علي عظيم
كاتب ومحامٍ عراقي
(Ali Adheem)
الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 19:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كانت أول مرافعةٍ لي بعد ثلاثةِ أيامٍ من حصولي على هوية المحاماة، ولعليّ من قلائل المحامين الذين توكلوا بدعاوٍ في بداية مسيرتهم المهنية، ولا أخفي عليكم خوفي وقلقي مما سينتظرني داخل قاعةِ المحكمة وأنا لا أضمن مزاجيات الإنسان والقاضي إنسان يتعرض إلى ضغوطات قد تعكر مزاجه وهذا ما يؤثر على سير الجلسات، وحتى أتفادى ذلك وأرى آلية الترافع في الواقع العملي، "للتنويه أنا أحفظ أغلب قواعد قانون المرافعات المدنية عن ظهر قلب" لكن لا أريد للواقع أن يفاجئني، لذ دونت أسمي وسط قائمة دعاوى المحامين وجلسات كما بقية المحامين أنتظر دوري، وإذا بأحد المحامين الكبار الذين تأثرتُ بهم سجل أسمه بذات القائمة وجلس قبالتي فبادرت إلى تحيته بإيماء أحتراماً للمحكمة، وبعد برهةٍ يسيرة إذا به يقوم ومحامي خصمه للترافع! ضارباً كلّ من في القاعة عرض الحائط من ضمنهم قاضية المحكمة التي جاملته قائلةً له: "خاف مو دوركم" وهي تعلم علم اليقين أن الدور ليس دوره، وهو أجاب بكل ثقةٍ: "لا دورنا" وهذهِ أول سرقةٍ أتعرض لها بعد أكتساب هوية المحاماة. انطلقا بالترافع وكان محامينا الكبير وكيلاً عن المدعي الذي أقام دعوى تفريقٍ ضد زوجته التي تعاني من إضطراباتٍ نفسيةٍ وعقليةٍ بحسب إدعائه، وأثناء أستجواب الزوجة من قبل المحكمة بقي محامينا الكبير يضحك كلما نطقت الفتاة! يشاركه بذلك بعض المحامين التافهين، وعندما سألتها القاضية هل صحيح أنها تعاني من أمراض عقلية ونفسية فصمتت قليلاً وأنا أراقب والدمعة تريد القفز من عيني، لكني وبصعوبة كبيرة أستطيع المحافظة على صلابتي، أيُ سؤالٍ مهولٍ هذا؟! كيف يعرف الإنسان أنه عاقل؟! وهو يتفاعل مع اللامعقول أكثر من المعقول!، وبعد الصمت قالت الفتاة بصوتٍ متهدج: لا.
أستمرت الزوجة بعرض دنائة زوجها في التعامل معها بداءً من التنمر وليس أنتهاء بالضرب والسب لأتفه الأسباب ثم اختتمت الفتاة ذات السبعة عشر عاماً المرافعة بعبارة توجهت بها إلى محامينا الكبير "تقبلها على أختك!".
هذه الفتاة بالكاد تعرف القراءة والكتابة لكنها أنهت مسيرة محامٍ حاصل على شهادةِ دكتوراه، أنهت مسيرته بنسبة لي على الأقل، وخلال خمسة دقائق فقط عرته عما قرأ وكتب ونظر إليه.
#علي_عظيم (هاشتاغ)
Ali_Adheem#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟