أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الخطاب الشعبوي كردياً: محاكاة ومحاكمات















المزيد.....

الخطاب الشعبوي كردياً: محاكاة ومحاكمات


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8201 - 2024 / 12 / 24 - 01:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران، وتركيا، برزت ثقافة الشعبوية وتفاعلاتها كظاهرة تحمل وجهين: الأول يلامس تطلعات الشعب، والآخر يوظَّف لاستثمار تلك التطلعات لأغراض قصيرة الأمد.
الشعبوية: تعريف ومقارنة
وللتمييز بين “الشعبي” و”الشعبوي”، يجب إدراك الفرق الأساسي. الخطاب الشعبي ينطلق من عمق احتياجات الناس وهمومهم الحقيقية، ويعبر عن تطلعاتهم بصدق. أما الخطاب الشعبوي، فهو محاكاة لتلك الاحتياجات، ولكنه يفتقر إلى الجوهر. لأن الشعبوية لا تعكس بالضرورة رؤية استراتيجية أو فهمًا عميقًا للواقع، بل تسعى لجذب الانتباه من خلال شعارات رنانة تخاطب العواطف دون تقديم حلول مستدامة. وللأسف، فإن توظيفات الشعبوية في كردستان سوريا، لم تعد مجرد ظاهرة عرضية، بل هي نتيجة طبيعية للظروف التي تراكمت عبر عقود من الاستبداد و الحرب، الحصار. التغيير الديمغرافي المتسارع، التهجير القسري، وغياب الاستقرار السياسي كل هذه العوامل أسهمت في جعل هذا النوع من الخطاب أكثر حضوراً. لكنه خطاب يحتاج إلى محاكمة دقيقة، خاصة عندما يبتعد عن تقديم أي قيمة فعلية تسهم في حل معضلات الواقع.
بين الشعارات الكبيرة والعقلانية
شهدت الساحة الكردية أصواتاً كانت ترفع شعارات كبرى، تدعو إلى تحقيق العدالة، الحرية، وحتى حق تقرير المصير أو الاستقلال. هذه الشعارات، على الرغم من طبيعتها المشروعة، جاءت غالباً من خارج دائرة المخاطر، حيث أطلقها أشخاص جريئون أو من يتواجدون في أماكن آمنة بعيداً عن تداعيات الظرف الزماني والمكاني. في الوقت ذاته، كانت هناك موجة من التخوين والتشويه لكل من اختلف مع هذا الطرح أو ذاك. مع مرور الوقت، انحسرت تلك الأصوات العالية، أو ربما خفتت تحت وطأة التحديات الجديدة. فبرزت أصوات عقلانية تدعو إلى دراسة الواقع بعناية قبل تقديم أي طروحات. لكن هذا التحول لا يعني بالضرورة أن الشعارات الكبيرة كانت خاطئة أو أن الدعوات العقلانية مصيبة. هناك دائماً ثمة توازن يجب تحقيقه بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي.
دور المثقف: الكلمة بين الاستراتيجية والتكتيك
على المثقف الكردي أن يحدد موقفه بعيداً عن الشعبوية، وأن يطرح رؤيته في أقصى درجات الجرأة والوضوح. المثقف الحقيقي يجب ألا يخضع لسطوة ما هو شعبي، بل عليه أن يوجه هذا الطرح بما يخدم القضية العامة. إذ إنه بعد سقوط الأنظمة المستبدة أو انحسارها، تتبدل المواقف. وقد وجد بعض أصحاب الشعارات الكبيرة أنفسهم وهم يقبلون بالأمر الواقع، فيما انخرط آخرون في إنتاج خطاب شعبوي- في حدود الخطاب، فحسب، كاجترار لأحد وجهي الأطروحتين المتباينتين- يناسب ما يعتقدون أنه يضمن لهم موقعاً في المستقبل.
هذا الخطاب الجديد لا يخلو من محاولات لتكريس آراء أحادية، أو توجيه الجماهير نحو تصورات مشوهة، تفتقر إلى العمق والتحليل. ومع ذلك، فلا يزال هناك مناضلون حقيقيون، سواء ضمن الأحزاب أو كأفراد، يمتلكون رؤية واضحة، لكن أصواتهم غالباً ما تتلاشى أمام هدير الشعبوية.
الشعبوية كأداة: بين الخديعة وقلب الحقائق
لابد من الإشارة أنه في عالم السياسة الكردية، باتت الشعبوية أداة تُستخدم للخديعة، لقلب الحقائق، ولتثبيت واقع جديد يخدم مصالح شخصية أو حزبية. هذا النهج، يشبه في بعض جوانبه، أسلوب “خيمة القذافي”، حيث تُرفع الشعارات لتضليل الجماهير لا لتنويرها. لكن الخطر الحقيقي في هذا السياق يكمن في تحوّل الشعبوية إلى معيار يقود العمل السياسي والثقافي، متجاوزة كل القيم والمبادئ التي تمثل جوهر القضية الكردية.
شبكات التواصل واستثارة المشاعر:
وإنه مع توسع وسائل الإعلام الحديثة، ولا سيما شبكات التواصل الاجتماعي، فقد وجدت الشعبوية أرضاً خصبة لتزدهر، متجاوزةً كل الحواجز التقليدية التي كانت تفرضها وسائل الإعلام الكلاسيكية. إذ أصبحت هذه المنصات، بأدواتها السريعة والمؤثرة، أداة قوية لنشر خطابات تركز على استثارة المشاعر أكثر من مخاطبة العقل. فلم يعد من الضروري أن يكون الخطاب عميقاً أو مبنياً على تحليل واقعي، بل بات كافياً أن يعتمد على شعارات جذابة، أو صور مبهرة، ليحظى بانتشار واسع بين الجمهور، من دون أن ننسى وجود أصوات جادة، قد لايكون لها حضورها اللافت.!؟
في السياق الكردي، تسللت الشعبوية إلى هذه المساحات لتُعزز رؤى ضيقة تُلغي التنوع وتهمش الأهداف الكبرى، محولة القضية القومية إلى مادة دعائية تخدم مصالح فردية أو حزبية. وبالرغم من أن هذه المنصات قد تكون وسيلة لنشر الوعي والنضال الثقافي، إلا أن الشعبوية نجحت في تطويع أكثرها لصالحها، حيث تم توجيه الجماهير نحو أفكار سطحية ومضللة. فقد أضحى التفاعل عبر الإعجابات والمشاركات مقياساً زائفاً للنجاح، بينما تراجعت قيمة المحتوى المدروس والواعي.
هذا الاستفحال للشعبوية عبر الإعلام الحديث خلق تحديات كبيرة أمام الحركات النضالية الأصيلة، إذ باتت أصوات الحق والعقل تُدفن تحت ضجيج الشعارات الفارغة، ما زاد من تعقيد المشهد الكردي وعمّق الانقسامات، وترك أثراً عميقاً في إدراك الجماهير للقضايا المصيرية.
الخطاب الكردي بين التحديات والآفاق
من المهم إدراك أن القضية الكردية لا يمكن اختصارها في شعارات سطحية، بل تتطلب خطاباً مدروساً يتماشى مع الواقع ويحافظ على التوازن بين الطموحات القومية والظروف الدولية والإقليمية. فلا يمكن بناء رؤية سياسية على أساس ترديد شعارات لا تأخذ في الحسبان تعقيدات المرحلة، أو على أساس مقاربات عقلانية باردة تفقد روحها الثورية، مع التركيز- مرة أخرى- أن هناك وطناً اسمه كردستان وهو مقسم بين أربعة أجزاء، وهذا ما يجب ألا يغفله أحد في أي بازار، أمام أية سلطة أو سطوة أو تكتيك، إلا أن متطلبات العيش المشترك تحتم لدى العقلاء ترجيح هذا الموقف أو غيره، ضمن سياقه الزماني، بعيداً عما هو شعبوي، بل إن الرأي العقلاني هو الأكثرعرضة للطعن، في مواجهة الموقف المدغدغ للأحاسيس، بعيداً عن متطلبات الواقع.
وفي المحصلة، فإن الشعبوية ليست قدراً محتوماً. فالمثقف والسياسي على حد سواء مسؤولان عن صياغة خطاب واع ومسؤول يستند إلى عمق التجربة الكردية، ويمتد ليشمل مآسي الحاضر وآمال المستقبل. لأن الشعبوية قد توفر زخمًا آنيًا، لكنها لن تبني وطناً أو تحقق استقلالاً. وأنه- فقط- بالعمل الواعي والتكامل بين الشعبي والعقلاني يمكن للأمة الكردية أن تنبعث من تحت” جمر “الواقع، وأن تحقق أهدافها الكبرى.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في شؤون وشجون “الموفد الكردي” الموحد إلى دمشق
- الدكتور محمد فتحي راشد الحريري: مسيرة علم وأخلاق وحياة خالدة
- آن الأوان لعودة- ب ك ك- إلى ساحته
- الثقافة الكردية في سوريا الجديدة نحو الاعتراف القانوني
- سقوط القيم والأخلاق قبل سقوط النظام بشار الأسد أنموذجاً للخس ...
- مفارقات العقل الأحادي: قراءة في الموقف من الكرد وقضاياهم
- دمشق وقامشلي: من الأولى بمبادرة احتضان الأخرى؟
- الاستبداد والاستبدال: رؤية لما بعد نظام الأسد!
- الكرد من أوائل مؤسسي و بناة سوريا: لماذا يتم تغييب دورهم؟
- الرئيس المخلوع: بين جبن الطغاة وبذخ العروش
- تقرير -قيصر- ودوره في فضح انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا
- سجون سوريا: الداخل مفقود وهل من أحد يخرج منها؟.. سجن صيدنايا ...
- الهندسة المعمارية لسجن صيدنايا: البناء، الزنازين، والطوابق ا ...
- تنويه واعتذار من إبراهيم اليوسف
- سايكولوجيا الجلاد: في استقراء نفسية مرتكبي التعذيب والجرائم ...
- لا تكن رئيساً دكتاتوراً لئلا يُداس ضريحك!
- تجريم ب ي د وتكريم فروع القاعدة:ازدواجية المعايير في المشهد ...
- من أوصل بشار الأسد إلى هذا المصير الأسود؟
- مهجرون أم رهائن: لماذا يمنع عودة كرد عفرين المهجرين؟
- شجاعة الكتابة في زمن الفوضى: بين وضوح الرؤية وتحديات المجهول


المزيد.....




- بدء هجوم صاروخي إيراني واسع على إسرائيل الآن وصفارات الإنذار ...
- لقطات فيديو لسقوط صواريخ إيرانية على مناطق متفرقة في إسرائيل ...
- يديعوت أحرنوت: هجوم إيراني جديد بالطائرات المسيرة من المناطق ...
- مباشر: موجات متتالية من القصف والصواريخ بين إسرائيل وإيران ت ...
- التصعيد الإيراني الإسرائيلي يسيطر على أجواء قمة مجموعة السبع ...
- كيف رد ترامب على سؤال حول ما إذا كان سيتدخل في نزاع إسرائيل ...
- وزراء خارجية الخليج يبحثون الهجمات الإسرائيلية على إيران
- الصحة الإيرانية تعلن ارتفاع عدد القتلى جراء الهجمات الإسرائي ...
- ترامب يتوجه إلى قمة مجموعة السبع في كندا مع توقعاته بتوقيع ا ...
- -القناة 14- العبرية: انتشال جثمانين آخرين من تحت الأنقاض في ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الخطاب الشعبوي كردياً: محاكاة ومحاكمات