أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سجاد خماس الساعدي - القوانين الورقية تصارع القوانين الرقمية














المزيد.....

القوانين الورقية تصارع القوانين الرقمية


سجاد خماس الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 09:33
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


تأمل عالمًا أصبحت فيه حياتك كلّها معلّقة بخيط رقمي رفيع، لا يُرى، لكنه أقوى من السلاسل، كلمة مرور واحدة قد تفتح لك أبواب مصرفك، أو بريدك الإلكتروني، أو حتى أسرارك العائلية والوجدانية، وقد تكون ذات الكلمة سيفًا مسلّطًا على رقبتك إن سقطت في يد من لا يخاف الله ولا يؤمن بخصوية الإنسان. لقد أصبحت التكنولوجيا مثل الهواء، نتنفسه من غير أن نشعر، نعمل من خلالها، نحب ونتواصل ونحلم ونخزّن آمالنا وأحزاننا على ذاكرتها. وكل اختراع عظيم يجرّ معه تهديدًا عظيمًا، وكل نعمة رقمية تنطوي في أحشائها على نقمة إذا ما انفلتت من عقالها.

إن الهجمات الإلكترونية لم تعد خيالًا علميًا كما كانت في أفلام الأمس، بل صارت واقعًا يوميًا يهدّد الحكومات، ويبتزّ الأفراد، ويُسقط المؤسسات، وقد تكون ضحيتها صورة عائلية، أو حسابًا مصرفيًا، أو حتى سمعة وطن. ومع ذلك، يُطرح السؤال المؤلم: أين يقف القانون العراقي من هذا كله؟

للأسف، لا يزال العراق يفتقر إلى قانون نافذ موحّد يعالج الأمن السيبراني أو يجرّم الأفعال المعلوماتية بشكل واضح. وقد ظل مشروع “قانون الجرائم المعلوماتية” حبيس أروقة البرلمان لسنوات دون إقرار، مما يُبقي المحاكم الموقرة في مواجهة تحدٍ كبير، إذ تُضطر إلى تكييف الجرائم الإلكترونية ضمن أطر قانونية تقليدية لم تُصمَّم في الأصل لهذا النوع من الأفعال. فيتم اللجوء مثلًا إلى المادة (430) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المتعلقة بالتهديد، أو المادة (456) الخاصة بالنصب والاحتيال،

وتبقى القاعدة القانونية “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص” – كما وردت في المادة (1) من ذات القانون – حاجزًا مهمًا يمنع معاقبة الجناة ما لم يُحدد الفعل بوضوح في نص قانوني، وهو ما يُسلّط الضوء على الحاجة الماسة إلى تحديث المنظومة التشريعية، لا من باب العقوبة فقط، بل من باب حماية الأمن الوطني والخصوصية العامة والخاصة.

كيف يمكن الحديث عن عدالة رقمية في وطن لا يملك قانونًا رقمياً؟ وكيف تُحمى البيانات والمعلومات والحريات، إن لم تُنظَّم بنصوص تواكب العصر وتراعي مستجداته؟

لقد قال الفيلسوف الإنجليزي جون لوك: “حيث لا قانون، لا حرية”. ومن هنا، فإن غياب تشريع منصف وواضح في ميدان الأمن السيبراني لا يُهدد فقط الأمان التقني، بل يُهدد الحريات أيضًا، لأنه يفتح الباب واسعًا للاجتهادات المتباينة والتفسيرات المتعددة، دون سياج قانوني دقيق يُعطي التقاضي أدوات واضحة وعادلة.

إن مشروع قانون الجرائم المعلوماتية، بصيغته المتداولة سابقًا، رغم احتوائه على بنود تمسّ الأمن العام، إلا أنه تعرّض لهجوم من قبل منظمات المجتمع المدني؛ لما يحويه من ألفاظ فضفاضة قد تُستخدم لتقييد حرية التعبير وفرض الرقابة على الفضاء الرقمي، دون ضمانات حقيقية للمحاكمة العادلة أو احترام الحياة الخاصة. ولا بدّ من التأكيد أن التشريع الناجح لا يُبنى على الخوف، بل على التوازن،

من هنا، فإن الحاجة ملحّة اليوم إلى تشريع عصري متوازن، يُحارب الجرائم المعلوماتية من دون أن يُنتج استبدادًا تشريعيًا، قانون يكتبه الفقهاء لا العسكر، ويُصاغ بروح الدستور لا بروح الرعب. قانونٌ يواكب الثورة الرقمية، ويؤمن بأن المواطن ليس مشروع متهم بل هو ركن الوطن وروحه.

وفي الختام، نقول كما قال الإمام علي (ع): “الناس أعداء ما جهلوا”. وقد آن الأوان أن يدرك العراق أن الأمن السيبراني ليس ملفًا تقنيًا فقط، بل هو قضية سيادية قانونية أخلاقية وطنية، وإن التراخي فيه ليس تأخرًا في التكنولوجيا فحسب، بل تفريط في كرامة الإنسان الرقمية، وفي هيبة الدولة القانونية.

محام وباحث قانوني



#سجاد_خماس_الساعدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إذا انتهت الدورة وبقيت العائلة
- -غياب قاعدة بيانات دقيقة لمحامي البصرة وأثره على مشاريع تخصي ...
- أهمية تعديل سلم الرواتب في العراق: مقاربة قانونية واقعية لتح ...
- حق المحكوم عليه أو المتهم في رفض شموله بقانون العفو العام أو ...
- التواصل الاجتماعي في رمضان: بين الفائدة والهدر
- هل للمحكمة إن طلب المدعي -الدائن- بالتنفيذ العيني للعقد فقط ...


المزيد.....




- عائلات الأسرى الإسرائيليين تحذر من توسيع العملية في غزة
- اليونيسف تطالب بإدخال المساعدات الى غزة ووقف إطلاق النار فور ...
- القوات الإسرائيلية المحتلة تحاصر مستشفيات شمال قطاع غزة بالق ...
- السوداني يؤكد استعداد العراق لدعم وكالة الأونروا من أجل تقدي ...
- -أوقفوا الحرب-... نواب أوروبيون يتظاهرون عند معبر رفح في الج ...
- اليونيسف: الوضع تدهور بغزة في الشهرين الماضيين بسبب الحصار ا ...
- تصعيد إسرائيلي خطير في قطاع غزة: الاحتلال يوسّع عدوانه ويطلق ...
- العشائر الفلسطينية: نرفض التعامل مع الشركة الأمريكية إغاثة غ ...
- ليبيا.. حزب “صوت الشعب” يتهم بعثة الأمم المتحدة بتعقيد المشه ...
- السوداني يدعو إلى استمرار التعاون بين العراق ووكالات الأمم ا ...


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سجاد خماس الساعدي - القوانين الورقية تصارع القوانين الرقمية