أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضياءالدين محمود عبدالرحيم - أطياف العودة














المزيد.....

أطياف العودة


ضياءالدين محمود عبدالرحيم
مفكر وداعية اسلامي و اقتصادي، مطور نظم، مدرب دولي معتمد، وشاعر مصري

(Diaaeldin Mahmoud Abdel Moaty Abdel Raheem)


الحوار المتمدن-العدد: 8296 - 2025 / 3 / 29 - 00:27
المحور: الادب والفن
    


كانت رائحة الهيل والقهوة المحلية تتصاعد من فناجين المقهى العتيق، كأنها خيطٌ يربط الحاضر بالماضي. جلس "أحمد" في زاويته المفضلة، بين أصابعه اليمنى تتدلى صورةٌ بالية لصلاح الدين الأيوبي، وفي اليسرى صحيفة قديمة تحمل تاريخاً منسياً. لم تكن الصورة مجرد رمز بطولة، بل كانت وصية أبيه الأخيرة: "ليكن درعك إيماناً، وسيفك علماً يا بُني".

بعد عقدٍ من الغربة بين مخيمات اللجوء ومكتبات المنفى، عاد إلى مدينته ليجدها شبحًا مما كانت عليه. الأبنية المهدمة تحكي قصص القذائف، والوجوه الذابلة تسرد حكايات الجوع. حتى مئذنة المسجد القديم، التي كانت تشير إلى السماء كإصبعٍ يتحدى القهر، صارت منحنية كظهر عجوز.

في الزاوية المقابلة، لمح فتاةً شابة تلتهم كتاباً بعينين متعبتين، وكأنها تستمد منه طاقة تعينها على مواجهة الواقع. اقترب منها بحذر، وسألها:

"ما هذا الكتاب الذي يسرق نومك؟"

رفعت عينيها المثقَلتين، وقلبت الصفحة ببطء قبل أن تجيب: "تاريخ الانتفاضات... أبحث عن سرّ هزائمنا".

دار بينهما حوارٌ طويل، كشف خلاله أحمد عن أوراقه السرية: مذكرات كتبها خلال سنوات منفاه، ورسائل من رفاقٍ لم يعودوا. تأملتها الفتاة، ومررت يدها على غلاف الكتاب كأنها تمسح غبار الذاكرة وقالت: "كل هذه التضحيات... ولم يبقَ إلا الخذلان".

نظر إليها أحمد، ثم قال وهو يقلب أقراص دواء الأرق في كفه: "المشكلة أننا نبحث عن صلاح الدين في المتاحف، بينما هو ينزف في شوارعنا".

في اليوم التالي، وجد أحمد "نور" تناقش مجموعة شباب عند نصب الشهداء. كانت تقرأ لهم من كراسٍ أصفر:

"يقول غرامشي: ليست الثورة موعدًا، بل هي مسيرة أجيال... والثورة تبدأ حين نواجه مخاوفنا قبل أن نواجه العدو".

التفت أحد الشباب إلى أحمد: "أنت عائد من الخارج، أخبرنا... هل هناك أمل؟"

أجاب وهو يوزع عليهم أوراقاً من مذكراته: "الأمل ليس مكاناً نصل إليه، بل طريق نصنعه، خطوةً بعد خطوة".

مع الأسابيع، تحوّل المقهى العتيق إلى ما يشبه "خلية نحل". نور تُدرّس التاريخ، وأحمد يُعلّم الشباب فن الخطابة والقانون، بينما آخرون يرسمون الجرافيتي على الجدران المهدمة، يحاولون تحويل آثار الحرب إلى لوحات تحكي قصصهم. حتى الجدة "أم محمد"، التي كانت تبيع الباقلاء عند الزاوية، بدأت تروي لهم قصص المقاومة القديمة.

في إحدى الليالي، بينما كان أحمد ينظف نظارته المكسورة، سمع دقّاً على الباب. فتحه ليجد نور تحمل رسالةً من أطفال الحي:

"علمنا أنك كاتب ورجل قانون... علمنا كيف نكتب رسائلنا إلى المستقبل".

في تلك اللحظة، أدرك أن "العقول النائمة" بدأت تستيقظ.

بعد عام، وقف أحمد أمام مبنى البلدية، الذي تحوّل إلى مركز ثقافي. على الجدارية الكبيرة، رسم الشباب وجهاً نصفه لصلاح الدين، ونصفه الآخر لوجه شاب، وكتبوا تحتها: "الأبطال ليسوا أشباح الماضي، بل هم أنفسنا حين نختار أن نقف".

في زاوية الجدارية، كانت نور تضع اللمسات الأخيرة على شعارهم الجديد: صورة المئذنة القديمة وقد تحوّل انحناؤها إلى قوس قزح. نظرت إلى أحمد وقالت: "أتعلم؟ لقد وجدت إجابة سؤالي... سرّ هزائمنا كان نسياننا أن الانتصار فنٌ، وإرادة، ووعي قبل أن يكون معركة".

ابتسم أحمد وهو يعلق الصورة الجديدة لصلاح الدين على الجدار: "وسرّ انتصاراتنا أننا تعلمنا الحب قبل الرماية".

لم يكن غريبًا أن يتزوج أحمد ونور في احتفالية بسيطة، لكن قلوب أهالي الحي كانت معهم. وبينما كان البعض يتهامسون عن "ولادة صلاح الدين القادم"، وقف أحمد وقال بصوت ثابت:

"لا تنتظروا مولد صلاح الدين؛ لن نتحرر حتى نصير جميعًا صلاح الدين".



#ضياءالدين_محمود_عبدالرحيم (هاشتاغ)       Diaaeldin_Mahmoud_Abdel_Moaty_Abdel_Raheem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة: سبع جولات في حلبة الحب
- مبادرة -يداً بيد من أجل السلام: مصالحة الدول المتنازعة والمت ...
- نحو عالم بلا حروب: تفكيك الجيوش وتعزيز السلام العالمي
- معتقل الأفكار
- العَدْلُ أساسُ النَّماءِ والظُّلْمُ دَبيبُ الفَناءِ (رسالة إ ...
- [حكمة الإسلام في ستر المعاصي والذنوب والآثام]
- البطل
- وطنُّى أنا
- وطنيٌ أنا
- مقدمة عن توحيد عملة العالم: رؤية اقتصادية
- أموال دافعى الضرائب الأمريكان والأوروبيون: كيف ضاعت؟
- الدور الإيجابي للمؤسسات الاقتصادية غير الهادفة للربح في الاق ...
- إنشاء محكمة عدل عربية كجهة قضائية دولية لحل النزاعات الإقليم ...
- مبادرة: تفعيل المادة 107 من ميثاق الأمم المتحدة لاستعادة حقو ...
- مبادرة إصلاح قطاع الصحة والصيدلة في مصر: نحو نظام صحي مستدام ...
- مبادرة -كفالة المرأة بلا عائل-
- (وعد)
- ثورة 25 يناير الجديدة
- معًا نحو السلام: مبادرة الوحدة العربية كقوة داعمة للاستقرار ...
- حكايتى مع حزب الوفد المصري (تاريخ عريق وحاضر متجدد)


المزيد.....




- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...
- كتاب -رخصة بالقتل-.. الإبادة الجماعية والإنكار الغربي تحت مج ...
- ضربة معلم من هواوي Huawei Pura 80 Pro.. موبايل أنيق بكاميرات ...
- السينما لا تموت.. توم كروز يُنقذ الشاشة الكبيرة في ثامن أجزا ...
- الرِّوائي الجزائري -واسيني الأعرج-: لا أفكر في جائزة نوبل لأ ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضياءالدين محمود عبدالرحيم - أطياف العودة