أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين عفوس - الفردانية تحولنا إلى عبيد














المزيد.....

الفردانية تحولنا إلى عبيد


عزالدين عفوس

الحوار المتمدن-العدد: 8245 - 2025 / 2 / 6 - 15:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في عالم يزداد ترابطًا من الناحية التكنولوجية، يبدو أننا نبتعد أكثر فأكثر عن بعضنا البعض على المستوى الإنساني والاجتماعي، النزعة الفردية التي نعيشها اليوم أصبحت ظاهرة تهدد كيان المجتمع، فقد أصبح كل فرد يفكر في نفسه فقط، في قضاء أغراضه الشخصية، دون الاكتراث بالجماعة أو بالعمل الجماعي، هذه الفرداني المفرطة ليست مجرد تطور طبيعي للحياة العصرية، بل هي أداة خطيرة تُستخدم لتمزيق النسيج الاجتماعي، وتسهيل سيطرة الأوليغارشية العولمية والبرجوازية المتعفنة على مقدرات الشعوب.

في بداياتها، كانت الفردانية تعني الحرية، تعني حق الفرد في التعبير عن ذاته، في تحقيق أحلامه، في العيش بحسب قناعاته، لكن اليوم، تحولت هذه الفردانية إلى عزلة مفرطة، صرنا مجتمعات من الأفراد المنعزلين، كلٌ منهم يسعى وراء مصلحته الخاصة، دون أي اعتبار للمصلحة العامة، لم نعد نفكر فيما هو جماعي، لم نعد نرى أنفسنا جزءً من مجتمع كبير، بل صرنا نرى أنفسنا ككيان منفصل، وكأننا جزر منعزلة في محيط واسع.

هذه العزلة ليست بريئة، بل هي نتاج مخطط مدروس، الأوليغارشية العولمية، تلك الطبقة التي تسيطر على الاقتصاد والسلطة والإعلام والسياسة، تعمل على تعزيز هذه الفردانية وتدفعها لأبعد حدودها لتحقيق أهدافها، حين يكون كل فرد منشغلًا بنفسه، مشغولًا بقضاء حاجاته اليومية، غير قادر على التفكير في هموم المجتمع ولا العيش المشترك، يصبح من السهل تمرير القوانين والسياسات التي تكبل حريته، وتجعله مجرد ترس في آلة الإنتاج الضخمة.


في ظل هذه الفردانية المفرطة، تحول المواطنون من بشر يتمتعون بالكرامة والإرادة الحرة، إلى مجرد مسوخ تشتغل من أجل أن تأكل وتشرب فقط، لم يعد العمل وسيلة لتحقيق الذات أو المساهمة في بناء المجتمع، بل أصبح مجرد وسيلة للبقاء على قيد الحياة، فالكرامة الإنسانية، التي كانت تُعتبر قيمة عليا، صارت ترفًا لا يستطيع الجميع تحمل تكاليفه.

البرجوازية المتعفنة، تلك الطبقة التي أريد لها أن تساهم في خلق الثروة وإعادة توزيعها، لكنها أصبحت تعيش على الريع واستغلال العمال والطبقات الكادحة، تعمل على تعميق هذه الهوة، فهي تريد مواطنين ضعفاء، منشغلين بصراعاتهم اليومية، غير قادرين على التنظيم أو التفكير في التغيير، حين يكون الفرد منشغلًا بتأمين لقمة عيشه، لن يكون لديه الوقت أو الطاقة للتفكير في حقوقه، في كرامته، في مستقبله، التفكير فيما هو أكبر.


لكن كل هذا لا يعني أننا عاجزون عن التغيير. الحل يكمن في العودة إلى الجماعية، إلى فكرة أننا جزء من كل، وأن مصلحة الفرد لا يمكن أن تتحقق إلا بتحقيق المصلحة العامة، علينا أن نتعلم من جديد كيف نتعاون، كيف نتفق، كيف نفكر فيما هو أكبر من أنفسنا، كيف نفكر فيما يهم مستقبل مجتمعنا ككل.

علينا أن نعيد بناء النسيج الاجتماعي الذي تمزق بفعل الفردانية المفرطة، وهذا لا يعني التخلي عن حقوق الفرد أو حرياته في إطار قيم الجماعة طبعا، بل يعني تحقيق التوازن بين الفردي والجماعي، حين نتعلم كيف نعمل معًا، كيف ندافع عن بعضنا البعض، كيف نكون يدا واحدة، سنكون قادرين على مواجهة تلك القوى التي تسعى لاستغلالنا وتكبيلنا.

خلاصة القول أن الفردانية ليست قدرًا محتومًا، بل هي نتاج ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية يمكن تغييرها، إذا أردنا أن ننقذ مجتمعنا من الانهيار، علينا أن نعيد النظر في قيمنا الجماعية، في أولوياتنا، في طريقة تفكيرنا، علينا أن نتعلم كيف نكون أفرادًا أحرارًا، ولكن في إطار مجتمعي يعترف بالكرامة الإنسانية، ويعمل من أجل الصالح العام.

فهل نستطيع أن نغير مسارنا قبل فوات الأوان؟



#عزالدين_عفوس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقييم مشروع مدارس الريادة: التحديات والفرص في إصلاح التعليم ...
- مواقع التواصل الاجتماعي وحياة الزيف
- النظام الأساسي لموظفي التعليم وعبث الحكومة
- قراءة في تحولات أنماط التدين
- الوعاظ والمثقفون وسياسة الإلهاء
- من سيطعم 8 مليارات نسمة؟
- ال -في إطار...-
- الكون 25 وفناء مجتمع الوفرة
- من جوع وعطش المغاربة
- مجتمع الفرجة
- البوز ونشر قيمة الغش
- فخاخ التنمية
- حالة الطوارئ نمط حكم جديد
- الحرب والوباء وإعادة الضبط
- حوار هادئ حول أدلة فعالية اللقاحات
- كورونا وزمن الانتكاسات
- العنف والتضحية
- الشباب المغربي والمشاركة المدنية
- الإسلام والحداثة


المزيد.....




- إعلام إيراني: إسرائيل تهاجم مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الر ...
- زيلينسكي يعول على حزمة أسلحة أمريكية موعودة لأوكرانيا
- مصر تحذر من استمرار التصعيد الإسرائيلي الإيراني على أمن المن ...
- لحظة استهداف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية (فيديوها ...
- لقطات من داخل مستشفى الفارابي بمدينة كرمنشاه غربي إيران عقب ...
- ترامب: الأمر مؤلم لكلا الطرفين.. إيران لن تنتصر بالحرب على ا ...
- هل مقعد 11a هو الأكثر أماناً على الطائرات؟
- نتنياهو: إسرائيل على طريق النصر وعلى سكان طهران إخلاء المدين ...
- -سي إن إن-: ترامب يتجنب المواجهة مع إيران لكن الجمهوريين يحث ...
- قتلى وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزي ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين عفوس - الفردانية تحولنا إلى عبيد