|
«أَيْسَ غِلٌّ بِذِي ﭐلْيُدِيِّ لَبِيدُ / لَيْسَ كُلٌّ وَذُو ﭐلْرَّدِيِّ عَبِيدُ» (1)
غياث المرزوق
(Ghiath El Marzouk)
الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 15:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ﭐَلْعَبْـــدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَـــالِحٍ بِـــأَخٍٍ /... لَوْ أَنَّهُ فِي ثِيَابِ ﭐلْحُرِّ مَوْلُودُ، لَا تَشْـتَرِ ﭐلْعَبْـــدَ إِلَّا وَﭐلْعَصَا مَعَهُ /... إِنَّ ﭐلْعَبِيــدَ لَأَنْجَاسٌ مَنَــاكِيدُ! اَلْمُتَنَبِّي –
(1)
بعدَ حَشْدٍ لافتٍ من تمثيلاتِ القصيدِ السَّاخِرِ واللاذعِ مكتوبًا بِسِيمَاءٍ عروضيٍّ وفحوَائِيٍّ خاصٍّ، وقدْ جَاءتْ هٰكذا تمثيلاتٌ تحتَ العنوانِ المُتَنَاصِّ حَابِيًا عنْ قَصْدٍ مقصُودٍ وعنوانَ الروايةِ (الصُّوفِيَّةِ) الشهيرةِ للكاتبةِ التركيَّةِ إليف شافاق، «خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ» – والغايةُ المُثْلَى، بالطبعِ، أنْ تبلغَ التمثيلاتُ هٰكذا رقمًا، بلْ أكثرَ حتى في المَآلِ – رأيتُ الآنَ أنْ أُبَيِّنَ في هٰذا المقالِ الأدبيِّ السياسيِّ تبيَانًا بِشَيْءٍ من التعليلِ والإيضاحِ مَدَى الاِستعمالِ العَامِدِ هٰهُنَا لِمُفْرَدَةِ ‹العَبْدِ› بالذاتِ، وبالإضافةِ إلى عددٍ معدُودٍ من مُرَادِفَاتِهَا الجَائزةِ الوُرُودِ في اللسَانِ العربيِّ، كمثلِ ‹القِنِّ› و‹القَيْنِ› و‹العَسِيفِ› و‹النَّقِيطِ› و‹المَاهِنِ› و‹المَمْلُوكِ›، ومَا إلى هنالك. ذٰلك لأنَّ المَسْعَى المُرَادَ لهٰذا التبيَانِ التعليلِيِّ والإيضاحِيِّ إنَّمَا هو مَسْعًى ثنائيٌّ بماهيَّتِهِ مثلمَا يتحتَّمُ عليهِ مقتضَى الحَالِ، أو هٰكذا يتبدَّى: فمن طرفٍ أوَّلَ، إنَّهُ ‹تعيينٌ مِرَانِيٌّ› ليسَ لَهُ، في هٰذا بدئيًّا، إلَّا أنْ يُعَيِّنَ أمثالَ ذٰلك ‹الشخصِ› المعنيِّ شخصًا وَاطِئًا أو دنيئًا أو دَنِيًّا يستحقُّ كلَّ الاِستحقاقِ بالدَّلِيلِ الدَّامِغِ والحَاسِمِ قطعِيًّا أَيًّا من أشكالِ هٰذِهِ التوصيفاتِ الاِحتقاريَّةِ والاِزدرَائيَّةِ الآنفةِ الذِّكْرِ، إفرادًا كانتْ أو إجماعًا، حسبَمَا يقتضيهِ مَا يُسَمَّى لِسَانِيًّا بـ‹المَنْضُودِ الكَلِمِيِّ› Verbal Collocation، على الأقلِّ مَاثِلًا كحَدٍّ توصيفيٍّ أو حتى تنعيتِيٍّ أدنى. ومن طرفٍ آخَرَ، إنَّهُ ‹تَجَنُّبٌ قِرَانِيٌّ› مَا لَهُ، في ذاك بعدَئذٍ، خَلَا أنْ يتجنَّبَ، هو الآخَرُ، كُلَّ أشكالِ الالتباسِ وإسَاءَةِ الفَهْمِ طارئةً، ولَا ريبَ في هٰذا، طُرُوءًا حتميًّا، أو بالكادِ، من لَدُنْ أشتاتِ السَّطْحِيِّينَ والمُغْرِضِينَ من ذوي الاِفترَاءِ البخيسِ والتخرُّصِ الأبخسِ على اختلافِ مشاربِهِمْ ومآربِهِمْ، وما أكثرَهُمْ عددًا وعُدَّةً في هٰذا الزَّمَانِ الرَّقَمِيِّ مرئيًّا ومَا يحتويهِ من نماذجِ ‹الهَوَامِ الضَّوْئِيِّ› مُتَوَخًّى هٰكذا بمَا يبتنيهِ جَنَابُ التعبيرِ اللطيفِ. من هنا، لَا بدَّ إذن من التوريدِ والتأكيدِ بالإلحَاحِ الشديدِ بأنَّ ذٰلك ‹الشخصَ› المعنيَّ شخصًا وَاطِئًا أو دنيئًا أو دَنِيًّا إنَّمَا هو ‹عبدٌ› أو ‹قِنٌّ› عَتُوفٌ نَتُوفٌ لَا توحي هيئتُهُ الزَّرِيَّةُ من جَرَّاءِ هٰكذا عَتْفٍ وهٰكذا نَتْفٍ سِوَى بهيئةٍ أَزْرَى حتى لِـ‹وَغْبٍ ذكوريٍّ› مُخَنَّثٍ مُتَشَبِّهٍ بإحدى أولٰئك البَغَايَا المُسْتَرْجِلَاتِ، أو حتى أولٰئك المَوَامِيسِ الرَّسْحَاوَاتِ أَنَّى تواجدنَ بالمَظِنَّةِ أو بالمَظَانِّ حَرِيًّا، على الرَّغمِ من أنَّ هٰؤلاءِ البَغَايَا والمَوَامِيسَ ذواتِهِنَّ، والحقُّ ينبغي أن يُقالَ هٰهُنَا، يُبدينَ بينَ طَيَّاتِهِنَّ ‹شخصيَّاتٍ› لَأكثرَ إنسانيَّةً وأكثرَ أخلَاقيَّةً بكثيرٍ من هٰكذا ‹عبدٍ› أو ‹قِنٍّ› عَتُوفٍ نَتُوفٍ غيرِ جديرٍ في الأسَاسِ بأيِّمَا تقييمٍ أو تثمينٍ في سوقِ النِّخَاسَةِ بالذاتِ حتى في أَبْهَى وأَزْهَى أحْوَالِهِ غيضًا أو فيضًا. ومن هنا، أيضًا، لَا بدَّ كذاك إذن من التذكيرِ والتنذيرِ بالإلحَاحِ الأشدِّ بأنَّنِي فردًا وبأنَّنَا جمعًا لسنَا بالمطلقِ من قريبٍ أو من بعيدٍ على الضِّدِّ من أَيِّمَا شكلٍ من أشكالِ تحريرِ العبيدِ أو حتى تحرُّرِهِمْ وتحرُّرِهنَّ أَنَّى تواجدُوا بالمَظَانِّ حَرِيًّا كذٰلك في أَيِّمَا نَحْوٍ من أَنْحَاءِ هٰذا العَالَمِ المتغيِّرِ خِطْرِيفًا في المَدَى والمِيدَاءِ من كلِّ مضمَارٍ قديمٍ أو جديدٍ، وعلى الأخصِّ تحريرَ أو تحرُّرَ أمثالِ أولٰئك العبيدِ الشُّرَفَاءِ والنُّزَهَاءِ من الكادحينَ المتمرِّدينَ والنفورينَ بطبعِهِمْ وتطبُّعِهِمْ على حدٍّ سَوَاءٍ، أولٰئك العبيدِ الذينَ أشارَ إليهِمْ بَنَانُ الناشطِ السياسيِّ الثوريِّ الأفرو-أمريكيِّ الفريدِ مالكولم X بكلِّ احترامٍ وإجلَالٍ اِصطلاحًا خاصًّا بـ‹عبيد الحقول› Field Slaves، على وجهِ التحديدِ. وإنْ دلَّ هٰذا الاِصطلاحُ الخاصُّ على شيءٍ في هٰذِهِ القرينةِ المُثْلَى، فإنَّمَا يدلُّ على النقيضِ الكاملِ والتَّامِّ حَدًّا من أمثالِ أولٰئك العبيدِ الحُقَرَاءِ والوُضَعَاءِ من المَائِنينَ المتملّقينَ المتزلّفينَ والمشهورينَ بلعق النِّعَالِ والأَسْتَاهِ مِمَّنْ هُمْ أعلى مَنْزِلَةً وأرقى مَرْهَصَةً سَوَاءً بسَوَاءٍ، أولٰئك العبيدِ الذينَ أشارَ إليهِمْ بَنَانُ ذاتِ الناشطِ السياسيِّ الثوريِّ الأفرو-أمريكيِّ الفريدِ ذاك بكلِّ ازْدِرَاءٍ وازْدِرَادٍ وبكلِّ اسْتِصْغَارٍ واسْتِهْجَانٍ اِصطلاحًا خاصًّا أو حتى أَخَصَّ كذاك بـ‹عبيد المنازل› House Slaves، في المقابلِ السَّدِيدِ – وبالإيجَازِ الشديدِ، هٰذا ‹العبدُ› أو ‹القِنُّ› العَتُوفُ النَّتُوفُ المعنيُّ، هٰذا ‹القَيْنُ› أو ‹العَسِيفُ› أو ‹النَّقِيطُ› الدرغميُّ الدنِيُّ الزرِيُّ لا يعدو أن يكونَ، والحَالُ المَاثِلُ هٰذِهِ، واحدًا من أمثالِ ‹عبيدِ المنازلِ› هٰؤلاءِ، ولا شكَّ في هٰذا بَتًّا، لا بلْ كذٰلك أدنى وأزرى منهُمْ بكثيرٍ حتى في أَبْهَى وأَزْهَى أحْوَالِهِ – لِكَيْ نُعِيدَ، إذْ لَا يُجيدُ كَإمَّعٍ جَاهِلٍ حَاسِدٍ سِوَى كَيْلِ المديحِ والنفاقِ تبعًا للمبدأِ الحُوشِيِّ الخَسِيسِ «لَا مَوَدَّةٌ بِعَلِيٍّ، بَلْ غَيْرَةٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ» في كلٍّ من العَالَمِ الواقعيِّ وَقْعًا والعَالَمِ الاِفترَاضيِّ فَرْضًا. وفي هٰذا مَا يُبِينُ الآنَ إِبَانَةً جَلْوَاءَ كُلًّا من أسبابِ ذاك ‹التَّعيينِ المِرَانِيِّ› بالذاتِ ومَدَاعِي ذٰلك ‹التَّجَنُّبِ القِرَانِيِّ› بالعَيْنِ، كمَا نُوِّهَ عنهمَا بالفَحْوَاءِ المُرَادِ مُمَثَّلًا بشيءٍ من التدليلِ والتعليلِ، وكمَا نوَّهَتْ عنهمَا كذاك من قبلُ يراعُ الناقدةِ الصِّحَافيةِ والإعلاميةِ، آصال أبسال، بشيءٍ مشابِهٍ نسبيًّا من التأصِيلِ والتفصِيلِ (انظرا، على سبيل المثال هنا، مقالَهَا اللامعَ تحتَ العنوانِ الدَّالِّ، «إِشْكَالِيَّةُ الصِّحَافَةِ العَرَبِيَّةِ: حَتَّى الأَقْنَانُ المُعَلِّقُونَ مِنَ الفُتَاتِ لَاعِقُونَ!»، الأنطولوجيا، 29 كانون الثاني 2025).
وبغضِّ الطرفِ عنْ تلك الطبائعِ الدَّمِيمَةِ والذَّمِيمَةِ التي تمتازُ بها صَحيفةٌ عربيةٌ كمثلِ «القدس العربي»، وهي الصَّحيفةُ التي تُلِحُّ إِلْحَاحًا على تعريفِ نَفْسِهَا آنًا بعد آنٍ بـ‹الاِستقلالِ السياسيِّ› مُدَّعًى ومُصْطَنَعًا بكُلٍّ من المعنيَيْنِ الإفكيِّ والرِّيَائِيِّ كمَا سَبَقَ الذِّكْرُ في موضِعٍ آخَرَ، وعلى تحديدِ ذَاتِهَا أيضًا بالاِنتهاكِ اللاإنسانيِّ واللاأخلاقيِّ لحُقوقِ القارئاتِ والقُرَّاءِ في التعليقِ والرَّدِّ على التعليقِ تصعيدًا على حَدٍّ سَوَاءٍ – ناهيكُمَا هٰهُنَا عَمَّا تُبْدِيهِ إِبْدَاءً مِنْ تَبَجُّحٍ زَيْفِيٍّ بنشرِ ‹الأجْوَدِ› و‹الأعْمَقِ› مِنْ بَيْنِ التقاريرِ الصُّحُفِيَّةِ في العَرْضِ والتحليلِ طُرًّا، فَمَا لِصَبِيِّ العَيْنِ في هٰكذا قَرِينَةٍ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ خَلَا أَنْ يَرَى مَثَلًا (لَا حَصْرًا) من أمثالِ الكاتبِ الصِّحَافِيِّ الثقافِيِّ، محمد حسام الدين، وهو الكاتبُ ‹القدسَاويُّ› الدَّائِبُ والدَّؤُوبُ حَقًّا والذي تكتظُّ مَا يُعِدُّهُ من تقاريرَ صُحُفِيَّةٍ بِجُلِّ أشكالِ المُلْتَبِسَاتِ والأَغَالِيطِ مثلمَا بيَّنتْ بالدليلِ العلميِّ المَلمُوسِ كذاك يراعُ الناقدةِ الصِّحَافيةِ والإعلاميةِ ذاتِهَا أكثرَ من مَرَّةٍ، مَا لِصَبِيِّ العَيْنِ خَلَا أَنْ يَراهُ حتى أكثرَ دَأَبًا يَتَجَشَّمُ إذَّاك عَنَاءَ إعدَادِ تقريرٍ صُحُفِيٍّ عَنْ شيءٍ مِنْ سِجَالِ الاِرْتِئَاءِ في الشاعرِ العَبَّاسِيِّ الكبيرِ، أبِي الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي (915-965 م. تق.)، على الأخصِّ فيمَا يَتَجَلَّى مِنْ ‹مِسْبَارِ› مَا يُطْلِقُ عليهِ الكاتبُ الصِّحَافِيُّ الثقافِيُّ المعنيُّ بالتعبيرِ الحَبِيرِ جَادًّا بِـ«نَهْضَةِ الإسْلَامِ وتَمَرُّدِهِ»، أو هٰكذا يتجَلَّى بِدَوْرِهِ هو الآخَرُ. وعلى الرَّغْمِ كذٰلك مِنْ أَنَّ المَرَامَ هُنَا لَيْسَ أَنْ يُكْشَفَ النِّقَابُ عَنْ كُلِّ أشكالِ تِيكَ المُلْتَبِسَاتِ والأَغَالِيطِ التي يمكنُ للناظِرِ الفَطِينِ أَنْ يسْتَشِفَّهَا مِنْ بَيْنِ سُطُورِ هٰكذا تقريرٍ صُحُفِيٍّ، إلَّا أنَّهُ يُكْتَفَى في مَسَاقِ هٰذا العَرْضِ التدليلِيِّ والتعليلِيِّ اكتِفَاءً بالكلامِ الوَجِيزِ نسبيًّا عَلَى مَا يَهُمُّ بالسَّرْدِ مِنَ تَسْيَارِ الجَانِبِ السياسيِّ والإيديولوجيِّ (أو العَقَدِيِّ) لِسِيرَةِ المُتَنَبِّي هٰذا بوصفِهِ شَاعرًا يُشَارُ إليهِ بِالبَنَانِ جَرَّاءَ نَيْلِهِ البَهِيرِ لِذاك اللقَبِ الشهيرِ «مَالِئُ الدُّنْيَا وشَاغِلُ النَّاسِ» إِبَّانَئِذٍ، مِمَّا يعكسُ مِنْ خلالِ تلقيبٍ كهٰذا بُرُوزَ مكانتِهِ اللافتَ في تاريخ الشعرِ العربيِّ برمَّتِهِ، سَوَاءً من حيثُ قصَائدُ المَديحِ (كمثلِ مديحِهِ اللامعِ لسيفِ الدولةِ الحمَدَاني) أمْ من حيثُ قصَائدُ الهِجَاءِ على النقيضِ التَّامِّ (كمثلِ هِجَائِهِ اللاذعِ لكافورِ الإخشيدي)، فَضْلًا كذاك عَمَّا يَتَخَلَّلُ هٰذِهِ القصَائدَ في الحَالَيْنِ كِلْتَيْهِمَا، على أَدْنَى تقديرٍ، مِنْ دَلَائِلَ دَالَّةٍ تَنْضَحُ نَضْحًا بالحِكْمَةِ الأَثِيرِ والقَوْلِ المَأْثُورِ. من هنا، إذن، يتبيَّنُ كيفَ أنَّ ذٰلك الامتيازَ البَلاغِيَّ والفَصَاحِيَّ الذي كانَ المُتَنَبِّي يمتازُ بِهِ رَائِقًا أَيَّمَا رَوَقَانٍ لِجُلِّ الأَذْوَاقِ والأَسْمَاعِ حِينَذَاك، قَدْ سَاهَمَ فعليًّا جَلِيًّا في اكتسَابِ حَظٍّ وَافِرٍ من تَسَاهُلِ أصْحَابِهَا ومن ثَمَّ تَسَامُحِهِمْ إزاءَ كِبْرِيَائِهِ المُفْرِطِ في أَحَايينَ كثيرةٍ وإلى حَدِّ العُتُوِّ والخُيَلَاءِ، لَا بَلْ فإنَّ تَسْآلَ ادِّعَائِهِ الجِدِّيَّ بأَنَّهُ ‹حَسَنِيٌّ›، مَتْبُوعًا بِسُؤَالِ ادِّعَائِهِ الأكثرِ جِدِّيَّةً بأَنَّهُ ‹نَبِيٌّ›، كانَا قَدْ غُضَّ الطَّرْفُ عَنْهُمَا إلى حَدٍّ كبيرٍ، بِدَوْرِهِمَا هُمَا الآخَرَانِ، وصَارَا بالتالي وَاقِعًا رمزيًّا مُسَلَّمًا بِهِ عَلَى مَضَضٍ ومَنْظُورًا إليهِ نفسَانِيًّا مِنْ مِنْظَارِ مَا يُسَمَّى بِـ‹عقدةِ الإخْصَاءِ› Castration Complex، رغمَ أنَّ الشاعرَ الفَذَّ إِذَّاكَ قَدْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِشَتَّى أشكالِ الشَّأْمِ والشَّنَآنِ شَهَادَةً هُنَالِك، وقَدْ تَمَّ حَبْسُهُ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ حَبْسًا مَرِيرًا بِسَبَبٍ كَفِيٍّ مِنْ ذٰلك – كَافِيكُمَا هٰهُنَا، مَرَّةً أُخْرَى، مِنْ قَوْلِهِ الحَريِّ في مرحلةِ الشَّبَابِ أَشْعَارًا ‹تَنَبُّئِيَّةً› خَطِيرَةً كانتْ قَدْ أَثَارَتْ، في جُمْلَةِ مَا أَثَارَتْ كَواقِعٍ رمزيٍّ مُضَادٍّ، بُؤْرَةَ الاِتِّهَامِ الأَوَّلِيِّ بِثَانِي الاِدِّعَاءِ بالعَيْنِ، حَسْبَمَا ترويهِ بعضُ الرِّوَايَاتِ الحِرَاصِ، مِنْ مِثْلِ تَصْرِيحِهِ الأَحَرِى بِهٰكذا أبياتٍ مَرْجُوزَةٍ مَجْزُوءَةٍ، مَثَلًا لَا حَصْرًا: «أَيَّ مَحَلٍّ أَرْتَقِيْ / أَيَّ عَظِيمٍ أَتَّقِيْ / وَكُلُّ مَا قَدْ خَلَقَ ﭐلْـ / ـلَاهُ وَمَا لَمْ يَخْلُقِيْ / مُحْتَقَرٌ فِي هِمَّتِي / كَشَعْرَةٍ فِي مَفْرِقِيْ». وتبقَى هٰهُنَا هَامُ المُفَارَقةِ المِلْحَاحِ العَصِيفِ إزَاءَ هٰكذا شاعرٍ فَذٍّ مَاثِلَةً للرَّأْيِ الحَصِيفِ مُثُولًا، هٰكذا: مَا قدْ تمَّ تدوينُهُ وتحريرُهُ بدافعٍ حَمِيٍّ حَفِيٍّ مِنَ الاِهتمَامِ أو الفضُولِ أو حتى التَّصَيُّدِ والتَّغَرُّضِ العَامِدَيْنِ حَوْلَ سُؤَالِ ادِّعَائِهِ الأكثرِ جِدِّيَّةً بأَنَّهُ ‹نَبِيٌّ› زَمَانَئِذٍ، مَا قدْ تمَّ تدوينُهُ وتحريرُهُ بهٰكذا دافعٍ لَكثيرٌ جَمٌّ، بطبيعَةِ الحَالِ، ولا رَيْبَ لَا رَيْبَ لِكُلِّ مَنَ لَهَا ولَهُ لُبٌّ يُفَكِّرُ في هٰذا بتاتًا. فَمِنْ هٰذَيْنِ التَّدْوِينٍ والتَّحْرِيرٍ، إذنْ، مَا يتجَلَّى تَجَلِّيًا وَاقِعيًّا وقَابِلًا للتَّصْدِيقِ والتَّحْقِيقِ والتَّحْدِيقِ كذاك عَلَى نَحْوٍ أو آخَرَ، ومِنْهُمَا في المقابلِ مَا يَتَبَدَّى تَبَدِّيًا خَيَاليًّا تعتريهِ مَوْجَاتٌ مِنَ الغُلُوِّ والإِغْرَاقِ إلى حَدِّ التمثيلِ الأُسْطُورِيِّ الحَائِدِ حتى في أَعْلَى تَرْسِيمِهِ ‹الوَاقِعِيِّ› فيمَا يُوحِي إليهِ إيحَاءً لَيْسَ إِلَّا، كمثلِ مَا يُورِدُهُ الكاتبُ الصِّحَافِيُّ الثقافِيُّ المعنيُّ دُونَمَا تَوَقٍّ أو احْتِرَازٍ حَسْبَمَا يُمْكِنُ اسْتِشْفَافُهُ مِنْ سِيَاقِ الإِيرَادِ عَنْ حَادِثٍ مُسَجَّلٍ يُشِيرُ إلى قَتْلِ أَحَدِهِمْ لأختِهِ مُتَعَمِّدًا تحتَ ‹تأثيرٍ› مُبَاشِرٍ أو لَامُبَاشِرٍ مِنْ شِعْرِ المُتَنَبِّي، وحِينَمَا سُئِلَ القَاتِلُ قُدَّامَ القَضَاءِ عَنْ مَدْعَاةِ جُرْمِهِ الجَرِيمِ هٰذا أَجَابَ بِلَا تَردُّدٍ بالبَيْتِ الشِّعْرِيِّ الشَّهِيرِ، «لَا يَسْلَمُ ﭐلْشَّرَفُ ﭐلْرَّفِيعُ مِنَ ﭐلْأَذَى / حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ ﭐلْدَّمُ»، أو هٰكذا تَرْوِيهِ الرِّوَايَةُ المُثْلَى (انظرا، مثلًا، تقريرَ حسام الدين محمد الصُّحُفِيَّ، «نهضة الإسلام وتمرّده: لماذا نختلف على المتنبي؟»، القدس العربي، 14 أيار 2025).
كَمَا تَمَّ التَّنْوِيهُ النَّبِيهُ آنِفًا، لَيْسَ المَرَامُ هُنَا أَنْ يُمَاطَ اللِّثَامُ عَنْ كُلِّ أشكالِ تِيكَ المُلْتَبِسَاتِ والأَغَالِيطِ التي يمكنُ اسْتِبْيَانُهَا مِنْ بَيْنِ سُطُورِ هٰكذا تقريرٍ صُحُفِيٍّ، ولٰكِنْ يُكْتَفَى في قرينةِ هٰذا العَرْضِ التدليلِيِّ والتعليلِيِّ اكتِفَاءً بالحَدِيثِ الوَجِيزِ نسبيًّا عَمَّا لَهُ دَلٌّ وعِلَّةٌ مِنَ تَسْيَارِ الجَانِبِ السياسيِّ والإيديولوجيِّ (أو العَقَدِيِّ) لِسِيرَةِ المُتَنَبِّي بالذاتِ، ومَا اسْتِحْضَارُ هٰكذا حَادِثٍ مُسَجَّلٍ عَنْ قَتْلِ أَحَدِهِمْ لأختِهِ مُتَعَمِّدًا تحتَ ‹تأثيرٍ› مُبَاشِرٍ أو لَامُبَاشِرٍ مِنْ شِعْرِ هٰذا الشَّاعِرِ الفَرِيدِ، سِوَى بَادِئٍ مُحْتَمَلٍ ومُمْكِنٍ مِنْ بَوَادِئِ المَعْنِيِّ مِنَ الحَدِيثِ الوَجِيزِ نسبيًّا بالعَيْنِ. وحتى عَلَى افْتِرَاضِ أَنَّ الحَادِثَ المُسَجَّلَ هٰهُنَا لَحَادِثٌ وَاقِعيٌّ وقَابِلٌ للتَّصْدِيقِ والتَّحْقِيقِ والتَّحْدِيقِ كَمَا ذُكِرَ، فَإِنَّهُ لَا يُبَيِّنُ في السِّيَاقِ المُشَارِ إليهِ عَنْ عَمْدٍ أو عَنْ غَيْرِ عَمْدٍ خَلَا شَيْئًا مِنْ مَدَى أو مِنْ مِيدَاءِ هٰكذا ‹تأثيرٍ› مُبَاشِرٍ أو لَامُبَاشِرٍ تُحَفِّزُهُ مَقُولَةٌ دَالَّةٌ لِشَاعِرٍ ‹مُتَنَبٍّ› تَحْفِيزًا في النَّفْسِ الإِنْسَانِيَّةِ أَيَّامَئِذٍ مِنَ المَنْظُورِ الأَخْلَاقِيِّ وحَسْبُ، مَعَ أَنَّ لِلْقَصِيدَةِ المَقْصُودَةِ التي وَرَدَ فِيهَا ذٰلك البَيْتُ الشِّعْرِيُّ الشَّهِيرُ أَبْعَادًا سياسيَّةً وإيديولوجيَّةً (أو عَقَدِيَّةً) مِنَ الأَهَمِّيَّةِ والخُطُورَةِ بِمَكَانٍ في واقِعِ الشَّأْنِ – إِذْ يُوحِي ذٰلك البَيْتُ الشِّعْرِيُّ، بعيدًا عَنْ إِيحَاءِ القَتْلِ إِيحَاءً حَرْفِيًّا، بِأَنَ صَوْنَ الكَرَامَةِ الفُضْلَى، قَبْلَ كُلِّ شيءٍ، إِنَّما يَسْتَلْزِمُ نَفْسًا شَمَّاءَ أَنُوفًا لَيْسَ لَهَا إِلَّا أَنْ تَتَشَوَّفَ أَبْعَدَ مِمَّا تُطِيقُ المَطَايَا حتى إلى أَعْلَى المَرَاهِصِ أَيَّةً كَانَتْ في عَالَمِ التَّسَيُّسِ والتَّأَدْلُجِ بالعَيْنِ، مِثْلَمَا تُفَحِّي بِهِ أَرْكَانُ القَصِيدَةِ المَقْصُودَةِ مِنْ فَحْوَاءٍ فِكْرِيٍّ فَلْسَفِيٍّ مَاثِلٍ، لَا بَلْ أَمْثَلَ حتى، فَحْوَاءٍ لَهُ مِسَاسٌ وَثيقٌ وَكيدٌ بِهٰكذا عَالَمٍ مَلْغُومٍ، ولَا شَكَّ فِيهِ بَتًّا. إِنَّهَا، بالحَرِيِّ، تلك القَصِيدَةُ المَقْصُودَةُ ذَاتُ المَطْلَعِ الشِّعْرِيِّ الذي لَا يَقِلُّ شُهْرَةً بِإِلْمَاعِهِ الحَكِيمِ والحَمِيمِ سَائِرًا، هٰكذا: «لِهَوَى النُّفُوسِ سَرِيرَةٌ لَا تُعْلَمُ / عَرَضًا نَظَرْتُ وَخِلْتُ أَنِّي أَسْلَمُ»، هٰذا المَطْلَعِ الشِّعْرِيِّ الذي يَعْنِي، في جُمْلَةِ مَا يَعْنِيهِ، أَنَّ للهَوَى الجَلِيِّ أَنَّى تَوَاجَدَ في الدُّنْيَا أَسْرَارًا خَفِيَّةً جِدَّ مُحَيِّرَةٍ لَا تُعْرَفُ بِالتَّمَامِ حتى بَعْدَ الاِبْتِلَاءِ بِهِ كَمَا قَدْ يُظَنُّ بِالفِعْلِ، وأَنَّ حُدُوثَ النَّظَرِ العَيْنِيِّ في السِّيَاقِ المَعْنِيِّ إِنْ هو إِلَّا حُدُوثٌ ‹عَرَضِيٌّ› أَيْ ‹فُجَائِيٌّ› (مِثْلَمَا يَرَاهُ الوَاحِدِيُّ) أو حتى ‹لَاقَصْدِيٌّ› (حَسْبَمَا يَرْتَئِيهِ المَعَرِّيُّ)، وفي كِلْتَا الحَالَيْنِ لَا يَبْدُو أَنَّ للوَعْيِ حَيِّزًا في هٰكذا نَظَرٍ عَيْنِيٍّ مُخَيِّبٍ للمَخِيلَةِ المُثْلَى، ولَا يَبْدُو كذاك أَنَّ النَّفْسَ سَالِمَةٌ مِنْ حَبَائِلِ هٰكذا هَوًى جَلِيٍّ، كَمَا هي الحَالُ في العَالَمِ المَلْغُومِ المُتَحَدَّثِ عَنْهُ هٰهُنَا. عِلَاوَةً عَلَى ذٰلك في هٰذِهِ القرينةِ، فَإِنَّ هٰذا المَطْلَعَ الشِّعْرِيَّ ذَاتًا، وهُنَا بَيْتُ القَصِيدِ جَائِحًا كُلَّ أَنْوَاعِ الغُمُوضِ والإِبْهَامِ بَتَاتًا، إِنَّمَا هو قَائِدٌ بِامْتِيَازٍ حَشْدًا عَتِيدًا دَجِيجًا مِنْ أَبْيَاتٍ، أو حتى مِنْ ‹أَجْنَادٍ›، كَانَتْ قَدْ قِيلَتْ بالقَوْلِ العَامِدِ إِبَّانَئِذٍ في هِجَاءٍ بَاغِزٍ مُقْذِعٍ لِوَالِي سَاحِلِ الشَّآمِ، إِسْحٰقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ كَيْغَلَغَ (الأَعْجَمِيِّ)، مِمَّا أَسْخَطَ هٰذا الوَالِيَ أَيَّمَا إِسْخَاطٍ واسْتَحَثَّهُ مِنْ ثَمَّ عَلَى تدبيرِ مُحَاوَلَةٍ مَكِيدَةٍ بِإرْسَالِ ثُلَّةٍ مِنْ حُرَّاسِهِ البَوَاطِشِ مِنْ أَجْلِ اغْتِيَالِ المُتَنَبِّي عَيْنًا حِينَ كًانً عَلَى سَفَرٍ في الطَّرِيقِ مِنْ طَرَابُلُسَ المَدِينَةِ (أَوِ ‹الثَّلَاثِ مُدُنٍ›) إلى دِمَشْقَ المَدِينَةِ ‹الوَاحِدِ› بِالحَافِ تَحْدِيدًا، لٰكِنَّ هٰذا الأَخِيرَ بِوَصْفِهِ فَارِسًا مُتَمَرِّسًا كَانَ قَدْ تَمَكَّنَ مِنْ تَعْجِيزِهِمْ مَاكِنًا ومِنَ التَّغَلُّبِ عَلَيْهِمْ مَكِينًا في آخِرِ المَطَافِ. ومَاذا بَعْدُ في هٰذِهِ القرينةِ ذَاتِهَا، كَانَ المُتَنَبِّي ذَاتُهُ قَدْ رَوَى مُحَاوَلَةَ اغتيَالِهِ هٰذِهِ (وقَدْ تَعَرَّضَ قَبْلًا وبَعْدًا لِعَشْرِ مُحَاوَلَاتِ اغتيالٍ أو يَزِيدُ بَاتَتْ بِجُلِّهَا لأسبابٍ سياسيةٍ صِرْفٍ)، كَانَ قَدْ رَوَاهَا بِمَا مَعْنَاهُ كَافِيًا عَلَى النَّحْوِ التَّالي: «لَقَدْ كُنْتُ في سَبِيلِي سَائِرًا إلى دِمَشْقَ مِنَ الرَّمْلَةِ [أَيْ أَنْطَاكِيَةَ، ‹أُسِّ المَدَائِنِ›] عَامَ سِتَّةٍ وثَلَاثِينَ وثَلَاثِمِئَةٍ هِجْرِيًّا [أَيْ 948 م. تق.]، فَبَلَغْتُ حِينَذَاكَ طَرَابُلُسَ التي أَقَامَ فِيهَا ابْنُ كَيْغَلَغَ الوَالِي رَدَحًا، وكَانَ هٰذَا الوَالِي حَاكِمًا جَاهِلًا يُجَالِسُهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ بَنِي حَيْدَرَةَ إِذَّاكَ حِينًا، وكَانَتْ بَيْنِي وبَيْنَ أَبِيهِمْ عَدَاوَةٌ قَدِيمَةٌ، فَقَالُوا لَهُ إِغْرَاءً بِي: مَا كَانَ لِهٰذاكَ المُتَنَبِّي أَنْ يَتَجَاوَزَكَ هٰكذا ولَمْ يَمْتَدِحْكَ أَبَدًا، فَإِنَّ في هٰذا اسْتِصْغَارًا لَكَ. فَرَاسَلَنِي إِسْحٰقُ سَائِلًا إِيَّايَ أَنْ أَمْدَحَهُ فَاحْتَجَجْتُ بِيَمِينٍ عَلَيَّ أَلَّا أَمْتَدِحَ أَحَدًا إلى مُدَّةٍ، فَعَاقَنِي عَنْ سَفَرِي يَنْتَظِرُ انْقِضَاءَ المُدَّةِ تلك، ومَاتَ أَبْنَاءُ حَيْدَرَةَ الذينَ أَغْرَوهُ بِي آنَئِذٍ، فَقُلْتُ أُهْجُوهُ وأَنَا في طَرَابُلُسَ أَبْيَاتًا أَمْلَيْتُهَا عَلَى مَنْ كَانَ أَخَا ثِقَةٍ. فَخَرَجْتُ بَعْدَئِذٍ مِنْ لُبْنَانَ كَأَنِّي أَسِيرُ فَرَسِي، ثُمَّ سِرْتُ إلى دِمَشْقَ فَأتْبَعَنِي ابْنُ كَيْغَلَغَ حِينَهَا خَيْلًا ورِجَالًا فَأَعْجَزْتُهُمْ». وفي هٰكذا رِوَايَةٍ مَرْوِيَّةٍ مِنْ لَدُنِ الشَّاعِرِ المَعْنِيِّ، فِيمَا يبدو، مَا يُفَسِّرُ تَفْسِيرًا لَائِحًا ولَاحِبًا، عَلَى أَدْنَى تَخْمِينٍ هُنَا، كَيْفَ أَنَّ قَائِدَ الحَشْدِ العَتِيدِ والدَّجِيجِ مِنْ أَبْيَاتِ، أو مِنْ ‹أَجْنَادِ›، تلك القَصِيدَةِ المَقْصُودَةِ بالهِجَاءِ البَاغِزِ والمُقْذِعِ لامْرِئٍ في مَقَامِ الحَاكِمِ ذِي المَكَانَةِ والجَاهِ ذَاكَ إِنَّمَا يُبَوِّئُ، بِالرَّغْمِ مِنْ هٰذا، مَطْلَعًا شِعْرِيًّا فَذًّا غَايَةً في التَّعْبِيرِ البَلَاغِيِّ والفَصَاحِيِّ عَنْ فَلْسَفَةٍ جَامِعٍ للحُبِّ بِأَسْمَى تَجَلِّيَاتِهِ وأَرْقَى إشْرَاقَاتِهِ في النَّفْسِ الإِنْسَانِيَّةِ، ولَا رَيْبَ فِيهَا بَتَّةً – أَقُولُ هٰهُنَا دُونَمَا تَلَكُّؤٍ أو تَحَفُّظٍ «مَطْلَعًا شِعْرِيًّا فَذًّا غَايَةً في التَّعْبِيرِ البَلَاغِيِّ والفَصَاحِيِّ» قَوْلًا وإلى حَدِّ تَأْثِيرِهِ العَمِيقِ عَلَى عَدِيدٍ مِنْ كِبَارِ الشُّعَرَاءِ في العَصْرِ الحَدِيثِ كَمِثْلِ نِزَار قَبَّانِي، حِينَ قَالَ مِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَ: «أُحِبُّكَ لَا تَفْسِيرَ عِنْدِي لِصَبْوَتِي / أُفَسِّرُ مَاذَا وَالهَوَى لَا يُفَسَّرُ»، وذٰلك قَوْلًا فَاصِلًا ووَاصِلًا كذاك بِهَيْئَةِ أَيْقُونٍ شِعْرِيٍّ حَرِيٍّ مُتَأَصِّلٍ في رَعْيٍ لَيْسَ كَأَيِّمَا رَعْيٍّ ومُتَحَصِّلٍ عَنْ وَعْيٍ أو عَنْ لَاوَعْي مِنْ بَيْنِ تلك الأَيْقُونَاتِ الشِّعْرِيَّةِ الخَالِدَة.
يَتَبَيَّنُ الآنَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ سَرْدٍ، إذنْ، أَنَّ ذاك البَيْتَ الشِّعْرِيَّ الذي يَسْتَشْهِدُ بِهِ الكاتبُ الصِّحَافِيُّ الثقافِيُّ المَعْنِيُّ شَاهِدًا عَلَى التَّأْثِيرِ في ارتِكَابِ القَتْلِ ظَنًّا، «لَا يَسْلَمُ ﭐلْشَّرَفُ ﭐلْرَّفِيعُ مِنَ ﭐلْأَذَى / حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ ﭐلْدَّمُ»، إِنْ هو إِلَّا بَيْتٌ شِعْرِيٌّ يَنْضَوِي تَحْتَ لِوَاءِ ‹الحِكْمَةِ› و‹المُسْكَةِ› بِالمَغْزَى التَّعَقُّلِيِّ والاِرْتِئَائِيِّ في المَقَامِ الأَوَّلِ، ويَنْطَوِي مِنْ ثَمَّ عَلَى ‹الإِكْبَابِ› و‹الإِلْهَاجِ› بالفَحْوَى التَّعَلُّقِيِّ أو حتى التَّعَشُّقِيِّ في حَدِّ ذَاتِهِ – الإِكْبَابِ عَلَيْهِ أَوَّلًا كَمَنْطُوقٍ أَثِيرٍ في قَرَائِنَ تَعْتَرِي المُتَمَثِّلَ أو المُتَمَثِّلَةَ اعْتِرَاءً كُلَّمَا مَثُلَا أَمَامَ مَوْقِفٍ يَسْتَحْضِرُ عِزَّةَ النَّفْسِ وإِبَاءَهَا، مِنْ شَفَا مَاثِلٍ، والإِلْهَاجِ بِهِ ثَانِيًا كَمَقُولٍ مُثِيرٍ يَزْخَرُ أَيَّمَا زَخِيرٍ بِالسَّدَادِ والصَّحَاحِ مِثْلَمَا تَتَجَلَّى الحَالُ في مَغْزَى الحِكْمَةِ بِالنَّفْسِ و«إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً» حتى في إِيْرَادِ الحَدِيثِ، مِنْ شَفِيرٍ مُمَاثِلٍ. ولٰكِنْ هُنَاكَ، مَعَ ذٰلك، مِنَ المُتَظَاهِرِينَ بِالدِّينِ وأَدْعِيَاءِ السِّلْمِ مَنْ يَنْظُرُونَ إلى هٰذا البَيْتِ الشِّعْرِيِّ بِاعْتِبَارِهِ مَثَالًا سَافِرًا مِنْ أَمْثِلَةِ مَا يُسَمَّى بـ‹التَّوَحُّشِ الثَّقَافِيِّ›، نَظَرًا لِجَعْلِهِ مَدْعَاةَ إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ، حَسْبَ إِدْرَاكِهِمْ، حَلًّا نَجِيعًا لِمُشْكِلَاتِ الحَيَاةِ (حَيَاتِهِمْ، أَوَّلًا وآخِرًا) في هٰكذا مِضْمَارٍ أَخْلَاقِيٍّ، ونَظَرًا كذاك لاِبْتِغَائِهِ مَسْأَلَةَ التَّوَازُنِ القِيَمِيِّ بَيْنَ أَيِّمَا حَقٍّ وحَقٍّ لَهُ مِسَاسٌ بِمَأْثَرَةِ الشَّرَفِ الرَّفِيعِ إِجْرَاءً حَمِيدًا بِإِزَاءِ تيك المُشْكِلَاتِ الحَيَاتِيَّةِ في المِضْمَارِ الأَخْلَاقِيِّ ذَاتِهِ (وهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لذاك ‹العبدِ› أو ‹القِنِّ› العَتُوفِ النَّتُوفِ المعنيِّ، ذاك ‹القَيْنِ› أو ‹العَسِيفِ› أو ‹النَّقِيطِ› الدرغميِّ الدَّنِيِّ الزَّرِيِّ أَنْ يَتَتَرَّفَ ولَوْ بِمِثَقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ هٰكذا شَرَفٍ رَفِيعٍ). صَحِيحٌ هٰهُنَا أَنَّ كُلًّا مِنَ الوَاحِدِيِّ والمَعَرِّيِّ، في شَرحِهِ الوَافِي لِديوانِ المُتَنَبِّي، كَانَ قَدْ أَشَارَ إلى مَدْعَاةِ إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ هٰذِهِ بِمَثَابَةِ احْتِمَالٍ وَارِدٍ وشَرْطٍ سَارِدٍ في سَلَامِ الشَّرَفِ الرَّفِيعِ بالعَيْنِ مِنْ كُلِّ امْرِئٍ عَفِيفٍ نَقِيِّ العِرْضِ طَاهِرِ الثِّيَابِ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ تَحْدِيدًا. بَيْدَ أَنَّهُ صَحِيحٌ كذاك، فَضْلًا عَنْ ذٰلك، أَنَّ كِلَا هٰذَيْنِ الشَّارِحَيْنِ كَانَا قَدْ أَفْرَدَا مَدْعَاةَ إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ عَيْنَهَا بِأَيٍّ مِنْ أُولٰئِكَ المَهَنَةِ الحَسُودِينَ الجَهُولِينَ اللِّئَامِ كَافَّةً وأَيٍّ مِنْ أُولٰئِكَ العَتَفَةِ الأَجَافِيلِ الدَّبَاكِيلِ اللِّكَاعِ قَاطِبَةً، لٰكِنَّهُمَا لَمْ يُفْرِدَاهَا إِفْرَادًا بِأَيِّمَا ‹قَاتِلٍ› عَامِدٍ قَتْلَ أختِهِ، أو مَنْ مَاثَلَتْ أو مَنْ شَابَهَتْ، تحتَ ‹تأثيرٍ› مُبَاشِرٍ أو لَامُبَاشِرٍ مِنْ شِعْرِ المُتَنَبِّي بالذَّاتِ، لَا مِنْ قَرِيبٍ ولَا حتى مِنْ بَعيدٍ!
[انتهى القسم الأول من هٰذا المقال ويليه القسم الثاني]
*** *** ***
لندن (إنكلترا)، 7 حزيران 2025
#غياث_المرزوق (هاشتاغ)
Ghiath_El_Marzouk#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
-
خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ
...
المزيد.....
-
طريقة جلوسها وإطلالتها.. أول ظهور لزوجة أحمد الشرع لطيفة الد
...
-
تحديث مباشر.. مظاهرات لوس انجلوس وترامب ينشر الحرس الوطني
-
السعودية.. محمد بن سلمان يشعل تفاعلا بما قاله عن -إخوتنا في
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات قرب موسكو خلال ساعتين
...
-
-ليس من مصر ولا قطر-.. تقرير إسرائيلي عن حل لأزمة الرهائن في
...
-
ترامب ينشر الحرس الوطني الأمريكي بعد اشتباكات في لوس أنجلوس
...
-
البرازيل تواجه انتكاسة بيئية حادة في الأمازون
-
ترامب يهدد ماسك بـ-دفع ثمن باهظ-!
-
العلماء يستبعدون وجود -الكوكب إكس- في 75% من مواقعه المحتملة
...
-
آلاف الأوكرانيين يراسلون روسيا بحثا عن أقاربهم من الجنود الم
...
المزيد.....
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|