أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح بشير - صباحات القدس.. قصيدة فجر وأسرار روح..














المزيد.....

صباحات القدس.. قصيدة فجر وأسرار روح..


صباح بشير
أديبة وناقدة

(Sabah Basheer)


الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 18:06
المحور: الادب والفن
    


صباحات القدس.. قصيدة فجر وأسرار روح

مع أوّل خيط ذهبيّ نسجه صباح هذا اليوم في سماء القدس، شعرت بالمدينة تستيقظ على همسات قديمة، كأنّها صلوات سرمديّة تلامس الرّوح، إذ ينهض الصّباح فيها متوشّحا بعبق التّاريخ وأريج البلسم، فيمتزج نداء المآذن بأصوات أجراس الكنائس مع زقزقة العصافير الّتي تتراقص على غصون أشجار الزّيتون المعمّرة أمام البيوت.
تتنفّس القدس صباحها بعمق، فيفوح من أزقّتها رائحة الخبز السّاخن، وزيت الزيتون البكر، وحبّات التّوابل الّتي تطحن ببطء، لتبعث في النّفس انتعاشا يشبه نسيما عليلا يحمل معه عبق الزّعتر البريّ، وتتسلّل إلى الوجود رائحة القهوة الّتي تنسج خيوطها في أرجاء المكان كلّه، كأنّها عطر أزليّ يوقظ الحواسّ ويبعثر الهموم، كقصيدة عطريّة ترتّلها حبّات البنّ المحمّصة، لتعانق نسمات النّهار، وتعلن بداية يوم بعبق جديد، يمتزج فيه الدّفء بالحياة والأمل، فتغدو كلّ زاوية وكلّ ركن، مسرحا لهذا العطر الّذي يأسر القلوب وينعش الأرواح، فكلّ حجر في المدينة يروي حكاية، وكلّ زاوية تخبئ سرّا.
أمّا نكهة الكعك المقدسيّ فهي حكاية بحدّ ذاتها، تختزل عبق المكان وروحه، فهو يُعجَن بحبّ الأرض ويخبز بلون القمح.
هو رفيق الجلسات الصباحيّة، حيث يختلط عبيره الزّكيّ بضحكات الأهل ودفء الأحاديث، هو جزء لا يتجزّأ من طقوس الحياة المقدسيّة، ورسالة محبّة تقدّم من قلب المدينة إلى كلّ من يتوق إلى طعم الأصالة.
في الصّباح الباكر، تتجلّى هذه الأسرار كلوحات فنّيّة، رسمتها أيادٍ خفيّة على مرّ العصور.
ترى الباعة يتأهّبون، وتسمع ضحكات الأطفال وهي تتناثر في الهواء كأنّها حبّات لؤلؤ.
وما إن اكتمل ضوء الصّباح حتّى وجدت نفسي أسير في أزقّة القدس، لا تائهة بل مفتونة بكلّ تفصيلة تحت نور شمسها المشعّة.
هي ليست أشعّة شمس تلوح في الأفق، بل هي قناديل نور توقد في دروب القلب، تضيء الأزقّة الحجريّة العتيقة، وتقبّل جدرانها الّتي شهدت قصصا لا تحصى من الصّمود والعشق.
توقّفت عند زاوية مهملة، حيث تتدلّى أغصان شجرة تين عتيقة، نضجت قبل أوانها، فحمَلَت ثمارا بنفسجيّة ناضجة، لم يمدّ إليها أحد يده، قطفت ثلاث حبّات تين بحذر، وحملتها بين كفّيّ كأنّها جواهر نادرة، وأكملت طريقي نحو السّوق القديم، وهناك.. جلست بجوار رجل عجوز يبيع الأزهار ، وجهه محفور بتجاعيد الزّمن، قدّمت له حبّة تين مبتسمة، فأشرَقت أساريره بابتسامة تشبه نور المكان، وأهداني غصنا من ياسمين فوّاح.
ثمّ واصلت طريقي، لأجد طفلين يلعبان بجوار الطّريق، أحدهما فقد كُرَته الصّغيرة، فأعطيت كلّ واحد منهما حبّة تين، وأخبرتهما أنّهما سحر يجلب الفرح.
تفتّحت عيناهما بالبهجة، وتعالت ضحكاتهما البريئة الّتي غمرت المكان بالجمال.
بعد ذلك، توجّهت إلى مقهى أنيق؛ لأحتسي فنجانا من القهوة السّاخنة المعتّقة بالهيل، وأنا أتأمّل جمال الشّوارع وأصوات المارّة.
هذه الأشياء البسيطة الّتي شاركتكم بها، أشعلت في نفسي جذوة الفرح، وجعلت هذا الصّباح بداية ليوم جديد بهيج، فهذه المدينة تحتضن في قلبها أرواحا تعلّقت بها، وتشتاق إلى ترابها.
شعرت أنّ هذا النّهار زاخر بالرّوحانيّة، حيث يعانق فيه المكان أبديّة الزّمان، ليعلن للعالم أنّ فيه من السّحر ما لا يمحوه ليل ولا يدركه وصف، ففي كلّ ومضة فجر، تعيد القدس اكتشاف ذاتها ببهجة، وتلقي على محبّيها تحيّة من نور وسكينة، وكأنّها تهمس وتقول: ها أنا ذا، أشرق من جديد، ومعي قصص لم تُروَ بعد، وأمل لا ينتهي.
وتظلّ في توق دائم لسلام يعانق قبابها، وهدوء ينساب بين أزقّتها، لتشفى جراحها وتزهر فيها الحياة بصفاء أبديّ.



#صباح_بشير (هاشتاغ)       Sabah_Basheer#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وشائج الرّوح واللّغة.. سرّ الأدب
- رواية -أولاد جلوة- للرّوائيّ قاسم توفيق، جذور ورمال، وحكاية ...
- الفكر النّسويّ عند ماجد الغرباوي، قراءة في كتاب جديد
- يوم المرأة العالميّ، احتفال بالحقوق أم ترسيخ للصّور النّمطيّ ...
- -صيّاد.. سمكة وصنّارة-، كتاب يغوص في ذاكرة البحر
- قصيدة -مطر على خدّ الطّين-.. بحث عن الذّات في محراب الحبّ وا ...
- رحلة في أعماق الذّاكرة والوجدان: قراءة في رواية -منزل الذّكر ...
- -والي المدينة-.. ومضات سهيل عيساوي تضيء عوالم مكثّفة
- رحلة في ذاكرة المدينة
- -راحوا وما عادوا-، رحلة في ذاكرة الأحبّة للدّكتور نبيه القاس ...
- الاحتفاءً برواية -فرصة ثانية- للأديبة صباح بشير في نادي حيفا ...
- قراءة في المجموعة القصصيّة -لماذا فعلت ذلك يا صديقي؟- للدّكت ...
- التّراث الفكريّ في رواية -حيوات سحيقة- للرّوائي الأردنيّ يحي ...
- إصدار جديد للأديبة صباح بشير: -طريق الأمل- قصّة تبعث الأمل ف ...
- في متاهات الذّاكرة.. قراءة في رواية -ممرّات هشّة- للأديب د. ...
- كتاب -صيّاد، سمكة وصنّارة-
- -أرملة من الجليل-، سيرة ذاتيّة تتحدّى النّسيان وتحتفي بالحيا ...
- صدور رواية -فرصة ثانية- للأديبة صباح بشير
- نادي حيفا الثّقافيّ يحتفي بالأديبة صباح بشير وإصدارها الجديد ...
- رواية -دروب العتمة-.. رحلة في دهاليز الذّاكرة


المزيد.....




- تشييع الفنان اللبناني زياد الرحباني... وفيروز في وداعه
- (فيديو) في وداع الرحباني.. ماجدة الرومي تبكي عند أقدام فيروز ...
- -ركعت أمامها وقبلت يديها-.. تفاعل مع أسلوب عزاء ماجدة الرومي ...
- الممثلة المصرية وفاء عامر ترد على اتهامات الاتجار بالأعضاء
- لبنان: الحزن يخيم على مراسم جنازة زياد الرحباني بحضور والدته ...
- ترامب يتهم الفنانة بلا دليل.. ما حقيقة حصول بيونسيه على أموا ...
- -تاريخ استعماري-.. تصريحات وزير هندي تثير الجدل بشأن تحدث ال ...
- فلسفة الذم والشتائم في الأدب.. كيف تحوّل الذم إلى غرض شعري؟ ...
- فيديو.. أول ظهور للفنانة فيروز في مراسم تشييع زياد الرحباني ...
- التجويع يواصل الفتك بسكان غزة ومنظمات دولية تحذر من -مسرحية ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح بشير - صباحات القدس.. قصيدة فجر وأسرار روح..