أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد بلمحظي - التعديل الدستوري المطلوب الملح: لا ديمقراطية بدون حياد الدولة…















المزيد.....

التعديل الدستوري المطلوب الملح: لا ديمقراطية بدون حياد الدولة…


أحمد بلمحظي

الحوار المتمدن-العدد: 8335 - 2025 / 5 / 7 - 22:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في ظل الأداء المتعثر والمتذبذب للسلطة الحاكمة، وتصاعد منسوب الاحتقان الاجتماعي والسياسي، تجد الجمهورية نفسَها أمام مفترق طرق دقيقٍ، يُحتِّم على القوى الساعية إلى التغيير أن تجمعَ بين الفعل الميداني والرؤية الدستورية الواضحة. واستباقًا لأي تطورات لاحقةٍ، فإن فتح النقاش حول التعديل الدستوري لم يعد ترفًا نظريًا، بل ضرورةً وطنيةً ملحّةً، حتى لا نُعيد إنتاج إخفاقات مرحلة ما بعد 2011، حيث سبقت التحركاتُ الشارعَ إلى المؤسسات، دون أفقٍ دستوريٍ واضحٍ يقي التجربةَ من الانزلاق أو الاستغلال.
وفي هذا السياق، فإن التعديل الدستوري لا يمكن أن يتم إلا من خلال الاتفاق العلني وعلى الملأ بين مختلف مكونات المجتمع التونسي، وأساسًا القوى الجمهورية، الليبرالية منها، والوسطية، واليسارية، بما يضمن حقوق الأفراد والمجموعات، ويؤسس لديمقراطية حقيقية بعيدةٍ عن الارتجال والتحركات الميدانية غير المدروسة.
ورغم اقتناعي العميق بأن أي تعلّلٍ بما يُسمى "الخصوصية الحضارية" لا يمكن أن يكون ذريعةً أو مبررًا للخروج عن القيم والمعايير الكونية في إدارة الشأن العام (في السياسة، أو الاقتصاد، أو التعليم، أو الثقافة، أو التشريع، …) فإنني، ومن موقع الحرص على تحقيق توافق وطني، أقترح صيغةً دستوريةً وخارطة طريق تضمن احترام هوية المجتمع التونسي دون أن تتعارض مع الأسس الكونية لحقوق الإنسان ودولة القانون.
لقد أثبتت التجربةُ أن الخلطَ بين الهوية الثقافية وآليات الحكم "الديمقراطي" أدى إلى استخدام الدين والمعتقدات كأداةٍ للهيمنة، سواء من قبل سلطات قائمة أو معارضات طامحة. وهذا الخلط لم يكن عرضيًا، بل أصبح أداةً دائمةً لتبرير السياسات الإقصائية والانحراف عن أسس دولة القانون. لذلك، ومن منطلق الحرص على مستقبل تونس، وقطعًا نهائيًا ومطلقًا مع الريبة والشكوك المتبادلة بين الجميع؛ أطرح مقترحًا لتعديل دستوري مطلوبٍ وملحٍّ، يوفق بين الاعتراف بالهوية الوطنية وضمان حياد الدولة مع احترام تام لمبادئ المساواة وحقوق الإنسان وهو أساس أي تعديلات لاحقة قد تقترح.
أولًا: هوية ثقافية دون أثر قانوني
ينبغي للدستور أن ينصَّ بوضوح على أن تونس دولةٌ حرةٌ مستقلةٌ، الإسلامُ هو دينُ غالبية شعبها، والعربيةُ لغتُهم الرسمية. غير أن هذه الخصائص تُعتبر جزءًا من الهوية والثقافة الجماعية، ولا تترتب عليها أي آثار قانونية أو تشريعية تمس بسيادة الدولة المدنية أو توجه سياساتها العامة. (فصل أول)
بهذا التصور، يُحترم الشعور الجمعي دون أن يتحول إلى مصدر قانوني يفتح الباب للتأويلات أو الاستغلال السياسي. فالأوطان لا تُبنى على أساس شعارات الهوية، بل على أساس سياسات تحقق العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية لجميع المواطنين دون استثناء، شأن جميع الشعوب والدول المتقدمة.
وقد بينت تجارب دول مثل السنغال، حيث يحظى الإسلام بمكانة قوية ثقافيًا، أن حياد الدولة عن الدين لا يهدد الانتماء بل يعززه، ويمنع توظيف المقدسات في الصراع السياسي أو الانتخابي كما هو الحال في دول منطقتنا.
ثانيًا: حرية ممارسة الشعائر ضمن احترام النظام العام
ينبغي أن يُكفل الدستور حريةَ الأفراد الكاملة في ممارسة شعائرهم الدينية، بما يضمن حق كل مواطن في التعبير عن معتقده بكل سلمية ومسالمة، شرط ألا يشكل ذلك خطرًا على النظام العام أو على حقوق الآخرين. (فصل ثاني)
هذا الحق لا يقتصر على الأغلبية بل يشمل كل الأقليات الدينية والفكرية، ويكرس مفهوم المواطنة المتساوية. إذ لا معنى لديمقراطية تغلب قناعة دينية واحدة على حساب بقية المواطنين. بل إن تمكين الأفراد من ممارسة قناعاتهم دون خوف أو تمييز هو المؤشر الأعمق لنضج الدولة الديمقراطية، ووسيلة فعالة للوقاية من التطرف أو الردات العنيفة التي يولدها الشعور بالاضطهاد أو التهميش. ومن هنا، فإن ضمان هذه الحرية ليس منةً من الدولة، بل واجبٌ دستوري يحفظ التوازن بين الهوية الجماعية والحرية الفردية.
ثالثًا: الفصل التام بين الدين والسياسة
ينبغي أن ينص التعديل الدستوري بشكل صريح على حظر أي استغلال للمعتقدات الدينية أو الأيديولوجية في العمل السياسي، سواء من قبل السلطة أو المعارضة. ويجب أن تستند كل القوانين والقرارات إلى مبادئ المساواة وحقوق الإنسان وسيادة القانون. (فصل ثالث)
إن حياد الدولة ليس موقفًا عدائيًا من الدين، بل هو احترام فعلي لكل المعتقدات. فالدولة المحايدة تضمن أن تكون السياسة مجالًا للتنافس والاستقطاب على أساس البرامج لا على أساس الانتماءات الدينية أو الشعارات العقائدية. وهذا هو المعنى الحقيقي لمدنية الدولة.
بل إن الفصل التام بين المجال الديني والمجال السياسي هو الشرط التأسيسي لأي ديمقراطية قائمة على الإرادة الحرة، وليس على دغدغة العواطف أو استغلال المقدسات.
سهولة التطبيق عبر المحكمة الدستورية
ولأن أي تعديل دستوري، مهما بلغت قيمته النظرية، يظل ناقصًا دون آلية تضمن تنفيذه، فإن إنشاء محكمة دستورية مستقلة وفعالة لم يعد ترفًا مؤسساتيًا بل شرطًا لقيام دولة القانون. فالمحكمة الدستورية تمثل الضامن الأول لاحترام هذه الفصول، من خلال دورها في الرقابة على القوانين والمراسيم، وفض النزاعات الدستورية، وحماية الحقوق الفردية من أي تغول تشريعي أو سياسي.
كل فصل من الفصول المقترحة يمكن ترجمته إلى معايير قابلة للرقابة: من النصوص التمييزية التي تستند إلى الانتماء الديني، إلى الخطابات السياسية التي توظف الدين للدعاية أو لتبرير الإقصاء أو القمع. وهو ما يجعل مهمة المحكمة واضحة وسهلة التنفيذ، لا تحتاج إلا إلى إرادة سياسية فعلية لتفعيلها، وإطار قانوني يحد من التأويل.
الخبراء هم البوصلة
ولا يمكن لأي تعديل دستوري أن يكون راسخًا ومستقرًا ما لم ينبثق من رؤية قانونية صلبة يساهم في صياغتها أساتذة وخبراء القانون الدستوري. فهؤلاء لا يمثلون فقط كفاءات علمية، بل يشكلون ضمانة قيمية واعتبارية منقطعة النظير ضد هيمنة اللحظة السياسية أو الحسابات الظرفية. فقد أثبتت التجربة أن النصوص المصاغة تحت الضغط السياسي تكون غالبًا قصيرة الأجل أو مصدرًا للتأزيم المستقبلي.
ولعله من الضروري التفكير في مجلس دستوري استشاري دائم، يُستشار في كل مبادرة سن أو تعديل أو إصلاح، ويكون مرجعًا علميًا مستقلًا يُحصِّن النصوص من الانفعالات والارتجال.
نحو أفق ديمقراطي حقيقي
الصيغة المقترحة لتعديل الدستور بثلاثة فصول واضحة ومتكاملة تمثل حلًا عمليًا يرفع اللبس عن طبيعة الدولة، ويضع حدًا للجدل العقيم حول "مدنية الدولة". فنجاح تونس في بناء هذا التوازن سيبعث برسالة طمأنة مضيئة إلى الداخل والخارج مفادها أن الهوية الوطنية يمكن أن تتعايش مع الديمقراطية الكونية، شرط الفصل الواضح بين المجال الثقافي (الهووي) والمجال السياسي.
إن التأجيل أو الالتفاف على هذا التعديل وفي هذه المسألة بالذات لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمات وتكرارها وزيادة فقدان الثقة في مؤسسات الدولة، والريبة المتبادلة بين الجميع. ولهذا، فإن التعديل الدستوري المطلوب اليوم ليس ترفًا بل ضرورة وطنية ملحة.
إن اللحظة التاريخية تتطلب شجاعة فكرية وسياسية لترسيخ هذا الفصل الدستوري بعيدًا عن المجاملات أو الحسابات الضيقة. لأن مستقبل الأجيال القادمة لا ينتظر المترددين، ولا يرحم من فوتوا فرصة بناء الدولة الحديثة والعادلة.



#أحمد_بلمحظي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعديل الدستوري المطلوب الملح: لا ديمقراطية بدون حياد الدول ...


المزيد.....




- -لم أقابلك لمناقشة محتوى وسائل التواصل-.. مذيعة CNN تضغط على ...
- لهذا السبب تُعد كازاخستان الوجهة -المثالية- صيفًا لسكان دول ...
- باكستان تكشف البلد المصنّع للسلاح الذي أسقط المقاتلات الهندي ...
- تقرير: ارتفاع كبير في حوادث معاداة السامية في ألمانيا
- ضربات جديدة بمسيرات على قاعدة بحرية في بورتسودان ومخاوف من ا ...
- إيران ترفض الاتهامات بضلوعها في مخطط ضد السفارة الإسرائيلية ...
- مطالبات بإطلاق سراح مسؤول حملة “BDS” الأردن
- محادثات تركية إسرائيلية في باكو حول سوريا تتضمن 3 مطالب لتل ...
- مسيرة إسرائيلية تلقي مناشير على شكل أوراق نقدية تحذر فيها من ...
- ليتوانيا تنسحب من اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد بلمحظي - التعديل الدستوري المطلوب الملح: لا ديمقراطية بدون حياد الدولة…