|
حول المسألة الأساسية للفلسفة وأحداث الحاضر
خليل اندراوس
الحوار المتمدن-العدد: 8176 - 2024 / 11 / 29 - 17:13
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تدرس الفلسفة الماركسية كأي علم آخر موضوعا محددا. وقبل التحدث عن هذا الموضوع نتناول المسائل التي تعالجها كل الفلسفات، وليس الفلسفة الماركسية وحدها. وأهم هذه المسائل المسألة الأساسية للفلسفة.
لذلك كي نستطيع تصنيف الفلسفة لا بد لنا من طرح المسألة الأساسية في الفلسفة وهي: مسألة العلاقة بين الفكر والواقع والتي تتناول مسألة الحقيقة الناشئة عن تطابق الفكر والواقع المادي. حول هذه المسالة انقسم الفلاسفة التقليديون الى معسكرين: المعسكر المثالي والمعسكر المادي.
الفلسفة علم من أقدم العلوم وشهد التاريخ كثيرا من مختلف المدارس الفلسفية التي ظهرت في مختلف الظروف التاريخية في مختلف البلدان ووضعها ممثلو مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية.
والفلسفة هي دراسة الواقع والوجود، ودراسة ما يمكن معرفته والسلوك السوي من السلوك الخاطئ.
ومُفردة فلسفة مصدرها اللغة الاغريقية وتعني " حب المعرفة" وهي بالتالي واحدة من أهم مجالات الفكر الإنساني في تطلعه للوصول الى معنى الحياة وتطورها ورؤية ملامح المستقبل، والوصول الى الحقيقة المطلقة.
وهنا أذكر بأن منظمة اليونيسكو اعتمدت في 19 تشرين الثاني عام 2002 اليوم العالمي للفلسفة على أمل تحقيق الغايات التالية:
*تجديد الالتزام الوطني ودون الإقليمي والإقليمي والعالمي بدعم الفلسفة.
*تشجيع التحليلات والبحوث والدراسات الفلسفية لأهم القضايا المعاصرة من أجل الاستجابة على خير وجه للتحديات المطروحة اليوم على البشرية.
*توعية الرأي العام بأهمية الفلسفة وبأهمية استخدامها نقديا لدى معالجة الخيارات التي تطرحها آثار العولمة أو دخول عصر الحداثة على العديد من المجتمعات.
*الوقوف على حالة تعليم الفلسفة في العالم مع التركيز بوجه خاص على عدم تكافؤ فرص الانتفاع بهذا التعليم.
*التأكيد على أهمية تعميم الفلسفة في صفوف الأجيال المُقبلة. وكاتب هذه السطور يؤكد على أهمية دراسة وتعميم الفلسفة الماركسية في صفوف الأجيال القادمة وفي صفوف الطبقة العاملة، لان من خلال معرفة وممارسة هذه الفلسفة نستطيع بناء مجتمع المستقبل، مجتمع حرية الانسان والإنسانية.
وهنا اذكر بأن قدماء الاغريق كان بينهم أعظم من عرف التاريخ من مفكرين. وهؤلاء أكدوا بأن الفلسفة حب المعرفة. ذاك هو المعنى الدقيق لكلمة فيلوسوفيا (PHILOSOPHIA) التي اشتقت منها كلمة " فلسفة" (PHILOSOPHIE). وتعني كلمة " معرفة العالم والانسان". وتُتيح لنا هذه المعرفة إقامة بعض قواعد الفعل. كما تتيح لنا تحديد موقفنا من الحياة.
وقد استمرت كلمة "فلسفة" منذ ذلك العصر لان الحاجة كانت ماسة أليها. وكثيرا ما تدل على معان مختلفة نظرا لاختلاف وجهات النظر الى العالم. بيد ان معناها الدائم هو أنها: "نظرة عامة الى العالم، تمدنا بقاعدة السلوك". وفقط معرفة الفلسفة الماركسية وممارستها على ارض الواقع تمدنا بالسلوك النضالي الطبقي الثوري من أجل احداث الثورة الاجتماعية ومن اجل الانتقال من المجتمع الطبقي الرأسمالي الى المجتمع الاشتراكي ومن ثم المجتمع الشيوعي.
وهذا التطور جدلي مادي موضوعي لا بد وان يتحقق. ومعرفة الفلسفة الماركسية ودراستها والتعمق في ممارستها على ارض الواقع، لان النظرية يجب دائما ان تستند على الممارسة، والمعارف المُستجدة والتطورات الجدلية للمجتمع. وكما قال غوته:" جافة هي النظرية يا صديقي، وشجرة الحياة في اخضرار غزير". وفقط معرفة الفلسفة الماركسية هي النظرية الجدلية والتي يمكن ان تشبه بنهر الحياة الذي يروي ارض الحياة والمجتمع من اجل جعل شجرة الحياة باخضرار غزير دائم لكي نصل الى ربيع الإنسانية الأحمر.
وهنا أذكر بأن التعاليم الأساسية للفلسفة الماركسية المادية الجدلية التاريخية تستند على تعاليم أساسية ثلاث وهي:
1-تعلمنا المادية ان العالم مادي بطبيعته ذاتها، وأن كل ما هو موجود يوجد على أساس الأسباب المادية، وينشأ ويتطور وفق لقوانين حركة المادة.
2-تعلمنا المادية ان المادة حقيقة موضوعية توجد خارج ذهننا ومستقلة عنه، وأن الذهني لا يوجد منفصلا عن المادي، بل ان كل ما هو ذهني او روحي هو نتاج لعمليات مادية.
3-تعلمنا المادية انه من الممكن تماما معرفة العالم وقوانينه، وانع على الرغم من اننا قد لا نعرف الكثير في العالم المادي، فليس هناك مجال للواقع غير قابل للمعرفة، ويقع خارج العالم المادي.
وتتميز الفلسفة الماركسية بماديتها الجدلية التاريخية المتماسكة تماما، والتي لا تقدم تنازلا أيا كان للفلسفة المثالية. فمن يعرف ويتعمق بدراسة الفلسفة الماركسية ينجح في مهمة بحثه عن الحقيقة نظريا، وانجازها فعليا، والدفاع عنها في وجه الخداع والزيف البرجوازي الديماغوغي بكل أشكاله.
فمثلا في وقتنا الحاضر هناك من يصف نفسه أو " يوصف" بالفيلسوف وهو في طليعة الداعمين للتوحش والهمجية وقتل الأطفال في غزة من أمثال يورغن هابرماس وادغار موران وغيرهم من "فلاسفة" طبقة راس المال العالمي والصهيونية العالمية.
فمن المفروض على من يدعي الفلسفة أن يبحث عن المعرفة وأن يكون في طليعة الدفاع عن القيم والمبادئ الإنسانية العادلة لا ان يدعم التوحش الإسرائيلي الصهيوني الأمريكي وحرب الإبادة في غزة. ولا ان يتبنى مواقف اللاعقل والا حرية واللاإنسانية والانحياز الى العنف في مقابل العقل او التوحش في مقابل الإنسانية.
ولكن من يتعمق ويمارس الفكر الماركسي الاممي ومن بحمل المفاهيم الإنسانية العادلة ومن يناضل من اجل حرية الشعوب المُضطهدة يستطيع ان يلقي بهؤلاء مُدعي " الفلسفة" المذكورين سابقا الى مزبلة التاريخ.
وهنا اريد ان اذكر بأن غالبية أصحاب الفلسفة " المثالية" في الغرب الامبريالي هم سند للدعايات البرجوازية والصهيونية، وسند للخرافات الدينية، والتي تسعى الى منع جماهير الشعب الواسعة من التفكير والعمل على تغيير الواقع المأساوي الذي تمر به الإنسانية وخاصة الشعب الفلسطيني، وتمنع المعالجة العلمية الثورية للمشكلات الاقتصادية والسياسية والأخلاقية والاجتماعية، وأكبر مثل على ذلك القناع الصهيوني العنصري الشوفيني الذي يمنع غالبية الشعب الإسرائيلي من رؤية واقع الاحداث الجارية في المنطقة، من رؤية ما يرتكب من توحش وجرائم ضد الشعب الفلسطيني واللبناني.
وهكذا أصبحت الأسطورة الدينية "المثالية" لا بل المتوحشة أداة للخطاب السياسي العنصري لليمين في إسرائيل وفي الولايات المتحدة وأصبح الذيل الإسرائيلي يُحرك الكلب الأمريكي.
وهنا اريد ان أقول بأنه الفلسفة " المثالية" وفلسفة الأساطير بشكل عام هي صديق حميم وسند لكل اشكال الأنظمة الرجعية في الغرب الامبريالي وفي إسرائيل وفي العالم العربي بشكل عام.
وهذه الفلسفة عبر التاريخ كانت وما تزال سلاحا للرجعية ووسيلة لتبرير حكم الطبقة المُشغلة وسلاحا لخدام جماهير الشعب وخاصة الطبقات المُستغلة، ولكن مع كل الواقع الصعب الآن ومع كل الظلام تعلمنا الفلسفة الماركسية الجدلية التاريخية ان نثق بأنفسنا، وأن نثق بالدور التاريخي التقدمي للشعوب المُضطهدة وان نثق بالطبقة العاملة، وأننا نستطيع نحن انفسنا ان نفهم الواقع ان نفهم طبيعة المجتمع لنكون بالتالي قادرين على تغييره، وقادرين على الصمود والتحدي والانتصار للقضايا الإنسانية العادلة، وبشكل خاص للقضية الفلسطينية الإنسانية الكونية العادلة.
وانهي مقالي بما كتبه لينين:" "أن شعبا يظلم شعوبا أخرى لا يمكن أن يكون حرا". (راجعوا كارل ماركس "خبر سري" وفريديريك انجلز "الأدب المهجري". 1-البيان البولوني- ص 78).
هذا ما قالاه رجلان هما أكبر ممثلي الديمقراطية المستقيمة في القرن ال 19، نعني ماركس وانجلز اللذين أصبحا معلمي البروليتاريا الثورية.
"ونحن العمال الروس المفعمين بشعور الكرامة القومية نريد مهما كلف الامر روسيا عزيزة جمهورية ديمقراطية، مستقلة حرة تبني علاقاتها مع جيرانها على أساس المبدأ الإنساني، مبدأ المساواة، لا على أساس مبدأ الامتيازات الاقطاعي المهين لأمة عظيمة."
(لينين – في الأيديولوجية والثقافة الاشتراكية – مقال بصدد كرامة الروس القومية – ص 78).
"تاريخ رأس المال بأكمله هو تاريخ العنف والنهب، تاريخ الدماء والأقذار" (نفس المصدر ص 79).
وفي عصرنا الولايات المتحدة والصهيونية العالمية – طاعون العصر.
المصادر:
-مدخل الى المادية الجدلية – موريس كونفورث.
-أصول الفلسفة الماركسية – جورج بوليترز.
-أسس المعارف الفلسفية – افاناسييف.
-الناس والعلم والمجتمع – اصدار دار التقدم موسكو – فريق من المؤلفين.
#خليل_اندراوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأهمية التاريخية لثورة أكتوبر الاشتراكية الكبرى (2)
-
الأهمية التاريخية لثورة أكتوبر الاشتراكية الكبرى
-
الصهيونية وإسرائيل جرائم الحرب والتاريخ
-
فضيحة الغرب الامبريالي وإسرائيل
-
الذيل يهز الكلب
-
أوقفوا الحرب من أجل الأمن في الشرق الأوسط لا بل والعالم
-
حول كتاب كارل ماركس -المسألة اليهودية- وأحداث الحاضر
-
الضرورة الموضوعية للإطاحة باليمين الصهيوني العنصري الشوفيني
-
لا بديل عن السلام العادل سلام الشعوب بحرية الشعوب
-
الطبقة الحاكمة والأفكار الحاكمة
-
عن جذور اليمين الصهيوني – العنصري الشوفيني
-
لا تنازل عن حق العودة
-
الحركة الصهيونية وتولرث التفاخر بالموبقات
-
حول قضية اللاجئين الفلسطينيين
-
100 عام على وفاته: من اقوال لينين9 (حلقة 9 وأخيرة)
-
100 عام على وفاته: من اقوال لينين (8)
-
100 عام على رحيل لينين (6)
-
100عام على رحيل لينين (5)
-
100 عام على رحيل لينين (4)
-
100 عام على وفاة لينين (3)
المزيد.....
-
السيد الحوثي: للاسف يسارعون ويتنافسون في خدمة اميركا واسرائي
...
-
-سي إن إن- في تركيا: أنقرة ستنذر واشنطن لحثها على تنفيذ وعود
...
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
-
ما هي أبرز مخرجات الاجتماع بين الفصائل الفلسطينية في دمشق؟
-
الفصائل الفلسطينية:نؤكد ضرورة التلاحم بين الشعبين السوري الف
...
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
-
حزب العمال: مع الشعب السوري في تقرير مصيره في إطار سوريا حرة
...
-
بيان صادر عن الفصائل الفلسطينيه في دمشق
-
مجتمع في أوغندا يعود لممارساته القديمة في الصيد والزراعة لحم
...
-
بيان صادر عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
المزيد.....
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|