سامي خاطر
الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 18:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مشهد الأزمات المتلاحقة
تشهد إيران في الآونة الأخيرة سلسلة من الكوارث المتفجرة والحرائق المدمرة التي تكشف عن عمق الأزمات التي يعانيها نظام الملالي، وتُظهر هشاشة بنيته الداخلية. من الانفجار المروع في ميناء شهيد رجائي إلى سلسلة التفجيرات الإرهابية التي تستهدف البنية التحتية والمنشآت الحيوية، يبدو النظام الإيراني وكأنه يسير على حافة الهاوية، حيث تتداخل الأزمات الداخلية مع الضغوط الخارجية لتخلق سيناريو كارثياً يهدد استقرار النظام برمته.
الكارثة في ميناء شهيد رجائي؛ شرارة الغضب الشعبي
في 26 أبريل 2025، هز انفجار هائل ميناء شهيد رجائي -أكبر ميناء تجاري في إيران- مما أسفر عن مقتل 46 شخصاً وإصابة أكثر من ألف آخرين، وقد تحول الحداد الوطني إلى موجة غضب عارمة بعد أن كشفت التحقيقات الأولية عن تورط شحنات من وقود الصواريخ الباليستية في الحادث، ومن مشاهد الغضب الشعبي خروج طلاب الجامعات في طهران في مظاهرات حاشدة، واستقالات جماعية لمذيعات التلفزيون الرسمي، وفنانين كانوا قد تعاونوا مع النظام، وانضمام رياضيين بارزين لصفوف المعارضة وتزايد الأسئلة الجريئة من صحفيين موالين للنظام حول أساليب القمع، ويرفض الشعب الصمت حيث لم تكن الكوارث الأخيرة سوى القشة التي قصمت ظهر البعير في سلسلة طويلة من المعاناة التي يعيشها الشعب الإيراني؛ لقد شهدت إيران موجات متتالية من الاحتجاجات، كان أبرزها انتفاضة يناير 2020 التي كشفت عن عمق السخط الشعبي، ويأتي ذلك في وقت يعيش فيه الشارع الإيراني حالة من الغليان بسبب الفقر، والبطالة، وغلاء المعيشة، والقمع السياسي المستمر، وتعكس الاحتجاجات الشعبية التي باتت متكررة في مختلف المدن رفضًا عارمًا للسياسات الفاشلة للنظام خاصة مع تزايد وعي الإيرانيين بدور قوات حرس نظام الملالي في القمع في الداخل وتمويل الإرهاب في الخارج.
الكارثة؛ والاتهامات المتبادلة
استمرت النيران مشتعلة لأكثر من يوم مع انتشار سحابة سوداء من المواد الكيميائية السامة. وأُغلقت المدارس والمكاتب في بندر عباس المجاورة. وأعلنت السلطات عن حداد رسمي لمدة ثلاثة أيام.
اتهمت تقارير دولية إيران بتخزين وقود صاروخي (بيركلورات الصوديوم) في الميناء، ونفت الحكومة الإيرانية هذه الادعاءات واصفة الحادث بأنه "حادث تقني". وأثار الحادث تساؤلات حول كفاءة الإدارة الحكومية وقدرتها على حماية المنشآت الحيوية.
سياسة "حافة الهاوية" منهج يقود إلى الانهيار
يبدو أن النظام الإيراني يتبنى استراتيجية عُرفت باسم "التحرك على حافة الهاوية"، وهي سياسة تعتمد على المناورة والمجازفة في التعامل مع الأزمات الداخلية والخارجية، لكن هذه الاستراتيجية بدأت تتحول إلى لعبة انتحارية تهدد بإسقاط النظام نفسه.
ملامح هذه الاستراتيجية
المناورة النووية: التراجع الانتهازي عن المواقف تحت الضغط الدولي، كما حدث في المفاوضات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والعدوانية الإقليمية، التصعيد العسكري مع الجيران مثل أذربيجان تحت ذرائع وهمية، والقمع الداخلي باستخدام القوة المفرطة ضد الاحتجاجات الشعبية، واللعب بورقة الوقت لكسب الوقت اللازم لاستمرار البرامج النووية والصاروخية.
العزلة الإقليمية وخريطة العداوات الجديدة
ملالي إيران يفقدون حلفاءهم.. إذ لم تقتصر أزمات النظام الإيراني على الداخل فحسب، بل امتدت إلى علاقاته الإقليمية حيث وجد نفسه في مواجهة مع جيران كانوا يوماً حلفاءه:
أذربيجان: مناورات عسكرية على الحدود بسبب أوهام تهديد إسرائيلي. تركيا: خلافات حول دعم إيران للأكراد. أفغانستان (طالبان): توترات مذهبية وسياسية. باكستان: صراع حول قضية البلوش. العراق: غضب شعبي متصاعد بسبب تدخلات إيران.
الأزمة النووية: لعبة خطيرة بالوقت
في خضم كل هذه الأزمات، يواصل النظام الإيراني اللعبة الخطرة مع المجتمع الدولي حول برنامجه النووي، حيث يرفض وقف تخصيب اليورانيوم رغم العقوبات الدولية القاسية. وقد وصف محللون هذه السياسة بأنها "خطوة طائشة وحمقاء" تقود البلاد إلى مزيد من العزلة.
انفجارات تكشف هشاشة البنية الأمنية
من بين أبرز الحوادث التي أثارت الجدل مؤخرًا، الانفجارات التي هزت مصانع في أصفهان، وحرائق اندلعت في منشآت نفطية جنوب البلاد؛ فضلًا عن انفجارات داخل قواعد تابعة للحرس الثوري الإيراني. هذه الحوادث سلطت الضوء على ضعف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية للنظام، وعجزه عن حماية منشآته الحيوية.
دور المقاومة الإيرانية
لا يمكن إغفال دور المقاومة الإيرانية لا سيما وحدات المقاومة التابعة لـ منظمة مجاهدي خلق التي أكدت مسؤوليتها عن بعض العمليات الموجهة ضد رموز ومراكز النظام مشيرة إلى أن الشعب الإيراني لن يقف مكتوف الأيدي أمام آلة القمع والفساد. وقد أشادت تقارير دولية عديدة بشجاعة الشبكات الداخلية التابعة للمقاومة التي تسهم بدورها في زعزعة أركان النظام من الداخل.
النظام في مأزق حقيقي
بات من الواضح أن نظام الملالي يواجه أكبر أزماته منذ عقود. فإلى جانب الأزمات الداخلية يعاني من عزلة دولية متزايدة، وعقوبات خانقة أثرت على الاقتصاد، وأظهرت تآكلا في شرعيته حتى بين قواعده التقليدية. هذا الوضع يجعل من بقاء النظام في صورته الحالية أمرًا صعبًا، إن لم يكن مستحيلاً.
نظام الملالي وإدارة الأزمات.. سياسة التعتيم والتضليل في مواجهة الكوارث
آلة التضليل الإعلامي.. عندما يصبح الكذب سياسة دولة
لم يقل نظام الملالي الحاكم في إيران الحقيقة فيما يتعلق بتفجيرات ميناء رجائي في بندر عباس، ولم يُولِ أي اهتمام بالخسائر البشرية والمادية الناجمة عنها.. كذلك لن يقولها فيما يتعلق بتفجير مشهد أو أية أحداث أخرى... وكما هي عادته يتستر على الوقائع، ويخفي الأرقام الحقيقية ويُضلل الرأي العام من خلال الإعلام الرسمي الذي يخضع لرقابة أمنية مشددة، ولن يكن الأمر مختلفًا فيما يتعلق بتفجير مشهد أو غيره من الأحداث التي تهز الداخل الإيراني؛ إذ إن هذا النظام لم يعرف الصدق يومًا بل يبني بقاءه على التعتيم والقمع وتجاهل آلام المواطنين إذ يواصل نظام الملالي في إيران سياسة التعتيم المنهجي بشأن الكوارث والأزمات التي تعصف بالبلاد بدءاً من تفجير ميناء شهيد رجائي في بندر عباس وصولاً إلى أحداث مشهد الأخيرة، وهذه السياسة ليست مجرد رد فعل ظرفي بل هي جزء من استراتيجية متكاملة لإدارة الأزمات عبر "التقليل المنظم من حجم الضحايا، وتخفيض الأرقام الحقيقية للقتلى والجرحى بشكل منهجي، وتلفيق الروايات الرسمية، ابتكار سيناريوهات وهمية تتناسب مع الرواية السياسية للنظام، وقمع الشهود والمتضررين، تهديد الضحايا وأسرهم لمنعهم من كشف الحقائق، وتوجيه الاتهامات العشوائية" ومن ثم إلقاء اللوم على أطراف خارجية أو ما يُطلق عليهم بـ "أعداء الثورة".
إن تكرار هذه التفجيرات في منشآت حساسة، وتجاهل النظام لآلام الضحايا وذويهم يعكس ليس فقط فشله الأمني بل أيضًا انفصاله التام عن واقع الشعب الأمر الذي يعمّق الفجوة بينه وبين الإيرانيين ويدفع بالبلاد نحو انفجار اجتماعي وسياسي لا يمكن احتواؤه.
ماذا يخبئ الغرب وهذا النظام الفاشي؟
تتعالى لغة التصعيد في أروقة نظام الملالي، ولا شك في أن تكون هناك قرابين إقليمية جديدة فداءا لاستمرارية هذا النظام كما فعل في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين وغزة وحزب الله وحماس.. ماذا يخبئ الغرب وهذا النظام؟
يلامس هذا السؤال جوهر الأزمة الإقليمية والدولية المرتبطة بنظام الملالي، ويكشف عن واقع مرير تدفع ثمنه شعوب المنطقة بالفعل، تتعالى لغة التصعيد في أروقة النظام الإيراني لا سيما مع تصاعد الأزمات الداخلية من احتجاجات شعبية وانهيار اقتصادي، وتزايد الضغط الدولي ما يدفع النظام إلى تصدير أزماته نحو الخارج وكما هو معتاد منذ عقود إذ يعتمد على سياسة "الهروب إلى الأمام" من خلال إشعال الأزمات الإقليمية وتمويل ميليشيات تابعة له في الدول العربية وغيرها.. فمن لبنان عبر حزب الله، إلى سوريا من خلال دعم نظام الأسد، والعراق عبر الميليشيات الولائية، واليمن من خلال الحوثيين، وحتى غزة عبر دعم حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وكل هذه الساحات كانت قرابين لتمديد عمر نظام طهران.
ماذا يخبئ الغرب؟ وما الذي يخطط له نظام الملالي؟
يراوح ويناور الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة بين سياسة الضغط والعقوبات وبين إشارات التفاوض والتهدئة، وهو ما يمنح النظام الإيراني هوامش للمناورة، وما زالت بعض دوائر صنع القرار الغربية تراهن على تغيير سلوك نظام الملالي بدلاً من تغييره رغم الأدلة المتكررة على أن هذا الرهان خاسر.. أما نظام الملالي فهو يسعى مستفيدا من سياسة الغرب هذه إلى كسب الوقت وإطالة أمد بقائه من خلال خلق الأزمات وتهديد الأمن الإقليمي، في محاولة لفرض نفسه كقوة لا يمكن تجاهلها في أي تسوية سياسية أو أمنية في الشرق الأوسط.
الخاتمة: النهاية المحتومة؟
كلما ضاق الخناق داخليًا على هذا النظام ازداد عدوانه خارجيًا، ولا يتورع عن استخدام الدماء العربية كورقة مساومة، مدفوعًا بعقيدة توسعية وطائفية مميتة، والسؤال الآن: هل سيتحرك العالم خاصة الدول العربية لوضع حد لهذا العبث؟ أم ستظل الشعوب هي وحدها من يدفع الثمن؟ وبينما يقدم نظام الملالي قرابين إقليمية لإنقاذ نفسه يبقى الشعب الإيراني هو الضحية الأساسية لهذه السياسات حيث الأزمات الاقتصادية، القمع السياسي، والعزلة الدولية تثقل كاهل المواطن الإيراني بينما تستمر النخبة الحاكمة في مغامراتها الإقليمية.
تشير كل المؤشرات إلى أن نظام الملالي يقترب من نقطة اللاعودة. فالشعب غاضب، والاقتصاد منهار، والحلفاء يتخلون عنه، والمجتمع الدولي يفقد صبره. كما قال أحد المحللين: "هذا النظام الذي بدأ مشواره بالسير في الاتجاه الخاطئ لا يزال مستمراً في السير عليه، ولا ريب في أن نهايته ستكون الهاوية حتماً".
إن تفجيرات وحرائق إيران ليست مجرد حوادث عابرة بل رسائل قوية تدل على هشاشة النظام وانهيار هيبته، وبينما يقترب نظام الملالي من الانهيار يبدو أن التغيير الجذري في إيران قد أصبح أقرب مما يتصور الكثيرون بفضل صمود الشعب والمقاومة المنظمة.
مجموعة من التساؤلات التي يطرح نفسها الآن إلى متى يمكن لنظام الملالي أن يستمر في البناء على أكاذيب تتهاوى واحدة تلو الأخرى أمام أنظار شعب لم يعد يصدق شيئاً من رواياته؟ وهل ستنجح هذه الاستراتيجية مرة أخرى؟ أم أن المنطقة مقبلة على مفاجآت قد تغير كل المعادلات؟ يقول التاريخ إن الأنظمة التي تعتمد على التضحية بالآخرين ينتهي بها الأمر إلى التهام نفسها بنفسها.. وهل بات سقوط نظام الملالي وشيكاً.. متى وكيف؟ وما هو الثمن الذي سيدفعه الشعب الإيراني والعالم قبل أن يصل إلى هذه النهاية، وهل سيكون الغرب نزيهاً في هذا الشأن؟
#سامي_خاطر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟