بلوغ مرحلة مقدمات تجاوزه . درست الكثير من المراجع التي تتناول نفس الموضوع و تعلمت منها الكثير و لكن لم أجد ما يشفي الغليل منهجا و صرامة علمية و دقة مثل دراسة كارل ماركس في كتابه رأس المال هذا الصرح المنسي و الذي يساء أليه بتجميده و تقديسه ليس خوفا على الماركسية بل خوفا من ضياع مواقع و امتيازات حراس المعبد الذين يرفضون الإقرار بالواقع الجديد و هو أمام أعينهم مصورين الوضع الجديد للإنتاج الرقمي على أنه كذبة ليبيراليّة ، إن ما يتأهل للسقوط هي مواقع هؤلاء الحراس و معه النظام الرأسمالي و بزوغ عصر الشيوعية الرقميّة الحقيقي من وراء هول العصر و إمكانية إفناء الحياة من على وجه الأرض. العودة إلى ماركس أصبح شعار المرحلة و هذا لما يشهده العالم من فضاعات تذكر بما وصفه ماركس في بداية النهوض الرأسمالي و لكن الحذر واجب فليس لما يشهده العالم اليوم من شبه مع ما حلله ماركس إلا كون هذه الظواهر تتنزل في إطار علاقات الإنتاج الرأسمالية عامة فالظواهر خداعة . كتابي يؤكد على ضرورة تجاوز الإشكالات القديمة بين الماركسية و اللاسلطويّة و المنجرّة عن عدم نضج الرأسمالية و ضرورة المراحل الإنتقاليّة كما طرح ماركس في حين كانت معارضته محقة من طرف اللاسلطويين حول العودة مجددا للدولة و الطبقية و هو ما أثبتته التجربة التاريخيّة و اليوم لا مفرّ من توحّد فرعي الشيوعيّة و لكن على أسس جديدة للتهيؤ للانتقال للشيوعيّة بتوفر العوامل الذاتيّة . تونس في 12/ 06 / 2025
#طارق_شامخ (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رأس المال العلم نقد -نقد الإقتصاد السياسي- نص تأل
...
المزيد.....
-
فيديو ما قاله محمد بن سلمان عن -إيران العام 2025- بتصريح يعو
...
-
السعودية.. توجيه ملكي بعد عرض محمد بن سلمان عن حجاج إيران بع
...
-
مراسل CNN يتفاجىء بسقوط صاروخ بالقرب منه في إسرائيل.. شاهد ر
...
-
الأردن يعلن فتح أجوائه أمام حركة الطيران المدني
-
وكالة الطاقة الذرية الإيرانية: الأضرار في منشأة نطنز سطحية
...
-
ضربات إسرائيل على إيران تُربك مؤتمر -حل الدولتين-
-
في اتصالات عاجلة.. ولي العهد السعودي يحاور قادة أوروبا بشأن
...
-
الأردن.. سقوط أجسام جوية في عدد من مناطق المملكة (فيديوهات)
...
-
مادورو يدعو شعب إسرائيل إلى وقف العدوان على إيران وفلسطين
-
الأردن يعلن فتح أجوائه أمام حركة الطيران المدني
المزيد.....
-
نبذ العدمية: هل نكون مخطئين حقًا: العدمية المستنيرة أم الطبي
...
/ زهير الخويلدي
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
المزيد.....
|