|
كيف يساهم الفود بلوجر على حياتنا ونفسيتنا وكيف يؤدى الفود بلوجر تعيس ومتشائم وغير سعيد
بولا ماجد منير توفيق
الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 20:13
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
مقدمة: وليمة الوهم التي تلتهم أرواحنا وليمة الوهم في شاشاتٍ تلمعُ كعيونٍ جائعة، تتراقصُ أمامنا صورٌ لوجباتٍ تبدو وكأنها هبطت من جنةٍ أرضية. ألوانٌ صارخة، دهونٌ تتلألأ، لُقماتٌ تُرفع ببطءٍ مُغرٍ، وأصواتٌ تُضخّم قرمشةً أو ذوباناً حتى تكادُ تخترقُ عقولنا. هؤلاء هم "الفود بلوجرز"، كهنةُ العصر الرقمي، يقدمون لنا قرابينهم اليومية على مذابحِ هواتفنا، ونحن، كقطيعٍ مُنوّم، نتابعُ، نشتهي، ونضغطُ "لايك" على ما يسرقُ منا بهجتنا الحقيقية. لكن، هل سألتَ نفسك يوماً، وأنتَ تُقلّبُ بين صورِ البرجر المُكدّس أو الحلوى الغارقةِ في الشوكولاتة، ما الذي يحدثُ حقاً خلفَ هذه الوليمةِ البصرية؟ هل هي مجردُ مشاركةٍ بريئةٍ لتجاربَ طعامٍ لذيذة، أم أنها فخٌ مُحكمٌ يُنصبُ لأرواحنا وعقولنا ونفوسنا؟ كيف تحوّلَ الطعام، هذا المصدرُ الأساسي للحياة والبقاء، إلى أداةٍ تُستخدم ببراعةٍ لزرعِ التعاسةِ والتشاؤمِ فينا؟ هذه ليست مجرد مقالةٍ عن الطعام أو عن مشاهيرِ الإنترنت. إنها رحلةٌ في كواليسِ عالمٍ برّاقٍ يخفي خلفهُ ظلالاً قاتمة. سنغوصُ في الأرقامِ الصادمةِ التي تربطُ بين هذا الطوفانِ الرقمي وبين وباءِ السمنةِ الذي ينهشُ أجسادنا. سنكشفُ كيف تتلاعبُ هذه المشاهدُ بدماغنا، كيف تُفسدُ كيمياءَ السعادةِ الطبيعيةِ (الدوبامين)، وتُضعفُ إرادتنا، وتُحوّلنا إلى كائناتٍ خاملةٍ، مُستنزفة، تبحثُ عن لذةٍ سريعةٍ زائفةٍ بينما تفقدُ القدرةَ على الشعورِ بالرضا الحقيقي أو السعي وراءَ أهدافٍ ذات معنى. سنُشرّحُ التأثيرَ النفسي العميق، كيف تتسللُ هذه الصورُ لتُغيّرَ قناعاتنا، وتُزعزعَ مبادئنا، وتُملي علينا قراراتٍ لم تكن لنا. وسنكشفُ الستارَ عن الأيدي الخفيةِ التي تُحرّكُ هؤلاء "البلوجرز" كالدمى، كيف تُوظّفهم الشركاتُ الكبرى وسياساتٌ أعمقُ لتحقيقِ مآربها، مُستخدمةً حِيلاً نفسيةً بارعةً تجعلنا نستهلكُ أكثر، ونفكرُ أقل، ونصبحُ أكثرَ بؤساً. وأخيراً، سنعودُ إلى الجذور، إلى الإنسانِ الأولِ ومعنى الطعامِ لديه، لنفهمَ كيف تطوّرت علاقتنا به، وكيف استُغلّت آلياتُ البقاءِ القديمةِ في دماغنا لتُصبحَ سلاحاً يُوجّهُ ضدنا في هذا العصرِ الحديث. إنها قصةٌ عن كيف يمكنُ لأبسطِ الغرائزِ أن تُختطفَ وتُستخدمَ لتفريغِ الإنسانِ من جوهرهِ، وتحويلهِ إلى مجردِ مُستهلكٍ تعيس، يلهثُ وراءَ سرابِ اللذةِ في صحراءِ الشاشاتِ اللامعة. استعد، فالرحلةُ قد تكونُ مُقلقة، والحقائقُ قد تكونُ مُرعبة، لكنها ضروريةٌ لنستعيدَ وعينا ونفهمَ كيف يُعادُ تشكيلُنا دون أن ندري، وكيف يمكنُ لـ"وليمةِ الوهم" هذه أن تلتهمَ أرواحنا بصمت. الفصل الأول: وباءٌ صامتٌ يتغذى على الشاشات الأرقام التي لا تكذب
نحن نعيشُ في عصرِ الوفرةِ الظاهرية، عصرٌ تُغرقنا فيهِ الإعلاناتُ وصورُ الطعامِ الشهي من كلِ حدبٍ وصوب. شاشاتُ هواتفنا وتلفزيوناتنا وشوارعنا تحولت إلى معرضٍ مفتوحٍ لوجباتٍ تبدو وكأنها وُجدت فقط لإثارةِ لعابنا. لكن خلفَ هذا البريقِ المُصطنع، تتراكمُ أرقامٌ مُفزعة، ترسمُ صورةً قاتمةً لوباءٍ صامتٍ يزحفُ ببطءٍ ليُحكمَ قبضتهُ على صحتنا وعافيتنا. إنه وباءُ السمنةِ وزيادةِ الوزن، الرفيقُ الخفيّ لعصرِ "الفود بلوجرز" والإعلاناتِ الغذائيةِ المُكثفة. الأرقامُ لا تكذب، بل تصرخُ بحقيقةٍ مُرّة. منظمةُ الصحةِ العالمية (WHO) وأخبارُ الأمم المتحدة (UN News) دقت ناقوسَ الخطرِ مراراً وتكراراً. في عام 2022، كان هناك أكثرُ من مليارِ إنسانٍ على هذا الكوكب يعانون من السمنةِ المفرطة [1] [2]. نعم، مليار! هذا ليس مجردَ رقمٍ إحصائي، بل هو مليارُ قصةِ معاناةٍ، مليارُ جسدٍ يُثقلُ كاهلهُ وزنٌ زائدٌ يُهددُ حياتهُ ويُطفئُ بهجته. وإذا أضفنا إليهم من يعانون من زيادةِ الوزنِ فقط، يقفزُ الرقمُ إلى 2.5 مليار بالغ، أي ما يعادل 43% من سكانِ الكوكبِ البالغين [2]. تخيل، نصفُ البشريةِ تقريباً يحملُ عبئاً إضافياً على جسدهِ وروحه! المُخيفُ أكثر هو سرعةُ انتشارِ هذا الوباء. منذ عام 1990، تضاعفت معدلاتُ سمنةِ البالغين عالمياً، بينما تضاعفت سمنةُ المراهقين أربعَ مراتٍ [2]. هذا التسارعُ الجنوني يتزامنُ بشكلٍ مُريبٍ مع بزوغِ نجمِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعي وانتشارِ ظاهرةِ "الفود بلوجرز" وتحولِ الطعامِ من مجردِ حاجةٍ بيولوجيةٍ إلى مادةٍ للاستعراضِ والمُباهاةِ والتسويقِ الشرس. هل هي مجردُ مصادفة؟ هل يمكنُ أن نفصلَ بين هذا الطوفانِ من صورِ الأطعمةِ فائقةِ المعالجةِ والغنيةِ بالدهونِ والسكرياتِ التي تُمطرنا بها الشاشاتُ يومياً، وبين هذه الزيادةِ المُرعبةِ في أوزاننا؟ الدراساتُ تُشيرُ بأصابعِ الاتهامِ بوضوح. المحتوى الذي يُقدمهُ هؤلاء "البلوجرز"، والذي غالباً ما يكونُ مدفوعَ الأجرِ من شركاتٍ لا يهمها سوى الربح، يُركزُ بشكلٍ كبيرٍ على الأطعمةِ غيرِ الصحية. دراسةٌ كنديةٌ حديثةٌ حللت محتوى مشاهيرِ التواصلِ الاجتماعي المحبوبين لدى الأطفالِ وجدت أن 83% من المنتجاتِ الغذائيةِ التي يروجون لها تُصنفُ على أنها "غير صحية" وفقاً للمعاييرِ الرسمية، وعلى رأسها مطاعمُ الوجباتِ السريعةِ والمشروباتُ الغازيةُ والحلويات [9]. إنهم يبيعون لأطفالنا السمَّ في عسلِ الترفيهِ والمرحِ والموسيقى الجذابة. هذه ليست مجردَ زيادةٍ في الوزن، بل هي بوابةٌ لأمراضٍ مُزمنةٍ تُدمرُ الحياة: السكري، أمراضُ القلب، بعضُ أنواعِ السرطان، مشاكلُ العظامِ والمفاصل، وحتى الاضطراباتُ النفسية [2]. إنها تكلفةٌ باهظةٌ ندفعها ثمناً لانسياقنا وراءَ وهمِ اللذةِ السريعةِ الذي تُروّجُ لهُ هذه المنظومةُ الرقميةُ الجائعة. الأرقامُ أمامنا، صارخةٌ ومُخيفة، تُخبرنا بأن وليمةَ الشاشاتِ هذه ليست سوى قناعٍ لوباءٍ حقيقيٍ يتغذى على صحتنا وسعادتنا، وبأن "الفود بلوجر" ليس مجردَ صانعِ محتوى، بل قد يكونُ، دون أن يدري أو وهو يدري، جندياً في جيشٍ يُسهمُ في تدهورِ صحةِ مجتمعٍ بأكمله. الفصل الثاني: اختطاف الدماغ كيف تُبرمجنا صورُ الطعام لنكون تعساء اختطاف الدماغ هل تظنُ أن شهوتكَ للطعامِ قرارٌ واعٍ تتخذهُ بكاملِ حريتك؟ هل تعتقدُ أن لعابكَ الذي يسيلُ أمامَ صورةِ "تشيز كيك" مُغطاةٍ بالكراميل هو مجردُ ردِ فعلٍ طبيعيٍ لشيءٍ لذيذ؟ الحقيقةُ أعمقُ وأكثرُ إزعاجاً. دماغُنا، هذه الآلةُ البيولوجيةُ المُعقدةُ التي تطورت عبرَ ملايينِ السنينِ لضمانِ بقائنا، يتمُ اختطافهُ يومياً، وتُعادُ برمجتهُ ببطءٍ ليخدمَ أهدافاً لا علاقةَ لها بسعادتنا أو صحتنا. والمُختطِفُ الأبرزُ في عصرنا هذا؟ إنه سيلُ مُنبهاتِ الطعامِ البصريةِ التي يُمطرنا بها "الفود بلوجرز" وأسيادهم في صناعةِ الغذاء. في قلبِ هذه العمليةِ يقبعُ ناقلٌ عصبيٌ صغيرٌ لكنهُ جبار: الدوبامين. غالباً ما يُشارُ إليهِ بـ"هرمونِ السعادة"، لكن وظيفتهُ أكثرُ تعقيداً. الدوبامين ليس مسؤولاً عن الشعورِ باللذةِ بحدِ ذاته، بل هو مُحرّكُ الرغبةِ والتوقعِ والدافعية [3]. إنهُ الهمسُ الكيميائيُ في دماغنا الذي يقول: "هذا الشيءُ مهمٌ لبقائك، اذهب واحصل عليه!". في عصورِ أجدادنا، كان هذا النظامُ مثالياً. رؤيةُ فاكهةٍ ناضجةٍ أو أثرِ فريسةٍ كانت تُطلقُ الدوبامين، دافعةً إياهم للبحثِ والسعي، ومُكافئتهم بالبقاءِ عند النجاح. لكن ماذا يحدثُ عندما تُغرقُ هذا النظامَ البدائي بمُنبهاتٍ مُصطنعةٍ فائقةِ القوة؟ صورُ الطعامِ المُعدّلةِ والمُحسّنةِ رقمياً، مقاطعُ الفيديو التي تُركزُ على قوامِ الجبنِ الذائبِ أو صوتِ قرمشةِ الدجاجِ المقلي، ليست مجردَ صور. إنها "مُنبهاتٌ فائقة" (supernormal stimuli)، تُثيرُ استجابةً دوبامينيةً أقوى بكثيرٍ مما يُثيرهُ الطعامُ الحقيقيُ في سياقهِ الطبيعي. دراساتُ التصويرِ بالرنينِ المغناطيسي الوظيفي (fMRI) تُظهرُ بوضوحٍ كيف تُضيءُ مناطقُ المكافأةِ في الدماغ (مثل النواة المتكئة والمنطقة السقيفية البطنية VTA) عند التعرضِ لمجردِ صورِ أو روائحِ أطعمةٍ شهية، خاصةً تلك الغنيةَ بالدهونِ والسكريات [4] [3]. دماغُنا لا يُفرّقُ جيداً بين الصورةِ والواقعِ في هذه الحالة، فيُطلقُ الدوبامين مُعلناً حالةَ الطوارئ القصوى للحصولِ على هذه "المكافأة" الوهمية. المشكلةُ أن هذه الفيضاناتِ المستمرةَ وغيرَ الطبيعيةِ من الدوبامين تُفسدُ النظامَ بأكمله. أولاً، يحدثُ ما يُعرفُ بـ"التعود" (habituation) أو "تقليل التنظيم" (downregulation). الدماغُ، في محاولةٍ لحمايةِ نفسهِ من هذا القصفِ المستمر، يُقللُ من عددِ مستقبلاتِ الدوبامين أو يُخفضُ من حساسيتها [3]. النتيجة؟ نحتاجُ إلى مُنبهاتٍ أقوى وأكثرَ تكراراً لنشعرَ بنفسِ القدرِ من الرغبةِ أو التوقع. صورُ الطعامِ العاديةِ لم تعد تكفي، نحتاجُ إلى صورٍ أكثرَ إثارة، أكثرَ "إباحية" بالمعنى الحرفي للكلمة وهو ما يُعرفُ بـ"فود بورن" (food porn). ثانياً، وهذا هو الأخطر، يُعادُ توجيهُ نظامِ المكافأةِ لدينا. الدماغُ يبدأُ بربطِ هذه الإشاراتِ البصريةِ القويةِ (صور الفود بلوجرز) بالمكافأةِ المتوقعةِ (اللذة الوهمية للطعام)، مُتجاهلاً الإشاراتِ الداخليةَ الطبيعيةَ للجوعِ والشبعِ أو حتى القيمةَ الغذائيةَ الحقيقية. تُظهرُ الأبحاثُ أن الأشخاصَ الذين يُبدون استجابةً دماغيةً (تُقاسُ بـ LPP عبر ERPs) أقوى لصورِ الطعامِ مقارنةً بصورٍ مُثيرةٍ أخرى (مثل الصور الإباحية!) هم أكثرُ عرضةً للأكلِ المُستحثِ بالمنبهاتِ (cue-induced eating)، ويأكلون كمياتٍ أكبرَ بكثيرٍ عند توفرِ الطعامِ الشهي، بغضِ النظرِ عن شعورهم الفعلي بالجوع [5]. لقد تحولت الإشارةُ الخارجيةُ (الصورة) إلى مُحفزٍ أقوى من الحاجةِ الداخليةِ (الجوع). هذا الاختطافُ للدماغِ لهُ عواقبُ وخيمةٌ تتجاوزُ مجردَ الأكلِ الزائد. إنهُ يُضعفُ الإرادةَ وقدرتنا على التحكمِ في الاندفاعات. عندما يكونُ نظامُ المكافأةِ مُختلاً، وتكونُ قشرةُ الفصِ الجبهي (المسؤولة عن التخطيطِ واتخاذِ القراراتِ وكبحِ الرغبات) مُستنزفةً في مقاومةِ هذا السيلِ من الإغراءات، نُصبحُ أقلَ قدرةً على مقاومةِ الإغراءاتِ الأخرى في حياتنا، وأقلَ قدرةً على السعي وراءَ أهدافٍ طويلةِ الأمد تتطلبُ صبراً وانضباطاً. نُصبحُ عبيداً للحظةِ الراهنة، للذةِ السريعة، سواءً كانت لُقمةً دسمةً أو إشعاراً جديداً على الهاتف. والأمرُ يُشبهُ إلى حدٍ مُقلقٍ تأثيرَ الإباحيةِ على الدماغ. كلاهما يعتمدُ على تقديمِ مُنبهاتٍ بصريةٍ فائقةِ القوةِ تُفرطُ في تحفيزِ نظامِ الدوبامين، مما يؤدي إلى التعود، وتقليلِ الحساسيةِ للمكافآتِ الطبيعية، وتغييرِ مساراتِ الدماغِ العصبيةِ المتعلقةِ بالرغبةِ والتحكمِ والرضا [5] [References on Porn Addiction Effects]. النتيجةُ في الحالتينِ متشابهة: شعورٌ بالفراغ، صعوبةٌ في الاستمتاعِ بالعلاقاتِ أو التجاربِ الحقيقية، ضعفٌ في الإرادة، وميلٌ نحو العزلةِ والخمولِ والاكتئاب. إنها عمليةُ تفريغٍ ممنهجةٍ للإنسانِ من إنسانيته، تُحوّلهُ إلى كائنٍ مُستهلِكٍ، مُحفّزٍ خارجياً، فاقدٍ للقدرةِ على إيجادِ السعادةِ أو المعنى في داخلهِ أو في العالمِ الحقيقي من حوله. "الفود بلوجر"، بهذا المعنى، ليس مجردَ مُروّجٍ للطعام، بل هو مُروّجٌ لنمطِ حياةٍ يُغذي التعاسةَ ويُضعفُ الروح. الفصل الثالث: عدوى السلوك وتآكل المبادئ كيف يُعيد "الفود بلوجر" تشكيلَ وعينا الاجتماعي عدوى السلوك لم يعد تأثيرُ "الفود بلوجر" محصوراً داخلَ حدودِ أدمغتنا وكيمياءِ أجسادنا. إنه يتسربُ كعدوى خفيةٍ ليُصيبَ نسيجَ علاقاتنا الاجتماعية، ويُغيّرَ سلوكياتنا، بل ويتلاعبُ حتى ببوصلتنا الأخلاقيةِ وقراراتنا المصيرية. نحنُ كائناتٌ اجتماعيةٌ بطبعنا، نتأثرُ بمن حولنا، ونستمدُ معاييرنا وقيمنا من "القطيع" الذي ننتمي إليه. وفي العصرِ الرقمي، أصبحَ "القطيعُ" الافتراضي الذي يُشكّلهُ متابعو هؤلاء المؤثرين هو المرجعيةَ الجديدةَ التي تُملي علينا ما هو "طبيعي" وما هو "مرغوب". أحدُ أخطرِ التأثيراتِ هو "تطبيعُ" السلوكياتِ الغذائيةِ غيرِ الصحية. عندما نرى أصدقاءنا الافتراضيين أو الشخصياتِ التي نُعجبُ بها تلتهمُ كمياتٍ هائلةً من الوجباتِ السريعةِ أو الحلوياتِ الدسمةِ وتُشاركُ ذلك بفخرٍ واستمتاعٍ ظاهر، يبدأُ دماغُنا في إعادةِ تقييمِ ما هو مقبولٌ اجتماعياً [6]. مقاومةُ أكلِ البرجرِ الضخمِ ذاكَ تبدو أقلَ منطقيةً عندما ترى الجميعَ "يحتفلون" بهِ على "إنستغرام". الشعورُ بالذنبِ من التهامِ علبةِ آيس كريم كاملةٍ يتلاشى عندما يُصبحُ هذا السلوكُ مادةً لـ"تريند" طريفٍ على "تيك توك". إنها عمليةُ تخديرٍ جماعيٍ للضميرِ الصحي، حيثُ يُصبحُ الإفراطُ هو القاعدة، والاعتدالُ هو الاستثناءُ المُمِل. هذا التطبيعُ لا يتوقفُ عند حدودِ الطعام. إنه يمتدُ ليُشكّلَ نظرتنا للحياةِ وقيمنا. "الفود بلوجر" لا يبيعُ طعاماً فقط، بل يبيعُ أسلوبَ حياةٍ مُغلّفاً بالمتعةِ السطحيةِ والاستهلاكِ المفرط. الرسالةُ الضمنيةُ التي تصلنا هي: السعادةُ تكمنُ في اللذةِ الحسيةِ الفورية، في تجربةِ كلِ ما هو جديدٌ ومُثيرٌ وغريب، بغضِ النظرِ عن العواقبِ الصحيةِ أو الماديةِ أو حتى الأخلاقية. المبادئُ القديمةُ كالصبرِ، والقناعةِ، والاعتدالِ، والاهتمامِ بالصحةِ على المدى الطويل، تبدو باهتةً ومُتخلّفةً أمامَ بريقِ "تجربةِ المطعمِ الجديد" أو "تحدي الأكلِ الضخم". والأمرُ يتجاوزُ مجردَ التأثيرِ غيرِ المباشر. هؤلاء المؤثرون، بقصدٍ أو بغيرِ قصد، يُصبحون أدواتٍ لتغييرِ قراراتنا بشكلٍ مباشر. توصيةٌ من "بلوجر" نثقُ بهِ قد تدفعنا لتجربةِ مطعمٍ لم نكن لنلتفتَ إليه، أو شراءِ منتجٍ غذائيٍ مُصنّعٍ لم نكن بحاجةٍ إليه [7]. قوتهم لا تكمنُ فقط في شهرتهم، بل في العلاقةِ "الزائفةِ" التي يبنونها معنا. نشعرُ بأننا نعرفهم، نثقُ في ذوقهم، ونعتبرهم أصدقاءً يُقدمون لنا نصيحةً مخلصة. هذه الثقةُ المُكتسبةُ تُستخدمُ ببراعةٍ (كما سنرى في الفصلِ التالي) لتوجيهِ سلوكنا الاستهلاكي، وغالباً نحو خياراتٍ تخدمُ مصالحَ الشركاتِ أكثرَ مما تخدمُ صحتنا. هذه العدوى السلوكيةُ تُضعفُ أيضاً علاقاتنا الاجتماعيةَ الحقيقية. الوقتُ الذي نقضيهِ في متابعةِ حياةِ الآخرين الافتراضيةِ وولائمهم المُصوّرةِ يُسرقُ من وقتِ التواصلِ الحقيقي مع الأهلِ والأصدقاء. المقارنةُ المستمرةُ بين حياتنا العاديةِ وبين الصورةِ المُنمّقةِ التي يُقدمها المؤثرون تُولّدُ شعوراً بالنقصِ وعدمِ الرضا، وتُفسدُ متعةَ اللحظاتِ البسيطة. حتى وجباتنا الحقيقيةُ تفقدُ جزءاً من بهجتها، إما لأنها لا تبدو "مثاليةً" كفايةً للتصويرِ والمشاركة، أو لأننا مشغولون بتوثيقها بدلاً من الاستمتاعِ بها وبصحبةِ من حولنا. إنها حلقةٌ مُفرغةٌ ومُحكمة: الصورُ تُثيرُ الدوبامينَ والرغبة، الرغبةُ تُضعفُ الإرادة، ضعفُ الإرادةِ يُغيّرُ السلوك، السلوكُ المُتغيّرُ يُصبحُ هو القاعدةَ الاجتماعيةَ الجديدة، والقاعدةُ الجديدةُ تُعززُ الشعورَ بالتعاسةِ والفراغِ الذي يدفعنا للبحثِ عن المزيدِ من اللذةِ السريعةِ في الشاشات. "الفود بلوجر" ليس مجردَ شخصٍ يُشاركُ صورَ طعامه، بل هو حلقةٌ أساسيةٌ في هذه الآليةِ التي تُعيدُ تشكيلَ وعينا الاجتماعي، وتُفتتُ علاقاتنا، وتُآكلُ مبادئنا، وتتركنا في النهايةِ أكثرَ عزلةً وتعاسةً، حتى ونحنُ مُحاطون بوهمِ الوفرةِ والاتصال. الفصل الرابع: عرائس الماريونيت من يُحرّك خيوط "الفود بلوجرز"؟ عرائس الماريونيت وراءَ الكواليسِ البراقةِ لصورِ الطعامِ الشهي وابتساماتِ "الفود بلوجرز" المُصطنعة، تُنسجُ شبكةٌ مُعقدةٌ من المصالحِ التجاريةِ والسياساتِ الخفية. هؤلاء المؤثرون، الذين يبدون وكأنهم يُشاركون تجاربهم الشخصيةَ بحرية، ليسوا في الغالبِ سوى واجهاتٍ جذابة، عرائسَ ماريونيت تُحرّكُ خيوطها أيادٍ أكبرُ وأكثرُ دهاءً. إنهم أدواتٌ في لعبةٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ أوسع، تهدفُ إلى تشكيلِ أذواقنا، وتوجيهِ إنفاقنا، وفي النهايةِ، التحكمِ في صحتنا ووعينا. شركاتُ الأغذيةِ العملاقة، وخاصةً تلك التي تُنتجُ الأطعمةَ فائقةَ المعالجةِ والغنيةَ بالسكرياتِ والدهونِ والأملاح، وجدت في "الفود بلوجرز" كنزاً تسويقياً لا يُقدّرُ بثمن. لماذا؟ لأنهم يُقدمون الإعلانَ في صورةِ توصيةٍ شخصيةٍ من "صديق" [7] [10]. الثقةُ التي يمنحها المتابعون لهؤلاء المؤثرين تُترجمُ مباشرةً إلى مبيعاتٍ وأرباح. بدلَ الإعلاناتِ التقليديةِ الصارخةِ التي أصبحَ الكثيرون يتجاهلونها، يأتي "البلوجر" ليُقنعكَ بمنتجٍ ما بطريقةٍ تبدو عفويةً ومُحببة، مُستغلاً بذلك علمَ النفسِ الاجتماعي الذي يُخبرنا بأننا نتأثرُ بتوصياتِ الأشخاصِ الذين نُشبههم أو نُعجبُ بهم [6]. والأخطرُ من ذلك هو استهدافُ الأطفالِ والمراهقين. هؤلاء الفئةُ العمريةُ، التي لا تزالُ قدرتها على التمييزِ بين المحتوى الترفيهي والإعلاني محدودة، تُمثلُ فريسةً سهلةً لهذه الشركات. الدراساتُ تُظهرُ أن الأطفالَ يتعرضون لكمٍ هائلٍ من التسويقِ للأطعمةِ غيرِ الصحيةِ عبرَ المؤثرين، وأن هذا التسويقَ يُركزُ على ربطِ هذه المنتجاتِ بالمرحِ والسعادةِ والقبولِ الاجتماعي [9]. إنها عمليةُ غسيلِ دماغٍ مُبكرة، تهدفُ إلى خلقِ جيلٍ جديدٍ من المستهلكين الأوفياءِ للمنتجاتِ التي تُدمرُ صحتهم. لكن كيف تتمُ هذه اللعبة؟ الحيلُ مُتعددةٌ ومُتجددة. قد يكونُ الأمرُ بسيطاً كإرسالِ منتجاتٍ مجانيةٍ للمؤثرِ ليُجربها ويُبدي رأيهُ "بصراحة" (مع توقعٍ ضمنيٍ بأن يكونَ الرأيُ إيجابياً). وقد يتطورُ الأمرُ إلى عقودٍ ماليةٍ ضخمةٍ مقابلَ الترويجِ المباشرِ أو غيرِ المباشرِ للمنتج، أو حتى دمجهِ في محتوى يبدو غيرَ إعلانيٍ بالمرة. وهنا تكمنُ إحدى أكبرِ المشاكل: الشفافيةُ والإفصاح. على الرغمِ من وجودِ قوانينَ وإرشاداتٍ في بعضِ الدولِ (مثل إرشاداتِ لجنةِ التجارةِ الفيدراليةِ الأمريكية FTC) تُلزمُ المؤثرين بالإفصاحِ الواضحِ عن علاقاتهم التجاريةِ بالشركاتِ التي يُروجون لها [8], فإن الالتزامَ بهذه القواعدِ غالباً ما يكونُ ضعيفاً أو مُتحايلاً. قد يتمُ الإفصاحُ بكلمةٍ صغيرةٍ باهتةٍ (#ad) في نهايةِ منشورٍ طويل، أو في مكانٍ يصعبُ على المتابعِ العاديِ ملاحظته. الهدفُ هو تحقيقُ الامتثالِ الشكلي للقانونِ مع الحفاظِ على وهمِ "العفوية" و"المصداقية" لدى المتابعين. إنها لعبةُ خداعٍ مُزدوجة: خداعُ المستهلكِ وخداعُ القانونِ أحياناً. ولا يتوقفُ الأمرُ عند الشركات. قد تدخلُ السياساتُ أيضاً على الخط. دعمُ صناعاتٍ غذائيةٍ معينة، أو الترويجُ لأنماطِ استهلاكٍ تخدمُ أجنداتٍ اقتصاديةً أو سياسيةً أوسع، يمكنُ أن يتمَ أيضاً عبرَ هؤلاء المؤثرين. قد لا يكونُ الأمرُ واضحاً دائماً، لكن شبكةَ المصالحِ التي تُحرّكُ هذا العالمَ الرقمي أعمقُ مما نتصور. "الفود بلوجر" قد يكونُ مجردَ بيدقٍ في رقعةِ شطرنجٍ أكبر، تُستخدمُ لتمريرِ رسائلَ وتشكيلِ آراءٍ تتجاوزُ مجردَ حبِ البيتزا أو الكنافة. المُحزنُ في الأمرِ أن الكثيرَ من هؤلاء المؤثرين قد يكونون هم أنفسهم ضحايا لهذه المنظومة. قد يبدأُ الأمرُ بشغفٍ حقيقيٍ بالطعامِ والمشاركة، ثم يجدونَ أنفسهم مُنجرفين في تيارِ الشهرةِ والمالِ والعقودِ الإعلانية، فيفقدونَ بوصلتهم وتتحولُ هوايتهم إلى سلعةٍ تُباعُ وتُشترى. يصبحونَ مُجبرين على مواكبةِ "التريندات"، وتقديمِ محتوى يُرضي الشركاتِ والمعلنين، حتى لو كانَ ذلك على حسابِ صحتهم أو مصداقيتهم أو حتى سعادتهم الحقيقية. إن فهمَ هذه الديناميكياتِ الخفية، ورؤيةَ الخيوطِ التي تُحرّكُ عرائسَ الماريونيت هؤلاء، هو خطوةٌ أساسيةٌ لنستعيدَ سيطرتنا على قراراتنا. عندما نُدركُ أن التوصيةَ التي نراها قد لا تكونُ بريئةً كما تبدو، وأن الصورةَ اللامعةَ قد تُخفي وراءها صفقةً تجارية، نبدأُ في بناءِ درعٍ من الوعي النقدي يحمينا من التلاعب. يجبُ أن نتساءلَ دائماً: من المستفيدُ الحقيقي من هذا المحتوى؟ وهل هذه اللذةُ المعروضةُ تستحقُ الثمنَ الذي قد ندفعهُ من صحتنا ووعينا ومبادئنا؟ الفصل الخامس: صدى الجوع القديم في عالم الوفرة الزائفة لماذا نسقط في الفخ؟ عدم التطابق التطوري لفهمِ لماذا نقعُ بسهولةٍ ضحايا لـ"الفود بلوجرز" وإغراءاتِ الطعامِ المُصنّع، علينا أن نُسافرَ بالزمنِ إلى الوراء، إلى عصورٍ سحيقةٍ كان فيها الإنسانُ كائناً مختلفاً، يعيشُ في عالمٍ مختلفٍ تماماً. دماغُنا الحديث، بكلِ تعقيداته، لا يزالُ يحملُ بصماتِ ذلك الماضي، بصماتِ ملايينِ السنينِ من التطورِ في بيئةٍ تميزت بالندرةِ والصراعِ من أجلِ البقاء. وهذا الإرثُ القديمُ هو بالضبط ما يُستغلُ ضدنا اليوم. تخيل إنسانَ الكهفِ، أو الصيادَ الجامعَ للثمار. لم يكن الطعامُ متوفراً بسهولةٍ كما هو الحالُ في ثلاجاتنا اليوم. كان البحثُ عن السعراتِ الحراريةِ مهمةً يوميةً شاقةً ومحفوفةً بالمخاطر. في هذا السياق، تطورَ نظامُ المكافأةِ في دماغنا (نظام الدوبامين) ليكونَ شديدَ الحساسيةِ تجاهِ الأطعمةِ الغنيةِ بالطاقة، خاصةً الدهونِ والسكريات [13] [3]. العثورُ على فاكهةٍ حلوةٍ أو قطعةِ لحمٍ دسمةٍ لم يكن مجردَ وجبة، بل كان انتصاراً في معركةِ البقاء. الدوبامينُ الذي كان يُفرزُ عند رؤيةِ أو تذوقِ هذه الأطعمةِ لم يكن للمتعةِ فقط، بل كان إشارةً قويةً للدماغ: "هذا مهمٌ جداً! تذكّرهُ، ابحث عنهُ مرةً أخرى!". لقد كان نظاماً يُحفّزُ السعي والتعلمَ والتذكرَ لضمانِ الحصولِ على الطاقةِ اللازمةِ للحياةِ والتكاثر. كانت العلاقةُ بالطعامِ علاقةً مباشرةً وحقيقية. الطعامُ كان يعني البقاء، والجوعُ كان دافعاً قوياً للحركةِ والبحث. لم تكن هناك صورٌ مُعدّلةٌ أو إعلاناتٌ مُضللة. كانت الحواسُ هي الدليل: رائحةُ الفاكهةِ الناضجة، منظرُ الفريسة، ملمسُ الجذورِ الصالحةِ للأكل. كان الدماغُ يتلقى إشاراتٍ متكاملةً من البيئةِ الحقيقية، وكان نظامُ الدوبامين يعملُ بتناغمٍ مع احتياجاتِ الجسدِ الفعلية. الآن، قُم بقفزةٍ سريعةٍ إلى عالمنا الحديث. ماذا حدث؟ لقد تغيرت البيئةُ بشكلٍ جذري، لكن أدمغتنا لم تتغير بنفسِ السرعة. لا نزالُ نحملُ نفسَ الأسلاكِ العصبيةِ التي تطورت في عصرِ الندرة، لكننا نعيشُ في عصرِ وفرةٍ (أو وهمِ وفرةٍ) غيرِ مسبوقةٍ من الأطعمةِ فائقةِ المعالجة (UPFs) [11]. هذه الأطعمةُ ليست مجردَ طعام، إنها مُركّباتٌ مُصممةٌ هندسياً لتُفرطَ في تحفيزِ نظامِ المكافأةِ لدينا. إنها تُقدمُ تركيزاتٍ من السكرِ والدهونِ والملحِ والنكهاتِ الاصطناعيةِ التي لم تكن موجودةً أبداً في الطبيعة، مما يُحدثُ فيضاناً دوبامينياً يُشبهُ تأثيرَ المخدرات [13]. وهنا يأتي دورُ "الفود بلوجر" ليكملَ الفخ. إنه يُقدمُ لنا الإشارةَ البصريةَ المُكثّفةَ لهذه الأطعمةِ المُصممةِ لإثارةِ أدمغتنا القديمة. الصورةُ المُتقنةُ للبرجرِ الذي يقطرُ جبناً، أو الفيديو المُبطّأُ للشوكولاتةِ الذائبة، تعملُ كمُحفزٍ خارقٍ يُطلقُ استجابةَ الدوبامينِ حتى قبلَ أن نأكلَ أي شيء. دماغُنا البدائي يصرخ: "هذه فرصةٌ نادرةٌ للحصولِ على طاقةٍ هائلة! لا تُفوّتها!". لكنها ليست فرصةً نادرة، إنها فخٌ مُتاحٌ في كلِ زاوية، على كلِ شاشة. هذا ما يُعرفُ بـ"نظريةِ عدمِ التطابقِ التطوري" (Evolutionary Mismatch Theory) [11] [13]. أجسادُنا وأدمغتُنا مُكيّفةٌ لبيئةٍ لم تعد موجودة. نظامُ المكافأةِ الذي كان أداةً للبقاءِ أصبحَ نقطةَ ضعفٍ تُستغلُ بلا رحمة. الجوعُ الحقيقي، الإشارةُ الداخليةُ للحاجةِ للطاقة، تم تهميشهُ لصالحِ الإشاراتِ الخارجيةِ المُضخّمةِ التي تُثيرُ الرغبة لا الحاجة. النتيجة؟ نأكلُ عندما لا نكونُ جائعين، نشتهي ما يُضرّنا، ونفقدُ الاتصالَ بإشاراتِ أجسادنا الطبيعية. والأمرُ لا يتوقفُ عند الطعام. هذا الاختطافُ لنظامِ المكافأةِ يُفسدُ قدرتنا على الشعورِ بالرضا من مصادرَ أخرى أكثرَ صحيةً واستدامة: الإنجازُ في العمل، العلاقاتُ الإنسانيةُ العميقة، ممارسةُ الرياضة، التأملُ في الطبيعة. كلُ هذه الأنشطةِ تُفرزُ الدوبامينَ أيضاً، لكن بشكلٍ مُعتدلٍ وطبيعي. أمامَ الفيضاناتِ المُصطنعةِ التي تُحدثها صورُ "الفود بورن" والأطعمةُ فائقةُ المعالجة، تبدو هذه المكافآتِ الطبيعيةِ باهتةً وغيرَ مُغرية. لماذا تبذلُ جهداً في عملٍ شاقٍ لتحصلَ على شعورٍ بالإنجاز، بينما يمكنكَ الحصولُ على دفقةِ دوبامينٍ سريعةٍ وسهلةٍ بمجردِ مشاهدةِ فيديو أو طلبِ وجبةٍ سريعة؟ إن فهمَ هذا الصدى العميقَ للجوعِ القديمِ في عالمنا الحديث هو مفتاحُ التحرر. نحنُ لسنا ضعفاءَ الإرادةِ بطبيعتنا، بل نحنُ كائناتٌ تطوريةٌ تعيشُ في بيئةٍ لم تُصمم لها. "الفود بلوجر" ليس مجردَ شخصٍ يستعرضُ طعامه، بل هو تجسيدٌ لهذا الصراعِ بين ماضينا التطوري وحاضرنا المُختطَف. وإدراكُ هذا الصراعِ هو الخطوةُ الأولى نحو استعادةِ التوازن، وإعادةِ برمجةِ أدمغتنا لتخدمَ سعادتنا الحقيقية، لا أوهامَ الشاشاتِ اللامعة. المراجع 1. https://news.un.org/ar/story/2024/02/1128827 2. https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/obesity-and-overweight 3. https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC3124340/ 4. https://www.frontiersin.org/journals/human-neuroscience/articles/10.3389/fnhum.2017.00625/full 5. https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC6446735/ 6. https://www.bbc.com/future/article/20211206-does-seeing-food-on-social-media-make-us-eat-more 7. Synthesized from search results (Placeholder Needs actual source if available) 8. https://www.ftc.gov/business-guidance/resources/disclosures-101-social-media-influencers 9. https://ijbnpa.biomedcentral.com/articles/10.1186/s12966-024-01589-4 10. Synthesized from search results (Placeholder Needs actual source if available) 11. https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC11279030/ 12. References on Porn Addiction Effects (Placeholder Needs actual source if available) 13. Synthesized from search results (Placeholder Needs actual source if available)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيديو يرصد وقوع انفجار بقارب وسط الماء وقفز أشخاص منه.. شاهد
...
-
سوريا.. -التعب- على وجه أحمد الشرع يثير تفاعلا خلال مراسم تو
...
-
لحظة دخول أحمد الشرع.. فيديو وقوف ضابط أمريكي ومبعوث ترامب ل
...
-
السعودية.. جريمة مروعة واستدراج أطفال بغية فعل الفاحشة يكشفه
...
-
خطأ غير مصير المعركة.. كيف ضلّت مجموعة حماس طريقها إلى الهدف
...
-
علماء يدحضون أسطورة المعيار الصحي للنوم
-
جنوب السودان تحيي اليوم الدولي لحفظة السلام وسط استمرار التو
...
-
كوريا الشمالية تجري تعديلات في قياداتها العسكرية
-
الجيش الباكستاني يعلن مقتل 4 من جنوده في اشتباك مع إرهابيين
...
-
إصابة جندي إسرائيلي بجروح خطيرة في معارك جنوب قطاع غزة
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|