|
القانون الدولي وحكم الإرهاب الإسرائيلي في غزة
رضا بهنام
الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 18:09
المحور:
القضية الفلسطينية
أمام أعين العالم، يتجلى أحد أعظم الجرائم في التاريخ. إن التقاعس والتواطؤ والصمت في وجه الإبادة الجماعية أدت إلى معاناة عميقة للشعب الفلسطيني. لا يوجد حساب أخير أو تعويض يمكن أن يرقى إلى حجم ووحشية الإجرام الإسرائيلي.
سيأتي لا محالة وقت الحساب، لمن ساهموا في خلق مناخ شعرت فيه عضو في البرلمان الإسرائيلي بالجرأة لتقول: "الجميع اعتاد على فكرة أنك تستطيع قتل 100 غزّي في ليلة واحدة... ولا أحد في العالم يهتم".
لقد آن الأوان لنعلن بوضوح لا لبس فيه أن إسرائيل، منذ إعلانها دولة في عام 1948، تمارس الإرهاب بحق الشعب الفلسطيني، وأن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين، بسبب دعمهم الساحق لإسرائيل، شركاء نشطون في هذا الإرهاب.
إن العنف الإسرائيلي يطابق تمامًا تعريف الولايات المتحدة نفسها لـ"الإرهاب المحلي".
تعرفه الوكالة الفيدرالية الأميركية لإنفاذ القانون (مكتب التحقيقات الفيدرالي) على النحو التالي: "أفعال إجرامية عنيفة تُرتكب من قبل أفراد أو جماعات [أو أنظمة] لتعزيز أهداف أيديولوجية نابعة من مؤثرات محلية، مثل السياسية أو الدينية أو الاجتماعية أو العرقية أو البيئية".
لقد عانى الفلسطينيون من أهوال لا تُوصَف لأن السياسيين الأميركيين، والمؤثرين السياسيين، ووسائل الإعلام العامة والخاصة، فشلوا في تقديم السياق التاريخي الذي أدى إلى انتفاضة 7 أكتوبر 2023. وبغياب هذا التاريخ والنقاش القانوني حول المقاومة الفلسطينية وفق القانون الدولي، تم تقديم الرد الإسرائيلي غير القابل للتبرير وكأنه مشروع.
إن هذا الفشل في الإخبار منح إسرائيل عمليًا ترخيصًا للإبادة الجماعية وارتكاب الفظائع كافة في غزة، كما مكّن السلطات الأميركية من قمع المعارضة للحرب في الجامعات الأميركية.
فقد قبلت وسائل الإعلام، على سبيل المثال، دون أدنى سؤال، التصنيف الحكومي غير المشروع للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي على أنها "إرهاب"، واعتبرت حركات التحرر الوطني مثل "حماس" تنظيمات إرهابية.
وبذلك، ومن خلال مساواة المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، سهّلت الطريق أمام السلطات لاستخدام تهمة "دعم الإرهاب" لقمع المعارضين واعتقال المتظاهرين المؤيدين لفلسطين.
تم اعتقال أكاديميين ونشطاء، مثل الطالب في جامعة كولومبيا محمود خليل، واحتجازه دون محاكمة لأكثر من شهرين في مركز احتجاز في لويزيانا، بزعم أنهم يشكلون تهديدًا للسياسة الخارجية والأمن الأميركي. لكن "جريمة" خليل الحقيقية كانت الوقوف من أجل الحقيقة وفلسطين.
ولو قامت وسائل الإعلام بحد أدنى من التقصي، لاكتشفت أن المقاومة ضد الاحتلال مكفولة قانونيًا في القانون الدولي، وأن اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الأول، ينصان بوضوح على حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في مقاومته كجزء من حقها في تقرير المصير. وتشمل هذه المقاومة الكفاح المسلح ضد الاستعمار والاحتلال الأجنبي والأنظمة العنصرية. كما أن بروتوكولات عام 1977 أضفت شرعية قانونية على "اللجوء إلى السلاح من قبل حركات التحرر الوطني".
وكان بإمكانهم أيضًا أن يعرفوا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة مررت العديد من القرارات التي تعترف بشرعية الكفاح المسلح كوسيلة للشعوب المضطهدة لنيل تقرير المصير والاستقلال.
إسرائيل هي نظام استعماري أجنبي وعنصري يهيمن بوحشية على حياة الفلسطينيين منذ ثمانية عقود، ووفق القانون الدولي، فإن مقاومة هذا النظام أمر مشروع.
وكان يمكن أيضًا فهم الانتفاضة الفلسطينية بشكل مختلف لو أن وسائل الإعلام قدّمت حالات مماثلة، مثل انتفاضة غيتو وارسو عام 1943، وهي مقاومة يهودية ضد الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية. فمن الصعب اليوم أن نجد من يشكك في شرعية أو أخلاقية تلك الانتفاضة، على عكس ما يُقال عن انتفاضة 7 أكتوبر.
فخلال الاحتلال النازي لبولندا عام 1939، بدأت السلطات الألمانية بتركيز اليهود البولنديين، البالغ عددهم نحو ثلاثة ملايين، في غيتوهات مكتظة. ضم غيتو وارسو نحو 350 ألف يهودي في منطقة لا تتجاوز مساحتها ميلين مربعين.
اليهود الذين لم يموتوا جوعًا أو مرضًا أو لم يُرحَّلوا إلى معسكرات الإبادة، قاوموا المحاولة النهائية لترحيلهم. ومع أنهم كانوا يدركون أن النصر أو البقاء على قيد الحياة أمر مستبعد، إلا أنهم رفضوا الاستسلام. وبعد 29 يومًا من القتال، قُتل 13 ألف يهودي و17 جنديًا ألمانيًا، ودُمّر الغيتو بالكامل، وكان آخر عمل نازي هو تفجير كنيس وارسو التاريخي.
كان المقاتلون اليهود يدركون تمامًا نتيجة مقاومتهم. لكنهم اختاروا أن يحددوا بأنفسهم طريقة موتهم – الترحيل إلى تريبلينكا أم المقاومة.
وبعد عقود من الإذلال، اتخذت قوى المقاومة الفلسطينية أيضًا قرارًا بالخروج من الغيتو اللا إنساني الذي احتُجزوا فيه منذ 58 عامًا. ومع علمهم التام أنهم يواجهون جيشًا شديد التسلح والوحشية، اختاروا "انتفاضة غيتو غزة" على استمرار الحصار والخنق القاتل.
ومع كل يوم يقترب فيه الاحتلال الإسرائيلي من تحقيق هدفه العلني القديم بقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين طالما سمح له "العالم المتحضر"، من الضروري التشديد على أن القانون الدولي يمنح الشعوب الواقعة تحت الاحتلال الاستعماري أو الأجنبي الحق المشروع في الكفاح المسلح لنيل حريتها وسيادتها.
لو تم وضع انتفاضة أكتوبر في سياق القانون الدولي، لربما اختلفت التصورات، ولربما لم تقع مجازر الأشهر الـ19 الماضية، ولما قُتل 68 ألف فلسطيني، ولما تحولت غزة إلى أرض مدمرة بيئيًا.
من الضروري التذكير بأن فلسطين واحدة من آخر بقاع الأرض التي ما زالت ترزح تحت الاحتلال العسكري المباشر والحكم الاستعماري. فقد سلّمت بريطانيا، باستخدام مظلة الأمم المتحدة الناشئة حينها، تفويضها الاستعماري في فلسطين رسميًا إلى نظام تل أبيب عام 1948. ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف خطة إسرائيل للاستيلاء على كل فلسطين التاريخية وتهجير سكانها الأصليين قسرًا.
ويجب تسليط الضوء أيضًا على الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في 19 يوليو 2024، الذي قضى بأن إسرائيل تحتل الأراضي الفلسطينية بصورة غير قانونية ولا تملك أي سيادة عليها (الضفة الغربية، القدس الشرقية، وغزة). وطالبت المحكمة إسرائيل بإنهاء الاحتلال فورًا، والتوقف عن بناء المستوطنات، وإخلاء المستوطنات القائمة، وتعويض الضحايا الفلسطينيين بالكامل، وأكدت مجددًا على حق الفلسطينيين في تقرير المصير.
إلا أن إسرائيل، منذ صدور قرار المحكمة، صعّدت من عنفها، وتجاهلت بتعنت الدعم الساحق الذي نالته توصية المحكمة في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ففي القرار رقم ES-10/24، طالبت الجمعية العامة إسرائيل بإنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال 12 شهرًا من تاريخ اعتماد القرار (18 سبتمبر 2024)، والامتثال الكامل لالتزاماتها القانونية الدولية.
لكن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين انضموا إلى إسرائيل في توجيه "الإصبع الوسطى" لمحكمة العدل الدولية والجمعية العامة، عبر تجاهلهم الواضح لمطالبة المحكمة جميع الدول بعدم الاعتراف بشرعية الاحتلال والامتناع عن دعمه بأي شكل.
إن القانون الدولي يقف بوضوح إلى جانب فلسطين. لكنه حتى الآن بقي مجرد نصوص على الورق لا تُنفَّذ. لم تمنع هذه النصوص إسرائيل من اغتيال قادة المقاومة الفلسطينيين، أو من إلقاء قنابل زنتها ألف رطل على مدنيين فقط لقتل رجل واحد.
المقاومة حق للمضطهدين. وقد عبر محمود خليل، في رسالة إلى ابنه المولود حديثًا، عن هذا الحق وعن الفلسطينيين الذين كانوا، والذين ما زالوا، والذين سيظلون:
"النضال من أجل تحرير فلسطين ليس عبئًا، بل هو واجب وشرف نحمله بفخر. لذا، في كل مفترق طرق في حياتي، ستجدني أختار فلسطين. فلسطين على الراحة. فلسطين على السهولة. فلسطين على الذات. هذا النضال أَحلَى من حياة بلا كرامة. الطغاة يريدوننا أن نخضع، أن نطيع، أن نكون ضحايا مثاليين. لكننا أحرار، وسنبقى أحرارًا."
ترجم من الانكليزية: https://znetwork.org/znetarticle/international-law-and-israels-reign-of-terror-in-gaza/
#رضا_بهنام (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القانون الدولي وحكم الإرهاب الإسرائيلي في غزة
المزيد.....
-
سموتريتش لنتنياهو: لن أسمح باتفاق جزئي.. ومن الحماقة تخفيف ا
...
-
الدفاع الألمانية: كييف ستسلم أولى أنظمة الصواريخ البعيدة الم
...
-
-ابتعد أيها الخاسر-.. قراءة شفاه تكشف ما دار بين ماكرون وزوج
...
-
الخارجية الإيرانية تنفي مزاعم لـ-رويترز- حول احتمال تعليق ال
...
-
وزير الخارجية الإيطالي: على أوكرانيا استخدام أسلحتنا داخل أر
...
-
مراسلنا في لبنان: قوة إسرائيلية تتوغل جنوبي البلاد والجيش ال
...
-
السنغال.. طرد السفير الإسرائيلي من حرم جامعة في دكار وسط هتا
...
-
هل باتت تسوية النزاع الأوكراني قريبة؟
-
حماس: توصلنا لاتفاق مع ويتكوف على اتفاق لوقف إطلاق النار
-
فيديو.. السقا يؤكد انفصاله عن زوجته
المزيد.....
-
في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها
/ محمود خلف
-
الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها
/ فتحي الكليب
-
سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية
...
/ سمير أبو مدللة
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
/ غازي الصوراني
-
حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية
/ فتحي كليب و محمود خلف
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|