أحمد مكتبجي
الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 18:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اليوم وبينما كنت أتصبب عرقا بسبب انقطاع الكهرباء – اللا وطنية - في عز الحر القائظ وكما هو ديدن العراقيين على مدار 35 عاما خلال فصل الصيف اللاهب برغم عشرات المليارات من العملة الصعبة التي أهدرت عليها هباء منثورا ، مع محاولة كل من شركة سيمنز الالمانية ،وجنرال الكتريك الامريكية السيطرة على منظومة الطاقة العراقية بشتى الوسائل والطرق واحتدام الصراع بينهما للتربح – براس العراقيين - برغم وعود مد الخط السعودي والتركي والاردني، مرة تحت مسمى الخصخصة ، وأخرى بزعم الاستثمار، وثالثة بادعاء مساعدة العراق وانتشاله من محنته ومأساته التي لا تنتهي قط ، وبرغم الوعود المعسولة و اللامسؤولة التي تتعهد بتحسين أداء الشبكة ، ورفد المنظومة الكهربائية مرارا وتكرارا وتحديدا حين يكون الطقس جميلا ومعتدلا ،ويوم تكون وعلى قول السندريلا "الدنيا ربيع والجو بديع - أغلق لي كل الملفات الساخنة - وقفلي على كل المواضيع !!" ولكن من دون جدوى،حيث كهرباء وطنية في خبر كان وأخواتها رغما عن أنف 45 مليون عراقي يذوبون من شدة الحر حرفيا خلال فصل الصيف ، تارة بسبب توقف المحطات الغازية نتيجة انقطاع ،أو بالأحرى ، قطع الغاز الإيراني المسال وعددها(40) محطة غازية والكل يتساءل عن سر قطع ايران للغاز المشغل لمحطات العراق الكهربائية سنويا خلال الصيف ،أو كلما اشتدت الخلافات بينها وبين أمريكا بشأن ملفها النووي ، والكل يسأل عن سر عدم استبدال الغاز الإيراني بنظيره القطري أو الجزائري – لو هاي هم طائفية وشوفينية وعودة الى المربع الأول – لأن حالنا مع غاز ايران المسال صار مسيسا ودخل كليا في حسابات الحقل الجيو سياسي والبيدر ، وبما يصلح أن تغنى فيه أغنية رياض أحمد ، الشهيرة " تزعل مرة ،وترضى مرة، وكم مرة تبعد واغفر لك ، متكلي الـ يغفر كم مرة ؟ و طبعك صاير مرة ومرة ".
كل ذلك بالتزامن مع توقف المحطات الحرارية وعددها( 8 )محطات بسبب شح المياه والإجهاد المائي على خلفية الجفاف وعديد السدود التركية ضمن مشروع الكاب ، اضافة الى تحويل مجاري الأنهار مع الدول المتشاطئة مع العراق الواقعة الى الجوار لتصب مياهها في أرض المنبع مجددا بدلا من أرض المصب التي كانت تسمى وقديما جدا ببلاد الرافدين أو بلاد ما بين النهرين قبل تحولها الى بلاد ما بين الساقيتين أو البركتين ، كذلك الحال مع محطات الديزل وعددها(18) محطة عادة ما تتلكأ في أدائها بسبب شح الوقود في أغنى بلد نفطي بمجرة درب التبانة – ليش ؟ ما أدري ، ما أدري !" ،ترافقها مولدات أهلية مزاجية الإدارة والتسعير والتشغيل تعتاش على المأساة وتبتهج بالمعاناة بكل ما تحمل العبارة من مضامين ومعان وكلمات !!
في خضم ذلك كله وصلتني رسالتان على الماسنجر ، الاولى تتحدث عن أن العراق قد احتل المرتبة الأولى عربياً،والثانية عالمياً في معدل "الغضب لعام 2024" بحسب موقع "Gallup Global Emotions" ولاغرابة في أن يكون الشعب العراقي من أكثر شعوب العالم غضبا وكل ما فيه عبارة عن - الى الورااااااء، در ..والى القرون الوسطى المظلمة ، وازنا ، هروووول - ، كنت أجلس ساعتها على كرسي الحلاق حين انقطع التيار الكهربائي فتوقفت ماكينة الحلاقة الكهربائية عن العمل وساد الظلام الدامس أرجاء المحل والذي سرعان ما تحول الى حمام جاكوزي وساونا ، ولما أكمل الحلاقة بعد ، وحين سألته "وماذا عن المولدة الاهلية ؟" فقال وبعصبية واضحة تؤيد كل ما جاء في الدراسة " المولدة عطلانة"، قلت: حلوو، نكدر نكول ربطت بالدوشيش ، طيب وما الحل في هذه الحالة إذا ؟ فجاء الجواب القاصم الحاسم وكان عبارة عن غضب عارم أكد صحة الاحصائية العالمية الجديدة،مشفوعا بقصائد نبطية وشعبية وتفعيلة وعمودية من السباب والشتائم لم تترك كناية من كنايات السخرية والاستهجان الحية والميتة إلا واستدعتها ليتشارك فيها كل من الاسطة وزبونين آخرين كان ينتظران دورهما للجلوس على كرسي الحلاق ، فقلت في نفسي لأغادر المحل بنصف حلاقة فهذا وبالتأكيد أفضل من سماع المزيد من الكلمات الجارحة المتبوعة لا محالة بدزينة من الاتهامات التي ستطلق يمينا وشمالا لتضع السابقين واللاحقين على المشرحة بكل وقاحة وبجاحة !!
وأما الرسالة الثانية فكانت مرسلة من قبل "منظمة آفاز" للتوقيع على عريضة تتمحور حول انقاذ حياة ما يسمى بـ" إنسان الغاب التابانولي" وهو نوع من القردة الوديعة والحنونة المهددة بالإنقراض كليا ونهائيا !
وبحسب منظمة آفاز التي تنشر انشطتها بـ 17 لغة حية ، وتضم 75 مليونا من الأعضاء في 18 دولة تتوزع بين ست قارات ،فإن " 800 فردٍ فقط من عائلة قرد التابانولي يعيش حاليا في غابة مطيرة واحدة في إندونيسيا فيما تهدد شركة - غاردين ماثيسون - للتعدين بتوسيع رقعة منجم الذهب الخاص بها ما سيؤدي الى تدمير موطن"إنسان الغاب " دون رجعة، وبما يحرمه من مصدر الغذاء والتزاوج والعيش بأمان على حد وصف المنظمة ....
والحق أقول لكم لقد وقعت على العريضة احتراما للحياة البيئية والتنوع البيولوجي المهدد بالانقراض على سطح الكوكب المبتلى بالتلوث البيئي والأخلاقي والسياسي فضلا على الاحتباس الحراري والتغير المناخي أولا ..أما ثانيا فلأنني خصم لدود للشركات الرأسمالية الاحتكارية الكبرى حيثما وجدت وفي أي زمان ومكان ظهرت ، والتي لا هم لها سوى الإثراء السريع والفاحش على حساب جميع الاعتبارات والقيم والمبادىء ولو بإبادة شعوب ودول ومخلوقات وتجريف بساتين وحرق غابات وأراض زراعية عن بكرة أبيها !
ومع ذلك فلقد ارسلت بدوري الى "منظمة آفاز رسالة بعد التوقيع على العريضة قلت لهم فيها " أيها الاصدقاء والنشطاء الاعزاء في منظمة آفاز الدولية هل تعلمون بأن ليس ما تطلقون عليه بـ إنسان الغاب التابانولي..الوحيد المهدد بالانقراض ...انسان الشرق الاوسط الحقيقي ولكن "التنبلوني" = من التنبلة بدوره مهدد بالإنقراض ،ولا أدري إن كنتم تعلمون بذلك أم على قلوب أقفالها ؟!
وما أشبه العراقيل التي وضعت امام العالمين الكبيرين الإيطالي غاليلو، والسويسري موزي، لتحول بينها وبين طموحاتهم العلمية الكبيرة، وبين تلك الحفر - والطسات - الصناعية التي توضع باستمرار مع سبق الإصرار والترصد في طريق علماء العراق وكفاءاته العلمية التي آثرت العودة الى ارض الوطن الغالي، بعد طول غياب لتدفع بهم قسرا الى هجرة العراق ثانية والعودة الى حيث اتوا، ولسان حالهم يردد قول الشاعر :
أضاعوني وأي فتى أضاعوا..ليوم كريهة وسداد ثغر
فهذا غاليلو وبعد أن أفصح عن نظريته في كتابه (حوار بين النظامين الرئيسيين) التي تؤكد دوران الأرض حول الشمس، بخلاف مفاهيم الكنيسة الكاثوليكية الخاطئة عن الكون انطلاقا من نظرية بطليموس التي تبنتها في وقت ما، ألقي القبض عليه ومثل أمام محكمة التفتيش بعد تعرضه للإهانة والتعذيب واتهامه بالهرطقة فحكم عليه بالاقامة الجبرية في منزله الذي مات فيه كمدا بعد ثماني سنوات عن عمر ناهز الـ(78) عاما ولم تبرأ ساحته من تهمة الارهاب - عفوا - الهرطقة إلا بعد مرور ثلاثة قرون على وفاته وذلك في عام 1983!!
ولا يختلف الحال كثيرا مع رئيس الاتحاد السويسري الذي استقدمته الحكومة العراقية في خمسينات القرن الماضي بعد انتهاء فترة ولايته الرئاسية، وذلك لتقديم المشورة للنهوض بالواقع العراقي على مختلف الصعد، فقدم الرجل مشكورا تقريرا شاملا للنهوض بالواقع العلمي والزراعي في العراق جاء في جزء منه :(إن خصوبة أرض العراق الاستثنائية ، وصلاحية الملايين من دونماته الزراعية ، فضلا على وفرة المياه ، بإمكانها فيما لو استثمرت بشكل صحيح أن تغطي حاجة أبنائه الـ خمسة ملايين من المحاصيل الزراعية، وتصدير الفائض الى الخارج ليأتي دور الصناعة بعد ذلك كدور مكمل للنهوض بالواقع الاقتصادي للعراق).
فما كان من وسائل الاعلام المختلفة مدفوعة من الاحزاب التي تقف وراءها، إلا أن شنت حملة شعواء على السيد موزي متهمة إياه بالتآمر على العراق، وبأنه من أبناء السفارات ، وصديق القنصليات ،لتقويض مسيرته الصناعية الواعدة، واعادته الى الوراء،فعاد الرجل الى سويسرا يجر اذيال الخيبة والخذلان ، وظل العراق على ما هو عليه، يردد ابناؤه المقولة الشعبية (لا حظت برجيلها ، ولا خذت سيد.. موزي).
ومنذ ذلك الحين والى يومنا فإن الخناق يضيق على الكفاءات والعلماء والخبرات والتكنوقراط وفق خطة مبرمجة لإجبارهم على ترك البلاد أو الحيلولة دون عودتهم ثانية لممارسة دورهم الفعال في بناء حاضر العراق، وصياغة مستقبله،ومن آثر البقاء على الرغم من الاقصاء والتهميش فإنه يواجه صعوبات جمة ليس أولها التعيينات ولا آخرها معادلة الشهادات زيادة على قلة الرواتب والمخصصات ،وقد دفع هذا الواقع المأساوي بعض كبار السن إلى التندر بنعمان أفندي قائممقام بغداد أيام زمان حيث كان الرجل عادلا حازما ضربت بحزمه وعدله الأمثال فقيل (من لم يؤدبه الزمان أدبه نعمان) مات في عام 1841 م وانقرضت ذريته وما أحوجنا اليوم الى نعمان جديد في كل مفصل من المفاصل ليعيد البسمة الى الشفاه العراقية التي لم تعد تتحدث إلا عن سحاب حابس ، وعن زرع يابس، وعن مستقبل بائس ، وعن خلافات طائفية ومؤامرات سياسية ودسائس، وعن بند سابع وأسطول أمريكي خامس وسادس، وجلهم بات يردد :
قد مرضنا وليس فينا طبيب...أو دواء فكيف يرجى شفاء
وارجعلي زميلي المنتج ولايفوتنك عصير الراني مرفقا بكاسة اللبلبي مع صحن الباقلاء المشفوعة بالخل والبطنج !!
#أحمد_مكتبجي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟