|
أكذوبة الوحدة الإبراهيمية: حول الفرق بين إبراهيم التوراتي وإبراهيم القرآني والثالث في المسيحية
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 8241 - 2025 / 2 / 2 - 14:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أكذوبة الوحدة الإبراهيمية: حول الفرق بين إبراهيم التوراتي وإبراهيم القرآني والثالث في المسيحية وتلفيقات الإبراهيميين الصهاينة ومنهم التطبيعيون العرب: يناقش المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي قضية مهمة جدا في مقالته الجديدة وفيها يفند الأكاذيب والتلفيقات التي دأب عليها الإبراهيميون الصهاينة الترامبيون ومن ضمنهم التطبيعيون العرب في محميات الخليج والمغرب الأقصى. الإبراهيميون الترامبيون يحاولون خداع الناس بتقديم ما يشبه دينا جديدا مركبا من ثلاث ديانات هي اليهودية والمسيحية والإسلام بوصفها ديانات متطابقة تماما، ولا فرق بينها، ومن الضروري لمعتنقي هذه الديانات أن يقوموا بمصالحة تاريخية تهدف إلى إقامة "السلام" والوحدة الإبراهيمية لأن إبراهيم هو أبو الأنبياء كما يكنى غالبا. أما الهدف الحقيقي من هذه المحاولة هو دمج الكيان الصهيوني الذي أقامه الغرب الاستعماري على أرض فلسطين وهجر شعبها، دمجه في المنطقة وتسويغ الاعتراف به والشطب على القضية الفلسطينية ومحوها نهائيا.. هي إذن إبراهيمية ترامبية تضم جميع شذاذ الآفاق وحكام المحميات النفطية والعاهات الليبرالية السياسية ولكنها محرمة فقط على الشعب الفلسطيني! والواقع، وبغض النظر عن القراءات الدينية المختلفة والتي تحتكم إلى الغيبيات لا إلى العلم الذي لم يؤكد بالدليل الأركيولوجي الملموس وجوداً تأريخيا لأي من أنبياء التوراة بمن فيهم إبراهيم، فإن هذه الديانات اليهمسلامية الثلاث موحدة فعلا من حيث إنها ديانات توحيدية سماوية تؤمن بإله واحد، ولكنها مختلفة إلى درجة التعارض من حيث التفاصيل والأركان بل وحتى في مسألة التوحيد ذاتها والتي تصطدم لدى المسلمين مع عقيدة التثليث في "المسيحيات" المتأخرة. يكشف الخالدي بالتوثيق الدقيق من التوراة والقرآن زيف التلفيق الإبراهيمي المعاصر، وأن إبراهيم التوراتي (إبراهيم في القراءة التوراتية) يختلف تماما عن إبراهيم القرآني. إن الإبراهيمية الترامبية المعاصرة كما يصفها الخالدي هي: "بدعة علمانية سياسية حديثة العهد اختلقتها إسرائيل ستاراً ومسوّغاً لنزع المِلكية الإسلامية العربية عن كامل تراب فلسطين ولضم الضفة والقدس الشريفة إليها والحيلولة دون قيام دولة فلسطينية عليهما وذلك عن طريق اعتراف الدول الإسلامية والعربية السنّية بالوضع الراهن القائم حالياً على القسر والقهر وعلى السيادة الإسرائيلية المطلقة عل البلاد بما فيها مقدساتها الإسلامية، بحجة أن إبراهيم عليه السلام إنما هو الأب الروحي للديانتين الذي وهبه الله وذريتَه اليعقوبية في التوراة الحقَ الأبديّ بامتلاك أرض كنعان بكاملها جيلاً بعد جيل". لنحاول أن نبرز هنا الفروق الكبيرة بين الروايتين التوراتية والقران والثالثة المسيحية عبر خلاصات من مقالة الخالدي: *تقتبس الكاتب من التوراة (التكوين الإصحاح 17: 1-8) العهد الإلهي لإبراهيم "وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرضَ غربتِك كلَ أرضِ كنعان ملكاً لهم وأكون إلههم» ثم يقتبس ربط الوعد بالإختتان "فالذي لا يخُتَتن في لحم غرلته، فتقطّع تلك النفسُ من شعبها أنه قد نكث عهدي" *ثم يستعرض الكاتب الرواية القرآنية للعهد فيكتب: "العهد الذي عُقد بين الله سبحانه وبين إبراهيم عليه السلام فتختلف كل الاختلاف روحاً ومضموناً عن الرواية التوراتية لهذا العهد، ذلك أن القرآن يروي أن هذا العهد عُقد قبل انتقال إبراهيم إلى فلسطين، ولا ذكر فيه لا من قريب، ولا من بعيد، لتملك لفلسطين المشروط باختتان إبراهيم". *نلاحظ هنا أن حوار إبراهيم مع ربه الذي ينقله لنا القرآن كان بخصوص قضايا إيمانية عقائدية لا علاقة لها بتوزيع الأوطان والأراضي. ويأتي الخالدي بهذه الأمثلة من القرآن: *خاطــب إبراهــيمُ ربَــه قائــلاً: «رب اجعلنــي مقيــم الصلاة ومــن ذريتي ربنــا وتقبّل دعــاءِ» (إبراهيم 40) وقال «ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب» (إبراهيم 41) وقال «واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمّة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا» (البقرة 128) وقال «رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام» (إبراهيم 35).. *ثم يستعرض الكاتب الاختلافات والتعارضات بين التوراة والقرآن الكريم حول روايتي الكتابين حول ابن إبراهيم البكر إسماعيل، وهو أمرٌ لا يقلّ خطورةٍ لكون إسماعيل في الرواية الإسلامية جدَ العرب الأكبر وجدَ رسولِ الله وأولَ من تعلّم العربية التي أُنزل القرآن بها: «إنّا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون» (الزخرف 3) وغيرها من الآيات. معلوم أن القرآن الكريم أثبت كون إسماعيل وإسحاق ولدي إبراهيم كما تفيد الآيات الواردة في سورة الصافات عند قصة إبراهيم، وبناء عليه فإن إسحاق هو والد يعقوب "الملقب بإسرائيل". وفي التفاسير القرآنية فإن الذبيح هو إسماعيل – مع بعض الخلافات التي تذهب إلى عكس ذلك لدى بعض المفسرين القدماء- أما في التوراة فالذبيح هو إسحق. وتروي التوراةُ (التكوين 9:16 ) أنه عندما أصرّت سارة على زوجها إبراهيم إقصاء هاجر والدة إسماعيل، كانت هاجر لا تزال حاملةً لإسماعيل، فظهر لهاجر ملاكٌ في الطريق عبر البرّية عند نبع شور، وأقنعها الملاكُ بالعودة إلى سيدتها هاجر حيث ولدت إسماعيل الذي نشأ في كنف والده حتى بلغ سن الثالثة عشر عندما اختتنه والدُه، أما شور هذه، فتقع في جنوب فلسطين بحسب التوراة وهي في الحجاز بحسب القرآن. *والملفت أن التوراة تضيف أن الملاك الذي أقنــع هاجــر بالعودة إلــى ســارة أنبأهـــا في آن بــأن إسـماعيل سـيكون "حماراً وحشياً، يدُه على كلِ واحدٍ ويدُ كلِ واحدٍ عليه"(التكوين 12:16). ولا تلبث التوراة في السِفر ذاته إلّا أن تروي عن هاجر وإسماعيل رواية مناقضة كليّاً عما أسلفت للتوّ فحواها أن إبراهيم عقب إذعانه لإصرار سارة على طرد هاجر وطفلها "بكّر صباحاً وأخذ خبزاً وقربةَ ماءٍ أعطاهما لهاجر واضعاً على كتفها الولد وصرفها". وأن هاجــر هامـــت لوحدهـــا على وجههــا دون مصاحبـة إبراهــيم في صحـارى بئـر السـبع (جنوب فلسطين) وأنه عندما نفذ ما تحمله من ماء رفعت صوتَها وبكت فسمع اللهُ صوتَ الغلام ونادى ملاكُ الله هاجرَ من السماء وطمأنَها أنه سيجعل ابنَها أمّةً عظيمة فأبصرت بئر ماء، فنشأ الطفل في برّية سيناء. *وتختلف هذه الرواية التوراتية عن طفولة إسماعيل ونشأته كل الاختلاف عن الرواية الإسلامية، ففي الأخيرة يذعن إبراهيم لإصرار سارة على إقصاء الطفل الرضيع إسماعيل بعد أن أمره الله بذلك، ويقطع الصحارى معهما، ويترك هاجر والطفل في مكان مقفر عند جبال مكة في الحجاز، ولم يكن بمكة في حينه أحد وليس في صحراء سيناء. *أما المسيحية وهي الطرف الثالث في حلف إبراهيمي ثلاثي روحي مسكوني يجمع بين الديانات الثلاث وأن «قابلته» إن هو إلّا دونالد ترامب إياه، فهذه حقاً مهزلة المهازل، إذ إن البعد الروحي أبعد الأبعاد عن ذهنيّة صاحب الصفقات العقارية وملاعب الغولف وناطحات السحاب، ومُخرِجَا الإبراهيمية الثلاثية الأصيلين بنيامين نتنياهو وحليفُه الخليجي إيّاه أدركا ذلك مبكّراً إدراك اليقين وعرفا السبيل الناجز إلى دوافع القابع في كهفه الأبيض ومآربه. *نقطة مهمة أخرى يتوقف عندها المؤرخ الخالدي وهي إذا كانت التوراة تشترط لصحة الإيمان اليهودي الاختتان فإن المسيحية، وعلى لسان بولس الرسول، تنفي ذلك تماما وفي التفاصيل يقول المؤرخ: "إذ يؤكد بولس الرسول أن إبراهيم عليه السلام اعتُبر مؤمناً قبل اختتانه وأن "اليهوديّ في الظاهر ليس هو يهودياً ولا الختان الذي في الظاهر في اللّحم ختاناً، بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان الذي مدحُه ليس من الناس بل من الله"، رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية (2: 28 - 29). وبالتالي فلا توجد قاعدة ثلاثية حكماً بين الديانات الثلاث حول إبراهيم.
*رابط يحيل إلى النص الكامل لمقالة المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي: https://al-akhbar.com/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7%20%D9%88%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/821609/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%AF%D8%B9%D8%A9-%D9%88%D8%AE%D8%AF%D8%B9%D8%A9-%D9%88%D8%B2%D9%8A%D9%81?fbclid=IwY2xjawIMHltleHRuA2FlbQIxMAABHSaqu8q4Cic1XDmJ-NWfeQWMZyX3m_DOWLErAHwvuJn4FNICivGEQPMUGQ_aem_fu4KWYEyerx7VgHYgQOsrw
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثلاثة قوانين في سلة برلمانية واحدة نصب واحتيال
-
رجل السلام يهدد بإحراق العالم وعلاجه الوحيد المقاومة
-
التطبيع مع الطائفية السياسية كالتطبيع مع الصهيونية
-
العدو لم ينتصر والمقاومة لم تُهزم
-
الطائفي المقنع أخطر من الطائفي الصريح!
-
صعود الهويات الفرعية الطائفية في ظل الهيمنة الغربية
-
زنوبيا في المصادر التأريخية القديمة والأدلة الأركيولوجية
-
العلم السوري في مراحله التأريخية وتحولاته الثمانية
-
يزورون الجولاني بوفد حكومي ثم يعتبرون زيارته وصمة عار!
-
الحدث السوري: حين يتحول الباحث الرصين إلى محرض بائس!
-
رداً على مزاعم الجولاني في لقائه مع (بي بي سي)
-
أبو محمد الجولاني -أحمد الشرع- في سطور: قتال العراقيين زعيما
...
-
الحدث السوري في سياقاته التأريخية: فلسطين قدر سوريا!
-
الحدث السوري والأمل أقوى
-
قائد معارض سوري مسلح: نسعى إلى السلام مع إسرائيل وممتنون لها
-
ترامب؛ ملاكُ سلامٍ في أوكرانيا وشيطانُ جحيمٍ في فلسطين!
-
البلدوزر الصهيوأميركي قادم على الجميع: إسرائيل تلوح باحتلال
...
-
استشهاد نصر الله وقيادات المقاومة والخرق الأمني المعادي
-
حول الاعتراض على عبارة -المعارضة السورية المسلحة-
-
لماذا حدث ما حدث في شمال سورية؟
المزيد.....
-
تحليل.. قطر تعمل كأمم متحدة مصغرة.. وترامب يتمنى أن تكون أمر
...
-
مديرية أمن طرابلس تعلن إعادة فتح الطرق المغلقة (فيديو+صور)
-
بوتين يحدد أهداف الكرملين في حرب أوكرانيا: القضاء على أسباب
...
-
كشمير: عودة سكان القرى الحدودية إلى بيوتهم المدمرة بعد الاشت
...
-
مخيم اليرموك: عاصمة الشتات الفلسطيني تنهض من بين الركام ودون
...
-
مصرع 17 شخصا بينهم أطفال في حريق مروع بمدينة حيدر أباد الهند
...
-
ليبيا.. عصيان للطلبة حتى انسحاب المسلحين من محيط جامعة طرابل
...
-
النيجر تستعد لاستقبال 4 آلاف مهاجر مرحلين من الجزائر
-
الرئاسة اللبنانية توضح حقيقة لقاء عون وزعيم دروز إسرائيل (صو
...
-
ثوران بركان -كيلاويا- في هاواي
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|