أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - حنان درويش - سوريا فصول رواية لم تكتمل في مختبر القوى المهيمنة















المزيد.....

سوريا فصول رواية لم تكتمل في مختبر القوى المهيمنة


حنان درويش

الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 19:13
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


إن محاولة الخوض في تحليلات سياسية معمّقة حول ما يجري في العالم وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط تبدو مهمة شائكة ومعقّدة فالتداخل الكبير بين مصالح القوى الدولية، وتقاطع أهدافها في بعض القضايا واختلافها في قضايا أخرى يجعل من الصعب الوصول إلى رؤية واضحة حول المسارات المستقبلية في هذا السياق تصبح الاستراتيجيات المتبعة من قبل القوى المهيمنة غير واضحة تمامًا للعلن حيث يتم التخطيط ورسم الخرائط وفق أجندات خفية لا يتم الإفصاح عنها إلا عند اكتمال تنفيذها أو تحقيق أهدافها المرحلية.
ويختلف عهد الرئيس دونالد ترامب عن عصور الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه خلال القرن الماضي إذ شهدت السياسة الأميركية في عهده تحوّلات جذرية في الرؤية والاستراتيجية لا سيما فيما يتعلق بإدارة العالم وموقع الولايات المتحدة في خارطة النفوذ العالمي لم تعد أميركا في عصر ترامب تسعى لقيادة العالم من خلال التحالفات التقليدية أو عبر دور "الشرطي العالمي" بل بات تركيزها ينصبّ على الاقتصاد ورأس المال العالمي والتوسع عبر الشركات العابرة للقارات التي تمثل أدوات ناعمة لاختراق الاقتصادات والسياسات حول العالم مثل (بلاك روك وفانغارد وستيت ستريت) كلٌّ منها تدير أصولًا مالية تُقدَّر بتريليونات الدولارات حول العالم، مما يمنحها نفوذًا واسعًا في تشكيل الاقتصاد العالمي والتأثير على السياسات المالية في كبريات الدول.
وبسبب هذه الضبابية يبقى التحليل السياسي متأثرًا بقدرة المحللين على استقراء الأحداث والربط بينها وفق الإمكانيات المتاحة في ظل غياب المعلومات الكاملة والخطط المرسومة بدقة ومن أبرز ملامح هذا التغيير تراجع التزام واشنطن بحماية حلفائها كما كان الحال في السابق ما دفع الأوروبيين إلى التفكير الجدي في بناء منظومات دفاعية مستقلة بعيدًا عن المظلّة التقليدية لحلف الشمال الأطلسي "النيتو"، ففي الوقت الذي تركز فيه الإدارة الأميركية على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والصراع الاقتصادي المتصاعد مع الصين الخصم الأبرز في ساحة المنافسة الاقتصادية تتغير موازين القوى العالمية على نحو غير مسبوق.

ومع ذلك فإن المراقب للأحداث المتسارعة في الأشهر القليلة الماضية يمكنه أن يلاحظ أن هناك جهودًا واضحة لإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط سواء من خلال إعادة توزيع موازين القوى بين الفاعلين الدوليين والإقليميين أو من خلال تقليص نفوذ بعض القوى لصالح أخرى وفق مصالح الهيمنة العالمية ورغم أن السياسة الأميركية لا تصنعها شخصية واحدة فإن ترامب يُعد الوجه التنفيذي لهذه الاستراتيجية الجديدة التي تتبناها النخب المهيمنة داخل دوائر صنع القرار في واشنطن وضمن هذه الاستراتيجية يجري العمل على إعادة رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط عبر إضعاف بعض القوى الإقليمية وتعزيز حضور دول أخرى بما يخدم المصالح الأميركية طويلة الأمد.

وتشهد المنطقة اليوم تغييرات بنيوية تمسّ توازن القوى ذاته فالقوى الكبرى تعيد تموضعها وتبدّل أدواتها وتستبدل أذرعًا بأخرى في لعبة النفوذ في هذا الإطار نلحظ تراجع الاعتماد على التشكيلات العسكرية غير النظامية التي طالما كانت ذراعًا خفية لبعض الأنظمة الإقليمية لصالح قوى أكثر تماشيًا مع الرؤية الجديدة للفاعلين الكبار في المشهد الدولي ويبرز في هذا السياق دور إسرائيل حيث تحتل حماية أمنها وضمان تفوقها الإقليمي الأولوية المطلقة في أي ترتيبات سياسية أو عسكرية تجري في المنطقة ولذلك فإن أي قوة قد تشكل تهديدًا مستقبليًا لإسرائيل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر يتم العمل على إضعافها أو إعادة احتوائها وفق مخططات مدروسة ولا يمكن الحديث عن هذه الترتيبات دون التوقف عند الدور المحوري لإسرائيل التي ما زالت تُعتبر حجر الزاوية في أي معادلة إقليمية وتمثل ركيزة أساسية لأي مشاريع مستقبلية لإعادة تشكيل المنطقة إذ تُمنح الأولوية القصوى لضمان تفوقها الأمني والعسكري ويُعاد رسم المشهد السياسي بطريقة تضمن تحييد أو إضعاف كل من يُحتمل أن يشكل تهديدًا لمستقبلها سواء أكان ذلك التهديد مباشرًا أو ضمنيًا حاليًا أو مؤجلًا مع إعادة احتواء بعض الجهات المعادية لها وفق مخططات مدروسة.

أما في الملف السوري فتبدو ملامح المرحلة القادمة متجهة نحو مزيد من التفتيت الجغرافي والإداري في ظل فرض نماذج حكم لامركزية قد تؤدي في النهاية إلى نوع من التقسيم الفعلي حتى وإن لم يتم الإعلان عنه بشكل رسمي. فالنموذج المركزي الذي كان يحكم سوريا يبدو آيلًا للتفكك ليحلّ محله شكلٌ من أشكال اللامركزية الإدارية التي قد تُفضي في نهاية المطاف إلى كيانات تتمتع باستقلالية نسبية تُدار كل منها وفق تفاهمات دولية وإقليمية مختلفة فالخريطة السورية باتت أشبه بساحة لتجارب الحلول السياسية المتعددة حيث يتم اختبار إمكانيات إدارة المناطق المختلفة بشكل منفصل وفق تفاهمات دولية وإقليمية مما قد يؤدي إلى نشوء كيانات ذات استقلالية نسبية تخضع لحسابات القوى المتصارعة على النفوذ.
وفي قلب هذه التحولات برزت شخصيات سياسية جديدة كأحمد الشرع الذي لم يأتِ صعوده إلى سدّة الحكم من فراغ، بل جاء امتدادًا لمشروع أكبر بدأت ملامحه بالتبلور منذ سنوات فالتحولات الأخيرة وتشكيل الحكومة الانتقالية ليست إلا حلقة ضمن سلسلة تهدف إلى إعادة ترتيب المشهد السوري ضمن إطار إقليمي ودولي واسع فالرجل وحكومته يمثلان الأداة التنفيذية لمرحلة جديدة من هذا المشروع لكن تنفيذ الخطة المرسومة لا يزال يواجه عراقيل واضحة نابغة من تضارب مصالح القوى الإقليمية المنخرطة في الملف السوري والتي ترى في هذا المسار تهديدًا لتوازناتها ومكاسبها.
وهنا تبرز معضلة أعمق تتجاوز التقاطعات الإقليمية والدولية لتدخل صلب التكوين الداخلي للدولة السورية. فالحل الحقيقي الذي يحافظ على وحدة التراب السوري ويؤسس لمرحلة استقرار مستدام لا يمكن أن يتحقق دون عدالة دستورية تضمن الحقوق المتساوية لجميع المكونات وعلى رأسها الدروز والعلويون الذين لطالما استُهلك وجودهم داخل منظومات سلطوية مغلقة ساهمت في تأجيج الانقسام الطائفي فالإقلاع عن سياسة الإقصاء التي ميّزت العهد السابق حيث سيطرت طائفة واحدة على مفاصل الحكم هو شرط لا بد منه لإعادة التوازن الداخلي وترميم النسيج الوطني ولا يمكن الحديث عن تسوية منصفة دون التطرق إلى المكون الكردي الذي يشكل ثاني أكبر قومية في البلاد وشريكًا رئيسيًا للتحالف الدولي في الحرب على الإرهاب إذ أن تجاهل هذه الحقيقة ورفض تقنين حقوقهم القومية والسياسية والإدارية يعمّق حالة الإنكار ويغذّي أسباب التوتر والانقسام التي تهدد كل مشروع وطني موحّد لكن الذهنية الحاكمة في الحكومة الجديدة وتوجهاتها تشير إلى مسار مناقض لهذا التصور وهو ما يعزز الشك من أن يكون التقسيم هو المآل الذي تُساق إليه البلاد بحذر وتحت غطاء توافقات لا تعكس واقعًا عادلًا بقدر ما تخدم ترتيبات الخارج ومصالح القوى المهيمنة.
وهكذا فإن ما شهدناه من إسقاط لنظام سابق وتشكيل حكومة انتقالية لا يمكن اعتباره المشهد الختامي بل هو فصل من فصول الرواية السورية التي لا تزال تُكتب فصولها خلف الكواليس وسط إعادة صياغة شاملة لتوازن القوى على الأرض وهكذا تتحول سوريا إلى مختبر مفتوح لتجريب نماذج الحكم المختلفة بينما تبقى اليد الخفية للقوى الكبرى تعبث بالخيوط وتختبر حدود الممكن في رسم خريطة جديدة للنفوذ.
في النهاية فإن المشهد الشرق أوسطي وخاصة في سوريا لا يزال مفتوحًا على احتمالات متعددة وكل خطوة يتم اتخاذها اليوم هي جزء من مسار طويل قد يفضي إلى واقع جديد تتحدد ملامحه وفق ميزان ما تقضيه مصالح الكبار لا أحلام الشعوب.
إنه عصر مختلف تُكتب فيه قواعد جديدة للهيمنة، وتتبلور فيه تحالفات وخرائط قوى بأسلوب يعكس أولويات اقتصادية وتكنولوجية تتجاوز الأيديولوجيا وتعيد تعريف النفوذ بأساليب غير تقليدية.



#حنان_درويش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا فصول رواية لم تكتمل في مختبر القوى المهيمنة


المزيد.....




- مصر وروسيا.. تعزيز الشراكة إقليميا ودوليا
- الوحيدة في أوروبا.. 3 قرود ذهبية قادمة من الصين تحط الرحال ف ...
- عاشت 103 أعوام - وفاة مارغوت فريدلاندر الناجية من المحرقة ال ...
- ميرتس يطالب ترامب بإلغاء الرسوم الجمركية وجعلها -صفرية-
- روسيا ومصر.. شراكة بالنصر على النازية
- بيسكوف: لم يناقش بوتين والسيسي الملف الأوكراني
- معهد البحوث الفلكية في مصر: لا نتدخل في تحديد توقيت عيد الأض ...
- بيسكوف: روسيا ممتنة لترامب على جهود التسوية السلمية في أوكرا ...
- وكالة: مدن في البنجاب وراجستان تتعرض لهجمات بمسيرات جوية
- حوار عسكري مصري تركي رفيع المستوى في أنقرة


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - حنان درويش - سوريا فصول رواية لم تكتمل في مختبر القوى المهيمنة