أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح بشير - وشائج الرّوح واللّغة.. سرّ الأدب














المزيد.....

وشائج الرّوح واللّغة.. سرّ الأدب


صباح بشير
أديبة وناقدة

(Sabah Basheer)


الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 20:47
المحور: الادب والفن
    


صباح بشير:

ذات مرّة، قرأت مقولة بليغة مفادها: إنّ قيمة أيّ عمل تكمن في وشائج العلاقة الّتي تنمو وتزهر بين اللّغة والتّجربة الشّعوريّة، وإنّ الفروقات الدّقيقة الّتي تتخلّق عن هذا التّآلف، هي بذاتها ما تصوغ التّفاوت الجليّ بين الأدباء، وبين نتاجاتهم الأدبيّة الخالدة أو الزائلة، وهذا القول، هو قول صدق، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فكم من حروف خطّها قلم، ظنّها صاحبها آيات بيّنات، وما هي إلا رماد تتطاير به الرّياح، لأنّها جرّدت من روح التّجربة الشّعوريّة الصّادقة، ولم تسقَ بماء اللّغة الحيّة الّتي تتنفّس وتنبض بالحياة، وكم من كلمات قليلة، تركت في النّفوس أثرا عميقا، لأنّها انسجمت مع نبض القلب، فكانت كالنّهر الجاري يروي ظمأ الرّوح، أو كالبدر السّاطع يهدي الحائر في الظّلمات.
إنّ الكاتب الحقيقيّ هو من يملك مفتاح هذه العلاقة السّرّيّة، يغوص في أعماق ذاته ويستخرج لآلئ التّجربة الإنسانيّة، ثمّ يشكّلها في قوالب لغويّة بديعة، تتراقص فيها الحروف كالنّغم، وتتجلّى فيها المعاني كالبدر في ليلة تمامه. هو من لا يخشى أن يكشف عن جراحاته وأن يبوح بأسراره، وأن يمزج دمعته أو فرحته بمداده؛ ليصنع عملا أدبيّا حقيقيّا، يصدح بالحياة ويضيء دروب الأجيال.
إنّه ذلك الّذي يحوّل الأنين إلى لحن، والشّوق إلى قصيدة، والانتظار إلى حكاية؛ لتغدو سطوره جسورا من نور بين القلوب والعقول، فتخلّد ذكرى صاحبها، وتبقى شهادة على عظمة الكلمة الصّادقة، إذا ما عانقت الرّوح الملهمة. وليس عجيبا أن نرى نصوصا كتبت بمداد الوجع، أو بريشة الأمل، أو بأنامل الشّوق، فكيف تبقى عصيّة على الزّوال، تحاكي أرواحا عبر الأزمان، كأنّها كتبت لتوّها في لحظة الآن؟
في الحقيقة، هي لم تكن رصفا لحروف جوفاء، بل كانت نبضا من حياة، وهمسا من روح، وصوتا يتردّد في صميم الوجود.
إنّها تلك الرّوح الكامنة في طيّات الحرف، وتلك المصداقيّة النّابعة من حوافّ القلب، هي من يمنح العمل الأدبيّ قوة لا تقهر، وبهاء لا يخبو، وخلودا يتجاوز الفناء؛ ليصبح الأديب رسولا للجمال برسالته، وفنّانا يخطّ على صحائف الوجود لوحات أبديّة من الفكر والشّعور، شاهدا على عصره، ومنيرا دروب الأجيال بعمق بصيرته، فيظلّ صوته يتردّد عبر الأزمان، حاملا معه إرثا من الحقيقة والجمال، لا يمحوه تقادم الأيّام.
نعم، إنّ الزّمان يمضي حثيثا، ويلهث الإنسان خلف سراب لحظة عابرة، ما تلبث أن تذوي، تاركة خلفها عجزا موجعا عن استبقائها، وكما قيل في حكمة بالغة: "إنّ أوهن الحبر لأقدر على البقاء من أقوى ذاكرة".
من هنا، لا يجد الكاتب حصنا من جبروت الفناء وزوال اللّحظات إلّا في حبره المسفوك على بياض الورق.
هكذا، يصارع الزّمن، ويخلّد اللّحظة؛ يصوغ بكلماته ما اختلج في أعماقه من تأمّلات وأحاسيس، ويبثّ بين السّطور ما أشرق في دواخله من أفكار وجدانيّات، فإن كان ما خطّه أصيلا، بقيت روح اللّحظة فيه حيّة نابضة، لا يطويها النّسيان، ولا يذيبها مرور الأيّام.
بهذا، ينهض الكاتب منتصرا على حتميّة الزّوال، مسجّلا للوجود خلودا سرمديّا عبر ما نَزَفه قلمه من إلهام، يشعل به قناديل الفكر في دروب الظّلام، ويهمس للحياة بلسان لا يعييه مرّ الأعوام.



#صباح_بشير (هاشتاغ)       Sabah_Basheer#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية -أولاد جلوة- للرّوائيّ قاسم توفيق، جذور ورمال، وحكاية ...
- الفكر النّسويّ عند ماجد الغرباوي، قراءة في كتاب جديد
- يوم المرأة العالميّ، احتفال بالحقوق أم ترسيخ للصّور النّمطيّ ...
- -صيّاد.. سمكة وصنّارة-، كتاب يغوص في ذاكرة البحر
- قصيدة -مطر على خدّ الطّين-.. بحث عن الذّات في محراب الحبّ وا ...
- رحلة في أعماق الذّاكرة والوجدان: قراءة في رواية -منزل الذّكر ...
- -والي المدينة-.. ومضات سهيل عيساوي تضيء عوالم مكثّفة
- رحلة في ذاكرة المدينة
- -راحوا وما عادوا-، رحلة في ذاكرة الأحبّة للدّكتور نبيه القاس ...
- الاحتفاءً برواية -فرصة ثانية- للأديبة صباح بشير في نادي حيفا ...
- قراءة في المجموعة القصصيّة -لماذا فعلت ذلك يا صديقي؟- للدّكت ...
- التّراث الفكريّ في رواية -حيوات سحيقة- للرّوائي الأردنيّ يحي ...
- إصدار جديد للأديبة صباح بشير: -طريق الأمل- قصّة تبعث الأمل ف ...
- في متاهات الذّاكرة.. قراءة في رواية -ممرّات هشّة- للأديب د. ...
- كتاب -صيّاد، سمكة وصنّارة-
- -أرملة من الجليل-، سيرة ذاتيّة تتحدّى النّسيان وتحتفي بالحيا ...
- صدور رواية -فرصة ثانية- للأديبة صباح بشير
- نادي حيفا الثّقافيّ يحتفي بالأديبة صباح بشير وإصدارها الجديد ...
- رواية -دروب العتمة-.. رحلة في دهاليز الذّاكرة
- تطوّر الفنّ الرّوائيّ والقصصيّ عند حنان الشّيخ (1970-2005) د ...


المزيد.....




- إيران: المحكمة العليا تؤيد حكم الإعدام ضد مغني الراب تاتالو ...
- كراسي ماري أنطوانيت.. كنوز ملكية تبيّن أنها مزيفة!
- قراءة شاملة لجذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور المؤر ...
- فنان عالمي شهير يواجه اتهامات بسلوك غير لائق ومغازلة فتيات ق ...
- فنانة أمريكية مثيرة تطلق صابونا من ماء الاستحمام الخاص بها.. ...
- مقدم كوميدي أمريكي شهير يعلّق على خلاف ترامب وماسك ويثير ضحك ...
- فنانة أمريكية مثيرة تطلق صابونا من ماء الاستحمام الخاص بها.. ...
- فيلم -فلو- يتجاوز 57 مليون دولار في إنجاز غير مسبوق للرسوم ا ...
- -سوذبيز- تطرح سترة سينمائية شهيرة من الثمانينيات بمزاد علني. ...
- رحيل الفنانة العراقية غزوة الخالدي بعد مسيرة حافلة على خشبة ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح بشير - وشائج الرّوح واللّغة.. سرّ الأدب