أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - الكتابة والعزلة في كنف الصمت














المزيد.....

الكتابة والعزلة في كنف الصمت


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 8164 - 2024 / 11 / 17 - 20:47
المحور: الادب والفن
    


سوف أتحدث اليوم عن تيمة لازمتني طيلة المدة التي استغرقها مقامي في هذه الربوع (ضواحي أكذز) من وطننا الحبيب؛ وأقصد بها الكتابة في الجريدة. لقد سبق لي أن ذكرتُ نتفا من هذا الموضوع في ما سلف من حكي، وهذا لا يمنع من التذكير هنا بفئة منها بشكل صريح.
ليس سرا إن بُحْتُ لكم بأن حلم الكتابة مرتبط عندي بالحب..سوف أكتفي بهذا التلميح دون ذكر التفاصيل التي تحتاج لوحدها لسياق خاص بها. ما يمكن لي إضافته هو أن هاجس الكتابة نابع من رغبة دفينة بين أضلعي في جعلها (الكتابة) امتدادا لتجربة عنوانها “البحث عن الحب الضائع” استلهاما من بروست؛ هذا لا يعني قطع الصلة بالواقع وما يمور به من حركات وتفاعلات وكأني ناسك أفنى عمره بداخل مغارة عابدا مذرفا الدموعَ الحرّى ندما على ارتكابه خطيئة الحب المستحيل.
قبل مجيئي إلى هنا، كنت متيقنا من أن لا فكاك بين الكتابة والقراءة..لكن عندما استقر بي المقام في هاذي البلاد العجيبة الساحرة، اصطدمت بعزوف زملائي، كلهم بدون استثناء، عن القراءة، أما الكتابة فقد كانت غير قابلة لأن تحتضنها تصوراتهم..مرة، فاتحت في الموضوع زميلا كان يجالسني في مقهى بأكدز. في البداية، أنصت إلى كلامي، غير أنه سرعان ما عارضني رافضا التجاوب معي في ما أقول، مفضلا الحديث عن الحركة الانتقالية وما تجمع لنا من رصيد النقط الذي يسمح لنا بالانتقال من هنا، أملا في الاقتراب من مساقط الرأس..
وأنا أحاول جمع شتات هذا الموضوع الموزع أصلا بين لحظات عشتُها في أماكن متفرقة، فرضتْ ذاتها علي تجربةٌ ناجحةٌ كنت فاعلَها الرئيس في بحر سنتي الرابعة عندما اشتغلتُ مدرسا في مدرسة آيت امْلكْتْ. في بداية هذه السنة، التحق بدائرة أكدز مفتشون جدد..مع توالي الأيام الأولى التي أعقبت الدخول المدرسي، تهيّأتْ لنا ظروف للتعرف على هؤلاء الوافدين الجدد من المفتشين بمهام تشمل مراقبتنا وتأطيرنا..ومن خلال حضوري للجلسات التي جمعت عددا قليلا من الزملاء، علمت أن السادة المفتشين عازمون على القيام بزيارات تفقدية فجائية للمدارس التي تشتمل عليها خرائطهم، وإذا وجدوا معلمة أو معلما بدون وزرة بيضاء فسوف يشيرون إلى ذلك في تقرير الزيارة تأكيدا منهم على فوائد ارتداء الوزرة البيضاء، منها كسب احترام المتعلمين في إطار جو تربوي سليم، ومنها توفير الراحة النفسية للمدرسين، ومنها أيضا حفظ جسم المعلم(ة) من الغبار المتطاير من الطباشير بفعل احتكاكه مع سطح السبورة أثناء الكتابة.
في مساء ذلك اليوم البارد، عدت أدراجي إلى المدرسة الفرعية في مجمع آيت املكتْ وفي رأسي تسكن فكرة الرد، بشكل استباقي، على ما يريد المفتشون فرضه علينا دون نقاش..الفكرة اتخذت شكل مشروع يبحث له عن آليات وتقنيات وأفكار واستعارات من شأن توفرها التعجيل بإخراجه إلى حيز الوجود..كيف السبيل إلى دمج كل ذلك في مقال صحفي حسن الصياغة، محكمها وأهلا لأن ينشر في الجريدة؟ تحَرَّيْتُ الجواب بمجرد استوائي في الفراش بعد ما أنتهيتُ من تناول ما تيسر من الطعام.. طقوس الكتابة عندي لا تكلف الكثير.. عزلة في كنف الصمت وكأني أريد أن أستمع لنبضات قلبي وهمسات ضميري.. وحدها الشمعة تؤنسني بضوئها الباهت المترنح، وكأس شاي غير منعنع ألثم ثغره من حين لآخر بعد أخذ نفس طويل من سيجارة تحترق بين أنامل يدي اليسرى..
ها أنذا أكتب الجملة الأولى ثم تََلتْها الثانية فالثالثة إلى أن تشكلّتْ أمامي فقرة أولى.. شرعت في كتابة الفقرة الثانية فتحقق المراد، ثم توالت الفقرات.. بعد استيفاء الموضوع حقه، أخذت أراجع ما كتبتُ فتبين لي بوضوح ما ينبغي حذفه وما يجب إضاافته، فقمتُ بالمتعين في هذا المقال واخترتُ له عنوانا مناسبا، ثم أعدت كتابتَه بشكل واضح على صفحات نظيفة بخط متواضع من الناحية الجمالية، إلا أنه أساسا مقروء بقدر كبير من اليسر والسهولة.. في اليوم التالي، توجّهتُ إلى أكدز بعد أداء الواجب المهني طبعا، لأقوم بالإجراءات اللازمة لإرسال المقال عن طريق البريد العادي إلى مقر الجريدة بالدار البيضاء.
ما هي إلا أيام قلائل حتى بلغ إلى علمي صدور المقال في الجريدة.. كنت يومئذ متواجدا بأكدز وأُخْبِرْتُ بهذا المُسْتجدِّ من طرف كل الزملاء المقيمين هنا الذين صادفتهم. التزامي بالعمل في مدرسة بعيدة عن المدينة جعلني آخر من يعلم.. هذه ليست هي المرة الأولى التي أُحْرَمُ فيها من العلم بصدور مقال لي بالجريدة، بل وقع لي ذلك مرارا وتكرارا بسبب حظي العاثر الذي طوح بي بعيدا عن المركز، بين الجبال والوديان.. غالبا ما تبوء محاولاتي للحصول على نسخة بالفشل، حتى وإن قمت بزيارة لمقر الجريدة لذات الغرض.
لكن هذه المرة، ابتسم لي الحظ.. أحد الزملاء وافق على أن يمدني بنسخته التي ما زال يحتفظ بها في بيته.. انتظرتُ حتى حان موعد انصرافه، فأذِنَ لي بالذهاب معه إلى سكنه القريب من المقهى.. لم يستغرق مسيرنا سوى لحظات تخللتها دردشة وقفشات.. دخل زميلي إلى المنزل وخرج بسرعة حاملا الجريدة التي استلمتها منه بشعور من الارتياح المشوب بالامتنان. ودّعْتُ صديقي وعدت إلى المقهى لأتصفح الجريدة بحثا عن مقالي..
فعلا، عثرْتُ عليه وقرأتُه مجددا، فلاحظت أنه تمت إزالة توقيعي باسمي الكامل ووضعوا مكانه وصفا عاما غير مخصوص: رجل تعليم. لاحظتُ كذلك أن فقرة بأكملها قد تم حذفها. كانت بحق فقرة ساخنة حركيا، إن لم أقل خطيرة سياسيا، لا لشيء سوى لأني شبهت المفتش الذي يطالب بالوزرة بصاحب ضيعة أقام مأدبة لأصدقائه في فضاء ضيعته، وفي أوج انتشائه وثمالته يبصر أحد مستخدميه بلباس أنيق، موات للمناسبة ومختلف عن تلك الأسمال التي يلبسها عادةْ في أيام العمل.. من وحي رغبته "الأرستقراطية" والاستبدادية في الظهور أمام مدعوييه وضيوفه بأنه “باطرون” قوي ومُطاع، أمر المستخدم المغلوب على أمره بالغروب عن وجهه وألا يعود إلا بعد أن يرتدي الوزرة الزرقاء..



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- بيان مشترك لهيئات سياسية ومدنية في اوربا الغربية حول أحداث ا ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- المغرب-الجزاىر: ماذا تتضمن الوثائق الحدودية التي وعد ماكرون ...
- من العبث أن يرجو العرب المعاصرون لأنفسهم نهوضا مالم يتخلصوا ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- فرانسوا هولاند : سيأتي يوم يتولى فيه اليمين المتطرف السلطة ف ...
- كيف قيمت المندوبية السامية للتخطيط على عهد الحليمي مخرجات مخ ...
- من أجل استعادة سياق غيبه المهدوي: جدلية القاعدة والقانون
- من أجل استعادة سياق غيبه المهدوي: جدلية القاعدة والقانون (2/ ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- الإشتراكي الموحد يستنكر وصم الرئيس الفرنسي للمقاومة الفلسطين ...
- خطوات المغرب على الدرب الطويل المؤدي إلى التحول الاقتصادي (2 ...
- شذرات من سجل مفتوح
- خطوات المغرب على الدرب الطويل المؤدي إلى التحول الاقتصادي (2 ...
- المغرب: أزمة كليات الطب و الصيدلة وطب الأسنان: مقترح وزاري ج ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- الحرب بين إيران وإسرائيل: قراءة في آخر المستجدات
- تأملات في آخر قصاصات الحرب في منطقة الشرق الأوسط
- الحزب الاشتراكي الموحد بتمارة ينظم ندوة حول الاعتقال السياسي ...


المزيد.....




- توفيق عبد المجيد سيرة مناضل لم يساوم!
- السينما في مواجهة الخوارزميات.. المخرجون يتمردون على قوانين ...
- موسكو تستعد لاستضافة أول حفل لتوزيع جوائز -الفراشة الماسية- ...
- مهرجان الجونة السينمائي 2025.. إبداع عربي ورسالة إنسانية من ...
- تنزانيا.. تضارب الروايات حول مصير السفير بوليبولي بعد اختطاف ...
- باقة متنوعة من الأفلام الطويلة والقصص الملهمة في مهرجان الدو ...
- حريق دمر ديرا تاريخيا في إيطاليا وإجلاء 22 راهبة
- الإعلان عن 11 فيلما عربيا قصيرا تتنافس في مهرجان البحر الأحم ...
- هنا يمكن للمهاجرين العاملين في الرعاية الصحية تعلم اللغة الس ...
- قطر تطلق النسخة الدولية الأولى لـ-موسم الندوات- في باريس بال ...


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - الكتابة والعزلة في كنف الصمت