|
الانهيار لا يحدث فجأة - دونالد ترامب وبداية السقوط
اياد عودة
الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 12:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ الانتخابات الامريكية 2016 وخوض دونالد ترامب لهذه الانتخابات وقبل فوزه وتنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الامريكية اتجهت الكثير من الانظار نحوه ونحو أفعاله غير المتسقة مع التطور التاريخي للدولة والتي وصلت أوجها منذ عقدين على الأقل من وجهة نظر فلسفية وتحديدا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي حيث أصبح هناك إطارا نظريا أعلن في حينها انتصار الديمقراطية الليبرالية وان الشكل النهائي للدولة الحديثة هو أشبه ما يكون بالشكل الذي عليه الولايات المتحدة فالمؤرخ والفيلسوف الأمريكي فرانسيس فوكوياما اطر لذلك بوضوح في كتابه "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" وإذا ما عدنا الى كتابه "أصول النظام السياسي" فإن ما يميز الولايات المتحدة هو العناصر الثلاثة المتوفرة فيها وهي ذاتها العناصر الثلاثة التي تجعل من أي نظام سياسي نظاما فعالا: الدولة القوية، سيادة القانون، والمحاسبة الديمقراطية. ولكن مع ظهور شخص دونالد ترامب - كمرشح للرئاسة وحتى قبل توليه الرئاسة للدورة الاولى وتعززت أثناء توليه الرئاسة للدورة الأولى وتجلت بوضوح في مرحلة الانتخابات الثانية والآن - بدأت ظواهر سياسية غريبة عن تقاليد الدولة الحديثة بالظهور وهذه الظواهر مألوفة في سياقات ما قبل الدولة وفق توصيف " فوكوياما ": حاكم يخضع مؤسسات الدولة لمنطق الولاء الشخصي ويهاجم القواعد والقوانين التي لا تتوافق مع مزاجه ومصالحه ويستخدم لغة يستنهض من خلالها جمهورا ليرى فيه المنقذ والمخلص من سياسات الدولة العميقة. إن ما حدث وما يحدث على يد ترامب قد يبدو ظاهرة عابرة او استثنائية ولكني ارى فيها لحظة مفصلية في التغير وغالبا - تراجع - النظام السياسي الأمريكي.
الولاء الشخصي بديل عن القانون (عودة إلى ما قبل الدولة الحديثة): وضح فوكوياما أن الدولة الحديثة ظهرت عندما تم تحييد الولاءات الشخصية وتبديلها بمؤسسات قانونية محايدة وهذا ما اعاده ترامب إلى ما قبل الدولة الحديثة وعكسه حيث ان الولاء الشخصي للرئيس هو الأهم وقد اتضح ذلك من خلال: اقالة مسؤولي مؤسسات مستقلة لعدم تنفيذ رغبات الرئيس وعدم موافقتهم أو توافقهم الكامل وإعلان الولاء واشهرهم: مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي - جيمس كومي - وزير العدل - جيف سيشنز - مستشار الامن القومي للشؤون الاوكرانية - الكسندر فيندمان - وزير الدفاع - مارك اسبر - مستشار الأمن القومي - جون بولتون - هذه الامثلة وغيرها انما عكست وتعكس ميل دونالد ترامب إلى إخضاع الدولة لمبدأ الولاء الشخصي بدل احترام استقلال المؤسسات وهو جوهر ما حذر منه فوكوياما في انحدار النظام السياسي. الاعتماد على افراد العائلة والاصدقاء المقربين في ملفات حساسة جاريد كوشنر - زوج ابنته - عين كبير مستشاري البيت الابيض رغم عدم امتلاكه اي خلفية سياسية او صحية الا انه ادار ملفات بالغة التعقيد تتعلق بالأمن القومي والسياسة الخارجية وايضا الصحة. ايفانكا ترامب - ابنة الرئيس - عينت مستشارة للرئيس وايضا فان تواجدها في دائرة اتخاذ القرار لم يكن مبنيا على أساس الخبرة السياسية أو الدبلوماسية وإنما على أسس عائلية. رودي جولياني - المحامي الشخصي لترامب - مارس دور وزير خارجية الظل ولعب أدوارا هامة في السياسة الخارجية من خلف الكواليس خاصة في الملف الأوكراني. التشكيك المستمر في أجهزة الدولة: شكك في أهم مؤسسات الدولة ولم يتماشى مع استقلاليتها وتعامل معها بالكيد واهمها مؤسسات القضاء والكونغرس وايضا الاجهزة الامنية ومكتب التحقيقات الفدرالي لمواقفهم المخالفة لترامب والمستقلة عن اهواءه. كل هذا وأكثر يعيدنا الى نماذج ما قبل الدولة الحديثة والديمقراطية التي انتصرت في نهاية التاريخ، نموذج " الرئيس - العشيرة" حيث الولاء الشخصي اهم من الكفاءة وان الرئيس متحكم في القانون وليس تحت القانون.
المؤسسة في مواجهة الزعيم: انتخابات 2020: لقد تعامل ترامب مع السلطة الرئاسية الممنوحة له وفق الالية الديمقراطية المتبعة في دولة نهاية التاريخ على انها حق شخصي وانه بها أصبح فوق القانون وفوق هذه الالية وكانت ردت فعله من نتائج الانتخابات الرئاسية 2020 مثالا واضحا وفاقعا على ذلك فقد عمد الى اساليب لم تكن معهودة نهائيا في هذه الدولة: نشر اكاذيب واختلاق روايات كاذبة عن تزوير واسع في الانتخابات. ممارسة الضغوط وتحشيد كل الامكانات للضغط على مسؤولي الولايات لتغيير النتائج. التحريض والذي اعتر قانونيا تحريضا غير مباشر لمناصريه على رفض النتيجة واقتحام الكونغرس فيما يعرف احداث السادس من يناير لعرقلة ومنع الكونغرس من للمصادقة على نتائج الانتخابات وعلان خسارته لتلك الانتخابات.
الابتزاز بديل عن الدبلوماسية والعمل السياسي (الضرائب والاتاوات كأداة حكم شخصية): منذ عودته للسلطة في مطلع العام 2025 ومنذ اللحظة الاولى بدأ الحاكم الرئيس بالتصرف بشكل واضح وفج على انه صاحب السلطة وبطريقة لا يمكن عدم ملاحظة عدوانيتها للمؤسسية واستقلالية تلك المؤسسات وتبرير كل تلك العدوانية بان (الدولة العميقة) تعرقل خطط الرئيس الحاكم وحتى ادارة الملفات الخارجية تم ادارتها بنفس النهج الجديد والبعيد كل البعد عن العمل الدبلوماسي والمؤسسي للدول: جولة الخليج - اتاوة فجة ووقاحة تفتقر لكل المعايير الدبلوماسي: "ادفعوا لتحصلوا على الحماية": في زيارة روج لها على انها تاريخية للرئيس دونالد ترامب شملت كل من السعودية وقطر والامارات التقى خلالها بزعماء هذه الدول الخليجية الثلاث كان الهدف منها واضحا وهو تحصيل المال من هذه الدول ومن زعماء هذه الدول مقابل حمايتهم وابقائهم في الحكم ولقد صرح الرئيس الامريكي بذلك علنا وعلى وسائل الاعلام حيث قال اكثر من مرة "لقد حميناكم لعقود، والان يجب ان تدفعوا." وان كان هذا الامر امرا واقعا ومعروفا مسبقا الا ان هذه المرة الاولى التي يتم الحديث عنها بهذه الطريقة اللا دبلوماسية والفجة والتي انما تعبر عن عقلية خالية تماما من العمل والخبرة الساسية ولم يكن مفاجئا ابدا نجاح هذه الجولة. التهديدات الجمركية وادارة ملفات التجارة بالطريقة الترامبية بعيدا عن المؤسسات: ان وضوح شخصنة الملفات وابعادها كل البعد عن العمل المؤسسي في ولاية ترامب الثانية تجلى في هذا الملف حيث ان الدائرة الاولى المحيطة بالرئيس لم تكن قادرة على متابعة التهديدات والأوامر التنفيذية الخاصة بهذه التهديدات في ملف الجمارك وتغير نسب الجمارك اللحظي حيث كان (اصحاب الاختصاص مسؤولين ووزراء) يحصلون على نسب الضرائب من تغريدات الرئيس وليس من خلال اجتماعات ودراسات مقدمة من قبلهم للرئيس. الحرب الأوكرانية: ملف خارجي بطابع شخصي: في فترة ولايته الثانية (2025)، عادت قضية الحرب الأوكرانية إلى الواجهة، ولم تكن مقاربة ترامب تقليدية أو مؤسسية، بل حملت طابعًا شديد الشخصانية، يعزز ما يسميه فوكوياما بـ"تفكيك الدولة وتحويلها إلى امتداد للزعيم". 1. وقف الدعم العسكري بشكل مفاجئ ومقايضته سياسيًا أعلن ترامب وقف مساعدات إضافية لأوكرانيا، مشترطًا عودتها بـ"امتنان شخصي" وتحقيقات ضد الديمقراطيين. 2. تفاهم غير رسمي مع روسيا قال ترامب: "سأنهي الحرب في 24 ساعة بمجرد أن أجلس مع بوتين"، ما يعكس منطق "صفقة بين رجال" لا سياسة مؤسسية. 3. تقويض الحلفاء والمؤسسات الدولية هاجم الناتو وهدد بالانسحاب إذا لم تدفع الدول الأعضاء ما يكفي، محوّلاً التحالفات الدولية إلى معادلات مالية. تحليل في ضوء فوكوياما في "أصول النظام السياسي"، يرى فوكوياما أن أحد أعمدة الدولة الحديثة هو: استقلال السياسة الخارجية عن النزوات الفردية، وارتباطها بمصالح وطنية مؤسسية طويلة المدى. لكن ما فعله ترامب هو اختزال الحرب في علاقته الشخصية ببوتين، واستخدام الحرب كورقة ضغط داخلية، وربط الدعم العسكري بولاءات وامتنان شخصي. خاتمة: رجل واحد ضد التاريخ؟ ما يقدمه ترامب، في النهاية، ليس مجرد نموذج رئاسي مختلف، بل محاولة لإعادة تعريف الدولة الحديثة نفسها: - من دولة القانون... إلى دولة الرجل الواحد. - من الحوكمة... إلى الولاء.- من الضرائب كمؤسسة... إلى الضرائب كأداة شخصية للهيمنة. وفي ضوء تحليل فوكوياما، يبدو واضحًا: ترامب لا يعيش داخل الدولة... بل الدولة تعيش داخل ترامب وبالتأكيد فان هذا المقال اتو التحليل لا يؤطر لفكرة الن دونالد ترامب قد انهى او انه قادر علة انهاء الولايات المتحدة واسقاطها وانما يؤسس لفكرة ان التاريخ لا ينتهي ولن ينتهي عند احد بل هو دوامة من الحلقات الصاعدة والهابطة وان ما يفعله ترامب هو في اطار الانحدار الذي لا يحدث ولن يحدث فجأة ولكنه سيحدث يوما ما.
#اياد_عودة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صراحة الرئيس
-
باولو فريري ومحاكاة النظام الجديد للثانوية العامة في فلسطين
-
ابعاد الثانوية العامى الجديد في فلسطين
المزيد.....
-
هل ترى نفسك رئيس -تسلا- التنفيذي بعد 5 سنوات؟ ماسك يرد ويُضح
...
-
فيديو متداول منسوب إلى ضربات حوثية على مطار بن غوريون.. هذه
...
-
صحة غزة: 53655 حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي على القطاع
-
كيف تسعى إسبانيا لتسوية أوضاع 900 ألف مهاجر في ثلاث سنوات؟
...
-
سوبيانين: الدفاع الجوي يتصدى لهجوم بثلاث مسيرات جوية معادية
...
-
شاهد.. شرطة الكنيست تبعد نائبا عربيا عن المنبر بعدما اتهم إس
...
-
مصر.. فيديو داخل قطار يهز مواقع التواصل والحكومة تتحرك
-
بيسكوف: يجب على موسكو وواشنطن إعادة بناء البنية القانونية لل
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحديثا لعملية -عربات جدعون-
-
الاتحاد الأوروبي يعلن إعداد حزمة عقوبات جديدة أكثر تشددا ضد
...
المزيد.....
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
المزيد.....
|