المناضل-ة
الحوار المتمدن-العدد: 8342 - 2025 / 5 / 14 - 09:28
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
الافتتاحية,
ثمة أمارات عديدة دالة على حالة منظمات الطبقة العاملة ودرجة كفاحيتها، منها:
نضالها اليومي، نوعية القطاعات المشاركة فيه، أهي من فروع العمل الإستراتيجية القادرة فعلا على تعطيل آلة الرأسمالية، أم قطاعات الهشاشة المكافحة من أجل حد أدنى.
منحنى هذه النضالات، الكمي والنوعي، هل هي متنامية عدديا أم متراجعة، ومدى انتشار عدواها وسيرها نحو إضراب عام. وأشكال تنظيمها، أي مدى اقتصارها على التنظيم النقابي أو تطور أشكال تنظيم ذاتي (لجان إضراب، وتنسيقيات…) متجاوزة للانقسامات التقليدية المخترقة للصف النقابي.
نوع المطالب، هجومية أم محض دفاعية، علما أن النضال النقابي بطبعه دفاعي (دفاع عن القدرة الشرائية التي يقرضها رأس المال باستمرار، وعن ظروف عمل تتعرض لضغط خفض كلفة قوة العمل لتضخيم الربح). ولا يصير نضال الشغيلة هجوميا سوى عند منازعة البرجوازية السلطة السياسية. وحتى النضال الدفاعي ذاته، هل يشمل كبريات المشكلات (سياسة الدولة الاقتصادية والاجتماعية)، أم يقتصر على طفيف التحسينات، لا سيما للقدرة الشرائية.
هذه الأمارات تنعكس على نطاق صغير، لكن بالغ الدلالة، في تظاهرات فاتح مايو. فمن المعتاد أن تبرز بشكل لافت قطاعات الشغيلة الأشد كفاحية، التي تخوض نضالا في سياق فاتح مايو، فتنزل بقوة عددية وبحماس إلى المسيرات.
وتوضح هذه المسيرات، لمن يتابعها سنة بسنة، تقدم قطاعات بعينها أو تراجعها، وانضمام قطاعات جديدة، دالٍّ على توسع التنظيم النقابي، أو غياب قطاع سجل حضورا من قبل، ما يشير إلى تحطيم التنظيم النقابي، إما بفعل القمع و/أو الهزائم. وكذا منزلة النساء في التنظيم النقابي ومدى تناسبه مع وزنهن في عالم الشغل، ومن ثمة درجة اهتمام الأجهزة النقابية بهن.
ومن اللافتات و الشعارات تتضح نوعية المظالم التي يعاني منها الشغيلة، ونوعية المطالب الأكثر إلحاحا، ما يعبر عن نتائج نضالاتهم السابقة، ومدى تطور وعيهم المعادي للرأسمالية.
ومن المناشير والأدبيات والجرائد الموزعة في التظاهرات، يتجلى نوع الحياة الداخلية لمنظمات الطبقة العاملة، ومستوى وعي طلائعها السياسي، وطبيعة مختلف التنظيمات السياسية المتدخلة عماليا.
إذا نظرنا عبر هذا الموشور إلى تظاهرات فاتح مايو 2025، نلاحظ:
درجة تشظي الساحة النقابية، وانعدام جهود توحيدها. ففي كل مدينة وازنة عماليا تنظم بالأقل خمس تظاهرات فاتح مايو، كل قيادة تلغو لغوها، بل حتى بنبرة تُذكي العداء بين مختلف المنظمات، وتؤجج نزوعَ التنافس والعصبية التنظيمية (شرف الانتماء). هذا برغم دواعي التوحيد المتمثلة في شدة ما تتعرض له المكاسب والحقوق من هجمات، وما حصل من خسارات، بمقدمتها فقدان حرية الإضراب المكرس بصدور القانون الخاص بإعدامها في الجريدة الرسمية قبل خمسة أسابيع من فاتح مايو.
مشاركة الشغيلة في تظاهرات فاتح مايو ضعيفة بنحو بارز، بضع مئات ونادرا ما كانت بالآلاف، الأمر المرتقب بالنظر إلى السياق النضالي الإجمالي المطبوع بتراجع الكفاحات، وبتصحر القطاع الخاص نقابيا، بفعل استشراء الهشاشة والقمع، وكذا بفعل انفصال قسم من الشغيلة عن التنظيم النقابي في شكل تنسيقيات، أهمها الخاصة بمتعاقدي/ت التعليم. وقد اتضح أن هذه يعوزها توجيه موحد للمشاركة في فاتح مايو، حيث توزع مناضلوها/تها على نقابات مختلفة لكن دون حضور كثيف يناسب حجم هذه الفئة ضمن شغيلة التعليم. وهذا من أمارات أزمة هذه التنسيقية المهددة بالتلاشي بعد نزع حق الدعوة إلى الإضراب عن كل جهة ليست نقابة.
هذا الضعف العام الذي طبع المشاركة العمالية تعبير عن ضعف كفاحية الشغيلة، ويكشف زيف مزاعم القيادات التي بالغت بنحو كاذب نسبة المشاركة فيما سمي “إضرابا عاما” عشية تمرير قانون الإضراب في مؤسسات الديمقراطية الزائفة (5 و6 فبراير 2025). كيف يعجز من ادعى إنجاح إضراب بنسبة 80% عن إخراج 05% من الشغيلة في تظاهرة فاتح مايو؟ وماذا بقي من قول لمن يسايرون أكاذيب البيروقراطية النقابية؟
سياق فاتح مايو النضالي انعكس في المسيرات، حيث انعدام قطاعات رئيسية شهدت أو تشهد دينامية نضالية، علامة ذلك الأعظم حجم مشاركة شغيلة التعليم الذين هزوا ساحة النضال النقابي طيلة ثلاثة أشهر بحراكهم لعام 2023/2024. واقتصار القطاعات المناضلة على ضحايا هشاشة التشغيل، مثل التدبير المفوض لخدمات النظافة ومدرسي/ت التعليم الأولي مثلا. نضيف إلى ذلك حضور وازن لشغيلة بعض فروع العمل، لكن بتأطير من هياكل “نقابية” متعاونة مع رب العمل. وهي بالمناسبة ظاهرة متنامية في الساحة النقابية، حيث يعمد مستثمرون، لا سيما أجانب، إلى تنصيب مكاتب نقابية لضبط العلاقة مع الشغيلة لتفادي نشوء عمل نقابي حقيقي.
وقد لوحظ تراجع ملموس في حجم مواكب شغيلة بعض القطاعات، منها شغيلة القطاع الفلاحي في موطن تركزها الكبير، سهل سوس. هذا برغم تدفق غير مسبوق لقوى النضال في القطاع الزراعي الى الشارع، في حراك 25 نوفمبر2024. وبهذا الصدد انكشف أيضا عدم اهتمام نقابات القطاع بالشغيلة المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، الذي تنامي في السنوات الأخيرة تدفقهم إلى العمل في الزراعة، حيث لا حضور لهؤلاء الأشقاء في التظاهرات.
تجلى في تظاهرات فاتح مايو طغيان المطالب الفئوية، ومطالب تحسين أوضاع أقسام من الطبقة منكوبة، بينما غالبا ما تشارك القطاعات ذات المكاسب بدون رفع مطالب، اي بلافتة تحمل اسم القطاع لا غير. وتعبر مطالب الحرية النقابية عن شراسة ما يتعرض له التنظيم من حرب لاسيما في القطاع الخاص.
وتأكد استمرار تهميش النساء نقابيا، سواء بمستوى حضورهن الذي يعكس مدى ضعف امتداد التنظيم النقابي إلى قطاعات العمل المؤنثة، أو على صعيد المطالب حيث نادرا ما يبرز مطلب نسائي خاص رغم شدة القهر الذي يطالهن.
على صعيد سياسي، عبرت بيانات فاتح مايو الصادرة عن مختلف النقابات و القوى السياسية، عن طغيان تدخل أطراف غير عمالية، وحتى معادية لنضال الطبقة العاملة وإن تملقت الشغيلة، مدعية تبني قضية كفاحهم. ينطبق هذا على أحزاب “ديمقراطية” كاذبة تبدي تعاطفا تغلف به قبولها نظام الاستغلال والقهر الرأسمالي، دون أن تحجب دفاعها عما يسمى “السلم الاجتماعي” أي شل مقدرات الطبقة العاملة النضالية لصالح تراكم رأس المال. وينطبق كذلك على قوى سياسية رجعية ذات لبوس ديني، متطفلة على فاتح مايو، ساعية لجر الشغيلة، بواسطة تبني مطالبهم الخبزية الآنية، إلى تأييد مشاريعها السياسية المعادية للمصلحة التاريخية للطبقة العاملة، مصلحة التحرر من نير الرأسمال. قسم من هذه القوى الرجعية متدخل بهيئة “نقابية” تفلح فعلا في استقطاب شغيلة، باستغلال قصور النقابات وأزمتها، و تخليها عن مطالب الشغيلة ونضالاتهم وحتى التسبب لهم في هزائم. وقسم آخر مخترق للنقابات يسعى لكسب ود الشغيلة السياسي بالاقتراب من همومهم دون اتهام النظام الاقتصادي الاجتماعي المسؤول عنها، أي الرأسمالية. وتنهض هذه القوى الرجعية بدور فعال في تأخير وعي الشغيلة الطبقي وإفساده باستنادها إلى العمق الديني للثقافة الشعبية.
أما الحضور اليساري الجذري فقد كان متواضعا جدا، بالنظر لانمحاء معظمه خلف البيروقراطيات النقابية، ومسايرته لها، او الاقتصار على ذم البيروقراطية دون اتيان منظور نضال ضدها. وفي الآن ذاته تجلى ضعف انغراس التوجه الاشتراكي الثوري الأممي وحجم المهام المطروحة عليه.
ضمن الشأن السياسي، كان حضور القضية الفلسطينية بارزا في المظهر، لكن تواضع المشاركة الجماهيرية في مسيرات فاتح مايو، قياسا بالمشاركة في مسيرات التضامن مع فلسطين إنما يعبر عن انقطاع الحركة النقابية عن سائر الجماهير الشعبية، وعن ضعف إسهام هذه الحركة في التعبئة ضد الإبادة الإسرائيلية الأمريكية لفلسطيني/ت غزة. ويكشف تناول مختلف القوى، سياسية ونقابية، للقضية الفلسطينية عن نقص وعي بما تمثله الإبادة الجارية ضمن مميزات الوضع العالمي، وما يستتبع ذلك على صعيد مهام النضال ضد الامبريالية ومن أجل بديل للنظام الرأسمالية المتزايد همجية.
تلكم أهم ما كشفته تظاهرات فاتح مايو 2025 من أوجه ضعف الحركة العمالية المغربية. هذا الضعف ليس قدرا، بل نتيجة اعتداء مدروس، أسلحته هشاشة التشغيل و القمع المباشر، واحتواء الدولة للبيروقراطيات النقابية، وسياسة هذه المجارية للهجمات على حقوق الشغلية ومكاسبهم، وكذلك عن أخطاء، وحتى ضلال، الخط السياسي لقسم كبير من المنتسبين لقضية الطبقة العاملة و للبديل الاشتراكي.
ومع كل هذا الضعف تظل الطبقة العاملة الطبقة الوحيدة القادرة على تنظيم يوم نضالي بهذا الحجم عبر ربوع البلد، في شكل مسيرات ذات مضمون طبقي برغم طابعه الجنيني والمشوه.
هذا الضعف قابل للتجاوز، لأن الدكاك الرأسمالي الذي يسحق الطبقة العاملة يوميا يولد طاقة مقاومة باستمرار وجيلا مناضلا جديدا يجترح لنفسه مكانا في الساحة بالوسائل المتاحة. طاقة بحاجة إلى توعية وتنظيم بروح طبقية، إلى خط نضال عمالي مستقل يبني النضالات ومنظماته على أسس مصلحة الطبقة العاملة الآنية والتاريخية في مواجهة لخط التعاون الطبقي، خط “الشراكة الاجتماعية” الذي جر و لا يزال على الطبقة العاملة ويلات تلو ويلات.
#المناضل-ة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟