|
معنى أن تكون شيوعيا في المهجر
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 04:51
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
اليسار الأوربي لا يقبل منك كمهاجر إلا أن تكون نسخة سيئة منه، أن تكون مستلبا من قضاياك الوطنية ولا تراها إلا كما رأوها هم انفسهم في سياق سياسة الابتزاز العام الذي يحكم منطق بلدانهم ببلداننا المستعمرة سابقا، كيف لا وهم أيضا من ادخل الأدب واللغة اليسارية إلى بلدانك، في تجربتي الشخصية، في التقديم إلى حزب يساري، وفي غياب معطيات كاملة حول مختلف التيارات اليسارية، كنت في المغرب أميل أن اكون شيوعيا محضا، ليس فقط يومن بالصراع الطبقي بل أيضا بتلك النمطية التي للإنسان المسلم عندنا حول الشيوعية أي أن تكون ملحدا أيضا في سياق سوسيوثقافي معين (حتى لا ندخل في جدل الشيوعي ليس بالضرورة ملحد) حيث ماركس في السياق السوسيوثقافي لمجتمعاتنا هو الملحد أيضا وهو توظيف محكم من طرف المناهضين لتحرير العمال والطبقات الاجتماعية المسحوقة، أن تكون ماركسيا يعني أن تكون في درجة أهل الردة الذين يباح دمهم، وكزيادة مني في العدوانية والتمرد ضد هذا الفكر لم أكن أخفي أني شيوعي وماركسي لينيني وعدو حقيقي لهؤلاء الذين يروني مرتدا، الهجرة إلى الغرب في ذروة هذا الموقف أمر حماسي جدا بشكل خطير أيضا يسهل عملية هضم الاستلاب الابتزازي: إن الحماسة التي تدفعك إلى العلاقات باليسار في أوربا، من حيث هي في مستويات من الوعي الشبابي غير ناضجة تماما، تجعلك تندفع بشكل أعمى من حيث نضع في الاعتبار، من حيث الوعي السياسي والوعي الطبقي هم أكثر نضجا من نحن الآتون من المجتمعات التي لا توجد فيها بروليتاريا أصلا وهذا واحد من الإشكالات الاستيعابية التي تصادم يساريينا في أوزبا، نموذج هذا الاستلاب في تجربتي الشخصية، الموقف من قضية الصحراء المغربية مثلا: كل اليسار حتى في المغرب له موقف حق تقرير المصير مثل اليسار في كل أوربا: هناك شعب صحراوي هو من له الحق في أن يختار في أن يكون هنا او هناك، لكن الإشكال الحاصل وإن لم نكن نطرحه بشكل واقعي هو: لماذا الصحراء محظوظة بهذا تقرير المصير وعدد سكانهم أقل من عدد سكان مدينة بالجهة التي أنتمي إليها، السؤال في المغرب مكبوت لأن استراتيجية اليسار هي استغلال كل ما يهدم النظام والمناضلون المركزيون ممن أمضوا سنوات في الاعتقال السياسي أعرف منا نحن المبتدئون، في المغرب اليساري الشاب أيضا مبتز ومستلب أيضا لانه سجين خرافات زعماء الحزب أو التيار، لم أستطع طرح الإشكالية حتى عندما سرت عاملا بروليتاريا أناضل من داخل الطبقة العاملة: في مناجم جبل عوام (الطبقة البروليتارية بالمنجم، كل العمال هناك مع مغربية الصحراء بما فيهم عمال صحراويون أنفسهم ولا زالت لي صداقات إلى حد الآن مع أغلبهم، قليلون محسوبين على رؤوس الأصابع، يساريون مثلي، يساريون فوق اليسار (ثوريون، وأتذكر أن احدهم كان كاتب نقابة العمال، وفي إضراب للعمال هدده عامل الإقليم بالقول أنه يعرف ان الكاتب النقابي قاعدي، نسبة إلى تيار طلابي بالجامعة المغربية، وهدده بانه يعرف أيضا أنه من جبهة البوليزاريو) هؤلاء المعدودون على رؤوس الأصابع هم من كان لهم موقف حق تقرير المصير. وخلاصة القول ومن موقع تجربتي الشخصية لم نناقش قضية الصحراء بعمق أكبر وكانت الصحراء محظوظة بهذا الحق الذي كنت أرى في وقتها انه من حقنا هذا الحق أيضا في الاطلس المتوسط، لكن في الحقيقة هذا الأمر لم يحسم فيه اليسار الماركسي المغربي ولا أتكلم عن اليسار والسوسيال البعثي في المغرب الذي كان موقفه انتهازيا هو نفسه موقف نظام القذافي والطغمة العسكرية بالجزائر، أما الكثير من الماركسيين الحقيقيين الغير منتمون في المغرب هم من كان لديهم موقف إجابي كوني من مفهوم تقرير المصير وكانوا يرونه في إطار دولة فيديرالية فيه دولة المغرب عبارة عن فيديراليات،واعتقد جازما أن لتجاه النظام في خلق ما يسميه جهوية موسعة هو عمليا عملية احتواء لمفهوم الفيديرالية وهذه نقطة سأستوعبها بشكل خاص في أوربا في سياق الفهم المدني للدولة عكس الأنظمة في دولنا. أومن الآن ومن خلال تجرتي في أوربا أن علاقة اليسار في أوربا باليسار عندنا هي كعلاقة دول أوربا بدولنا هي هي علاقة ابتزاز وليس علاقة رفاقية كما نتوهم. وأخطر ما يعيشه اليساري منا (المهاجر أقصد) هذه التركيبة المعقدة من الاغتراب، اغتراب مزدوج تتوزعه هواجس الانتماء الأصلي للوطن، الانتماء للبيئة الجديدة وصقل التجربة التي تضعك في منزلة بين المنزلتين، لا أنت يساري شيوعي كما كنت في المغرب ولا انت يساري شيوعي كما توخيت أن تكونه في أوربا. بالنسبة لقضية الصحراء في إسبانيا وقع لنا نفس الكبت، لا يسمح بنقاش حر او على الأقل هناك ميكانيزمات تتحكم في كبت الموضوع، الاشكال هو انك ضمن عملية الادماج في المجتمعات الجديدة، الاندماج فيها وفي إطار العلاقات السياسية تعطل حوار جدي في الموضوع وحتى في إطار عملي في العمل النقابي، دعوني أخبركم أولا لماذا تغير موقفي بشكل جذري في قضية الصحراء، أقصد تغير من موقف حق تقرير المصير إلى موقف مغاير تماما.. في سياق عملي النقابي كان لدي ملف عامل مهاجر صحراوي من الركيبات في وضع خاص مهدد بالطرد من إسبانيا، وكان لي زميل سينغالي في العمل وعدني بان نحل المشكل مع ممثلي الصحراويين في إسبانيا من جبهة البوليزاريو بأن يوثقوه كصحراوي منهم ويتمتع بنفس التسهيلات التي لهم وحصل أن تحاورت معهم في منتدى المتوسطي ببرشلونة والذي رتب لقاءنا هو الرفيق الفقيد عبد المومن الشباري من النهج الديموقراطي وهو افشل لقاء حصل لي في كل مفاوضاتي النقابية وهو اللقاء الذي فيه غسلت يدي على جبهة البوليزاريو باعتبارها جبهة عنصرية لا تصلح ان نأمن أن تكون بجوارنا من الجنوب وكان الموقف هذا عبرت عنه للرفيق عبد المومن الشباري الذي حاول أن يقنعني بجدوى ممارساتهم معي في ذلك اللقاء (باختصار شديد اللقاء طبعه الهاجس الاستخباراتي ألأمني العسكراتي أكثر من حوار مع مناضلين، بعد هذا اللقاء صادفت رفيقا آخر كان منفيا عندهم في مخيمات تيندوف وأخبرته بما حصل فقال لي: لو استشرتني في الأمر لما تركتك تجلس معهم ). في العمل النقابي دائما وفي المهجر بالخصوص، كنت أعمل داخل نقابة قومية راديكالية ماركسية لينينية ذات فهم خاص في الصراع مع الإمبريالية بشكل عام ولها شعار جميل وقوي: "إذا كنت مناضلا ماركسيا حقيقيا ضد الرأسمالية فحارب مؤسساتها في قريتك، مدينتك او إقليمك..” بعبارة أخرى إبدأ من ذاتك في نضالك ضد الرأسمالية، وهو الموقف الذي جعلني أكتشف الشيوعية خارج مفاهيم ماركس وخارج مفاهيم البروليتاريا، وأتذكر أني استوعبت هذا الفهم أكثر حين سألني صديق أن أبسط له مفهوم الشيوعية، فقلت له أنها منظور عفوي يتملكه حس الأبوة والأمومة عند والديك فهما أكبر شيوعيان في الأرض من حيث يقتسمان أملاكهما معكم أنتم الأبناء، يسهران على صحتكم، تعليمكم، أكلكم، لباسكم، لا يفرقان بين ذكوركم وإناثكم… الشيوعية هي ان تكون الدولة مثل أسرتك لا أكثر ولا أقل...الأسرة بهذا المعنى هي وريثة القطيع في المجتمع المعاشي والذهاب إلى أسرنة (من الأسرة) الدولة، هي عودة إلى البدء وربما ناقشت هذا الموضوع مع أستاذ عزيز من بلاد بعيدة فكان كمن استفاق من غفوة: آه صحيح، الكثير منا لم ينتبه لهذا الأمر . في أكثر من مناسبة حصل لي هذا الحوار في إسبانيا مع اليسار بشكل عام ومع تيارات الفوضوية أيضا: ــ أنت من المغرب؟ ــ نعم! ــ مرحبا بك في العمل معنا! ــ شكرا، شرف كبير (أرد عليه) ــ أريد أن أسألك سؤالا خاصا؟ ــ نعم! اسأل! ــ موقفك من الصحراء؟ ــ حق تقرير المصير! ببساطة أعرف أني لكي أنعم بصداقة واحترام علي أن أكون مبدئيا في حوار ظرفي محدود. ــ يعجبني المغاربة مثلك! ــ جميل! لقد نلت منك (أقولها في دواخلي) هذه الأمور دائما تبقى في دواخلك مستفزة وتتناقض أكثر حين تكاشفك أسئلة مثلها لكن ليس على الصحراء بل على الجزر الكنارية التي هي عمليا تنتمي إلى المجال الصحراوي الإفريقي، عندما يكلمني الشيوعي الإسباني عن الصحراء الغربية يجب أن يدخل في مجالها الجزر التي تحتلها بلاده والتي إلى حد الآن تتحكم بلاده في مجالها الجوي، وكذلك على مناطق أخرى ليست جغرافيا مرتبطة بإسبانيا، لماذا الشيوعي الإسباني لا يكاشف ذاته في موقفه من جزر في الأصل هي إفريقية كجزر الكانارياس التي هو يعتبرها ضمن تيروتوريو دي إسبانيا؟ لماذا هذه الجزر لا تدخل ضمن حق تقرير المصير للشعوب الأصلية وهذه هي الحقيقة؟. لماذا على اليساري المغربي أن يتنكر في قضية الصحراء بينما الشيوعي الإسباني لا يفعل الشيء ذاته في مناطق توسعت فيها إسبانيا؟ لسبب بسيط لان الشيوعي الإسباني تتملكه غريزة الابتزاز مثل دولته ويستطيع أن يوظف بشكل رائع الموقف من النظام الملكي المغربي، بينما المغربي تتحكم فيه غريزة المنهزم . الصحراء في المغرب أحسن بكثير من بعض المدن في المناطق الغنية بأوربا، ولا أبالغ حين أقول هذا، إني أندهش في مسالة تطور أقاليم الجنوب وأطالب باقي المناطق المهمشة في المغرب أن تطالب بحق تقرير المصير لتنعم بما تنعم به الصحراء المغربية. لكن السؤال المطروح الذي أطرحه كشيوعي مغربي، هل سيساندنا الشيوعي الإسباني أم فقط الصحراء لانه كانت له سابقا؟ شكل من اشكال الابتزاز الأخرى من اليسار الأوربي، الماركسي لا يقبل الملكية وهذا صحيح، التمسك بشيء يمثل إعاقة للملكية في المغرب شيء موجب، العلة ببساطة ليست ديموقراطية، لكن لماذا هذا اليساري لا يخلق نفس الحدة في شكلنة النظام الملكي ونظام الحكم الرأسمالي في قضية الكانارياس وسبتة ومليلية مثلا وقس على هذا اليسارات المنمقة في الدول الأخرى. أحيانا وبشكل غير مستوعب أو لنقل بشكل تأكيدي، لم نبحث العلاقة بين اليسارات في أوربا وأنظمتها الحاكمة، لماذا تكون نظرة الأنظمة واليسارات هذه متسقة حين تحكم محكمتهم البلجيكية مثلا في معاقبة المغرب: تقاطع المغرب في العلاقات التجارية وغيرها معناه تعاقب الشعب المغربي والصحراوي الساكن الحقيقي في الصحراء وليس النظام المغربي.. هذا المقال هو محاولة مني بالعودة إلى الكتابة، أحيي وأشكر الأستاذ حسين علوان حسين الجميل والاستاذ جمال عبد الحق سعيد على تعليقهما في مقالي السابق .
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذو المعاشين
-
الجيل المهذب
-
تيوولين! (قلبيات أوالقلب بالقلب)
-
سجن في سبيل الله!
-
روميو وجولييت الأمازيغيين: -إيسلي- و-تيسليت-
-
الإضراب!
-
في فلسفة الألوان: ضد -تزميل- المجتمعات الإنسانية
-
هل يمكن ان تنجح وساطة عربية أو دولية في حقن العلاقات المغربي
...
-
مشكلة الهوية داخلية
-
هنيئا للطبقة العاملة في يومها العالمي برغم افتراس وحدتها
-
مو عنذا بوالحوب اوا
-
ثورة البقر في الرباط
-
عيشة قنديشة (كل الثائرات متشابهة)
-
فارس اليانصيب
-
من هم سكان المغرب الأقدمون؟
-
عودة إلى إشكالية اللغة والهوية
-
الأمازيغية حين ترفض بهواجس عنصرية
-
شمال إفريقيا وإشكالية التراث
-
حول المانعة الثقافية
-
الإرهاب الفكري أو الترهيب في الفكر
المزيد.....
-
سلام بلا مواطنة: الأكراد بين نداءات أوجلان وواقع القمع
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
-
ألمانيا: تفكيك خلية إرهابيين من اليمين المتطرف هاجموا لاجئين
...
-
402 مليون دولار خسائر -ماركس أند سبنسر- جراء اختراق إلكتروني
...
-
كمبوديا تحيي الذكرى الـ50 لبدء فظائع نظام الخمير الحمر
-
نحو أسلمة متطرفة للقوانين العراقية: استنساخ تجربة النظام الإ
...
-
بسبب رفضها لزواجه الثاني السري، طبيب في أربيل، يرتكب مجزرة ب
...
-
تجارة التعليم في العراق واستغلال العاملين فيه
-
حزب العمال الكردستاني يطالب بتحسين ظروف أوجلان لبدء محادثات
...
-
السفسطائي
المزيد.....
-
أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا
...
/ بندر نوري
-
كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة
/ شادي الشماوي
-
الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة:
...
/ رزكار عقراوي
-
متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024
/ شادي الشماوي
-
الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار
/ حسين علوان حسين
-
ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية
/ سيلفيا فيديريتشي
-
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
/ حازم كويي
-
لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات)
/ مارسيل ليبمان
-
قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|