أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أبية الريح - سفر النفس إلى شوقها الأول (1)














المزيد.....

سفر النفس إلى شوقها الأول (1)


أبية الريح

الحوار المتمدن-العدد: 8348 - 2025 / 5 / 20 - 22:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فلسفة الزهد العاطفي

يأتي الزهد في الحب كفلسفة استثنائية ترفض أن تقيد القلب وترى في العاطفة أفق أوسع من التملك والاشتراط. هذا المفهوم لا يعني النفور من المحبة ولكنه فهم عميق لجذور الحب وإدراك أن المحبة الحقيقية هي حرية تمنحها لنفسك وللآخرين.

- العاطفة بين التملّك والتحرر: النهر والطير

حين تولد العاطفة يزرع التملك بذوره داخلنا، فنحن نحب لنملأ فراغاتنا ونشبّع حاجاتنا العاطفية. لكن الزاهد في الحب يشبه النهر الذي يتدفق من منبعه بلا انتظار، لا يجري ليمتلئ وإنما ليُروى. هو نهر يجري في صمت بلا هدير ولا ضجيج يروي الأرض التي يمر بها من دون أن يمسك بها فلا يعلق بمكان ولا يحبس نفسه في وعاء.
النهر هنا رمز للحب المطلق، حرٌ متدفق، لا يطلب مقابل، ولا يقيد نفسه في جغرافيا العواطف الضيقة.
كذلك الطائر الحر في السماء لا يعشّش في كل غصن، ولا يعلق قلبه في كل عش. يطير باحثا عن السماء الرحبة، يمرّ فوق الغصون دون أن يقيد نفسه بأحدها، يحلّق حراً في فضاء المحبة الرحبة، حيث لا يُحتجز، ولا يُسجن.

- الزهد في الحب: توقٌ للسموّ

الزهد صعود إلى مقام أعمق في الحب. كالشجرة العميقة الجذور التي تُظلّ الأرض دون أن تطلب من أحد الاعتراف، يُحب الزاهد دون أن ينتظر رد، ويمنح دون أن يطالب بالمقابل. قلبه سماء شاسعة لا تهتز مع مرور طائر أو غياب سرب، تظل ممتدة رحبة، تضفي السكينة على من تحتها، بلا أن تسجن أحدا.
في هذا المعنى الزهد يشبه الصحراء الواسعة التي لا تمسك بحبة رمل ولا تقتصر على واحة واحدة، تتسع لكل شيء، وتظل نقية وسامية رغم قسوة الظروف. هذا هو حبّ الزاهد لا يسعى إلى التملك، الزاهد يسعى إلى التجلّي.

- العشق بين الغواية والهداية: الفانوس والنار

العشق في كثير من التصوّف هو رحلة فناء الذات في ذات المحبوب، لا فناء في الإنسان الآخر، بل في معنى أكبر. العشق رحلة شبيهَةً بـ"الفانوس" الذي يضيء درب العاشق نحو الله، بينما النار التي تحترق بها الأنا هي اختبار للفتنة.
المحب العادي يريد "الآخر" ليملأه، أما الزاهد فيريده "لنفسه" كي يكتمل هو نفسه. كالعصافير التي تحط على أغصان شجرة، تأتي وتذهب، لا تبقى إلى الأبد، لكنها تجعل الشجرة تنبض بالحياة. الفقد جزء من القصة، والرحيل جزء من الرحلة، ولا ضير في أن لا تكون القلوب محبوسة بأغلال التعلق.

- رمزية الزهد في العاطفة: المرآة والصخر

لو أردنا اختزال الزهد في رمز، فالمرآة الرحيبة الصافية(الأكيدة) تعبر عن القلب الزاهد. ترى كل من يمرّ، تحتفظ بالصور مؤقتا ثم تتركها تذهب. لا تلوثها الذكريات، ولا تأسرها المشاعر العابرة. نظافتها في عدم التعلق والقدرة على رؤية العالم من دون أن تُعكّر صفوها.
والصخر في وسط النهر رمز آخر: يقف بثبات وسط تيار الحياة والعلاقات المتغيرة، لا ينكسر تحت ضغط الماء، لكنه يسمح له بالتدفق حوله. لا يُعيق الحب، ولا يُحتجز فيه، يبقى قويا هادئاً في مسار متجدد.

- بلاغة الزهد في اللسان العاطفي: القمر المكتمل

في اللغة، كثيرا ما يُساء فهم الزهد بأنه برود أو جفاء، لكن الحقيقة أن القلب الزاهد يشبه القمر المكتمل، الذي لا يحتاج إلى انعكاس ضوءٍ من الآخرين ليضيء، لأنه ينبعث من داخله نورٌ ثابت ومستقل وفراغٌ ممتلئٌ بحضوره الخاص، لا يضطر إلى التزود من الخارج ليشعر بالاكتمال.
ختاماً بالمسرة من روائع الحسين بن منصور الحلاج:
الناس موتى وأهل الحب أحياء.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السودان والمشروع المعاكس


المزيد.....




- دوروف يعلن استعداده للإدلاء بشهادته بشأن التدخل الأجنبي في ا ...
- رئيس الأركان الإسرائيلي يهدد بتوسيع العملية البرية في غزة وي ...
- نائبة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط: نزع سلاح حزب الله يجب أ ...
- ليبيا.. مجلس النواب يحدد الاثنين المقبل جلسة استدعاء لمرشحي ...
- اجتماع بلديات غرب ليبيا يدعو لتغيير الحكومة ويطالب المجلس ال ...
- الدفاع الروسية: إسقاط 15 طائرة مسيرة أوكرانية
- ترامب ردا على زيلينسكي: الرئيس الأمريكي وحده المخول باتخاذ ق ...
- شاهد.. فلسطيني يبصق في وجه ضابطة في الجيش الإسرائيلي.. والشر ...
- 8 أسئلة تشرح تفاصيل ما دار في اتصال ترامب وبوتين
- كوت ديفوار تستعد لاحتضان منشأة أميركية لتشغيل المسيّرات


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أبية الريح - سفر النفس إلى شوقها الأول (1)