أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - سارقو الثورات والثروات














المزيد.....

سارقو الثورات والثروات


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8192 - 2024 / 12 / 15 - 09:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


Facebook: @NaootOfficial

الثوراتُ أنشودةُ الشعوب الصادحةُ في وجه الظلم والظلام؛ طلبًا للخلاص والحرية من الاستعباد والقهر والطغيان. لكنها مع ذلك، وكأي قصيدة مُغنّاة، قد تسقطُ على عيون عمياءَ لا تجيدُ قراءةَ الشِّعر؛ فتعمد إلى إساءة تأويل المعانى، أو تصادف آذانًا صمّاءَ لا تجيدُ تمييز النغم، فتتعمّد تشويه الإيقاع ليتحوّل إلى نشاز وضجيج.
وصدق "أبو القاسم" إذ يقول: “إذا الشعبُ يومًا أراد الحياة/ فلابد أن يستجيبَ القَدَر"، فإذا استجاب القدرُ وتكللت مساعي الثوار بالنجاح، وسقط الظلمُ مع سقوط الطُغاة، ودنتِ الثمارُ شهيةً لا تحقُّ إلا لمُستحقيها، تهافت نحوها غيرُ المستحقين يرومون قِطافًا. هنا تبرزُ أنيابُ الخطر تحيق بالثورات الشريفة، يحاولُ اختطافَها طامعون وطغاةٌ جددٌ يتدثرون بعباءة الشعب الثائر المستحق للحرية؛ فتتحورُ الثورةُ النبيلةُ من شريان نابضٍ يخفقُ بالحياة، إلى فخٍّ وفكٍّ غليظ يُطبقُ أنيابَه الحادة على خاصرة الحلم، فيهشّم مفاصله! تكرّر هذا السيناريو المقيتُ مع جميع ثورات التاريخ؛ حين تبرزُ من الظلام وجوهٌ شائهة يهرعون نحو ثمار الثورة اليانعة، لا بقلوب المؤمنين بالحريّة والعدالة، بل بعيون الطامعين وأنياب المُستغل. هم كما الخفافيش العمياء، تتربّص بفراشات ملونة، يُغريها الضوءُ ثم لا تلبث أن تجد أجنحتها مكبّلةً بظلال الظلام.
ليس الأمسُ ببعيد. مشاهدُ اختلاس الثورات وسرقة الثروات، شهدناها نحن الأحياء في نهارات قريبة مازالت ساطعة في ذاكرتنا، في بلادنا وبلاد من حولنا، أو قرأناها في كتاب التاريخ خَطّته دماءُ أجيال سابقة. يعيدُ التاريخُ نفسَه لأن لا جديدَ تحت الشمس. يقومُ المثقفون وشرفاءُ الوطن الرافضون غيومَ الظلام بالثورات النبيلة، وتُهرقُ الدماءُ الطهورُ وتُزهقُ الأرواحُ الطيبةُ ثمنًا للحرية، فإذا ما أشرق فجرُ الحرية وأزهرتِ الزهورُ على جنبات الوطن، انقضت على الإشراق طفيلياتُ التيارات المتطرفة تستغل تداعياتِ الثورة وفوضى الحدث، فتبعثرُ أبجدياتِ الحلم لتعيد تشكيلَه بما يخدم مطامعها، بل وقد تفتحُ الأبوابَ مُشرعةً لدخول الأعداء التاريخيين الذين هرموا وهرمت أحقادُهم أمام الأبواب الموصدة. أولئك الطامعون القافزون على صهوات ثورات الشعوب، لا يقرؤون الثورةَ كدعوة للعدل والحق والخير والجمال، بل كفرصة لتكريس أركان استبداد آخر، مغلفٍ بشعارات جوفاء ووعود كذوب، أبدًا لا تتحقق. يتوسّلون سياسة بني صهيون الشهيرة في الزحف البطيئ نحو الهدف الاستيطاني. في البدء يسيرون بخطوات هادئة ووجوه بشوشة تطفر بالبشر والسماحة، وكأنما هم جزءٌ من الحلم النبيل، حتى يزرعوا أقدامهم في قلب المشهد، فيخرجون نحو النور مع الخارجين من الجماهير الطيبة، فإذا ما اندمجوا في النسيج الثائر، سقطت الأقنعة وشاهت الوجوه وانفضحت الأرواح الباغضة، التي تُحوّلُ الظلمَ القديم إلى ظلم جديد، وتستبدل بالظلام الغابر ظلامًا أوغلَ إعتامًا.
لصوصُ الثورات مَهرةٌ في وظيفتهم، يعرفون جيدًا كيف يسرقون الأصوات مثلما يسرقون الثروات. يدركون كيف يضبطون أوتار حناجرهم على إيقاع النشيد الجماهيري النبيل؛ بعدما يخبئون داخله صدى أيديولوجياتهم الإقصائية الاستعبادية. وحالما تحين لحظة التمكين وينالون فرصة الإمساك بمقاليد الأمور، يتحولون إلى قضبان أخرى، ليست من الحديد والفولاذ كما السابق، بل من أعمدة الظلام المعتم تُحاصر الكرامة وتسجن الحرية التي ولدت من رحم الثورة. الخطورة الكبرى ليست وحسب في سرقة الثورة، واستراق صوت الحُلم النبيل، بل يكمنُ الهولُ العظيم في تفتيت الجسد الذي أشعل الثورة وشيّد الحُلم.
لصوصُ الثورات يعرفون جيدًا كيف يزرعون بين الناس شتاتًا، ويفككون الكتل المتضامّة إلى شيعٍ ومذاهبَ وطوائف متناحرة متباغضة كما خلايا مسرطنة في جثمان عليل يأكلُ بعضُه بعضًا، بعدما كان جسدًا واحدًا صلبًا يقفُ ممشوقًا في وجه الظلم والطغيان. ذاك أنهم يجيدون غرس بذور الريبة والشك بين الناس حتى تطرح مع الأيام أشجار الشر المحمّلة بحناظل البغضاء والارتياب والعداوة. فما كان صرخة واحدة قوية في وجه الظلم، يتفتّت إلى حشرجات عليلة لجسد متهافت يهاجم نفسه بنفسه فيما يشبه التدمير الذاتي.
تلك التيارات المتطرفة لم تولد من متون الثورة، ولا أنجبتها لحظاتُ الفوضى التي عادةً ما تصاحب الثورات النبيلة، بل هي موجودة منذ البدء، كما الذئب الذي يدّعي الخمولَ حتى تحين لحظة الانقضاض على الطريدة. فهي تعدُّ العدة في الخفاء طوال الوقت، تمتلك المال والسلاح والجهات الداعمة، ولديها العقول التي ترسم الخطط والحناجر التي تتقن دبج الشعارات الرنانة التي تُسفر دائمًا عن صفر كبير خاوٍ لا صدق فيه. تلك الفصائل تعرف متى تختبئ وتندسُّ في متون العتمة، ومتى تخرج إلى براح الضوء لتعلن عن نفسها في الوقت المناسب. تعرفُ كيف تخاطبُ البسطاء بلغتهم وكيف تلوّح لهم بأحلام لن ترى النور أبدًا.
أيها الثوارُ الشرفاءُ في كل مكان: احذروا لصوصَ الأحلام سارقي الأوطان.
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- “الملحد-… مغالطة: “الكتابُ يُقرأ من عنوانه-!!!!
- إشراقة -الأكسجين- في صالون -وسيم السيسي-
- خيال … -صلاح دياب-
- -نجم- … في قاعة -إيوارت-
- -دولة الأوبرا- … منارةُ البهاء
- المحبة التي لا تسقط … في -أروم-
- كتابايَ الجديدان … و حدوتةُ الحاج -مدبولي- (١)
- حدوتةُ الحاج -مدبولي- (٢)
- -غيَّروا وجه التاريخ-… بينهم المصريان: “نجيب ونوال-
- اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
- الدوجمائيُّ … ومعركةُ التقاويم!!
- -أوديب- … وقد غادر الطائرة
- الثعبانُ والعقربُ … الراهبُ والمؤمن
- ٧ شمعات … يا -كاريزما-
- -كيميت-... تُحيِّي القانونَ في عيده
- رفعت عيني للسما
- رحلةُ العائلة المقدسة … و-الوعي الشعبي-
- -فيروز-… عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم
- المُلحد … الشيطان!!
- قشرة البندق!


المزيد.....




- الصفقات المالية الرقمية المعاصرة: آفاق جديدة للابتكار في الق ...
- جمهورية موردوفيا الروسية: قرابة نصف تجارتنا هي مع الدول الإس ...
- أخر تحديث لـ تردد قناة طيور الجنة للاطفال TOYOUR EL-JANAH TV ...
- الصفقات المالية الرقمية المعاصرة: آفاق جديدة للابتكار في الق ...
- إصابة مواطن جراء اعتداء قوات الاحتلال عليه في سلفيت
- مجموعة من اليهود الحريديم تهاجم بن غفير بسبب -العلم الفلسطين ...
- موريتانيا.. فتوى تحرم الدجاج المستورد من الصين
- هتفرّح أولادك كل ثانية حدثها اللآن.. قناة طيور الجنة تعود بت ...
- ثبت الان تردد قناة طيور الجنة على جميع الأقمار الصناعية وتاب ...
- العميد فدوي: القوة العسكرية للثورة الاسلامية، هي خارج نطاق ت ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - سارقو الثورات والثروات