أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عمارة تقي الدين - وسائل الإعلام واغتيال عالم البدائل














المزيد.....

وسائل الإعلام واغتيال عالم البدائل


محمد عمارة تقي الدين

الحوار المتمدن-العدد: 8341 - 2025 / 5 / 13 - 14:51
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


واحدة من الجرائم الكبرى التي ترتكبها وسائل الإعلام المؤدلجة بحق الجماهير هي اغتيال عالم البدائل الكامن في وعيهم الجمعي وإطلاق وابل من النيران الكثيفة على قدرتهم على الخيال وتجاوز الواقع بكل سلبياته وارتهاناته، بحجة أن ليس في الإمكان أعظم مما هو كائن ومُتحقَّق بالفعل.

ويجري ذلك عبر اتباع واحدة من المغالطات المنطقية الشهيرة التي عبرها تقوم وسائل الإعلام بخداع متابعيها، ولها مسميات كثيرة منها مغالطة الثنائية الزائفة (false dilemma) أو مغالطة الأبيض والأسود(black-and-white thinking) أو مغالطة الاختيار الزائف، أو مغالطة الاحتمالين، أو مغالطة المأزق المفتعل، أو مغالطة البديل الزائف.

وتقوم بنية هذه المغالطة على أساس افتراض وجود احتمالين فقط لأي قضية، فهي إما أبيض أو أسود، خير أو شر، ولا بديل آخر، وهو أمر من شأنه أن يقود إلى إصدار أحكام خاطئة.

إذ أن كل مشكلة أو قضية في الحياة عادة ما يكون لها أكثر من خيار وأكثر من سيناريو للحل، تمامًا كما أن الألوان ليست الأبيض والأسود فقط.

وتُستخدم هذه المغالطة إعلاميًا وبشكل فج في المجال السياسي بمحاولة إقناع الرأي العام بأن هناك خيارين فقط لا ثالث لهما.

إذ تُردد الأنظمة السلطوية دائمًا (إما أنا أو الفوضى)، والحقيقة أنه لا أنت ولا الفوضى بل ربما خيار ثالث حضاري كما فعلت كل الأمم في السابق عندما أرادت أن تنعتق من تخلفها الحضاري فاختارت مسارًا خارج هذا الصندوق.

ومن ثم يتم ارتكابها عند إيهام الطرف الآخر بأنه ليس أمامه إلا خيارين لا أكثر، أحدهما سيء وبشع ومرفوض من الجميع لدفعه إلى تبني الخيار الآخر الذي يبدو أنه مقبول غير أنه في عمقه وفي تحليله الأخير أكثر بشاعة من سابقه.

ففي المثال السابق (أنا أو الفوضى) تجد أن الفوضى خيار مرفوض من الجميع ولن يختاره عاقل وبالتالي فالبديل الآخر يتحتم اختياره وهو ( أنا) أي استمرارية بقاء النظام السلطوي جاثمًا على صدر الأمة.

كذلك يتم استخدام هذه المغالطة كثيرًا من قِبل السياسيين، حيث يتم إيهام الناس بأنه لا توجد أي خيارات مطروحة للوقوف على الحياد في الأزمات، فإما التزام الجانب الصحيح (وهو جانبهم طبعًا) أو التزام جانب الأعداء.

ومن ثم ينبثق عنها حالة من الاستقطاب الحاد (مع أو ضد)،إذ تردد الأنظمة المستبدة عبر وسائل إعلامها مقولة:"إما معنا أو أنك خائن للوطن".

ومن ناحية أخرى تطرح قوى المعارضة ونتيجة لغلق المجال العام أمامها مقولة:"إما معنا أو أنك تابع للنظام"في مواجهة المقولة الأولى، وهنا وفي ظل تلك الحالة ينهار التماسك الاجتماعي ليجد المجتمع نفسه على حافة الفوضى.

كما توظف جماعات العنف الديني هذه المغالطة بشكل مركزي في خطابها الأيديولوجي حيث تعيش في ثنائيات مغلقة على الدوام: جانبنا هو الخير ورأينا هو الصواب وهو شرع الله، في المقابل فإن الجانب الآخر هو الشر والكفر والضلال، وذلك بحسب زعمهم، فيضرب الصراع كافة تضاعيف المجتمع ليسقط في فوضى مطلقة إن لم يتم التصدي لتلك الأطروحات.

ومن أشهر الأمثلة على استخدام تلك المغالطة ما طرحه جورج بوش الإبن ليحشد الجميع وراءه في الحرب التي أعلنها حين قال: من ليس معنا فهو ضدنا، إما أن تكون معنا، أو أنك في صف الإرهابيين وأعداء الإنسانية، فالمثال يتجاهل الخيار المحايد (لست معك ولا مع الإرهابيين).

فعبر هذه المغالطة، وكما يذهب عادل مصطفى في مؤلفه المغالطات المنطقية، جري تقليص عالم البدائل الممكنة إلى خيارين اثنين لا ثالث لهما، أحدهما واضح البطلان والثاني هو رأيه الذي يريدك أن تعتنقه، أي يتم عبرها دفعك لوجهة معينة ومقصودة كفأر تجري قيادته للمصيدة.

ومن ثم عليك صديقي القاريء أن تتجاوز الخيارين الذين يطرحهما الإعلام أمامك والنظر خارج الإطار للخيارات الأخرى التي هي في حقيقة الأمر كثيرة ومتعددة، وذلك إذا ما أدرت آلة عقلك بأقصى طاقة ممكنة، فهي منحة الله للإنسان بأن أعطاه عقلًا مُبدعًا وخلَّاقاً لا يكف عن مفاجأتنا بالجديد والرائع المرة تلو الأخرى، وهو ما دفع باتجاهه الحكيم كونفوشيوس فقد كان يردد: "لا يمكن للمرء أن يحصل على المعرفة إلا بعد أن يتعلم كيف يفكر".

( دكتور محمد عمارة تقي الدين : خبير إعلامي وأكاديمي مصري )



#محمد_عمارة_تقي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى مؤتمر مستقبل الدراما المصرية
- الإعلام السياسي .. رؤية نقدية
- جماعات العنف : كيف تختطف الأديان ؟
- ديزموند توتو والمأساة الفلسطينية
- ترامب ونظرية حافة الهاوية
- إشكالية العلاقة بين الدين والأيديولوجيا
- الأديان ومستقبل البشرية
- وسائل الإعلام وحروب الجيل الخامس
- إدوارد سعيد والقضية الفلسطينية
- الإعلام الديني والتراحم الإنساني
- وسائل الإعلام ونظرية المؤامرة
- دراسة في جذور الإرهاب الصهيوني
- الإعلام وتوظيفه لسلوك القطيع
- في دستور النضال الفلسطيني
- ترامب وحافة الهاوية
- عمارة تقي الدين يصدر موسوعة الصراع العربي الصهيوني
- إدوارد سعيد عرَّاب الحق الفلسطيني
- أطفالنا ومخاطر وسائل الإعلام ... ما العمل؟
- مركز ماسبيرو للدراسات الفكرية والإعلامية
- التربية الإعلامية وعصر ما بعد الحداثة


المزيد.....




- تقرير: أمريكا اعترضت اتصالات لمسؤولين إيرانيين كشفت تقييمهم ...
- ماكرون يؤكد في مكالمة مع الرئيس الإيراني على ضرورة العودة إل ...
- إيران تنفي تهديد الوكالة الذرية وتشكك في مصداقية ترامب بشأن ...
- تصاعد هجمات المستوطنين بالضفة وجيش الاحتلال يعتقل العشرات
- -إثبات الوفاة- معاناة قانونية وإنسانية تؤرّق ذوي الشهداء وال ...
- الزرشك نكهة لاذعة وفوائد مذهلة.. كنز أحمر في مطبخك
- شيرين في مهرجان -موازين-.. تفاعل وانتقادات ودعم
- حكم بالسجن النافذ في حق صحافي فرنسي في الجزائر بتهمة تمجيد ا ...
- الجزائر: الحكم على صحافي رياضي فرنسي بسبع سنوات سجن بتهمة تم ...
- غروسي: إيران قد تستأنف تخصيب اليورانيوم -في غضون أشهر-


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عمارة تقي الدين - وسائل الإعلام واغتيال عالم البدائل