خليل إبراهيم كاظم الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 01:33
المحور:
الادب والفن
يُدمي القلب ويُثير الغضب ما نشهده على بعض شاشاتنا التي يُفترض بها أن تكون منارات للوعي والثقافة، أو على الأقل نوافذ لترفيه يحترم المشاهد. لكن ما نراه في برنامج يُدعى "عائلتي تربح" يتجاوز حدود الترفيه البريء ليلامس حدود الاستخفاف الممنهج بعقول العراقيين، ويساهم بشكل مؤسف في رسم صورة نمطية بائسة عن مستوى الوعي والثقافة لدى شريحة من مجتمعنا.
إن الأسئلة المطروحة في هذا البرنامج، والتي تابعنا نماذج منها، لا ترقى في كثير من الأحيان إلى مستوى أبسط المعلومات العامة التي يفترض أن يلم بها أي فرد. نرى أسئلة عن "محافظات لا يشبه اسمها مركزها" أو "مفردات عامية للسؤال والاستفسار" أو "حيوانات أليفة"، وهي معلومات قد تكون مناسبة لمرحلة ابتدائية، لكن أن تكون محور برنامج "مسابقات" لعوائل يُفترض أنها تمثل تنوع وثقافة المجتمع العراقي، فهذا أمر يدعو للتساؤل المرير. وعندما نشاهد العجز عن الإجابة على ما هو بدهي أو بسيط، حتى لو كان ذلك يمثل حالات فردية، فإن التكرار والتركيز على هذه النماذج يقدم رسالة سلبية للغاية.
هل هذا هو سقف ما يمكن أن يقدمه الإعلام العراقي لعائلاتنا؟ هل أصبحت عقولنا رخيصة إلى هذا الحد ليتم التعامل معها بهذا الاستخفاف؟ إن المشكلة لا تكمن فقط في بساطة الأسئلة، بل في الرسالة الضمنية التي تبثها هذه النوعية من البرامج: رسالة مفادها أن الاهتمامات سطحية، وأن مستوى الثقافة العامة متدنٍ، وأن الضحك المصطنع والمواقف المفتعلة هي غاية الترفيه. إنها تساهم، عن قصد أو عن جهل، في تكريس صورة مشوهة لا تعكس حقيقة الشعب العراقي بتاريخه وثقافته وعمقه الفكري.
وعندما نضع هذا البرنامج في مقارنة، ولو سريعة، مع برامج مسابقات في دول شقيقة مثل برنامج "العباقرة" في مصر، نرى حجم الهوة والمأساة. هناك، نجد احتفاءً بالعقل، أسئلة تتحدى المعرفة وتستنهض الهمم، وشباباً يتبارون في ميادين العلم والثقافة، مقدمين صورة مشرقة لأجيال واعدة. أما هنا، فكأننا نصر على الغرق في وحل التفاهة، ونقدم نماذج لا يمكن إلا أن تثير الشفقة أو السخرية.
إن هذا "النهج الهابط"، تحت ستار الترفيه العائلي، ليس مجرد برنامج مسابقات عابر، بل هو مؤشر على أزمة محتوى حقيقية، وربما أزمة قيم إعلامية. فبدلاً من أن يكون الإعلام أداة بناء ورفع للوعي، يتحول في مثل هذه النماذج إلى أداة تسطيح وتكريس للانطباعات السلبية.
آن الأوان لأن يراجع القائمون على هذه البرامج حساباتهم، وأن يتذكروا أن للشعب العراقي تاريخاً ثقافياً عريقاً يستحق أن يُحتفى به، وعقولاً تستحق الاحترام والتقدير، لا أن تُقدم لها مادة إعلامية تافهة تزيد من بؤس المشهد وتساهم في رسم صورة قاتمة لا تليق بنا. نريد إعلاماً يرتقي بنا، لا إعلاماً يهبط بنا إلى قاع السطحية والتفاهة.
#خليل_إبراهيم_كاظم_الحمداني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟