قصص من عالم الجواسيس 1: ريتشارد سورج

صلاح الدين ياسين
باحث
(Salaheddine Yassine)

الحوار المتمدن-العدد: 8336 - 2025 / 5 / 8 - 18:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

يعد ريتشارد سورج (1895 – 1944) من أبرز الجواسيس في التاريخ البشري، إذ أسدى خدمات ثمينة للاتحاد السوفييتي ساهمت في ترجيح الكفة لصالحه أثناء فترة الحرب العالمية الثانية. فما هي سيرة ريتشارد سورج؟ وما أبرز أوجه عمله الاستخباراتي؟ وكيف كانت نهايته؟
نشأته وبدايات عمله كجاسوس
ازداد ريتشارد سورج في سنة 1895 في باكو من أب ألماني وأم روسية. انتقلت عائلته للعيش في ألمانيا عندما كان طفلاً. خدم لاحقا في الجيش الألماني أثناء الحرب العالمية الأولى وأصيب بجروح خطيرة، وخلال تلك الفترة تأثر بالفكر الشيوعي الماركسي. في عام 1925، تم تجنيده من قبل المخابرات السوفيتية حيث كان دافعه إيديولوجيا نابعا من اعتناقه القوي للعقيدة الماركسية. وفي أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، جرى إرساله إلى الصين تحت غطاء صحفي وباحث زراعي، حيث أسس شبكة تجسس في شنغهاي، ليثبت كفاءته وقدرته الفائقة على جمع معلومات استخباراتية قيمة.
النقلة النوعية في مسار ريتشارد سورج باليابان
في عام 1933، تم إرساله إلى اليابان حاملا صفة صحفي ألماني، حيث تمكن من نسج صلات قوية في أوساط النخب اليابانية النافذة بالحكومة والجيش والصحافة والمثقفين، إذ أصبح المستشار السياسي للسفير الألماني في طوكيو، الجنرال يوجين أوت، الذي منحه ثقته الكاملة وكان يستشيره في مجموعة من القرارات التي يتخذها، والأدهى من ذلك أنه لم يكن يتردد في مشاركته المعلومات الحساسة التي يستقيها من دوائر صنع القرار بألمانيا. كما نجح ريتشارد في ربط علاقات حميمة مع زوجات سفراء غربيين، بما في ذلك زوجة السفير الألماني التي كانت إحدى عشيقاته.
تمكن الجاسوس الألماني خلال فترة عمله باليابان من النفاذ إلى جملة من المعلومات ذات الطبيعة الإستراتيجية التي أفادت كثيرا القيادة السوفييتية أثناء الحرب العالمية الثانية، ومن أبرز تلك المعلومات:
• موعد الغزو الألماني للاتحاد السوفيتي: زَوَّد ريتشارد سورج القيادة السوفييتية بمعلومات وتحذيرات دقيقة بصدد نية هتلر في غزو الاتحاد السوفييتي وموعد بدء عملية بارباروسا (1941)، لكن ستالين المعروف بصلفه وغروره لم يثق بجاسوسه محتفظا بقناعته المتمثلة في عدم وجود نية لدى الزعيم النازي في نقض الاتفاق المبرم بينهما المعروف ب "معاهدة عدم الاعتداء".
• عدم نية اليابان مهاجمة الاتحاد السوفيتي في عام 1941: كانت هذه معلومة ذهبية ومصيرية، إذ أتاحت للاتحاد السوفييتي نقل قوات عسكرية كبيرة من الحدود الشرقية لروسيا إلى الجبهة الغربية للدفاع عن موسكو ضد الغزو الألماني، مما سمح بتركيز وتعبئة قوات أكبر لصد هجوم قوات هتلر عوض توزيع القوات إلى جبهتين (شرقية وغربية) الشيء الذي كان من شأنه إضعاف حظوظ الجيش الأحمر والتأثير في موازين القوى بين جيوش الحلفاء وقوات المحور أثناء الحرب العالمية الثانية.
• معلومات حول قوة وحجم الجيش الياباني وتموضعاته في الصين وجنوب شرق آسيا.
نهاية ريتشارد سورج وغدر ستالين
في عام 1941، نجحت السلطات اليابانية في فك خيوط شبكته بعد القبض على أحد أعضائها الذي أقر بالهوية الحقيقية للجاسوس سورج تحت وطأة التعذيب. وقبل القبض على ريتشارد، عمدت السلطات اليابانية إلى استدراجه إلى علاقة غرامية مع إحدى عميلاتها وهو التكتيك الذي يُعرف في عالم الجاسوسية باسم "فخ العسل". وفي إحدى المرات، وبينما كان في السيارة مع عشيقته اليابانية عمد إلى رمي ورقة تتضمن توجيهات من رؤسائه من زجاج نافذة السيارة، لتقوم تلك العميلة بإخطار الشرطة السرية اليابانية التي حضرت إلى عين المكان وقبضت على الجاسوس ريتشارد في حالة تلبس.
بعد محاكمته بتهمة التجسس صدر في حقه حكم بالإعدام، حيث جرى إعدامه شنقًا في نوفمبر 1944 في طوكيو. كما تجرع قبل إعدامه مرارة غدر ستالين الذي رفض مبادلته بأسرى يابانيين لئلا يُفتضح أمره بأنه رفض تصديق التحذير الذي وجهه إليه سورج بشأن موعد ونية هتلر في غزو الاتحاد السوفييتي. وبعد حوالي عشرين سنة من إعدامه، وتحديدا في العام 1964، اعترف الاتحاد السوفيتي بالدور الذي اضطلع به ريتشارد سورج في الحرب العالمية الثانية، كما وصفه الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين في إحدى المرات بجاسوسه المفضل.

#صلاح_الدين_ياسين (هاشتاغ)       Salaheddine_Yassine#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات