راشيل موران
الحوار المتمدن-العدد: 8360 - 2025 / 6 / 1 - 10:18
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
منذ سنوات 1970، جرى وضع برنامج تكتيكي وسياسي لتعزيز تجارة الجنس العالمية. ويستند هذا البرنامج إلى إعادة تعريف الدعارة وفق محورين متناقضين ظاهرياً: الترويج للدعارة باعتبارها «عملاً عادياً» والترويج للأشخاص الذين يمارسون الدعارة باعتبارهم أقلية جنسية. ورغم أن جماعات مصالح قوية أنفقت من الطاقة والموارد المالية الكثير لترجيح الرأي العام بشأن هذين الأمرين، فإن الحقيقة هي أن كلا الحجتين غير صحيحة.
الدعارة ليست جنساً ولا عملاً.
لماذا ليست الدعارة”جنساً“؟
الجنس منحُ متعةٍ متبادلٌ، سواء كان ذلك في إطار علاقة حب والتزام، أو لقاء قصير بين غرباء، أو أي شيء بينهما. الجنس شيء متشارك بروح أخذ وعطاء. إنه ليس شيئًا قسريًا أو مشترى أو مكتسبا بالخداع أو التخويف أو الإكراه.
لا يوجد ضغط أو ترهيب أو إكراه حيثما توجد تبادلية، ولكنها تحدث كل يوم حيثما يوجد ما يسمى ”موافقة“. لذا ، ليست الموافقة مؤشرًا جيدًا على علاقات جنسية سليمة. ليس الموافقة بل وجود أو تبادلية او انعدامها هو العامل المحدد لتبادل جنسي صحي من الناحية النفسية والعاطفية.
التبادلية غائبة في سياق الدعارة. لا يوجد عطاء وأخذ جنسيين، اللذان يشكلان التبادلية الملازمة لتبادل جنسي حقيقي ومقبول من الطرفين. عوض ذلك، يخضع أشخاص (غالباً من النساء) بلا رغبة ولاهتمام جنسي، لعلاقات جنسية مطلوبة من أشخاص آخرين (غالباً من الرجال)، كل يوم، عادةً عدة مرات في اليوم، ولأن هذه الممارسات الجنسية غير المرغوب فيها مطلوبة بشكل نشط، فإنها تُعرّف على توافقية. وبالتالي، فإن كلمة ”موافقة“ تخلق وهمًا؛ فهي أداة لغوية تعرض بنحو مغالط العنف الجنسي على أنه علاقات جنسية. وقد تم تبنيها من قبل النسويات الليبراليات وغيرهن من التقدميات اللواتي لا يعرفن، أو لا يهمهن أن يعرفن، أنهن يوافقن على أشكال عنف جنسي مقترفة على نطاق صناعي.
يجب أن نحافظ بشدة على تمييز الجنس عن العنف الجنسي، وأوضح طريقة للقيام بذلك هي الحفاظ بشدة على التمييز بين الموافقة والتبادلية. ”الموافقة“ موجودة في الدعارة وفي انتهاكات أخرى عديدة لحقوق الإنسان، إذا جرى اعتبار الاستسلام بسبب اليأس مرادفًا للموافقة؛ لكن التبادلية منعدمة في جنس الدعارة، وجنس الدرعاة نقيض لروح التبادلية. إذن، تكشف التبادلية، كمفهوم، حقيقة الطبيعة غير الطوعية للدعارة. الدعارة، على غرار الاغتصاب،ليست جنسًا، لأن الجنس في كلتا الحالتين يخضع لعوامل لا تبادلية فيها.
وبما أن الدعارة ليست علاقة جنسية متبادلة، من غير المنطقي أيضاً تصنيف الأشخاص الذين يمارسون الدعارة على أنهم أقلية جنسية. لكنه أمر غير منطقي محسوب جيدا. أنها قسوة صارخة لا يمكن الدفاع عنها، بالنظر إلى عقود من الأبحاث التي أتثبت وجود علاقة واضحة بين الدعارة وأشكال العنف الجنسي المتعرض لها منذ الطفولة.
لماذا ليست الدعارة”عملاً“؟
لا تنطبق مصطلحات ”وظيفة“ و”عمل“ على جميع الأنشطة مدفوعة الأجر. هذا ما نلاحظه ونقبله عندما نتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان في مجالات أخرى، مثل قضية أوراش العمل السرية. ومع ذلك، عندما ننظر إلى الدعارة، نجد أن ما يجعل العمل غير قابل للاستمرار، على عكس ورش العمل السرية، ليس ظروف ”العمل“ بحد ذاتها، بل جميع جوانب ما يُعتبر عملاً، بل وأكثر من ذلك، هيكل الإطار الذي يندرج فيه. الدعارة، كمؤسسة، هي عنف في حد ذاتها.
ظروف عمل آمنة جزءًا لا يتجزأ من أي شكل من أشكال العمل، ولكن نظرًا لأن جوهر الدعارة – وليس فقط ظروف ممارستها أو الظروف الخارجية التي تؤثر عليها، مثل التشريعات – ضار من نواحٍ عديدة، فإن الدعارة هي شكل من أشكال الاستغلال لا يمكن إصلاحه ولا يمكن مقارنته بأي شكل من أشكال العمل الحقيقي.
كيفية اشتغال الدعارة ليس كاشتغال العمل، إلا من حيث الأجر، وحتى في هذه الحالة، فإنها تشتغل بنحو مختلف تمامًا. لا تتمتع البغايا بأي تقدم في حياتهن المهنية. بل على العكس تمامًا. كلما زادت خبرة الشخص في الدعارة، قلّت قيمته وقلّ أجره.
سيكتسب الشخص الذي يعمل عملا حقيقيا الكثير من المعرفة والخبرة على مدى العشرين عامًا الماضية وسيتقاضى أجرًا مناسبًا من جراء ذلك؛ لكن الشخص الذي يمارس الدعارة سيكتسب أيضًا الكثير من المعرفة والخبرة، لكنه سيُعتبر عديم القيمة تقريبًا بسبب ذلك. الشخص الذي عمل لمدة ثلاثين عامًا سيكون على رأس قسمه أو مؤسسته، وغالبًا ما يستعد للتقاعد مع معاش تقاعدي مريح وآمن؛ لكن الشخص الذي عمل ثلاثين عامًا في الدعارة سيُعتبر عديم القيمة تمامًا وسيجد نفسه بلا موارد، غير قادر على إطعام نفسه. تختلف الدعارة عن أي شكل آخر من أشكال العمل في جميع مراحلها، بما في ذلك خاتمتها البائسة.
إن تصوير الدعارة على أنها عمل عادي وطبيعي يتماشى مع الاقتناعات الأيديولوجية لأصوات أقصى اليسار التي لن تضطر أبدًا إلى العيش فيها، ويخدم مصالح عصابات القوادين والمتاجرين بالبشر الذين يستفيدون منها بشكل كبير، ولكنه لا يضيف أي قيمة على الإطلاق إلى حياة الأشخاص الذين يقعون في شرك أنظمة الدعارة في جميع أنحاء العالم.
يحاول البعض تصوير الدعارة على أنها مسألة جنس، حتى يمكن عرضها على أنها مسألة حرية جنسية و جعلها تتماشى مع حقوق الأقليات الجنسية. هؤلاء الأشخاص أنفسهم سيقدمون حجة غير منطقية مفادها أن الدعارة لا ينبغي أن تحمل اسمها الحقيقي – فهم يدعون أنها عمل مشروع ومقبول وينبغي أن تُعرف باسم ”العمل الجنسي“. في الواقع، الدعارة ليست جنسًا ولا عملًا، ناهيك عن كونها كلاهما معًا.
أدى الاعتبار المضلل للدعارة على أنها ”عمل جنسي“ إلى زيادة الدعم للسياسات الضارة التي تنزع التجريم عن القوادة وشراء الخدمات الجنسية وإدارة بيوت الدعارة. من شأن مثل هذه السياسات أن تضر بالناجيات وتوسع سوق الدعارة. ساعدوا المشرعين والمشرعات على فهم الطبيعة الحقيقية للدعارة وحثوهم على معارضة نزع التجريم عن تجارة الجنس بالكامل!
اتصلوا بمنتخبيكم المحليين لمعارضة نزع التجريم عن تجارة الجنس:
لنعارض النزع التام لتجريم الدعارة،ولنحم الناجيات من تجارة الجنس، وليس القوادين وأصحاب بيوت الدعارة ومشتري الجنس!
راشيل موران، 11 أغسطس 2023
النص الأصلي لهذا المقال:
https://endsexualexploitation.org/articles/why-prostitution-is-not-sex-work/
عن تجربة الكاتبة في الدعارة:
L’enfer des passes، بقلم راشيل موران
https://entreleslignesentrelesmots.wordpress.com/2023/05/16/lenfer-des-passes-de-rachel-moran-compte-rendu/
راشيل موران: حقيقة الدعارة ليست معقدة. إنها بسيطة للغاية
https://entreleslignesentrelesmots.wordpress.com/2022/07/10/la-realite-de-la-prostitution-nest-pas-complexe-elle-est-tres-simple/
ساندرين غولدشميت: راشيل موران: ”مصطلح ’عاملة جنس‘ هو سلاح بلاغي لتطبيع الدعارة“
ساندرين غولدشميت: جحيم الدعارة
https://entreleslignesentrelesmots.wordpress.com/2021/12/16/lenfer-des-passes/
#راشيل_موران (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟