الدين بين الأقارب والأصهار

للاإيمان الشباني

الحوار المتمدن-العدد: 8289 - 2025 / 3 / 22 - 00:02
المحور: الادب والفن
    

...



الدين بين الأقارب والأصهار قضية شائكة تحمل في طياتها أبعادًا اجتماعية ونفسية معقدة. في المجتمعات التي تقوم على التآزر والتكافل، يُنظر إلى السلف على أنه نوع من التضامن والتعاون بين الأفراد، حيث يمنح الإنسان المال لمن يحتاجه دون تردد، متوقعًا أن يُعاد إليه عند الاستطاعة. غير أن الواقع قد يكشف جوانب أخرى لهذه المسألة، تجعلها أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه في البداية.

حين يُعطى المال دون عقد مكتوب أو توثيق، يكون الاعتماد الأساسي على الثقة والروابط العائلية، مما يجعل المسألة أكثر حساسية. فالدائن، بدافع القربى، لا يرغب في إحراج المدين بالمطالبة المتكررة، والآخر قد يظن أن التأخير مقبول نظرًا للعلاقة العائلية أو بحجة الظروف الصعبة. لكن كلما طال الزمن، ازدادت المشكلة تعقيدًا، خاصة إذا لم يُظهر المدين نية صادقة في السداد أو تجاهل الموضوع، مما يولد مشاعر الغبن والخذلان لدى الدائن.

الأزمة تزداد سوءًا عندما يكون الدين بين الأصهار، حيث تتشابك العلاقات وتتداخل المصالح. فالسلف هنا قد لا يكون مجرد مسألة مالية، بل قد يتجاوز ذلك ليؤثر على العلاقات العائلية بأكملها. يمكن أن يؤدي تأخر السداد أو إنكاره إلى خلافات بين الأزواج، مما يخلق فجوة في الثقة قد تصل إلى حد القطيعة بين العائلات. وقد يشعر الزوج أو الزوجة بالحرج أمام أهله بسبب سلوك الطرف الآخر، فيتحول الأمر من قضية مالية إلى أزمة كرامة وشعور بالإهانة.

من جهة أخرى، هناك من يرى أن طلب الدين بشكل متكرر قد يُفسر على أنه تشكيك في نزاهة المدين أو ضغط غير مبرر، مما يؤدي إلى توتر العلاقات، خاصة إذا كان الطرف المدين يعاني بالفعل من ظروف صعبة. في المقابل، فإن تأخير السداد دون تبرير واضح أو محاولة لإيجاد حل يخلق انطباعًا بعدم المسؤولية والتهاون بحقوق الآخرين، وهو ما يفتح باب القطيعة والنزاعات.

تختلف ردود أفعال الناس تجاه هذه المسألة وفقًا لشخصياتهم وتجاربهم السابقة، إذ بعضهم يفضل الصبر والتغاضي عن المال حفاظًا على العلاقة، بينما آخرون يصرون على استرجاع حقهم، حتى لو كلفهم ذلك خسارة العلاقة نفسها. هناك من يلجأ إلى تدخل أطراف ثالثة من كبار العائلة أو الأصدقاء لحل النزاع وديًا، في حين يلجأ البعض الآخر إلى الطرق القانونية لاستعادة ماله، رغم أن ذلك قد يترك أثرًا سلبيًا يصعب محوه.

ما يجعل هذه المسألة أكثر تعقيدًا هو البعد النفسي الذي تحمله، فالإنسان حين يقرض المال يشعر أنه قدم معروفًا يستحق التقدير، وحين لا يجد مقابلًا لهذا العطاء، تتولد لديه مشاعر الغضب وخيبة الأمل. أما المدين، فقد يشعر بالإحراج أو بالعجز، وقد يتحول هذا الإحساس إلى رفض نفسي للاعتراف بالدين أو تأجيله بحجج واهية، ما يزيد من تعقيد الموقف.

الحل الأمثل لمثل هذه المشكلات يكمن في الوضوح منذ البداية. فمنح المال بين الأقارب يجب أن يكون مبنيًا على اتفاق واضح، يُحدد فيه موعد السداد والطريقة التي سيتم بها، حتى لا تبقى الأمور خاضعة للتقديرات الشخصية. كما أن من المهم أن يتحلى الطرفان بالمرونة، فالدائن لا يجب أن ينسى الظروف التي قد يمر بها المدين، والأخير عليه أن يُظهر حسن النية في السداد ولو بالتدرج.
انه السلف بين الأقارب قد يكون سلاحًا ذا حدين، فهو يعكس روح التعاون والتكافل إذا تم التعامل معه بصدق واحترام، لكنه قد يصبح مصدر خلافات عميقة إذا لم يُحسن الطرفان التصرف. لذا، يبقى الحرص على التفاهم والوضوح والالتزام هو السبيل الوحيد لتجنب المشكلات والحفاظ على روابط المحبة والتقدير بين العائلات.

#للاإيمان_الشباني (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل