أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد سليمان العمري - قمم عربية تحت عباءة ترامب















المزيد.....

قمم عربية تحت عباءة ترامب


أحمد سليمان العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8348 - 2025 / 5 / 20 - 19:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بسم الله الرحمن الرحيم
دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري
في مشهد يعكس التفاوت الفادح بين مسارات السياسة والمآسي الإنسانية، شهدت منطقة الشرق الأوسط جولة للرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ لم تكن مجرّد زيارة دبلوماسية، بل استعراضا لقوة الاقتصاد في تشكيل الجغرافيا السياسية، حيث حوَّل ترامب الدماء إلى أرقام، والمعاناة إلى فرص للابتزاز.
التريليون الذي يشتري الأمن ويُغذّي الحرب
بدأ ترامب جولته في السعودية، التي استقبلته كـ «فاتح»، لتُعلن عن صفقات تجاوزت قيمتها 600 مليار دولار، لكن الرجل الذي لا يشبع من المال والمجد طالب ببراغماتيته المعهودة برفع القيمة إلى تريليون دولار، معلناً أن «أمن الخليج يستحق أكثر».
هنا تتحول الأرواح إلى سلعة في سوق النخاسة الحديث: كل دولار يُضاف إلى الصفقة هو دمٌ جديد يُسكب في اليمن، وقنبلةٌ تُلقى على غزّة، ودعمٌ لآلة الحرب الإسرائيلية التي لا تتوقّف عن التهام الأرض الفلسطينية.
المال وسياسة التوازنات الهشّة
ثم جاءت قطر، التي لم تكن أقل سخاءً، حيث أُبرمت صفقاتٌ بقيمة 1.4 تريليون دولار، لكن اللافت كان تصريح ترامب الغامض الذي طالب فيه إيران بأن «تشكر أمير قطر شكراً عظيماً»، هذا التصريح، رغم سخرية سياقه يُسلّط الضوء على تعقيد الخيوط التي تتلاعب بالشرق الأوسط، حيث تتحرّك الدوحة على حبل مشدود بين المصالح المتضاربة: توازن بين نفوذ إيران وضغوط الخصوم العرب، وتحافظ على شراكتها مع واشنطن، التي لم تُخف استفادتها المالية من الصفقات.
وفي السياق ذاته، أبرمت الإمارات صفقة أسلحة مع الولايات المتحدة بقيمة 23 مليار دولار، شملت طائرات F-35 ومسيّرات متقدمة، بالإضافة إلى اتفاقية تعاون في مجال الذكاء الاصطناعي بقيمة 1.4 تريليون دولار، مما رفع إجمالي الصفقات الخليجية إلى 4 تريليونات دولار.
إنه «الغموض الاستراتيجي» بامتياز: تظهر كأنها تُطفئ الحرائق التي تُشعلها واشنطن وتل أبيب، بينما تحمي مصالحها عبر استثمارات في القرار الغربي نفسه.
رمزية الابتذال في زمن المذابح
بلغت المهزلة ذروتها حين قُدّمت لترامب طائرةٌ فاخرةٌ وُصفت بـ «القصر الطائر»؛ تبلغ قيمتها 400 مليون دولار، كـ «هدية» تليق بمن يُعيد تشكيل المنطقة على مقاس المصالح الأميركية - الإسرائيلية، لكن هذا المشهد المُخزي لم يكن سوى إهانة للضمير الإنساني، ففي اللحظة ذاتها التي تُضاء فيها شاشات العالم بأنوار الطائرة الذهبية، يُحاصر أطفال غزّة في ظلام الموت: مستشفياتُهم بلا كهرباء، وجثثُهم تتطايرت في ذات الآن فعلا - وبدون مبالغة - جرّاء تنفيذ مقاتلات الجيش الإسرائيلي حزاما ناريا بعشرة صواريخ متتالية، حيث بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين أثناء وجود ترامب في الخليج 378 شهيدا؛ جُلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وبعض المتواجدين دُفنوا تحت الأنقاض من شدّة الإنفجار، وآخرون بأجسادهم الهزيلة يبحثون عن قطرة ماء مخلوطة بالدماء بين الركام، تزامنا مع الأجواء الإحتفالية والتصفيق للرئيس الأمريكي.
غزّة، التي لم يدخل إليها أي نوع من المساعدات منذ بداية مارس/آذار، وهي أطول مدة لم تدخل بها مساعدات منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023: الدواءُ نفد، والغذاءُ صار رفاهية، والهواءُ نفسه مُلوثٌ برائحة الموت، وبينما تُنفق المليارات على استثمارات أمريكية - خليجية مزعومة، يُمنع إدخال الأدوية الضرورية أو كيس طحين بطعم شظية إلى غزّة، وكأن حياة الطفل الفلسطيني أقل قيمة من ذخيرة الدبابة الإسرائيلية.
التصريح الأخطر
وفي اللحظة التي لم يعد فيها للمأساة قاع، جاء التصريح الأخطر من ترامب:
«لدي تصورات جيدة جداً لغزّة لجعلها منطقة حُرّيّة، وسأكون فخوراً لو امتلكتها الولايات المتحدة».
هكذا، بلا حياء، تُختزل غزّة، بتاريخها ونضالها وشهدائها، إلى «ممتلكة» أمريكية محتملة. هذا التصريح يعكس العقلية الاستعمارية الحديثة، حيث تتحول الجغرافيا إلى مشروع عقاري، وتتبدّد السيادة في صفقة جاهزة تنتظر التوقيع.
التصريح الذي جاء عقب استعراض المليارات، لا يمكن فصله عن السياق الأشمل: مشروع أمريكي لسلخ غزّة من نضالها واحتلالها، وتحويلها إلى منطقة استثمارية مخصخصة، يُعاد إعمارها لا كحقّ إنساني، بل كمخطط رأسمالي تروّج له الإدارة الأميركية، مقابل تفريغها من شعبها، وطمس هويتها، وإنهاء قضيتها.
القمّة العربية (قمّة بغداد)
في هذا السياق، انعقدت القمّة العربية في بغداد؛ مشهدٌ بدا أقرب إلى مسرحية مُرتجلة، أو عجز ميزانية وزارية؛ والهروب منه هو: إقامة فعالية أو تصريحات متعدّدة لإنجازات وهمية؛ أبعد من أن تكون استجابة فعلية لحجم الكارثة والإبادة الجماعية والقتل بالتجويع والصواريخ والتهجير في غزّة.
قادة لا يعرفون كيف يواجهون المأساة، فاستعاضوا عن الفعل بخطابات عربية وقمم بروتوكولية، كمن يضع رقعة على جرح نازف، بينما الشرق الأوسط برُمّته على شفى حفرة، يُسحق قطاع غزّة في فكي الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يُطعن في خاصرته العربية.
لقد أضحت هذه القمم، بكل ما تحمله من شعارات فارغة، عاجزة حتى عن إصدار بيان مُقنع، أو موقف يُحرّك ماء راكدا، فقمم كقمّة بغداد ليست سوى تكرار عقيم، باتت لا تُشكّل شيئا أمام القنابل المُلقاة على أطفال فلسطين في غزّة، ولا تحمل من ملامح القرار سوى أوراق الحضور والإنصراف.
رفع العقوبات بشرط التطبيع
في تحوّل مفاجئ، أعلن ترامب عن نيته رفع العقوبات عن سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع، والذي تعمل حكومته على إعادة الإعمار بعد سقوط نظام الأسد. هنا تظهر مُفارقةٌ جديدة: فرفع العقوبات، الذي يُفترض أن يكون خطوةً إنسانية وتبعة بديهية بعد سقوط نظام الأسد، تحوّل إلى أداة ضغط سياسي مشروط بالتطبيع مع إسرائيل.
الشعب السوري، الذي دفع ثمن مقاومته للدكتاتورية الدموية، يُراد له اليوم أن يدفع فاتورة التقارب مع تل أبيب من قوت يومه وماء وطنه. إنها نسخة جديدة للإخضاع بوجه ناعم.
أيُّ عدالة هذه؟
المفارقة الأقسى أن ترامب، الذي يُغدِق عليه الخليج بالصفقات والهدايا، هو نفسه من يُصفّق لإسرائيل وهي تذبح الفلسطينيين، ويهنئ نتنياهو على «إنجازاته الأمنية». إنه الرجل الذي حوّل السياسة إلى بورصة: يبيع الأمن للسعودية، ويشتري الصمت من قطر، ويتلقى من الإمارات شهادة حُسن السلوك للهيمنة الإسرائليلية بإسم التنمية، ويطرح غزّة للبيع.
لكن ما يُفجِّر القلب غيظاً هو الصمت العربي المُطبق، فالقادة الذين يتبارون في استضافة ترامب هم أنفسهم مَن يغلقون حدودهم أمام لاجئي غزّة وفي الماضي سوريا، ويُشاركون في تطبيعٍ لا يُنتج إلا خنوعاً.
العرب في المزاد وصفقة التهجير
كنا نأمل، بعد أن حمل ترامب من الخليج ما يزيد على 4 تريليونات دولار من مقدّرات الأوطان العربية والإسلامية، أن يحمل في المقابل همّاً إنسانياً، أو حتى موقفًا سياسيا يكبح العدوان على غزّة، لكنّ المفاجأة جاءت مريرة، حين اتخذ فور عودته إلى واشنطن قراره الأخطر: تهجير مليون فلسطيني من القطاع إلى ليبيا، مقابل صفقة سياسية ليبية، بشرط الإفراج عن ملياراتها المجمّدة في البنوك الأميركية. هكذا تحوّلت غزّة إلى بند في مفاوضات مالية، وتحوّل الدم الفلسطيني إلى رقم في حساب بنكي مؤجّل الصرف.
هذا هو العصر الذي تُقاس فيه الكرامة بالدولار، وتُشترى السيادة بالمليار، بينما تُدفن العدالة تحت ركام المجازر، وغزّة، بكل دمها ودموعها، ستظل تقاوم، لا لتبقى فحسب، بل لتُذكّر العالم بأن القضية الفلسطينية لا تُشترى ولا تُباع، وأن الشعب الذي لا يملك إلّا حجراً، لا يمكن أن يُساق.
وغداً، حين يُكتب التاريخ، لن تُذكر الصفقات، بل الدماء التي صرخت «لا» في وجه طغيان الدولار رغم الدمار والمرار.
[email protected]



#أحمد_سليمان_العمري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألمانيا تُبايع ميرتس والانتصار بطعم الهزيمة
- ترامب: أحبه ويُحبني وتُحب مصالحه تحالفي
- حقوق الحيوان أولا والموت لغزّة ثانيا
- التماسك السوري يفشل المخطاطات الإسرائيلية
- الديمقراطية الألمانية تُجهِض الديمقراطية
- ترامب يُهدد القضية الفلسطينية ويُوسّع الهيمنة الإسرائيلية
- ماغديبورغ: بين الصدمة والتساؤلات
- إسرائيل ودورها كمُستعمر في الشرق الأوسط
- حُرّيّة أحمد حسن الزُعبي ضرورة أردنية
- الحُرّيّة لأحمد حسن الزُعبي
- الأردن بين مشروع العطارات والإحتلالات
- أضرب الأردني فاتّهموه بالمؤامرة
- زيارة بايدن لتطويع التوسّع الإسرائيلي
- صندوق «كريدي سويس» الأسود: أسرار سويسرا
- ‏بين حروف الحرب الروسية الأوكرانية
- شصندوق «كريدي سويس» الأسود: أسرار سويسرا
- ‎‎أوقفوا خطف أطفالنا
- نائب الشعب البارحة سجين اليوم، العجارمة
- الإتفاقية الأردنية الإسرائيلية: الكهرباء مقابل الماء
- تُونس بين مطرقة الانقلاب وسندان تصحيح المسار


المزيد.....




- أسد جبل يفاجىء مصورًا بحركات غريبة أمام كاميرا سرية في الغاب ...
- الحملة العسكرية البرية -عربات جدعون-... هل ستنجح إسرائيل في ...
- مصر: هبوط الدولار إلى أدنى مستوى منذ 6 أشهر.. خبراء يكشفون ا ...
- روبيو: الولايات المتحدة لم تتوقف عن إمدادات الأسلحة إلى أوكر ...
- تصعيد دبلوماسي بين لندن وتل أبيب: بريطانيا تعلق مفاوضات التج ...
- وزير الخارجية الأمريكي: لا حدود لخبث النظام الكوبي وجبنه
- نوال الدجوي.. سرقة بقيمة 6 ملايين دولار من منزل سيدة الأعمال ...
- -منطقة ممنوعة على المسلمين-.. مضامين عنصرية في ملصقات علقت ب ...
- إعلان -اتصالات- لنادي الأهلي المصري يغضب جماهير الزمالك
- روبرت فورد: -طُلب مني إخراج أحمد الشرع من عالم الإرهاب لعالم ...


المزيد.....

- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد سليمان العمري - قمم عربية تحت عباءة ترامب