مهند طلال الاخرس
الحوار المتمدن-العدد: 8298 - 2025 / 3 / 31 - 22:14
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
رغوة سوداء رواية لحجي جابر تقع على متن ٢٥٥ صفحة من القطع المتوسط، وهي من اصدارات دار التنوير للطباعة والنشر بفرعيها: بالقاهرة/مصر ، وبيروت/لبنان، والرواية صدرت بطبعتها الاولى سنة ٢٠١٨.
تدور احداث الرواية حول رغبة الفقراء والمعدمين في افريقيا الهجرة نحو الدول الاوروبية هربا من جحيم بلادهم وحروبها والفقر والجوع المتقع. ويستعرض نموذج لذلك الحروب والعنصرية التي تضرب القرن الافريقي وبالذات اثيوبيا وارتيريا وتتطرق الى الصراع الدائر بينهما وما يهلفه من ويلات تدفع باحد ابناء اريتريا المسلم [داود] الى محاولة الهجرة وتغلق الابواب امامه ولم يجد غير تغيير ديانته الاسلامية الى اليهودية وتغيير هويته الاريترية الى تلاثيوبية بغية محاولة الهجرة الى فلسطين[اسرائيل] ضمن قوائم يهود الفلاشا الاثيوبيين تلذين تكتظ بهم المخيمات بغية تجهيزهم للعودة الى ارض الميعاد ارض اللبن والعسل والنعيم الدائم بحثا عن فرصة أفضل في الحياة.
في رحلته من اريتريا نحو اثيوبيا للانضمام الى مخيمات اللاجئين من يهود الفلاشا يمر داوود بسلسلة من الاحداث والمحطات التي تصعد احداث الرواية بحيث يظهر مدى استعداد اللاجئين من ااشباب في تلك البلاد لتاليف حكاياتهم الخاصة بغية الحصول على بطاقة المرور نحو العالم الاخر وهروبا من واقعهم الاليم.
هكذا يفعل، داويت الذي لم يكن يهوديا، بل كان مسلما ،فيخترع لنفسه شخصية جديدة، مغيراً اسمه وتاريخه. ويفعل أقصى الممكن حتى يستطيع الخروج مع يهود الفلاشا إلى إسرائيل... وفي سبيل ان تلاقي قصته الاقناع فانه يمر باطوار تمكنه من اختلاق قصة تحوز على اعجاب ورضا المستقبلين في مفوضية اللاجئين، وكل ذلك بمساعدة صاحبة الفندق سابا والتي تدفع عشرة الاف عملة مقابل مرور دلوود لاجتياز امتحان يهود الفلاشا، وسابا هذه لها مبرراتها المقنعة لمساعدة داوود نتعرف عليها عبر صفحات الرواية..
ينجح داوود بالاختبار بفطنته وذكاءه وبالرشوة ايضا ويصل داود لارض الميعاد ، وهناك تبدأ معاناة جديدة يكتشفها في حال المهاجرين سمر البشرة من ذوي الاصول الافريقية، والذين ساقتهم اقدارهم الى هناك اوسبقوه إلى هناك ، بحيث يدخلنا في تفاصيل حيائهم وبؤسهم ومعاناتهم...واكتشافهم لحقيقة الامر والتزييف الذي خضعوا له لاستقدامهم وجلبهم الى [اسرائيل، ارض الميعاد].
في ارض الميعاد يطلعنا الكاتب على الصعوبات التي يواجهها ذوي البسرة السمراء او السوداء، ومدى التمييز والعنصرية الاسرائيلية بمواجهتهم فقط لانهم سمر البشرة. وما يستتبع ذلك من معاملتهم معاملة العبيد والخدم ليس إلاّ.
في ارض الميعاد يصبح داوود /ديفيد/ديوانت ويعيش تاائها مشتتا بين هذه الشخصيات الى يلتقي بسارة الطالبة الفلسطينية التي تدرس بالجامعة العبرية بالقدس وتقوم بعمل بحث عن اللاجئين واحوالهم فتشتد اواصر العلاقة بينهم وتتطور الى ان يعترف بطلنا بقصته وشخصيته الحقيقية...
تصل اخبار قصته الحقيقية وانكشافها الى حيث سكناه في العمارة التي يقطنها كل المهاجرين المرافقين لرحلته منذ قدومه من اثيوبيا، ويخبره بذلك المقيمين معه بنفس الشقة، فيفرر الهروب نحو القدس والالتقاء بسارة واطلاعها على انكشاف امره..
تتردد سارة وتحجم عن مساعدته فيجد نفسه تاهئها في شوارع القدس والبلدة القديمة ، وهناك يحصل هرج ومرج، ويقدم فلسطيني على طعن اسرائيلي فيهتاج الجنود ويستنفرون، يرتبك صاحبنا ويلجأ الى احد المحلات التي تعود ملكيتها لفلسطيني مقدسي من اصحاب البشرة السوداء ماريل ابو ادم..
يلتقط الفلسطيني صاحبنا وينشله من خوفه ويقدم له المساعدة بعد ان يتعرف عليه، ويصطحبه لبيته ويخبره باصوله الافريقية، وهناك يتعرف على عائلة ماريل ابو ادم ويدور بينهم حوار حول المقدسيين من اصول افريقية، ويتطرقون الى دورهم في النضال الوطني الفلسطيني، فيأتون على سيرة فاطمة البرناوي وطارق الافريقي وغيرهم من ايقونات النضال الوطني الفلسطيني ..
ثم يصطحبه لمقر الجالية الافريقية في القدس في محاولة للبحث عن عمل له ومكان اقامة.
عبر ايام تستمر الجلبة في زقاق القدس ويتجه صاحبنا نحو مصيره المحتوم ويسقط برصاص الاحتلال اثناء مطاردتهم لشاب فلسطيني في الزقاق..
فيتقدم الجندي تلذي اطلق الرصاص منه وتحدث المفارقة بين الجندي وصاحبنا، ادرك الجندي حجم الخطأ وان صاحبنا ليس المقصود فطلب الاسعاف ووسد صاحبنا على كتفه، وخاطبه استنادا لبشرته وتقاسيم وجهه وحدثه بالامهرية... في مقاربة محزنة تخللتها كثير من سطور الدراما والنهايات المحزنة.
رغوة سوداء عنوان الرواية وعتبة الولوج الى عوالم حجي جابر والتي نجح من خلاله بادخالنا الى عوالم كانت بعيدة عنا ..فتلك البلاد اثيوبيا وارتيريا كانت مجهولة بالنسبة لنا، وكذلك ما يحدث فيها من صراعات واهوال، نجح حجي جابر في ادخالنا الى عوالمه بكل اقتدار، وكان الاقتدار الامثل هي تسليط الضوء على حقيقة قصة هؤلاء المهاجرين الفلاشا نحو ارض الميعاد واسبابها...
رغوة سوداء؛ تلك الرغوة التي ترك لنا الكاتب استنباط معناها طيلة صفحات الرواية ولم يصرح بالاسم ومعناه إلاّ عبر الصفحات الاخيرة وبالتحديد الصفحة ٢٤٤، مضفيا سببا اخر لمتعة الرواية وقيمتها الفنية.
رغوة سوداء؛ هم اكوام البشر من ذوي البشرة السمراء حين يغادرون بحورهم وبلادهم واحلامهم مخدوعين وحالمين بوعود زائفة نحو بلاد الاخرين، فيظهرون كقلة وحفنة من المنبوذين من تجار الممنوعات والدعارة والجنود القتلة وكل اعمال الرذيلة ... يظهرون بتلك المجتمعات كرغوة ليس إلا...
رغوة سوداء رواية الأحلام المجهضة عل الرغم من كل التضحيات التي يبذلها صاحبنا داود/داويت... ورغم كل الاحلام التي سعى جاهدا للوصول اليها...
بقي ان نتعرف على السيرة الشخصية للكاتب حجي جابر والذي تشير بطاقته الشخصية الى انه ولد في مدينة مصوع الساحلية في إريتريا عام 1976 ثم انتقل مع أسرته إلى جدة، السعودية بسبب القصف الإثيوبي لإريتريا وقتها. حصل على شهادة البكالوريوس في علوم اتصال وعمل صحفيا لعدد من الصحف السعودية ومراسلا لبعض الفضائيات الأوربية منها لقناة «دوبتشه فيلله» في السعودية. ويعمل حاليا صفحيا في قناة الجزيرة القطرية.
بدأت مسيرة جابر في الكتابة والأدب عندما عاد إلى وطنه «إريتريا» بعد أكثر من 30 عاما من الاغتراب، حيث أصبحت لديه حاجة ماسة للكتابة عندما وجد في الكتابة السبيل الوحيد للبوح والشكوى والإجابة عن تسؤلات تراوده حول هويته. وأصدر أول روايته الأولى «سمراويت» الصادرة عن المركز الثقافي العربي في عام 2012. كما حازت على جائزة الشارقة للإبداع العربي في العام نفسه. وبعدها بعام، أصدر روايته الثانية «مرسى فاطمة» وكانت تجربته الأولى التي يكتب فيها عن أماكن لم يعرفها من قبل حيث أنه في روايته الأولى كتب عن أماكن كان يعرفها أما في روايته هذه اختلف الأمر مما تطلب منه الكثير من البحث وجمع المعلومات والاستماع لشهادات كثيرة لمجندين وضحايا سابقين، كما أن عمله كصحفي ساعده في تمليكه لأدوات البحث والاستقصاء. وبالإضافة إلى هذا، إن أحداث الرواية كانت تدور حول موضوع الاتجار بالبشر وعصاباتها.
وفي عام 2015، أصدر روايته الثالثة «لعبة المغزل» والتي ترشحت ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب. وفي عام 2018، نشر جابر روايته الرابعة «رغوة سوداء» والتي نالت على جائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الخامسة عن فئة الروايات المنشورة. وستصدر قريبا رواية حاجي الجديدة «رامبو الحبشي» عن دار منشورات تكوين، وهي رواية تتحدث عن حياة الشاعر الفرنسي آرتر رامبو في الحبشة. والتي يسعى فيها جابر لإعادة الاعتبار لأمرأة هررية رافقت رامبو في سنواته الأخير في الحبشة إلا أن الشاعر الفرنسي لم يذكر محبوبته ولا مرة في رسائله الكثيرة إلى أمه. تُرجمت بعض من أعمال جابر إلى لغات عديدة مثل الإنجليزية والايطالية والفارسية والعبرية.
المؤلفات
سمراويت، المركز الثقافي العربي، 2012
مرسى فاطمة، المركز الثقافي العربي، 2013
لعبة المغزل، المركز العربي الثقافي، 2015
رغوة سوداء، دار التنوير، 2018
رامبو الحبشي، دار منشورات تكوين (ستنشر في عام 2021)
#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟