|
الثوريون لا يموتون
موقع 30 عشت
الحوار المتمدن-العدد: 8144 - 2024 / 10 / 28 - 02:25
المحور:
القضية الفلسطينية
يقدم موقع 30 غشت الحلقة الأخيرة من دراسة "القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية"، وهي الدراسة التي نشر الموقع منها سابقا سبع حلقات. لقد اختار الموقع لهذه الحلقة الأخيرة عنوان "الثوريون لا يموتون" (حملت هذه الحلقة عنوان "أيقونات من الثورة الفلسطينية" في محاور الدراسة المقدمة سابقا عند إعلانها)، إهداءً منه لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى، وإلى مجموع حركة المقاومة الوطنية بفلسطين ولبنان وسوريا والعراق...، وعلى الخصوص هي مهداة للشعب الفلسطيني الصامد فوق أرضه التاريخية، والمقاوم في الضفة وغزة لأفظع المجازر وأبشع الإبادات في تاريخ البشرية الحديث، والتي ترتكبها الآلة الوحشية والهمجية الصهيونية أمام أعين البشرية جمعاء، مدعومةً وعلى كل المستويات، من طرف الأنظمة الإمبريالية والرجعية العربية. وإنها يا شعب فلسطين! لثورة حتى النصر والتحرير ـــــ ـــــ ـــــ الثوريون لا يموتون نماذج ثورية من الجيل الذهبي للثورة الفلسطينية من إعداد علياء نجمي أكتوبر 2024
تقديم عايش جيلنا الثورة الفلسطينية الحديثة منذ نشأتها، و كان أبطالها نساء ورجالا يبهروننا ببطولاتهم وأعمالهم الأسطورية الملحمية، فتشكلت في ذهننا كوكبة من الأبطال اللذين قاوموا الاحتلال الصهيوني حتى الاستشهاد، مضحين بالغالي والنفيس وبحياتهم فداء لتحرير الوطن من المحتل الصهيوني، إنه الوطن فلسطين من النهر إلى البحر، وامتلأت ذاكرة جيلنا بأسماء الفصائل الفلسطينية من فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين والصاعقة وغيرها من المنظمات. يطلق على فلسطين أرض الشهداء وعلى شعبها شعب الجبارين، وتعرف غزة باسم غزة العزة لكثرة ما أنجبت من الشهداء والقادة الثوريين. وفي ستينيات القرن الماضي، وخاصة السبعينيات منه لمع نجم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي كانت يومها ثاني أكبر فصيل فلسطيني بعد فتح، نبعت من رحم المعاناة والمقاومة ذات الخلفية التاريخية، التي شكلت مقدمة لنشأتها، فقد تمرس مؤسسو الجبهة الشعبية داخل حركة القوميين العرب، حيث شكلوا أولى الفصائل المسلحة الفلسطينية. وبعد مراكمة لتجربة قوية مع الفكر القومي العربي، وفي الانخراط في نضال التحرر الوطني في مصر و اليمن و سوريا و العراق و لبنان و الأردن و فلسطين، و بعد هزيمة الأنظمة العربية في 5 يونيو 1967، خاصة تلك التي تحمل إيديولوجية الفكر القومي العربي من ناصرية و بعثية في مصر و سوريا، قام مؤسسو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بمراجعة للإيديولوجيا القومية و تجاربها العربية، كما قاموا بتحليل للطبيعة الطبقية لتلك الأنظمة باعتبارها أنظمة بورجوازية صغيرة غير قادرة على تحمل قيادة الثورة العربية ضد الرجعية و الامبريالية والصهيونية، فأعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن تبنيها للماركسية – اللينينية وتدشينها لتجربة اليسار الثوري الفلسطيني بعد 1967. لقد كان جيلنا يعرف اسم أغلب قادتها و أطرها الثورية المحنكة، التي أبدعت في مجالات مختلفة منها من حمل البندقية و منها من حمل القلم و منها من حمل الريشة و منها من أبدع في أساليب النضال الثوري المسلح، فقد أصبح اسم الجبهة كالنار على علم و طبقت شهرتها الآفاق، فكانت أول من قام بتدويل القضية الفلسطينية و التعريف بها عبر عمليات اختطاف الطائرات، كما قدمت الجبهة نماذج للمثقف العضوي في شخص غسان كنفاني، الذي قالت عنه غولدا مايير بعد اغتياله: "اليوم تخلصنا من لواء فكري مسلح، فغسان بقلمه كان يشكل خطرا على اسرائيل أكثر مما يشكله ألف فدائي مسلح". إن لائحة الشهداء في الجبهة الشعبية كبيرة، و للتذكير فقط فقد كانت شادية أبو غزالة أول شهيدة فلسطينية بعد 1967، كما عرف الدكتور وديع حداد (أبو هاني) كأحد الأدمغة التي دوخت كل أجهزة الاستخبارات الإمبريالية و الصهيونية، الرجل الذي عرف بشعاره الخالد: "وراء العدو في كل مكان"، و كيف ننسى الشهيد أبو علي مصطفى، الذي وقف فوق جسر العودة و أطلق كلمته الشهيرة "لقد عدنا لنقاوم وليس لنساوم"، و هل تنسى غزة بطلها العظيم محمد محمود مصلح السود الملقب بغيفارا غزة، الذي قال عنه موشي دايان "نحن نحكم غزة نهارا و غيفارا يحكمها ليلا" و جورج حبش الملقب بالحكيم، الذي فشلت كل محاولات اغتياله من طرف المخابرات الصهيونية، القائد المؤسس، الذي شكل لوحده ضمير الثورة الفلسطينية كما كان يقال، الرجل غير القابل للارتشاء و اللائحة طويلة. إن اختيارنا لهاته الأسماء و من بينها جورج عبد الله ابراهيم الشيوعي اللبناني الذي انخرط في الثورة الفلسطينية، ليس فقط من باب التكريم، بل من باب التذكير بالوهج الذي عرفتها الثورة الفلسطينية عندما كان اليسار الثوري قوة ضاربة يحسب لها ألف حساب. إن موقع "30 غشت" له الشرف الكبير في تخليد أسماء هؤلاء الأبطال الشهداء الخالدون ونردد مع جورج حبش قولته الشهيرة: "الثوريون لا يموتون". حكيم الثورة و ضميرها جورج حبش "إنها أرضنا أيها الكلاب، و ليست أرضكم، سنبقى هنا لنقتلكم، إنكم لن تنتصروا في هذه المعركة" ـــ جورج حبش ولد جورج حبش الملقب بالحكيم في مدينة اللد بفلسطين في فاتح غشت 1926، من عائلة عربية مسيحية أرتودوكسية، من أب هو نيكولا حبش و من أم تحمل اسم تحفة، و كانت الأسرة تتكون من ستة إخوة و أخوات، زوجته هيلدا حبش ابنة عمته سترافقه طيلة حياته، و كانت رفيقته في كل مراحل النضال، و قد أنجبا ابنتان هما ميساء و لما. لقد تميزت حياة جورج حبش في مرحلتها الأولى من 1925 إلى 1954 بما يلي: إنهاء دراسته الابتدائية في اللد ثم التحاقه بالكوليج الوطني بمدينة يافا و ذلك لمتابعة دراسته الثانوية. عاد حبش إلى يافا حيث اشتغل كمعلم، و كان عمره لا يتعدى 16 سنة، كان الوضع العام في فلسطين آنذاك مليئا بالغضب و الخوف بسبب سياسة الانتداب البريطاني، و بسبب الأعمال الإرهابية المتصاعدة التي تقوم بها المنظمات الصهيونية الهاغانا و الإيرغورن و شتيرن. في سنة 1944، قبل جورج حبش طالبا في كلية الطب بالجامعة الأمريكية ببيروت، لقد كان جورج حبش طالبا استثنائيا يوزع أوقاته بين التحصيل العلمي و ممارسة ألعاب القوى إضافة إلى الفن و الموسيقى، ثم الأنشطة الثقافية و السياسية، التي سيزداد حجمها في حياته بسبب الأحداث التي كانت تتطور بفلسطين، و بسبب قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة في نونبر 1947. لقد كان لأستاذ التاريخ العربي قسطنطين زريق تأثير كبير على فكره و رؤيته القومية، لقد كان الدكتور زريق نقابيا عربيا و علمانيا و مفكرا قوميا و ليبراليا، لقد كانت جامعة بيروت ملئ بالطلبة العرب من كل البلدان يحملون هموما و أحلاما قومية، و كان فضاء لقائهم هو الجمعية الثقافية الطلابية العروة الوثقى، كان زريق الأب الروحي للجمعية، أما جورج حبش، فقد تم انتخابه كاتبا عاما في سنة 1949 – 1950. و يبقى المنعطف الأساسي في حياة جورج حبش خلال هذه السنوات الجامعية هو وقوع النكبة سنة 1948، و بينما كانت القرى و المدن الفلسطينية تسقط تباعا في أيدي القوى الصهيونية، حيث يتم طرد الفلسطينيين، قطع جورج حبش دراسته في كلية الطب و توجه في يونيو 1948 إلى ليدا (اللد)، حيث التحق بإحدى العيادات الطبية و عمل كجراح مساعد يعالج المدنيين الجرحى و المدافعين عن المدينة، لكن ليدا و المدينة المجاورة لها و هي الرملة، سقطت في أيدي الصهاينة في 11 يوليوز 1948، و تم طرد سكان المدينة (حوالي 60 ألف) فاضطروا إلى التوجه إلى داخل البلاد، و كان من بين المهجرين عائلة جورج حبش، و استمر هذا الأخير في معالجة الشيوخ و النساء و الأطفال، اللذين يسقطون في الطريق. في أكتوبر 1948 عاد جورج حبش إلى مدينة بيروت لاستئناف دراسته في كلية الطب، و قد حصل على دبلومه من الكلية سنة 1951. وعندما نال جورج حبش دبلومه في الطب كتب إلى أمه قائلا: "إنني نلت الدبلوم وأقول: هنيئا أمي ابنك أصبح طبيبا، لذلك اتركيني أفعل ما أريد أن أفعله حقيقة ..." و قال جورج حبش في مكان آخر: "إني طبيب أطفال و قد أحببت هذا كثيرا، كنت أعتقد أنه أحسن عمل في العالم، لكنني أخذت القرار، و لم أندم عليه". لم تغب فلسطين عن ذهنه، حيث كان ينظم مظاهرات الطلبة في الشوارع، الشيء الذي تسبب له في العديد من الاعتقالات، واستطاع في آخر المطاف أن يشكل منظمة للشبيبة القومية والتقدمية، وفي سنة 1952 غادر بيروت إلى عمان، حيث قام بخلق عيادة طبية مجانية بشراكة مع رفيق عمره الدكتور وديع حداد، وذلك من أجل معالجة اللاجئين و الفقراء. و استمر جورج حبش في تعبئة الشباب و تنظيم المظاهرات الجماهيرية ضد الأحلاف التي تساند الاستعمار الغربي، مما جعله مبحوثا عنه من طرف السلطات الأمنية الأردنية، فاضطر إلى العمل السري خلال سنتين. و في سنة 1954 أقام في مدينة دمشق السورية. - المرحلة الثانية 1954 – 1961 لقد أدى سقوط فلسطين في أيدي القوى الصهيونية إلى اشتعال منطقة الشرق العربي و انتشر غضب عارم ضد الجيوش العربية و أنظمتها المنهزمة في 1948. هكذا انفجرت الانقلابات العسكرية و تصفية الخونة المسؤولين عن ذلك، ثم ظهور أحزاب سياسية جديدة مشكلة من الشباب، و من الأحزاب الأكثر أهمية التي ظهرت في سوريا الكبرى، حزب البعث العربي، الذي ظهر في مدينة دمشق و كذلك حركة القوميين العرب التي أعلن عنها جورج حبش خلال مؤتمر عام انعقد بعمان سنة 1956، و إلى جانب جورج حبش، الأعضاء المؤسسون الآخرون هم: وديع حداد (فلسطين)، صالح شبل (فلسطين)، حميد جبوري (العراق)، أحمد الخطيب (الكويت)، و هاني الهندي (سوريا). و قد كانت إيديولوجية القوميين العرب علمانية و وحدوية تنهل من تعاليم قسطنطين زريق و ساطع الحصري، و قد تبنت الحركة شعار "الوحدة، التحرير، الانتقام"، و يعني هذا أن وحدة البلدان العربية و التحرر من الإمبريالية الغربية هما المقدمة لاستعادة فلسطين، وقد كانت الحركة منذ بدايتها تفرق بين اليهودية و الصهيونية. في مصر، استولت حركة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر مسقطة النظام الملكي ومقيمة جمهورية عربية في مصر، و استطاع عبد الناصر في فترة وجيزة أن يكسب تعاطف الجماهير العربية من الخليج إلى المحيط عندما تصدى للهجوم الثلاثي سنة 1956، و بتبنيه إيديولوجية وحدوية، و بمساندته للحركات الاستقلالية. في هذه الأجواء تطورت العلاقة بين حركة القوميين العرب و النظام الناصري، مما ساعد الحركة على الاتساع في الأردن و سوريا و بلدان الخليج و في ليبيا و اليمن وفي شمال إفريقيا، و شكلت لحظة الوحدة بين سوريا و مصر سنة 1958 - و استمرت إلى 1961 - لحظة فارقة بالنسبة للأوضاع العربية و بالنسبة لحركة القوميين العرب. خلال هذه الفترة كان جورج حبش يعيش في الأردن حيث كان متابعا من طرف النظام الأردني الرجعي، فقد كانت كل الأحزاب السياسية ممنوعة بعد الهجوم الثلاثي على مصر سنة 1956، فاضطر جورج حبش الى الاختباء و العمل السري إلى أن انتقل إلى دمشق بعد وحدة 1958. - المرحلة الثالثة 1961 – 1965 عرف الانسجام بين حركة القوميين العرب و النظام الناصري أوجه خلال فترة الوحدة بين مصر و سوريا سنة 1958 – 1961، و خلال هذه الفترة اهتم جورج حبش بالوضع في اليمن الجنوبي، حيث كانت تنشط المقاومة ضد الوجود العسكري البريطاني في عدن، التي كانت تقودها العناصر المنتمية الى حركة القوميين العرب. لقد كان لسقوط الوحدة بين مصر و سوريا أثر كبير على الحياة النضالية لجورج حبش، التي ازدادت صعوبة، فقد تعرض جورج حبش و رفاقه للمتابعة و الاعتقال بل الى الاغتيال من طرف القوى التي ساهمت في إفشال مشروع الوحدة، و انفجرت الصراعات بين التيارات القومية نفسها، و كرد فعل على المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قام بها الناصريون في سوريا سنة 1963، قام البعثيون بموجة من الاعتقالات و المحاكمات و التصفيات للعناصر التي اتهموها بالتعامل مع الانقلابيين، و قد اتهم جورج حبش بالتعاون مع أصحاب الانقلاب الفاشل و حكم عليه بالإعدام. و قد عاش جورج حبش لحظات رهيبة عندما كانت هذه الأحداث تقع في سوريا التي صادفت زواج جورج حبش و ولادة بنته الأولى ميساء، فاضطر إلى الاختباء و الانتقال سرا الى بيروت سنة 1964 لمتابعة عمله السياسي النضالي. - لمرحلة الرابعة 1965 – 1971 لقد شكلت هزيمة يونيو 1967 و سقوط ما تبقى من فلسطين، القدس الشرقية و الضفة الغربية و غزة إضافة إلى الجولان في سوريا و سيناء في مصر المنعطف الثالث الحاسم في تشكل الفكر السياسي لجورج حبش (المنعطفين السابقين هما نكبة 1948 و فشل الوحدة في 1961) فقام بتقييم إيديولوجية حركة القوميين العرب و الشروع في التحول نحو الماركسية – اللينينية، هكذا في دجنبر 1967، سيقوم بتأسيس منظمة جديدة على أنقاض حركة القوميين العرب، إنها "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" و هدفها تحرير فلسطين عن طريق الكفاح المسلح، فبعد تجارب مريرة و فشل الوحدة بين التيارات الفلسطينية و محاولات إبعاده عن منظمة التحرير الفلسطينية من طرف ياسر عرفات، كتب جورج حبش في الوثيقة المؤسسة للجبهة الشعبية: "إن السلاح الوحيد الذي يبقى للجماهير من أجل استعادة التاريخ و التقدم و الانتصار الحقيقي على الأعداء و الأعداء المحتملين على المدى البعيد هو العنف الثوري، إنها اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو هي لغة العنف الثوري". و عن مدى تناقض هذه الإيديولوجيا الجديدة مع أفكاره القومية يقول جورج حبش أن "قوميته العربية و انتماءه المسيحي و ثقافته الإسلامية و ماركسيته التقدمية ... " لا تتناقض فيما بينها فهناك انسجام كامل بينها، و يضيف قائلا: "إنني ماركسي من ثقافة يسارية و الإرث الإسلامي هو جزء أساسي من بنيتي الفكرية، فالإسلام هو المكون الأهم للقومية العربية و هذه الأخيرة جزء أساسي من كياني". و كان جورج حبش يعتبر أن المادية الجدلية هي جوهر الماركسية. في سنة 1968 توصل جورج حبش بدعوة من السلطات السورية، و كانت بمثابة فخ وضع له، فتم اعتقاله و اتهامه بخلق خلايا عسكرية موازية، و قضى عشرة أشهر في أحد أسوأ سجون سوريا المسمى بسجن الشيخ حسن، حيث تعرض للتعذيب فقضى وقته في السجن في قراءة أعمال ماركس و انجلز و لينين و هوشي منه و ماو، و قد ساهم ذلك في تعميق معرفته بالماركسية، و عندما كان جورج حبش يقبع في السجن كان رفيق نضاله وديع حداد يخطط لتهريبه من السجن، و قد نجحت العملية، فانتقل جورج حبش سرا إلى الأردن للالتحاق بمجموعات المقاومة، التي بدأت تشكل قواعد لها في الأردن بعد هزيمة 1967، و قد زاد نشاط المقاومة في هذه الفترة. و تحت قيادة وديع حداد، تبنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالإضافة إلى الكفاح المسلح تكتيك اختطاف الطائرات الصهيونية و الغربية بدون المساس بالمسافرين، و ذلك لإثارة اهتمام العالم بمآسي الشعب الفلسطيني، و جعل القضية الفلسطينية تحظى باهتمام العالم. استطاع وديع حداد خلال 1970، تنظيم اختطاف ثلاث طائرات، و قد تم إنزالها في مطار صحراوي بالأردن، و بعد إخلائها من الركاب و الطاقم تم تفجيرها. في هذه الحقبة انفجر الصراع بين النظام الأردني و المقاومة الفلسطينية، حيث جرت معارك دموية بين الطرفين انتهت بما سمي ب "أيلول الأسود" و انسحاب المقاومة إلى لبنان. - المرحلة الخامسة 1972- 1982 في سنة 1972، أصيب جورج حبش بأزمة قلبية شبه قاتلة و بنزيف حاد في الدماغ سنة 1980، و قد واجه ذلك بإرادة قوية. في 8 يوليوز سنة 1972، قام الموساد باغتيال أحد رفاقه المقربين وهو غسان كنفاني الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، و ذلك بوضع قنبلة تحت كرسي سيارته في بيروت، كما قام الموساد سنة 1978 باغتيال وديع حداد رفيق عمره و نضاله عن طريق تسميمه، و قد نجا جورج حبش نفسه من محاولة اغتياله سنة 1973، عندما قام الموساد باختطاف طائرة ميدل إيست اير لاينز التي كان سيستعملها جورج حبش، لكن هذا الأخير بسبب إجراء أمني لم يمتط الطائرة. على المستوى التنظيمي، قامت الجبهة الشعبية سنة 1972 بالإعلان عن تخليها عن تكتيك اختطاف الطائرات، وخلال هذه الحقبة تأثرت الجبهة الشعبية بتناقضات الوضع السياسي اللبناني، الذي انفجر بين اتجاهين و معسكرين، أحدهما يساند أنشطة المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني و آخر مساند من الرجعية و الإمبريالية يعادي وجودها على أرض لبنان، و تفاقمت التناقضات إلى أن انفجرت سنة 1975 على شكل حرب أهلية دائمة، الشيء الذي استفاد منه الكيان الصهيوني، الذي كان قد وقع مع مصر اتفاق سيناء 2 شتنبر 1975 ثم اتفاق السلام في مارس 1979، و قد كان لذلك أهمية قصوى لأنه أدى إلى إبعاد أكبر قوة عسكرية عربية في معادلة الصراع العربي الصهيوني، و سيساعد هذا الوضع على قيام الكيان الصهيوني بغزو لبنان و محاصرة بيروت سنة 1982، الذي استمر 88 يوما قام خلالها الكيان الصهيوني بقصف لبنان جوا و بحرا و برا، و انتهى الحصار بانسحاب المقاومة و كوادرها من لبنان. - المرحلة السادسة 1982 – 2000 غادر جورج حبش مع أعضاء منظمة التحرير و عرفات لبنان، لكنه لم يتوجه إلى تونس بل إلى سوريا لاقتناعه بضرورة استمرار النضال ضد المحتلين الصهاينة، انطلاقا من دولة في الخط الأول للمواجهة، مهما تكن التحديات، و لقد انتقل حبش من مدينة طرطوس، و توجه إلى مدينة دمشق، التي أصبحت مكان إقامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خلال سنوات الثمانينات، و خلال هذه الفترة شارك جورج حبش بنشاط كبير في اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني، التي انعقدت في الجزائر سنة 1983 ثم في 1987 و في 1988، حيث كان يدعو إلى استمرار المقاومة، و خلال هذه الفترة حاولت المخابرات الصهيونية بمحاولة اختطاف طائرة كانت تربط بين طرابلس الليبية و دمشق كان سيمتطيها جورج حبش، لكنه ألغى حجزه في آخر لحظة. وخلال حرب الخليج الثانية سنة 1990 أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن دعمها لصدام حسين، وذلك قبل بداية العمليات العسكرية الأمريكية، ثم غادر دمشق متوجها إلى عمان حيث سيشارك في المؤتمر الشعبي المساند للعراق. و خلال سنة 1992، تدهورت الحالة الصحية لجورج حبش فتوجه إلى فرنسا بعد الحصول على موافقة الحكومة الفرنسية، لكن زيارته لفرنسا ستتحول إلى مواجهة مع الآلاف من أنصار إسرائيل اللذين تظاهروا داخل ساحة المستشفى حيث كان يعالج، يطالبون باعتقاله، لكن الحكومة الفرنسية تراجعت عن ذلك تحت ضغط بعض الحكومات العربية من بينها الجزائر التي أرسلت طائرة رئاسية لنقله خارج فرنسا، و كانت زوجة جورج حبش هيلدا قد أبانت عن شجاعة منقطعة النظير في حماية زوجها من المحققين الفرنسيين. خلال هذه الفترة، عارضت الجبهة الشعبية بقيادة حبش المشاركة غير المباشرة لمنظمة التحرير الفلسطينية في مؤتمر السلام بمدريد وفي مفاوضات واشنطن السرية التي جرت بين منظمة التحرير و إسرائيل، و التي أدت إلى اتفاق أوسلو 1993 و خلق ما سمي بالسلطة الفلسطينية و عودة عرفات إلى فلسطين، و فتحت الباب لاتفاق السلام بين الأردن و إسرائيل سنة 1994. لقد انبنى موقف حبش على قناعته بأن هذه الاتفاقات لا تضمن حتى الحقوق الفلسطينية الدنيا، و لا حق العودة اللاجئين الفلسطينيين أو حق تشكيل دولة ذات سيادة و لا حق حماية الأرض ضد الاستيطان، لقد ربط حبش عودته إلى فلسطين بعودة اللاجئين إليها. و من عمان عاد إلى دمشق، حيث قضى ما تبقى من سنوات التسعين ثم استقال من منصبه ككاتب عام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سنة 2000. - المرحلة السابعة 2000 – 2008 بعد الاستقالة، استمر جورج حبش في نشاطه الوطني خاصة بعد انطلاق الانتفاضة الثانية سنة 2000، و قد خصص السنوات الأخيرة من حياته لتأسيس مركز الغد للدراسات الاستراتيجية، و دعا باستمرار إلى الفهم الكامل لأسباب فشل العرب في مواجهة المشروع الصهيوني، و نشر العديد من الدراسات السياسية و الفكرية خلال هذه الحقبة من بينها الوثائق الأساسية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و قرارات مؤتمراتها ، ثم كتاب "الثوريون لا يموتون" سنة 2008 و ظهرت نسخته العربية سنة 2009، و الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية اعتمدت على 100 ساعة من حوارات أنجزها الصحافي الفرنسي جورج مال برونو. و استمر جورج حبش في إقامته بدمشق إلى حدود 2007 تخللتها زيارات إلى الأردن لزيارة ابنتيه و أحفاده، و توفي جورج حبش نتيجة أزمة قلبية في عمان يوم 26 يناير 2008، و دفن هناك. لقد كان جورج حبش مناضلا كبيرا يعترف مناصروه كما خصومه بقوة شخصيته كقائد حازم وغير قابل للارتشاء، أبان عن صبر عنيد في المواجهة مع العدو، خصص حياته كلها لوطنه فلسطين. عندما سئل جورج حبش هل هو غيفارا الشرق الأوسط، أجاب بأنه يفضل أن يكون ماو تسي تونغ الجماهير العربية. وراء العدو في كل مكان الرفيق وديع حداد (أبو هاني) (حكاية الثائر الاستثنائي الذي هز العالم) ولد الشهيد وديع حداد سنة 1928 بمدينة صفد الفلسطينية، و قد لقب بالثائر الاستثنائي، و عرف بشعاره الخالد "وراء العدو في كل مكان"، و قد قال عنه سماح إدريس رئيس تحرير مجلة "الآداب" في ذكرى استشهاده 39: "قلما جاد التاريخ علينا بشخص يجمع بين التفاني و الذكاء و الاختراع و ملكة القيادة، وديع حداد واحد من هذه القلة القليلة، التي تمر في التاريخ خطفا، لكنها تترك في الدنيا "دويا كأنما تداول سمع المرء أنمله العشر" كما قال المتنبي، درس الطب ككثيرين، لكنه تخصص في علاج القضية". كان والد حداد مدرسا للغة العربية في إحدى المدارس الثانوية في حيفا، تلقى وديع تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي، و يحكى أنه كان يتميز بذكاء متقد، و بنشاطات متميزة، و قد كان متفوقا في الرياضيات و ممارسا للرياضة خاصة رياضة الجري. عندما حلت النكبة بالشعب الفلسطيني اضطر وديع حداد كالعديد من أبناء جيله إلى الهجرة فلجأ مع أسرته إلى بيروت حيث تابع دراسته في الطب بالجامعة الأمريكية ببيروت، و هناك تعرف على رفيق دربه جورج حبش الملقب بالحكيم، و عندما تأسست جمعية العروة الوثقى (جمعية ضمت مجموعة من الطلبة العرب القوميين)، التي ساهم جورج حبش في تأسيسها، كان وديع حداد أحد قيادييها، و ساهم وديع كذلك في تأسيس حركة القوميين العرب، و من بعدها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث تحمل مسؤولية المالية و كذلك العمل العسكري الخارجي، و من خلال هذا التنظيم الخارجي قام أبو هاني (لقب وديع حداد) بتشكيل العديد من الخلايا عبر العالم. لقد استطاع وديع حداد أن يحول سماء العالم إلى ساحة معركة عالمية، اخترق بها حجب الضباب الكثيف الذي كان يلف القضية الفلسطينية خاصة لدى الرأي العام الغربي، هكذا رفرفت الراية الفلسطينية فوق بلدان العالم معلنة الولادة الجديدة للثورة الفلسطينية، التي ساهم وديع حداد في إطلاق شرارتها. لقد كان الشهيد القائد أبو هاني، الثائر الاستثنائي، أول فلسطيني قام بتدويل القضية الفلسطينية عبر العمليات الكثيرة التي خطط لها و نظمها و قام بتنفيذها بمساعدة رفاقه و رفيقاته عبر العالم. لقد أعطى الشهيد وديع حداد بعدا أمميا للثورة الفلسطينية. هكذا تحرك جيش من المناضلين و المناضلات عبر العالم يحملون هم القضية الفلسطينية و يدافعون عنها باستماتة حتى الشهادة. و رغم قوة التكنولوجيا الأمنية الإمبريالية و الصهيونية استطاع هذا الثائر الاستثنائي أن يخترق كل الحدود و المطارات. لقد وصفت المخابرات الصهيونية و كيانها المحتل هذا العبقري الفريد من نوعه ب "الإرهابي المتمرس و المتعدد المواهب"، و بالفعل انطلقت عمليات خطف الطائرات منذ 1968، عندما قامت مجموعة فلسطينية بتحويل مسار طائرة العال و احتجاز الرهائن و المطالبة بإطلاق الأسرى الفلسطينيين، و خضع الكيان الصهيوني للثوار بإطلاقه مجموعة من الأسرى الفلسطينيين مقابل الرهائن. من أشهر عمليات خطف الطائرات، خطف الطائرة الألمانية لاند سهوت و كذلك عملية مطار اللد (بن غريون حاليا بالقرب من تل أبيب) في 30 ماي 1972 التي خطط لها وديع حداد و نفذتها مجموعة من منظمة الجيش الأحمر الياباني بقيادة أوكا موطو مسلحين ببنادق هجومية و قنابل يدوية، و أسفرت عن مقتل 26 صهيوني واستشهد اثنان من عناصر الجيش الأحمر الياباني و 80 جريحا (عملية مطار اللد هي هجوم نفذه ثلاثة أعضاء من منظمة الجيش الأحمر الياباني بالتعاون مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، العمليات الخارجية) و منفذو العملية هم كوزو أوكا موتو و سويوشي اوكو دايرا و ياسويوكي ياسودا، و مخطط العملية كان وديع حداد و بمساعدة أوكا موتو. لقد كان هذا العقل المبدع يتوفر على تجربة و خبرات في مجال العمل الثوري، فمنذ التحاقه بحركة القوميين العرب في الخمسينات، حيث أصبح مسؤول النشاط العسكري داخلها، و بعد تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نقل معه خبراته، و قام بتأسيس ما سمي ب "العمليات الخارجية للجبهة"، حيث سيعرف أبو هاني بذلك الشعار الخالد "وراء العدو في كل مكان"، و لما جاء المؤتمر الثالث للجبهة الشعبية و قرر توقيف عمليات خطف الطائرات، و تم طرد وديع حداد من الجبهة، قام بتأسيس تنظيم جديد تحت اسم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – العمليات الخارجية، و استمر في عملياته إلى أن استشهد في 28 مارس 1978 بألمانيا الشرقية. لقد كان وديع حداد مناضلا أمميا بامتياز، و ساهم في تدريب و تكوين منظمات عالمية من بينها منظمة الجيش الأحمر الياباني، و استقطب قادة الجيش الأحمر الألماني إلى مراكز تدريب الجبهة الشعبية، و من بينهم اندرياس بادر و أولرايك ماينهوف، و استقبل كذلك المقاتل الكولومبي الشهير كارلوس، و ربط علاقات قوية مع حركات التحرر الوطني في أمريكا اللاتينية خاصة مع الجبهة السندينية للتحرير الوطني. لقد كان وديع حداد، المناضل الاستثنائي أستاذا في فن العمليات الخاصة و معلما فذا لجيل كامل من المناضلين الأمميين الثوريين، الذين رأوا في العنف الثوري طريقا للتحرر من الرأسمالية و الاستعمار، و قد كان كذلك ملهما لحركات سياسية كثيرة، اعتنقت مبادئ العنف الثوري لمواجهة الاستبداد و عنف السلطات، و كذلك بالنسبة لمناضلين كانوا يميزون بين العنف الثوري و الإرهاب أمثال محمد بودية و كمال خيربك و فؤاد عوض و باسل الكبيسي و جايل العرجة و أنيس النقاش و فايز جابر و غيرهم كثير، و امتدت علاقته من اليابان إلى أمريكا اللاتينية. و من المعروف أن جلال الطلباني الذي كان قد أصبح رئيسا للعراق كان أحد رجاله، و كان يكلفه بجمع المعلومات بأوروبا و إرسال الرسائل إلى خلاياه المنتشرة في عدد من جهات العالم، و حينما أسس وديع حداد "الجهاز الخاص" في إقليم فلسطين التابع لحركة القوميين العرب اختار لمعاونته كلا من فايز جابر، صبحي التميمي، و هما مؤسسا "أبطال العودة" سنة 1966، التي انضمت إلى الجبهة الشعبية قبيل التأسيس سنة 1967، و الجهاز الخاص هو الأب الشرعي للمجال الخارجي الذي ظهر في إطار الجبهة الشعبية سنة 1968، و ذلك تطبيقا لشعار "مطاردة العدو في كل مكان". لقد رأينا كيف دشن هذا الجهاز عملياته باختطاف طائرة العال، المتجهة من روما إلى تل أبيب و الهبوط بها في مطار الجزائر، و تبقى أكثر العمليات الخاصة إثارة، هي عملية تحرير جورج حبش من سجن الشيخ حسن في دمشق، و هي العملية التي خططها أبو هاني و نفذها في قلب دمشق في 5 نونبر 1968، و شارك في تنفيذها كل من أحمد جنداوي و محمد سعيد (أبو أمل) و محمود الألوسي (أبو حنفي) و جبريل نوفل (أبو رأفت) و فايز قدورة و زكي هلو و وداد قمري و آخرون. و تمكن هؤلاء جميعا بقيادة وديع حداد من تحرير جورج حبش من سيارة الشرطة العسكرية كانت تنقله من المحكمة إلى السجن. لقد كان وديع حداد صديقا و رفيقا حميما لجورج حبش منذ أن تعرف عليه في الجامعة الأمريكية ببيروت، و بعد تخرجهما قاما بافتتاح مصحة في عمان، حيث كانا يعالجان مرضاهما من فلسطينيي المخيمات في الأردن مجانا، كما عملا معا سنة 1956 مع أطباء الأونوروا، و في سنة 1957 اعتقل وديع حداد من طرف البوليس الأردني بتهمة العمل السياسي، لكن في سنة 1961 استطاع الهروب من السجن و الدخول إلى سوريا. - و عندما احتد الخلاف حول عمليات خطف الطائرات داخل الجبهة الشعبية، و قام مجموعة من المناضلين بمهاجمة وديع حداد من بينهم أحمد اليماني و صلاح صلاح و وليد قدورة، و تم اتخاذ القرار بتوقيف العمليات، تم طرد وديع حداد من الجبهة الشعبية، إلا أن المؤتمر الخامس للجبهة أعاد الاعتبار لوديع حداد معتبرا إياه "رمزا وطنيا و فلسطينيا فذا قدم كل شيء في سبيل فلسطين التي حلم و عمل دائما من أجل الوصول إليها بأقرب الآجال و أقصر الطرق"، و تم إعادة اعتبار التنظيم له، و كما يقال، في الليلة الظلماء يفتقد البدر سيصبح قبر الشهيد أبو هاني محجا للمناضلين و المناضلات، اللذين اشتاقوا إلى روح الثورة و ينبوعها. لقد قام وديع حداد بعد طرده من الجبهة بتأسيس مجموعة "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – العمليات الخارجية". و يقول صقر أبو فخر في مقاله وديع حداد في مجلة "الهدف" لسان حال الجبهة الشعبية، التي أسسها الشهيد غسان كنفاني: "مهما يكن الأمر، و بعد خلاف مع جورج حبش على خطف الطائرات التقى الاثنان في بغداد سنة 1976، و هو لقاء اختلطت فيه الدموع بالكلام، و بفيض من المحبة الجارفة، لم يمهله سرطان الدم، الذي بدأت عوارضه تظهر عليه في أواخر 1977، فنقل إلى ألمانيا الشرقية في 1 مارس 1978 و توفي فيها في 28 مارس 1978 و دفن في بغداد في 1 أبريل 1978، و أقيمت له جنازة مهيبة تليق بمستواه النضالي، و تحت شعار الجبهة كتب على شاهد قبره: أبو هاني الدكتور وديع إلياس حداد فلسطين – صفد - 1928 – 1978 مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنا لم أمت، أنا لم أزل أدعوك من خلف الجراح (هذا البيت الشعري مأخوذ من قصيدة "المعركة" لمعين بسيسو، و ضعه جورج حبش على شاهد قبر الشهيد وديع حداد) قصيدة المعركة لمعين بسيسو الشاعر الشيوعي الفلسطيني، شاعر غزة قصيدة المعركة معين بسيسو أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح و انظر إلى شفتي أطبقتا على هوج الرياح أنا لم أمت! أنا لم أزل أدعوك من خلف الجراح واقرع طبولك يستجب لك كل شعبك للقتال يا أيها الموتى أفيقوا: إن عهد الموت زال يا أيها الموتى أفيقوا: إن عهد الموت زال و لتحملوا البركان تقذفه لنا حمم الجبال هذا هو اليوم الذي قد حددته لنا الحياة هذا هو اليوم الذي حددته لنا الحياة للثورة الكبرى على الغيلان أعداء الحياة فإذا سقطنا يا رفيقي في جحيم المعركة فإذا سقطنا يا رفيقي في جحيم المعركة انظر تجد علما يرفرف فوق نار المعركة ما زال يحمله رفاقك يا رفيق المعركة ما زال يحمله رفاقك يا رفيق المعركة الشــهــيد الرفيق أبو علي مصطفى عدنا لنقاوم لا لنساوم (من أقوال الشهيد) ولد مصطفى علي العلي الزبري الشهير بأبو علي مصطفى في بلدة عرابة في محافظة جنين يوم 14 ماي 1938، و كان والده مزارعا في البلدة بعد أن عمل في سكة حديد و ميناء حيفا، و هو أحد المشاركين في الثورة الفلسطينية 1936، و قد كان أبو علي متزوجا و له خمسة أبناء و الشقيق الأكبر لتيسير الزبري أحد قادة الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين. درس أبو علي المرحلة الأولى في بلدته عرابة، ثم انتقل بعد ذلك مع أسرته إلى عمان بالأردن سنة 1950، حيث بدأ حياته العملية و أكمل دراسته بها، و خضع أبو علي مصطفى لدورة عسكرية لتخريج ضباط فدائيين في مدرسة "أنشاص" المصرية 1965 قبل أن يفتتح عمله النضالي. زاول أبو علي مجموعة من الأعمال من بينها عمل في منجرة و محل للزجاج و في مصنع للكرتون و أعمال أخرى متعددة و بسيطة، و قد ساهم انتماؤه هذا للفقراء و الطبقة العاملة إسهاما عميقا في تكوين فكره و شخصيته و سلوكه و أعطاه إحساسا قويا بقضايا الكادحين. التحق أبو علي في سن 17 من عمره بحركة القوميين العرب، التي أسسها جورج حبش سنة 1955، و اعتقل بعد عامين عندما أعلنت في الأردن الأحكام العرفية و تم حل الأحزاب السياسية فحوكم أمام محكمة عسكرية، فقضى في سجن "الجفر" بصحراء الأردن خمس سنوات، و في سنة 1963 تعرف على رفيقة دربه في الكفاح أم هاني و كان ذلك بعد الإفراج عنه مباشرة، فتزوجها في يوم 23 يوليوز 1964، محبة منه للزعيم جمال عبد الناصر، و بعد الزواج، انتقل أبو علي و أسرته إلى مدينة جنين و سكن في الحارة الشرقية و افتتح محلا تجاريا للمواد الزراعية، ثم حوله إلى مطعم شعبي للفول و الحمص و الفلافل، و قد ظل أبو علي مصطفى منحازا للخط القومي للجبهة الشعبية، و اتخذ مواقف مناوئة للمجموعة اليسارية المنشقة عن الجبهة الشعبية بقيادة نايف حواتمة، التي انشقت سنة 1969 ، و نتج عن ذلك تأسيس "الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين"، و بعد إنهاء دورته التدريبية في "أنشاص" سنة 1965 عاد أبو علي إلى جنين لقيادة العمل في حركة القوميين العرب للمنطقة الشمالية للضفة الغربية حتى أعيد اعتقاله 1966 و ذلك بعد أحداث معركة السموع جنوب مدينة الخليل، و بقي في السجن عدة أشهر قبل أن يطلق سراحه بعد هزيمة يونيو 1967. و قاد أبو علي الدوريات الأولى نحو الوطن المحتل عبر نهر الأردن، و عمل أبو علي كذلك على تهريب السلاح إلى الداخل و إعادة بناء التنظيم و نشر الخلايا العسكرية و تنسيق النشاطات ما بين الضفة و القطاع، و كان ملاحقا من طرف سلطات الاحتلال، و اختفى مدة في الضفة عند بدايات تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، و تولى مسؤولية الداخل في قيادة الجبهة ثم المسؤول العسكري لقواتها بالأردن إلى سنة 1971. و كان أبو علي، و هو القائد العسكري للجبهة الشعبية أثناء معارك المقاومة في سنواتها الأولى ضد الاحتلال، قد شارك في "معركة الكرامة" سنة 1968، و كذلك خلال مواجهات جرش و عجلون ضد الجيش الأردني في أيلول الأسود سنة 1970، ثم غادر الأردن سرا إلى لبنان سنة 1971، و شارك أبو علي في مقاومة الاجتياح الصهيوني للبنان، و خرج مع عناصر المقاومة الفلسطينية إلى سوريا، و ترأس وفد الجبهة الشعبية في حوارها مع حركة التحرير الوطني فتح في عدن و الجزائر سنة 1984، و في بلغاريا سنة 1987، و أصبح عضوا بالمجلس المركزي و عضوا باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بين عامي 1987 و 1991. في سنة 1967، شارك أبو علي مع جورج حبش وآخرون في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، و خلال ثلاثة عقود كان نائبا للأمين العام ثم أمينا عاما في سنة 2000 بعدما استقال حبش، الذي كان رفيق دربه على مدى 45 سنة. انتخب أبو علي مصطفى عضوا باللجنة المركزية بالجبهة سنة 1969، و عضوا بالقيادة اليومية سنة 1970، و في المؤتمر الوطني السادس سنة 2000، انتخب أمينا عاما للجبهة الشعبية، و ظل كذلك إلى حدود استشهاده سنة 2001. لم تكن المحاولة التي تم فيها اغتياله هي الأولى من نوعها، فقد تعرض للعديد من المحاولات كان أبرزها في منطقة الكولا ببيروت، حيث كان يسكن في بناية من 12 طابقا، و قد تم ركن سيارة مفخخة بالمتفجرات أسفل البناية، لكن يقظة جهازه الأمني جعلته يكشف أمرها، و مرة أخرى، و في منطقة الأغوار بالأردن تعرضت سيارته لقصف مدفعي كبير، و ظن الجميع أن أبو علي قد استشهد، لكنه تمكن من إلقاء نفسه خارج السيارة و الاختباء بمزارع الموز المجاورة حتى زال الخطر، و بعد عقد اتفاق أسلو بين منظمة التحرير و الكيان الصهيوني سنة 1993 قرر أبو علي العودة إلى الضفة، رغم الرفض و المعارضة الشديدة لعدد من رفاقه، و قد سمح له بالعودة سنة 1996، و حصل على الرقم الوطني بصفته مواطنا فلسطينيا من بلدة عرابة. و عند جسر العودة (جسر يربط الأردن بفلسطين )أطلق مقولته الشهيرة "عدنا لنقاوم لا لنساوم"، و بالفعل، لم يستكن أبو علي و لم يهدأ، و اتهمه الكيان الصهيوني بالمسؤولية عن عدد من عمليات التفجير في القدس و تل أبيب، و بالقرب من مطار اللد، خلال سنتي 2000 و 2001، و في 27 غشت 2001 اغتالته الطائرات الحربية الصهيونية بقصف مكتبه في رام الله، و بعد استشهاده و الجنازة المهيبة التي أقيمت له في رام الله، أخذ مكانه أحمد سعدات (أبو غسان)، الذي لم يتردد في الثأر له و ذلك باغتيال الوزير الصهيوني رحبعام زئيفي في 17 أكتوبر2001. الشــهــيد غسان كنفاني المثقف العضوي للشعب الفلسطيني - قد يرغمني العدو على الهزيمة، و لكنه لن يرغمني على الضحك. - الهرب لا ينجيك من قدرك، واجه بكل قوة ما يعترضك و ما ينتظرك، لكن إياك و الهرب فهو يقصر العمر و يجعلك في خوف دائم. - ليس مهما أن يموت الإنسان قبل أن يحقق فكرته النبيلة، بل المهم أن يجد لنفسه فكرة نبيلة قبل أن يموت. - أموت و سلاحي بيدي لا أن أحيى و سلاحي بيد عدوي. - احذروا الموت الطبيعي، و لا تموتوا إلا بين زخات الرصاص. - ليس مهما أن يموت الإنسان قبل أن يحقق فكرته النبيلة، بل المهم أن يجد لنفسه فكرة نبيلة قبل أن يموت. - خلقت أكتاف الرجال لحمل البنادق، فإما عظماء فوق الأرض أو عظاما في جوفها. من أقوال غسان كنفاني فتى، وأي فتى قتلوا، إنه الشهيد غسان كنفاني، الذي في كل ذكرى استشهاده تتجدد ولادته في مستقبل شعوب ما زالت في الطريق إلى حريتها، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني. تميز غسان بفرادته، ليس لكونه كاتب قصة و روائي و ناقد فقط، لقد استطاع غسان أن يستجيب للتجربة الجماعية من خلال تاريخه و تجربته الشخصية، بل إن غسان امتلك منظورا سياسيا و نضاليا مكنه من تمثل تجارب شعوب مختلفة في القرن 20، ضمن ظروف تاريخية و سياسية و اقتصادية مروعة. لم يعش غسان أكثر من 36 سنة، ولم يمارس الكتابة لأكثر من 16 عاما، لو أنه مارسها ل 40 سنة أخرى بتراكمات الوعي و الثقافة و المعرفة و التجربة، أين أمكن له أن يصل، و هو الذي له القدرة الكبيرة على التجدد؟ لذلك عندما اتخذ الكيان الصهيوني قرار اغتيال هذا الرجل، فقد كان حقا أهم و أذكى و أنجح القرارات التي اتخذها منذ تأسيسه. في سنوات قليلة هي مدة حياته جمع هذا المثقف العضوي، كلا من الروائي و القاص و المسرحي و الناقد و الصحفي و الرسام و الديزاينر و الحزبي و السياسي و العاشق و المناضل و الشهيد. كتب غسان في كل شيء، في مفهوم الحرية في الأدب، في السياسة، في المجتمع، في الفكر، لقد أسس ثورته الخاصة في كل ذلك وأسس لثورات جمعية ستذكره كلما حلت ذكرى ولادته واستشهاده. هو المثقف الثوري والأديب الحداثي والناقد الساخر اللاذع. أنتج غسان أدبا متقدما بخطاب إنساني و ثوري واضح، و بقيمة فنية إبداعية لافتة على كل المستويات. يملك غسان كنفاني مقومات الأديب الجماهيري، إذ أدرك منذ باكورة أعماله الأدبية أهمية الجماهير عندما تتحرك الشعوب لانتزاع حقوقها و حريتها، من هذا المنطلق عمل غسان على توسيع قاعدة عمله الإبداعي، و رأى أن على المناضل ألا يقف عند نوع فني و أدبي واحد حتى يستطيع أن يؤثر على أكبر عدد من فئات الشعب. تنوعت إبداعاته لتشمل العديد من الفنون: الصحافة، الرسم، التعليم، و الكتابة الأدبية، من القصة القصيرة إلى الرواية و المسرحية بحرية الأديب المجرب و انسيابية المبدع، و قد تأثر كنفاني في أدبه بأدباء عالميين على رأسهم لوركا وبريخت. في كل أعماله لم يوجد أي عمل لغسان بدون مضمون سياسي أو رؤية ثورية. هو كما يقول محمود درويش "أحد النادرين اللذين أعطوا الحبر زخم الدم ... ونقل الحبر إلى مرتبة الشرف وأعطاه قيمة الدم". ترك غسان وراءه سيرة كاتب مبدع خلد اسمه في سجل أفضل الروائيين، ليس في الساحة الفلسطينية فحسب بل العربية أيضا، إنه الموهبة التي لم تكتمل و المشروع الذي لم ينجز و إبداعات أخرى لم تكتب. كانت لعبقرية غسان الإبداعية أن تعطي ثمارها و أكلها و ترفد الساحة العربية بروايات و قصص و مسرحيات أخرى لو لم تكن يد الغدر اللئيمة لتخطفه في ريعان شبابه، لكن رغم الخسارة الفادحة إلا أن غسان كنفاني اسم يتوقف عنده المرء كثيرا، و يصمت تقديرا لروحه و قلمه و لنضاله، إنه شهيد الكلمة. قال عنه غنام غنام (مسرحي فلسطيني): "75 عاما تفصلنا عن ميلاده و ثلاثون عاما تربطنا بيوم استشهاده، زرعت غسان فينا، و وزعت دمه علينا، و طرزت بحبره أوراقنا، ولونت برؤيته أحلامنا، و في كل عام يكبر غسان و يكبر السؤال، أي سر امتلكه هذا الغزال؟". غسان كنفاني الكاتب، يختار بحرية، و يفكك بحرية، و يعيد التركيب بحرية، و يناقض السائد من الأفكار بحرية، و يجعل الراسخ مشكوكا فيه، و تبقى الحرية هي الأمر الثابت الوحيد لديه، كيف لا يعشق الحرية و هو المنكوب في أرضه المتشبث بتحرير وطنه. في كل قصص غسان و رواياته كان الموضوع الفلسطيني بتفاصيله اليومية و التاريخية حاضرا و محركا لأبطاله و شخصياته، فيما كان في المسرح يعبر عن اتجاه إنساني عام، موغلا في الثوري المطلق مبتعدا عن الثوري الفلسطيني اليومي. و عن الحرية في المسرح يقول غسان: "أنا لا أحكي عن الحرية التي لها مقابل ... أنا أحكي عن الحرية التي هي نفسها المقابل". بعد أكثر من نصف قرن على رحيله ما زال غسان طاغي الحضور، حاضرا دائما ليذكر الناس بالأسئلة الأولى، أسئلة فلسطين التي تهجاها سؤالا سؤالا. بدأ غسان رحلته في الكتابة من شعوره الخانق بالعار، و من الندم الممزوج بالعجز. وقد كان من اللذين يتقنون العمل في أكثر من مهمة و على أكثر من جهة في وقت واحد، إذ مارس الصحافة و مختلف أنواع الأدب، و فنان متعدد المواهب، و فوق ذلك كله هو مثقف ناقد رائد ذو رؤية ثاقبة عبر عنها في أقواله الشهيرة و الخالدة، هذا إضافة إلى نشاطه السياسي في المقاومة الفلسطينية، فقد كان قائدا سياسيا بارزا في المقاومة الفلسطينية، كل هذا الرصيد الهائل، كأنه كان له إحساس أن العمر قصير و لابد أن يسلك التكثيف لأعماله في الوقت القصير ذلك. كان غسان رجل مواقف بدون منازع، و يمكن إبراز مواقفه من خلال أربعة قضايا: أولها، أنه كان السباق إلى استخدام تعبير "أدب المقاومة" لوصف إنتاجات الأدباء الفلسطينيين في مناطق 48، أي الأراضي التي أقامت عليها الحركة الصهيونية "دولتها" في ماي 1948، اللذين كان العالم ينظر إليهم نظرة سلبية و متوجسة، و قد كان أهم كتاب له "أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948–1968". و كما يقول غسان: "... فإن المثقفين الفلسطينيين في مناطق 48 تابعوا مسيرة أسلافهم، و قدموا في الفترة الممتدة بين 48 و 68، في ظل أقسى ظروف القمع، نموذجا تاريخيا لثقافة المقاومة بكل ما فيها من وعي و صمود و صلابة، و أهم من ذلك، بكل ما فيها من استمرار و تصاعد و عمق". ثانيهما، أن غسان أحسن من درس ثورة 1936، و حلل أسباب هزيمتها، إذ رأى أن أحد الأسباب الرئيسية تتمثل في طبيعة قيادتها التي وصفها ب " شبه الإقطاعية، شبه الدينية". ثالثهما، أن غسان كنفاني كان من أوائل المثقفين الفلسطينيين و العرب النقديين، اللذين حللوا مسألة التطبيع الثقافي، في الوقت الذي لم يطرحها المثقفون العرب إلا بعد اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و الكيان الصهيوني سنة 1978. كان غسان شعبا في رجل، كان قضية و كان وطنا، لم تعرف حياته الفصل بين القول و الفعل، فكان كاتبا ملتزما بقضايا شعبه الوطنية و القومية و الطبقية، و مناضلا سياسيا مدافعا عن حق شعبه الفلسطيني في الحرية و الاستقلال. كان مسكونا بالهاجس الفلسطيني بشكل عجيب، فقد عاش مأساة شعبه و حمل جراحه و آلامه و همومه في أعماق قلبه، فخرج من كل ذلك فن في غاية الجمال و الأصالة، جاء تجسيدا لواقع الشعب الفلسطيني العامر بالبؤس و الآلام و القهر الاجتماعي الذي يعيشه الفلسطيني المشرد و المطارد في المخيمات الفلسطينية في جميع أنحاء العالم. غسان كنفاني، هو ذلك الكاتب الثوري، الذي يمقت الشعارات الجوفاء، الخالية من المضامين الثورية الحقيقية، مهاجم شرس للانتهازية و الانتهازيين، يقاوم الوصوليين و النفعيين بكل شراسة، و يتصدى للمرتزقة و المرتدين بلا هوادة، و لكل هذا أحبته الجماهير الشعبية الفلسطينية لأنه يتكلم باسمها، و هو يتمتع بكل هذه الصفات فقد حظي بكل تقدير من رفاقه و شعبه بمختلف تياراته السياسية و اتجاهاته الفكرية. فلنتتبع مسار هذا الرجل الاستثنائي منذ ولادته إلى استشهاده؟ 1) غسان كنفاني الولادة و النشأة ولد غسان كنفاني في 9 أبريل 1936 في وقت كانت فلسطين تحترق بنار الثورة الكبرى، و كانت سلطات الاحتلال قد شمرت على ساقيها لاجتثاث إرادة الشعب للتحرر، عاش في مدينة يافا، ثم اضطر والده إلى النزوح عنها مع أسرته تحت ضغط الاحتلال الصهيوني سنة 1940، ثم أقام لفترة وجيزة مع أسرته في جنوب لبنان، ثم بعد ذلك انتقلت أسرته إلى دمشق، و قد عاش فيها حياة صعبة و قاسية، حيث عمل والده في مهنة المحاماة، و قد اختار أن يعمل في قضايا كان معظمها قضايا وطنية خاصة بالثورات التي كانت تحدث آنذاك في فلسطين، عمل أبوه في النشاطات و قد اعتقل لمرات عديدة، و قد تميز بكونه شخصا عصاميا و ذو آراء متميزة، الأمر الذي ترك آثارا عظيمة في شخصية غسان و حياته. كانت هذه المحطات المختلفة التي مر بها غسان و هو طفل من العناصر التي جعلته و هو رجل ناضج ذلك الرجل الثوري في كل شيء. دخل غسان روضة الأستاذ وديع سري في مدينة يافا و قد كان وقتها في الثانية من عمره، بها تعلم اللغة الفرنسية و الانجليزية و العربية، ثم انتقل إلى مدرسة الفرير التي مكث فيها إلى غاية سنة 1948، و بعدها أكمل المرحلة الإعدادية من تعلمه في مدرسة بدمشق المعروفة باسم الكلية العلمية الوطنية، ثم منها انتقل مباشرة إلى مدرسة الثانوية التأهيلية و بعدها التحق بكلية الآداب في الجامعة السورية سنة 1954. 2) الحياة المهنية لغسان كنفاني عمل غسان منذ شبابه في مجال النضال الوطني – و هل يمكنه ألا يكون إلا مناضلا- فقد عمل مدرسا للتربية الفنية في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في دمشق، ثم انتقل بعدها إلى الكويت سنة 1965، إذ عمل هناك معلما للرياضة و الرسم في مدارس الكويت الرسمية، و كان خلال هذه الفترة يعمل أيضا في الصحافة، و بدأ إنتاجه و إبداعه الأدبي في نفس الفترة، انتقل سنة 1960 إلى مدينة بيروت حيث عمل هناك محرر اأدبيا في جريدة "الحرية" الأسبوعية، ثم في سنة 1963 أصبح رئيس تحرير لجريدة "المحرر"، كما عمل أيضا في كل من جريدة "الحوادث" و "الأنوار" حتى سنة 1969، فكل هذه الجرائد كان كاتبا أو محررا ثم أصبح مؤسسا لصحيفة "الهدف" لسان حال "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، و ظل رئيس تحريرها لفترة من الزمن. 3) الحياة الأدبية لغسان كنفاني يعد غسان كنفاني نموذجا مثاليا للروائي و الكاتب السياسي و القاص و الناقد، فقد كان مبدعا معروفا في كتاباته، كما كان مبدعا في نضاله و حياته. حصل على عدة جوائز منها جائزة "أصدقاء الكتاب" عن روايته "ما تبقى لكم" 1966، و التي اعتبرت وقتها أفضل رواياته، كما حصل على جائزة "منظمة الصحافيين العالمية" 1974، و حصل على جائزة "اللوتس" منحه إياها "اتحاد كتاب افريقيا وآسيا" سنة 1975. ترجمت معظم أعمال غسان الأدبية إلى17 لغة. غسان كنفاني الروائي يتمثل في تأليفه عدة روايات و قصص أشهرها: عائد إلى حيفا: من أبرز الروايات في الأدب الفلسطيني المعاصر، و تعتبر من أدبيات المقاومة، قد تكون في نصها عملا أدبيا روائيا إلا أنها في نصها الإنساني تجربة عاشها غسان و عاشها كل فلسطيني، تجربة جرح وطن و عذاب إنسان عانى الظلم و التشرد إلا أنه دائما يحمل أمل العودة إلى ذلك الوطن الساكن في الوجدان، و يرسم غسان في هذه الرواية الوعي الجديد الذي بدأ يتبلور بعد نكبة 1948. أرض البرتقال الحزين: حاول فيها تصوير الشخصية الفلسطينية أمام قدرها في الداخل الفلسطيني، كما تصور المجموعة القصصية حالة الفقد و التهجير مكان الوطن معتمدا على الواقع و الخيال. عالم ليس لنا: أحد أشهر أعمال غسان كنفاني، و قد دارت هذه المجموعة القصصية، كما هي أغلب أعماله، حول قضية النضال الفلسطيني. ما تبقى لكم: هي تجربة كنفاني الثانية في كتابة الرواية بعد "رجال في الشمس"، تعبر عن إرادة الخروج من الذات إلى الفعل، و من الهموم الشخصية إلى الهم العام. تتحدث الرواية عن أسرة فلسطينية نزحت إلى غزة من مدينة يافا بعد أن استولى الصهاينة على المدينة، و أدى هذا النزوح إلى تشتت الأسرة و تفتتها. عن الرجال و البنادق: مجموعة قصصية يستلهم فيها كنفاني ككل إبداعه الأدبي مأساة الشعب الفلسطيني و عن كفاحه ضد المعتدي الصهيوني الذي احتل أرضه. القميص المسروق: يناقش غسان كنفاني في القصة آلام الفلسطيني و الظلم الذي يواجهه تحت الاحتلال من خلال استعانته بالرموز تشير إلى أحداث النكبة و القضية الفلسطينية، و رسالته في هذه القصة تحذير الفلسطينيين من السرقة التي تتعرض لها أرضهم و المغريات التي قد توضع أمامهم لتسهيل هذه السرقة. رجال في الشمس: الرواية الاولى لغسان كنفاني، تصف تأثيرات النكبة سنة 1948 على الشعب الفلسطيني، و هي تقدم الفلسطيني في صيغة اللاجئ. أمسعد: امرأة كتب عنها كنفاني، و هي نموذج للأم الفلسطينية التي تؤمن بأنها جزء من صناعة التغيير، امرأة تفتخر بأنها تلد الأولاد ليصيروا فدائيين من أجل فلسطين، هي التي هجرت من أرضها فأدركت أن الرصاص هو طريق العودة الأوحد، و أن جرح الوطن غائر أكثر مما يمكن تصوره. العاشق: أحد أشهر أعمال غسان كنفاني، تضم ثلاث روايات غير مكتملة النهاية، نشرت لأول مرة بعد اغتياله في مجلة شؤون فلسطينية، في قصة العاشق تشابك المصائر و عشوائية الحياة التي تسير في خطوط متعرجة، بحث في تأثير الصدف على حياة البشر، فيها يرسم غسان صورا للنسيج النضالي الذي يجسده المناضلون الفلسطينيون. كانت تلك الأعمال إذن ترصد حياة الفلسطينيين في الخارج لينتقل بعدها إلى رصد الداخل. فمع متوالية السردية "عن الرجال والبنادق"، أعاد طرح أسئلة المقاومة و الهوية، في إطار فني جديد، جعل الرواية قصصا قصيرة منفصلة و متصلة في الوقت نفسه. داخل تلك الروايات كانت شخصياته غارقة في الحوار مع الذات، و كأنها تريد أن تقول أن على الفلسطيني أن يسائل نفسه قبل الآخرين ليصل بها إلى المواجهة الكبرى مع العدو، و التي سيديرها في "عائد إلى حيفا". و لكنفاني السبق في الأدب العربي في إظهار اليهودي كضحية للصهيونية، و هو أول من دعا "فتح" آن ظهورها في البدايات إلى النقاش، و يومها كتب مقالا بعنوان "فتح مدعوة للنقاش" متسائلا عن هوية المشروع الوطني الفلسطيني و علاقته بالخط القومي و عن الثورة الخ ... و هو أيضا أبرز من تساءل عما يكتبه الصهاينة، و كتابه "في الأدب الصهيوني" هو الأول عربيا في هذا الباب، حيث تتبع المشروع الصهيوني منذ كان فكرا حتى أضحى احتلالا استعماريا، و هو إلى ذلك، أول من كتب عن "شعراء الأرض المحتلة" فأحدث رجة في الشعر العربي الحديث، و أول من نشر رسومات ناجي العلي. كنفاني هو أيضا كاتب تجربته الشخصية التي تماهت مع التجربة الجمعية إلى درجة يصعب فصل الواحدة عن الأخرى. "كان غسان كاتبا ثوريا بارزا مسلحا بالفكر العلمي الاشتراكي ماقتا الشعارات الجوفاء الخالية من المضامين الثورية الحقيقية، مهاجما الانتهازية والانتهازيين، مقاوما الوصوليين و النفعيين، و متصديا للمرتزقة و المرتدين عن الخط الثوري اليساري، و لذلك أحبته الجماهير الشعبية الفلسطينية، و حظي بتقدير رفاقه و شعبه و تياراته السياسية و اتجاهاته الفكرية" (الكاتب و الأديب الفلسطيني شاكر فريد حسن). يقول محمود درويش عن غسان كنفاني: "لدى قراءة كنفاني اليوم نكتشف أولا ودائما، أنه في عمق وعيه كان يدرك أن الثقافة أصل من عدة أصول للسياسة، و أنه ما من مشروع سياسي دون مشروع ثقافي. لعل المسعى الأهم لبحوث كنفاني الأدبية هو ذلك المتمثل في ترسيخ أسس ولادة الفلسطيني الجديد لجهة التآني عن الإنسان المجرد و الفلسطيني المجرد، و الاقتراب من الإنسان الفلسطيني، الذي يعي أسباب نكبته و يدرك أحوال العالم العربي، و يعرف أكثر الصهيوني الذي يواجهه، و هذه المهمة لا تستطيع أن تقوم بها إلا ثقافة بمفهومها النقدي، المتجاوز لما هو سائد، الذي يقطع مع القيم البالية". إن عبقرية غسان كنفاني الإبداعية كان بإمكانها أن تعطي ثمارها و أكلها و ترفد الساحة العربية بروايات و قصص و مسرحيات أخرى لو لم تكن يد الغدر اللئيمة لتخطفه في ريعان شبابه ، و تترك وراءها سيرة كاتب مبدع خلد اسمه في سجل أفضل الروائيين، ليس في الساحة الفلسطينية فحسب، بل العربية أيضا، موهبة لم تكتمل، مشروع لم ينجز و إبداعات أخرى لم تكتب. لكن رغم الخسارة الفادحة إلا أن غسان كنفاني اسم يتوقف عنده المرء كثيرا وبصمت أمام أحد شهداء الكلمة تقديرا لروحه و لقلمه و لنضاله. كما يقول ابراهيم نصر الله: "لم يكن غسان كنفاني، الذي احتضن أدب المقاومة هذا بأدبه المقاوم و نقده المقاوم و دمه يسأل عن الدور الذي يمكن أن تلعبه نصوص محمود درويش و سميح القاسم و توفيق زياد و راشد حسن و حنا أبو حنا و سالم جبران و توفيق فياض ... فقد كان البشر يدركون هذا الدور و يؤمنون أن الثقافة خليقتهم، و يعرفون أن للكلمات ثمنا باهضا و أن أعمار الشجعان أقصر من أعمار اللذين يبلعون ألسنتهم". لا يوجد شعب تم اغتيال هذه الأعداد من مبدعيه مثلما حدث مع الشعب الفلسطيني، لكنهم و إن غيبوهم جسديا فأثرهم باقي لا يمحى. عندما تم اغتيال غسان كنفاني قالت حينها غولدا مايير "بمقتل غسان تخلصنا من لواء فكري مسلح كان يشكل خطرا على إسرائيل أكثر من 1000 فدائي مسلح"، في إشارة إلى عمق كلمته و قدرته على تحريك المشاعر و خلق حالة تعبئة نفسية بالكلمة وحدها. لم يرحل غسان بالتأكيد، فاستمرار أثره جزء أساسي من صمود أي شعب و مقاومة أي شعب، فالشعوب التي لا تنتج مفكرين و ثورات على كل مستوى لا مستقبل لها و لأبنائها، و إن عاشت فإنها ستكون على الهامش. يصر غسان كنفاني على قوة حضوره، ولماذا؟ هل لأن ما كتبه لا يتغير؟ أم أنه كتب ما تغير؟ مهما كان، فإن غسان يحضر فينا كل يوم في كل ذكرى استشهاده ليذكرنا بأسئلتنا الأولى، أسئلة فلسطين التي تهجاها سؤالا سؤالا. "على مستوى الثقافة العربية، يمكن القول أن الشهيد غسان كنفاني هو واحد من تلك العبقريات التي عرفتها الثقافة الفلسطينية و العربية كلها، إذ يكفي قراءة قصة من قصصه ليجد القارئ لديه صلابة الموضوع و اختزال الفكرة و إشارتها لما هو أوسع منها. لا حاجة إلى الاستدلال الأدبي طويلا لتأكيد أهمية كنفاني الفارقة، إذ ليس أمضى من اغتيال الصهاينة له إشارة إلى خطورته بوصفه أديبا ألمعيا، و فنانا و قلما حرا شغوفا بعدالة قضيته، إلى جانب نضاله السياسي تخلص قراءة فاحصة في أدبه إلى أن أهميته ليست في عدالة الموقف فقط، بل في فنيته أيضا، و هما متلازمان في أدب كنفاني. لقد اغتالت "إسرائيل" كاتبا نجما وهو في السادسة و الثلاثين من عمره، و كان ما يزال لديه الكثير ليكتبه و يقوله نيابة عن شعبه، خصوصا أنه امتلك ناصية الفن، و قد جاء من قلب الصنعة الفنية و التجربة العميقة، بهذا كان خطره على "إسرائيل" مثل البارود، فما قدمه للقضية الفلسطينية يضاهي ما قدمته جيوش عربية كاملة. إنه عبقرية وأدها الاحتلال" (سومر شحادة، روائي سوري). "أحسب أن أحدا لم يمنح الكتابة ساعات يومه و وهج قلبه و خلاصة عقله كما فعل كنفاني، متألقا، متأنقا، جميلا، طيبا، ينبض بصرخات المعذبين و العشاق في آن واحد. فمن المستحيل أن تقرأ كنفاني و لا تفكر بفلسطين، و لا تفكر بحريتك الشخصية، و بتحرير بلدك، و تحرير عقلك" (الشهيد ناهض حتر مفكر أردني الذي تعرض للاغتيال في بلده الأردن). و كما قالت الديليستار في نعيها لغسان: كان كنفاني "المقاتل الذي لم يطلق رصاصة أبدا". كان غسان كنفاني أمميا بامتياز يؤمن بشدة بالطابع العالمي للنضال ضد الإمبريالية، التي ألقت بجسدها على كل أنحاء العالم، كان اغتيال كنفاني جزءا من حملة عنف و قتل عالمية شنها الكيان الصهيوني بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية ضد حركة التحرير الفلسطينية و داعميها. في أعقاب اغتيال كنفاني صرح الصحفي الإسرائيلي أوريدان، الذي كان مقربا من آرييل شارون إلى الدافع الوحشي وراء ذلك في صحيفة معاريف الإسرائيلية قائلا أن: "على أعضاء "الجبهة" الفلسطينيين أن يفهموا بأن إسرائيل قادرة أن تضرب في أي مكان، و يجب أن يكون مقتل غسان بمثابة إنذار واضح بالنسبة لهم. يجب ألا يتم التعامل مع مقتل غسان على أنه حدث معزول، الآن، وأكثر من أي وقت مضى، على القيادة الفلسطينية أن تكون مستعدة لإرهاب شخصي. أثبت مقتل غسان بأن ذلك ممكنا، و أنه يمكن فعل ذلك بدون عوائق تذكر". وفاة غسان كنفاني استشهد غسان كنفاني في يوم السبت صباحا بتاريخ 8 – 7- 1972 بتفخيخ سيارته، و التي وضعت من قبل جهة معينة (بل معلومة) بهدف اغتياله، فتناثرت جثته و جثة ابنة أخته التي كان يحبها كثيرا أشلاء. و قد دفن في مقبرة شهداء فلسطين التي تقع بالقرب من مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في العاصمة اللبنانية بيروت. لقد اغتال الصهاينة جسد غسان لكنهم لم يغتالوا الفكرة و القضية. وقع اغتيال كنفاني خلال موجة عالمية من اغتيالات معادية للثورة، تزايدت في الستينات و استمرت حتى الثمانينات، بالتزامن مع سلسلة انتصارات معادية للاستعمار، أهمها في فيتنام و الجزائر. خلد الشهيد غسان بعدة أقوال تحفظها أجيال تلو أجيال و بأقوال قيلت عنه نقتطف بعضها: - قضية فلسطين هي قضية كل ثائر، أينما هو، قضية الجموع المضطهدة و المقموعة. - أجرؤ على الاعتقاد بأن كتاباتي انطلقت دائما من الإيمان بأن الإنسان هو المسؤول عن مصيره، و هو القادر على اجتراحه أو تغييره، و في أحيان كثيرة قادر على إحراز شرف الموت في سبيله. - قد يرغمني العدو على الهزيمة، و لكنه لن يرغمني على الضحك. - الهرب لا ينجيك من قدرك، واجه بكل قوة ما يعترضك و ما ينتظرك، لكن إياك و الهرب فهو يقصر العمر و يجعلك في خوف دائم. - إننا حين نقف مع الإنسان فذلك شيء لا علاقة له بالدم و اللحم و تذاكر الهوية و جوازات السفر. - ليس مهما أن يموت الإنسان قبل أن يحقق فكرته النبيلة، بل المهم أن يجد لنفسه فكرة نبيلة قبل أن يموت. - أموت و سلاحي بيدي لا أن أحيى و سلاحي بيد عدوي. - احذروا الموت الطبيعي، و لا تموتوا إلا بين زخات الرصاص. - خلقت أكتاف الرجال لحمل البنادق، فإما عظماء فوق الأرض أو عظاما في جوفها. لا عذر لمن أدرك الفكرة و تخلى عنها. "ليس المهم أن يموت أحدنا، المهم أن تستمروا". يلخص حياة غسان كنفاني ما قاله رفيقه في النضال بالريشة: "احنا بنطلع من فلسطين لكن فلسطين ما تطلع منا" لم يحمل غسان بندقية فقد كان قلمه بندقية و اغتياله بتلك الطريقة المروعة تظهر أن القلم لا يقل إيلاما للعدو من البندقية بل هي تقوم بنفس التأثير على العدو، لقد شحذ غسان قلمه و لم يدعه في غمده و ما اغتياله و استشهاده إلا التعبير ما بعده التعبير على ما يجب أن يكون عليه المثقف الحقيقي. الشــهــيد محمد محمود مصلح الأسود غيفارا غزة الثورة لا تظلم لكنها لا ترحم "نحن نحكم غزة في النهار و غيفارا يحكمها في الليل "(من أقوال موشي ديان وزير الدفاع الصهيوني الشهير) ولد محمد محمود الأسود الملقب بغيفارا غزة في مدينة حيفا سنة 1943، و عندما حلت النكبة بالشعب الفلسطيني سنة 1948، هاجرت أسرته إلى قطاع غزة، حيث استقر بها المطاف، و هناك تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدارسها. انضم محمد محمود الأسود إلى "حركة القوميين العرب و هو في سن العشرين، و من المعلوم، أن "حركة القوميين العرب" تأسست في أعقاب نكبة 1948 بين أوساط طلبة الجامعات في لبنان، حيث رفعت شعار الوحدة و التحرر و الثأر، فالتحق بها الكثير من الفلسطينيين. تماهت الحركة مع موجة الناصرية الصاعدة أواسط خمسينيات القرن 20 الشيء الذي كان له أثر مباشر على الحالة الثورية في فلسطين، فالتحق بها محمد الأسود سنة 1963 ليصبح في وقت قصير، من أهم عناصر التنظيم الذي كان ينشط في قطاع غزة. لقد كانت حركة القوميين العرب مجالا لنشاطه الفكري و التنظيمي فأصبح بذلك أحد أنشط عناصر التنظيم في قطاع غزة، و بعد احتلال القطاع من طرف جيش الاحتلال الصهيوني سنة 1967، انتشرت أعمال المقاومة من طرف أبناء القطاع، اللذين سيلتحقون بالعمل الفدائي، و انتشرت أروع العمليات الفدائية الجريئة داخل مدن القطاع و مخيماته، و من بين أولئك الأبطال، ظهر محمد محمود الملقب بغيفارا غزة بقامته المنتصبة و هو في ريعان شبابه، و قد أوكلت إليه مهمة تنظيم خلايا حركة القوميين في غزة، و لما تحولت حركة القوميين العرب إلى تنظيم جديد يعرف بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أصبح غيفارا غزة أحد أبرز قياداتها في قطاع غزة. لقد كان "للنكسة" في يونيو 1967 أثر كبير على حركة القوميين العرب، الشيء الذي دفع بالحركة إلى إعادة ترتيب أوراقها، فاتخذ قرار حلها من طرف القادة و تأسيس تنظيم جديد هو "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، التي أعلنت عن انطلاقتها في 11 دجنبر 1967، و قد تم اختيار محمد الأسود ليكون مسؤول مجموعة في مخيم الشاطئ بغزة، و بدأت العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال، التي كانت تستهدف شرطة الاحتلال، و قد كان غيفارا ينفذ بنفسه مجموعة من العمليات، الشيء الذي دفع بقوات الاحتلال بتنفيذ اعتقالات عشوائية و كان غيفارا أحد المعتقلين، و حسب رفاقه، و من بينهم رفيقته في العمل العسكري فيروز عرفة، التي أشارت إلى أنه تم الاتفاق على ألا يظهر محمد الأسود كشخصية معروفة، و تم اعتماد اسم غيفارا بدل اسمه الحقيقي. هكذا أخفت طبيعة العمل السري هوية غيفارا الحقيقية. عندما تسلم غيفارا غزة العمل في غزة، بدأ في ضبط الأمور و تنظيم العمل المقاوم، و يقول رفيقه جلال عزيزة: "كنا نجد صعوبات في نقل الأسلحة من خلال الشباب، فكنا نستعين بجيش من الفتيات"، و كانت زوجات المعتقلين ينقلون أسلحتهم إلى أماكن أخرى. و أمام النجاحات العسكرية التي حققها غيفارا غزة و رفاقه و قدرته على الربط بين التنظيم السياسي و العسكري و إنشاء اللجان العمالية و النسائية و الاجتماعية، دفع هذا أجهزة المخابرات الصهيونية إلى تكثيف الملاحقات الاستخباراتية ضد أفراد الجبهة الشعبية و سعت إلى اختراق صفوفهم من خلال العملاء، و قد ألقي القبض على أحد العملاء، لكن تلك العملية كشفت محمد الأسود، الشيء الذي جعله يبدأ تجربته في العمل العسكري المطارد. و سعيا وراء تدويخ قوات الاحتلال، عمل غيفارا غزة على إيهام الاحتلال بتوقف العمل المقاوم، و خذع سلطات الاحتلال بمغادرة القطاع، وذلك عبر تسجيل صوتي له، فانطلت الخدعة على وزير الأمن الصهيوني آنذاك موشي دايان، فأعلن بأن الحالة الثورية في غزة قد تم القضاء عليها، و قد سهل هذا الأمر عمل غيفارا، فقاد تفجير سلسلة من العمليات الفدائية كان من أبرزها "يوم القنابل"، حيث تم إطلاق 27 قنبلة في يوم واحد، مما جعل قوات الاحتلال تشن حملات اعتقال واسعة في صفوف المقاومين، و قد حاول العدو معرفة من وراء هذا العمل العسكري المنظم. لقد تعرض للاعتقال من قبل سلطات الاحتلال بتاريخ 15 يناير 1968 وظل في السجن لمدة سنتين و نصف، وقد تم إطلاق سراحه في شهر يوليوز 1970. و قد جعل منه نشاطه القوي أحد أبرز كوادر الجبهة الشعبية في غزة نتيجة لما كان يبذله من نشاط و انضباط عالي و جدي و تقديرا للمسؤولية و قدرته على الإبداع و المبادرة فأصبح نائب المسؤول العسكري، ثم تولى المسؤولية العسكرية بعد استشهاد رفيقه، و سيتسلم قيادة العمل العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غزة حتى تاريخ استشهاده. و تميز نشاط غيفارا غزة بديناميكية لا تعرف اليأس و ربط بين التنظيم السياسي و العسكري و قام بإنشاء اللجان العمالية و النسائية و الاجتماعية و الاهتمام بأسر الشهداء، و انتشر اسم غيفارا غزة بين أبناء غزة حين تصدى لمؤامرات الاحتلال الصهيوني في تهجير سكان القطاع، منظما مظاهرات و إضرابات، كما عاقب العملاء و الخونة بعد أن حاكمهم محاكمة عادلة بعد تحذيرهم أكثر من مرة في عدم التمادي في الخيانة، و عرفت محاكم الثورة لدى محمد محمود بشعارها الشهير: "الثورة لا تظلم لكنها لا ترحم". و أمام تزايد نشاط غيفارا غزة، شددت أجهزة الأمن الصهيونية مطاردتها للفدائيين، خاصة بعد وقوع عدة عمليات ناجحة في القطاع، و اضطر غيفارا إلى الاختباء متابعا نشاطه بحذر شديد، و كانت تنظيمات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تقض مضاجع المحتلين الصهاينة، و تستهدف في نفس الوقت المتعاونين مع سلطات الاحتلال، كما كانت تقوم بنسف خطوط السكك الحديدية و تفجير بعض المصانع و الهجوم على دوريات العدو و آلياته و جنوده. و في الساعة الخامسة و النصف من فجر يوم 9 شتنبر 1973، داهمت قوات الاحتلال الصهيوني منزل الدكتور رشاد مسمار في حي الرمال بغزة، فاكتشفت وجود نفق يختفي في داخله ثلاثة فدائيين و جرت معركة بين هؤلاء الفدائيين و الجنود الصهاينة داخل المبنى انتهت باستشهاد الفدائيين الثلاثة، و تبين أن بينهم الشهيد القائد البطل محمد محمود مصلح الأسود و رفيقا دربه الشهيد كامل العنصي (25 سنة) و الشهيد عبد الهادي حايك (35 سنة) عضوا الجبهة الشعبية. لقد فقدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين باستشهاد غيفارا غزة أحد أصلب و أعند و أشجع مقاتل و قائد في صفوفها، كما فقدت غزة الأبية أحد أبنائها المخلصين، و أحد القادة الكبار اللذين انبثقوا من صلبها. الرفيقة شادية أبو غزالة أول شهيدة فلسطينية بعد هزيمة 1967 إذا سقطت خذ مكاني رفيقي في النضال ـــ شعار كانت تردده الشهيدة باستمرار ـــ مع انبثاق الثورة الفلسطينية الحديثة في سياق عالمي انتشرت فيه قيم التحرر و الديموقراطية و الاشتراكية و المساواة بين الجنسين، و احتلال الثورة الفلسطينية موقعا طليعيا في الثورة العربية، و بروز المرأة الفلسطينية كمناضلة و مقاتلة طليعية إسوة برفاقها الرجال، انتشرت صور و أسماء نساء نبعن من قلب المخيمات الفلسطينية و من داخل قواعد الثوار، نساء حملن البندقية على أكتافهن و فجرن القنابل و وضعن الفخاخ للعدو و خطفن الطائرات حتى لقد أصبحن مضرب الأمثال وسط حركة التحرر الوطني العالمية، فشكلن قدوة للنضال لجيل من النساء عبر العالم، و لعبن أدوارا بارزة في حماية المطاردين من المقاومين، كما تحملن مهمات عسكرية و إعلامية في صفوف منظماتهن و نقلن الرسائل و كتبن المناشير بخط اليد و توزيعها بعد عمليات ضد الاحتلال. عندما وقعت هزيمة يونيو 1967، و انتشر اليأس بين صفوف المناضلين و خرجت المقاومة من كبد المعاناة في مخيمات دول المحيط، و من داخل الضفة و القطاع، فارتفعت راية الثورة الفلسطينية و رفرفت عاليا، تفاجأ العالم بخروج جيل من النساء الفلسطينيات المناضلات و المقاتلات بشراسة للعدو الصهيوني. قي سماء النضال الفلسطيني تلألأت نجمة اسمها شادية أبو غزالة، أول شهيدة فلسطينية بعد هزيمة يونيو 1967، فمن تكون هذه النجمة الثورية الفلسطينية؟ ولدت شادية أبو غزالة في مدينة نابلس سنة 1949، تلقت تعليمها الابتدائي و الثانوي في مدارس نابلس، ثم التحقت بمصر لتدرس بإحدى جامعاتها بمدينة القاهرة، و هي جامعة عين شمس سنة 1966 تخصص علم اجتماع و علم النفس، لكن مقامها في مصر للدراسة توقف في سنته الثانية، حيث عادت أبو غزالة إلى نابلس بعد احتلال الضفة الغربية في حرب الأيام الستة سنة 1967، و هناك انضمت إلى فرع محلي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لتصبح واحدة من الأعضاء الأصليين بعد تأسيس المنظمة سنة 1967، و كانت قد انضمت في سنة 1962 إلى التنظيم الفلسطيني "حركة القوميين العرب" و ناضلت في صفوفه، و من هذه الحركة خرج تنظيم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، الذي التحقت به أبو غزالة و فيه تلقت تدريباتها العسكرية. نظمت أبو غزالة و قادت وحدات عسكرية نسائية، و كانت واحدة من أوائل النساء الفلسطينيات اللواتي شاركن في المقاومة العسكرية بعد احتلال 1967 و قامت بتنفيذ عدة عمليات التفجير و الإغارة على مراكز قوات الاحتلال الصهيونية، و قد كرست حياتها، -و التي كانت قصيرة- بعمق للنضال السياسي و تعاملت معه كجزء لا يتجزأ من الثورة، و قد كانت لديها قناعة راسخة بالعمل الجماعي و المنظم، و أكدت على دور الثقافة و السياسة و الاستراتيجية في توجيه الكفاح المسلح. استشهدت شادية أبو غزالة في مدينة نابلس أثناء إعدادها قنبلة متفجرة في نونبر 1968، و هي أول شهيدة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، و قد أصبح اسمها راسخا و بشكل دائم في سجل التاريخ الفلسطيني كمناضلة و قائدة نسائية رائدة و مناضلة في تاريخ الشعب الفلسطيني و شعوب العالم، لقد أظهرت ما يميز الثوري عن الإنسان العادي، و قد أعطى تاريخها النضالي و استشهادها الدليل على كون النساء كن دائما قي طليعة المقاومة. و قد فتحت شادية أبو غزالة الباب لكوكبة من النساء اللواتي ناضلن من أجل التحرر الفلسطيني الذي دام عقودا، كانت أبو غزالة تكرر دائما "إذا سقطت خذ مكاني رفيقي في النضال" تعبيرا عن استمرار المقاومة حتى النصر و التحرير. القائد الفلسطيني أحمد سعدات صاحب شعار العين بالعين والسن بالسن والرأس بالرأس "جوهر موقفي أنني أعتز بانتمائي للشعب الفلسطيني و حركته السياسية و الوطنية و مقاومته و نضاله العادل بتحقيق حقوقه الوطنية ... إن أي حكم تصدرونه بحقي تستطيعون تنفيذه لامتلاككم القوة لكنكم لن توقفوا نضالاتي إلى جانب أبناء شعبي" (مداخلة أحمد سعدات أمام المحكمة التي أصدرت في حقه السجن لمدة 30 سنة) الولادة و النشأة: ولد أحمد سعدات يوسف عبد الرسول في 23 فبراير 1953 في بلدة دير طريف في الرملة، نزح مع أسرته إلى مدينة البيرة (رام الله) بعد الاحتلال الصهيوني لفلسطين سنة 1948. إذن ترعرع سعدات في ظل الصراع بين الاحتلال الصهيوني و فلسطين، درس في مدرسة الأمعري التابعة للأنروا و الهاشمية الثانوية، حيث أتقن الرياضيات في معهد المعلمين برام الله ليتخرج بعدها سنة 1975. انضمام أحمد سعدات للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التحق سعدات بصفوف العمل الوطني في إطار العمل الطلابي منذ نعومة أظافره بعد هزيمة يونيو 1967، و في سنة 1969 انضم لصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لقد برع في العمل الطلابي قبل أن يسطع نجمه في صفوف الجبهة. تم انتخابه عضوا في اللجنة المركزية العامة في المؤتمر الرابع للجبهة سنة 1981، و كان يشغل في الوقت نفسه عضوا في لجنة فرع الضفة، و منذ سنة 1994 أصبح مسؤولا عن فرع الضفة، و في المؤتمر الخامس و السادس للجبهة اللذين عقدا سنة 1993 ثم سنة 2000 على التوالي أعيد انتخابه لعضوية اللجنة المركزية و المكتب السياسي. انتخب أحمد سعدات أمينا عاما للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد اغتيال أبو علي مصطفى سنة 2001، و يعتبر سعدات ثالث أمين عام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد المؤسس جورج حبش و القائد المغتال أبو علي مصطفى. تحمل سعدات واحدة من قرارات الجبهة التي أدى تبعاتها بالحكم عليه ب 30 سنة، بتصفية الوزير الصهيوني رحبعام زئيفي في القدس في 17 أكتوبر 2001 ردا على اغتيال الكيان الصهيوني للأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى في مكتبه برام الله في غشت 2001. تسلسل الاعتقالات و تواتر السجون خبر أحمد سعدات الاعتقالات و السجون سواء من طرف الاحتلال الصهيوني أو من طرف السلطة الفلسطينية، فقد تم اعتقال سعدات مرارا و تكرارا من قبل قوات الاحتلال الصهيوني بسبب نشاطه في المقاومة و قيادته له. تعرض أحمد سعدات لسلسلة من الاعتقالات و السجن لم تتوقف عبر عدة سنين، و ما زال في سجون الاحتلال إلى يومنا هذا، قد كان اعتقاله الأول في فبراير من سنة 1969، حيث قضى ثلاثة أشهر في السجن، ثم أعيد اعتقاله سنة 1970 حيث قضى في السجن ثمانية أشهر، و أعيد اعتقاله سنة 1973، و قضى في السجن عشرة أشهر، و بعدها في سنة 1975 قضى في السجن 45 يوما، و اعتقل سنة 1976 و سجن لمدة أربع سنوات، واعتقل في سنة 1985 و سجن لمدة سنتين و نصف، و بعد الانتفاضة الأولى تم اعتقاله إداريا لمدة تسعة أشهر سنة 1989. بدأت المطاردة الكثيفة لأحمد سعدات من قبل قوات الاحتلال، و لم يصرفوا العين عنه في سنة 1989 بعد خروجه من السجن، و استمرت حتى عام 1992 حيث تم اعتقاله إداريا لمدة 13 شهرا (الاعتقال الإداري هو اعتقال بدون محاكمة و هو قانون كان مطبقا من طرف سلطات الانتداب البريطاني و حافظت عليه سلطات الاحتلال الصهيوني). بعد خروجه من السجن، استأنف الاحتلال الصهيوني مطاردته مما دفعه لمغادرة رام الله، التي كانت لا زالت تحت سيطرة قوات الاحتلال، و الانتقال للعيش في مدينة أريحا، و هي إحدى أوائل المدن الفلسطينية التي تم تسليمها للسلطة الفلسطينية في ذلك الوقت، و استمرت حملة الاعتقالات التي تعرض لها سعدات، حيث تم اعتقاله من قبل السلطات الصهيونية في مارس 2006. تم اتهام سعدات و رفاقه بتنفيذ اغتيالات بما في ذلك اغتيال الوزير رحبعام زئيفي و العميد فؤاد الشوبكي. في 25 دجنبر 2008 صدر حكم بالسجن 30 عاما على أحمد سعدات من قبل محكمة الاحتلال، و خلال فترة اعتقاله عانى سعدات من العزل الانفرادي لمدة تجاوزت سنتين، و قد خاض عدة إضرابات عن الطعام احتجاجا على هذا العزل و ظروف الاعتقال. في سنة 2011 تعرض سعدات لمحاولة قتل عن طريق وضع أفعى داخل زنزانته، و رغم فشل المحاولة استمر سعدات في تحمل ظروف الاعتقال و السجن الصعبة، و لم يكتف بإضرابات فردية بل شارك في إضرابات جماعية في سنوات : 2011، 2012، 2016 و 2017 . لم يكن أحمد سعدات مطاردا و ملاحقا من طرف قوات الاحتلال الصهيوني فقط، بل حتى من طرف ما يسمى بالسلطة الفلسطينية، فقد سجنته السلطة الفلسطينية في أريحا و هو يقود قائمة "نبض الشعب" للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي كانت تخوض الانتخابات التشريعية في ماي 2001، و في يناير 2006 انتخب أثناء وجوده في السجن عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني، و بعد شهر اقتحم الكيان الصهيوني سجن السلطة الفلسطينية و احتجز سعدات و خمسة سجناء آخرين سنة 2003، حيث اختطفه العدو الصهيوني في مشهد هوليودي، و هي عملية سجلت كوصمة عار في جبين السلطة الفلسطينية و قادتها. لقد كان اعتقال سعدات مؤامرة من طرف السلطة، فقد تم احتجازه في مقر قوات الرئيس عرفات، قبل أن ينقل إلى سجن أريحا في الأول من ماي 2002 بواسطة سيارات السفارة الأمريكية تحت حراسة بريطانية و أمريكية، حيث وضع في قسم منفصل من السجن تحت إشراف و حراسة بريطانية، و في مارس 2006 اقتحم العدو سجن أريحا التابع للسلطة الفلسطينية و اعتقلت سعدات و رفاقه المعروفين ب "خلية الوزير زئيفي". بعد توقيع القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقات أوسلو السيئة الذكر، و تولي السلطة الفلسطينية مهامها في ما يسمى بمناطق الحكم الذاتي أقدمت السلطة الفلسطينية على اعتقال سعدات ثلاث مرات، في 1995، يناير 1996 و مارس 1999. حكم على أحمد سعدات بالسجن لمدة 30 سنة أمضى منها أكثر من 17 سنة بتهمة مقاومة الاحتلال، و من المفارقات أن سلطات الاحتلال لم تمسك دليلا لسعدات بقتل وزير السياحة رحبعام زئيفي على الرغم من أن سعدات هو صاحب شعار "العين بالعين و السن بالسن و الرأس بالرأس"، و الذي أطلقه في أعقاب اغتيال رفيقه أبوعلي مصطفى بصاروخين استهدفا مكتبه برام الله، و هذا يدل على فشل الاحتلال في انتزاع أي اعتراف من سعدات رغم التعذيب الذي لاقاه مجسدا معنى الصمود في أجلى صوره. أمام الكاميرات، و تعبيرا عن موقفه الوطني الصلب رفض الاعتراف بشرعية المحكمة العسكرية، و رفض أن يكون في موقف المتهم و رفض مجرد الوقوف أمامها، و قد جسد عدم الاعتراف بهذه المحكمة في مداخلته أمامها: "جوهر موقفي أنني أعتز بانتمائي للشعب الفلسطيني و حركته السياسية و الوطنية و مقاومته و نضاله العادل بتحقيق حقوقه الوطنية، و أعتز بالثقة التي منحت لي بانتخابي أمينا عاما، إن أي حكم تصدرونه بحقي تستطيعون تنفيذه لامتلاككم القوة، لكنكم لن توقفوا نضالاتي إلى جانب أبناء شعبي". إن هذا القائد الثوري الفلسطيني الذي رفع راية المقاومة عاليا و أمضى حياته معتقلا في السجون الإسرائيلية و الفلسطينية أو مطاردا من قبلهما، منذ بداية الحرب على غزة بعد طوفان الأقصى عاد إلى الواجهة إضافة إلى العديد من المناضلين الفلسطينيين، اللذين يحتجزهم الاحتلال منذ عشرات السنين، و الذي يرفض أيضا إطلاق سراحهم في عمليات تبادل الأسرى. المناضل جورج إبراهيم عبدالله لن أندم لن أساوم سأبقى أقاوم أربعون سنة في سجون العار الفرنسية جورج عبد الله إبراهيم مناضل لبناني في سبيل القضية الفلسطينية، معتقل منذ 40 سنة في فرنسا بعد مقتل ملحق عسكري أمريكي و دبلوماسي إسرائيلي، أنهى محكوميته منذ 1999 لكن الولايات المتحدة الأمريكية لا زالت ترفض أن يغادر السجن. ولد جورج عبد الله إبراهيم في بلدة القبيات في شمال لبنان، في 2 أبريل 1951، في عائلة مكونة من تسعة أطفال كان والدهم جنديا. درس في مدرسة الأشرفية العادية، وهي منطقة في شرق بيروت. في عام 1972، عين مدرسا في قرية في سهل البقاع. و قد ظل في التدريس حتى عام 1979. نشأ جورج عبد الله في وقت أصبحت فيه الأزمة الهيكلية للكيان اللبناني مستعصية أكثر فأكثر. لقد كان الوقت الذي لم تتردد فيه البرجوازية في الدفع نحو حرب أهلية طائفية، من أجل درء أي تغيير ومواجهة تجدر حركة الجماهير الشعبية والشباب. إن تأكيد الواقع الثوري الفلسطيني في صدارة المشهد الإقليمي واللبناني قد ضاعف من نطاق مختلف الصراعات الاجتماعية في أوائل 70. عشية الحرب الأهلية عام 1975، تغيرت طبيعة أزمة النظام وتغير نطاق القضايا المطروحة. ستجسد "أحزمة البؤس" حول بيروت وبلدات وقرى الجنوب ومخيمات اللاجئين على مشارف المدن الرئيسية التحديات المحلية والإقليمية والدولية للحركة الثورية لسنوات عديدة قادمة. هذا الواقع من النضال والمقاومة والتضحية بنى الوعي السياسي لجورج عبد الله وحدد التزامه الثوري. اختار مقاومة المجازر الجماعية التي ارتكبتها البرجوازية الطائفية من جميع الأطياف وحلفاؤها الإسرائيليون والفرنسيون الأمريكيون وبدأ التزامه السياسي في صفوف الحزب الاجتماعي القومي السوري (الحزب السوري القومي التقدمي والقومي العربي)، ثم انضم إلى المقاومة الفلسطينية، وانضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. كان التزامه بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مدفوعا بالقضية الفلسطينية. شارك في حرب العصابات في جنوب لبنان. وقد أصيب خلال الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978. انضم إلى "الفصائل الثورية المسلحة اللبنانية" عندما تشكلت. أصبح جورج قائدا للمنظمة، وأجرى عملياتها من فرنسا، حيث استخدم الأسماء المستعارة صالح المصري وعبد القادر سعدي. وبعد القبض عليه، أدلى بشهادته قائلا: "أفعل ما أفعله بسبب الظلم الذي لحق بحقوق الإنسان فيما يتعلق بفلسطين" يعتبر جورج عبد الله أقدم معتقل سياسي في فرنسا و أوروبا، و هو في 73 من عمره يقضي 40 سنة في المركب السجني لان يميزان (البيريني العليا). في بلده لبنان شارك في تأسيس المنظمة "التنظيم الماركسي للفصائل المسلحة الثورية اللبنانية "في يونيو 1982، حمل السلاح بعد اجتياح لبنان من طرف الكيان الصهيوني. اعتبر هذا التنظيم أنه يجب القيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل و داعمتها الولايات المتحدة الأمريكية، و قد أعلن التنظيم فعلا عن مسؤوليته في قتل الملحق العسكري للولايات المتحدة في فرنسا شارل راي في 18 يناير1982، و كذلك المستشار الثاني في السفارة الإسرائيلية ياكوف بارسيمنتوف في 3 أبريل من نفس السنة. الأسلحة التي ستغير الوضع في 24 أكتوبر 1984، تم توقيف جورج عبد الله إبراهيم في ليون و بحوزته جواز سفر مزور، و ما زال لحدود هذا التوقيف بعيدا عن شبهة علاقته بمقتل راي بارسمينتوف، و بذلك كانت مسألة إطلاق سراحه في وقت أقرب مما كان متوقعا، لأنه في أبريل 1985 الفرنسي جيل سيدني بيغول (ابن الكاتب جيل بيرو) مدير المركز الثقافي قي طرابلس (شمال لبنان) تم اختطافه من طرف التنظيم الذي ينتمي إليه جورج عبد الله. سيعقد مدير إدارة مراقبة التراب الوطني ايف بونيت اتفاقا مع المصالح الجزائرية المقربة من هذا التنظيم، و كانت الصفقة إطلاق سراح جيل سيدني بيغول مقابل إطلاق سراح جورج عبد الله. لكن في الوقت الذي أفرج فيه التنظيم عن جيل اكتشف المحققون أسلحة و من ضمنها المسدس الذي قتل به الملحق العسكري الأمريكي و الدبلوماسي الإسرائيلي في الأستوديو في شارع لاكروا في المقاطعة 17 بباريس و الذي أقام به في وقت ما جورج عبد الله. إذن التبادل الذي كان سيتم لم يتم الالتزام به. لقد تم التعهد أمام الجزائريين بالصفقة لكن فرنسا لم تكن عند كلمتها، و هكذا ظل جورج عبد الله مسجونا. دخول الأمريكيين على الخط في 10 يوليوز1986، حكم على جورج عبد الله بأربع سنوات سجنا بتهمة تزوير جوازات السفر، تكوين عصابة إجرامية، حيازة أسلحة و متفجرات، منذ ذلك الحين قررت الولايات المتحدة المشاركة في الإجراءات القانونية بعد أن لمست الحكم "المخفف" من أجل أن ينال جورج عبد الله أقسى العقوبات بسبب حسبها، نواياه العدوانية تجاه الأمريكيين. لقد مارس المسؤولون الأمريكيون تهديدا تجاه الفرنسين بالقطيعة الدبلوماسية إذا لم تحكم فرنسا بالمؤبد على جورج عبد الله. وقد ندد جاك فيرجيس، في تقديمه وثائق من وزارة الخارجية، بما يلي: "إن حكومة الولايات المتحدة هي التي تعارض استخدام حق النقض (الفيتو) الذي لا يطاق لإطلاق سراحه". اتهم جورج أبراهيم بكونه وراء الهجمات التي عرفتها فرنسا سنة 1986، و التي قامت بها عناصر من المنظمة التي كان ينتمي إليها للمزيد من توريطه لنيل أقسى العقوبات، إلا أن التحقيقات التي تم القيام بها و التي برأته، انتهى الأمر مع ذلك بإدانته و اعتباره المحرض على تلك الهجمات، و هنا يبرز الدور الأمريكي الذي مارس ضغوطا رهيبة على فرنسا، و قد كان دائما سيف ديموقليتس هو قطع العلاقة الدبلوماسية مع فرنسا، فقد كانت الرغبة الأمريكية في تشديد العقوبات على جورج أبراهيم أكثر من فرنسا، لكن هذه الأخيرة استجابت للضغوطات الأمريكية ضدا عن العدالة و إعمال القانون. كانت المحاكمة محاكمة سياسية بدرجة كبيرة لقد شاب محاكمة جورج عبد الله الكثير من الوسخ و القذارة، فشهرا بعد الحكم على جورج عبد الله صدر كتاب صادم تحت عنوان "العميل الأسود". يصرح فيه أول محامي لجورج عبد الله، جون – بول مازوريير أنه لعب لعبة مزدوجة بالعمل لصالح الأجهزة السرية الفرنسية أثناء الدفاع عن موكله، "أعترف اليوم أمامكم أن يدي متسختان، قمت بعمل وسخ و لكن كان علي أن أقوم به"، هكذا أطلقها المحامي العميل عندما استضيف في برنامج "أبوسطروف". كان من شأن هذا التصريح أن يعاد النظر في محاكمة جورج عبد الله، لقد تم الدوس على المحاكمة العادلة (هذا المحامي أصبح فيما بعد، كالجمل الأجرب لم يقبل به في أي عمل من المهن التي كان يقدم فيها لكي يعمل و يذكرونه بماضيه الوسخ). كما تمت الإشارة إلى ذلك أعلاه، ظلت الولايات المتحدة تضغط على مختلف الحكومات التي تعاقبت في تلك الفترة التي كان فيها جورج معتقلا و رفض أي تخفيف في العقوبة التي لا تراها إلا في المؤبد. و قد جاء في إحدى التصريحات لوزارة الخارجية الأمريكية: "إن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تعبر عن معارضتها الشديدة لإمكانية إطلاق سراح جورج عبد الله (...) فغياب الندم الصادق من قبل جورج عبد الله يجعلنا نعتقد أنه قد يريد الانتقام من فرنسا و الولايات المتحدة، أو يرتكب مرة أخرى عمليات إرهابية للوصول إلى أهدافه". كل الإدارات الأمريكية التي تعاقبت من ريغان إلى بايدن كان قرارها أن يظل جورج إبراهيم في السجن حتى يموت فيه. و كلما حاولت فرنسا العمل على إطلاق سراحه يكون الاعتراض الأمريكي الصارم. لم يبد جورج عبد الله أي ندم عن فيما يتعلق بما قام به وظل مناضلا نشطا رغم سنوات السجن. و من الأشياء التي يندى لها الجبين في هذا الغرب الذي يدعي الديموقراطية و حقوق الإنسان و العدالة، أنه مورست كل أشكال التشويهات ضد جورج عبد الله من أجل نزع كل مصداقية عن الرجل، بما في ذلك أنه تحول إلى الإسلام السياسي و تخلى عن ماركسيته إمعانا في خلط الأوراق و لإعطاء مزيد من التبريرات للإبقاء على سجن الرجل مع العلم أن الإسلاميين كانوا يكرهون الرجل بسبب أيديولوجيته المناقضة لأيديولوجيتهم. في يونيو 2023 تقدم دفاع جورج عبد الله بطلب عاشر من أجل إطلاق سراح مشروط ظل بدون جواب. على امتداد المدة التي قضاها جورج عبد الله في السجن، ماذا كان موقف الدولة اللبنانية لما يعيشه مواطنها من اعتقال تعسفي في السجون الفرنسية و الذي قارب 40 عاما، لم يكن للدولة اللبنانية أي موقف بسبب الهيمنة الفرنسية على مكونات النظام اللبناني. نتيجة الضغط الكبير من عائلة عبد الله بشكل أساسي جاءت بعض المبادرات الفردية و من بعض القوى السياسية و مستقلين تبنوا قضيته و شكلوا لأجلها حملة للضغط على السلطات الفرنسية و اللبنانية عبر الوقفات الاحتجاجية و تسليط الضوء على الانتهاكات القانونية و السياسية في هذا الملف الذي تحول إلى قضية العصر لناحية التعسف الفرنسي غير المسبوق بحق سجين أنهى محكوميته و ترفض الإدارة السياسية الإفراج عنه ضدا عن القانون، رغم تصريحات مسؤولين كبار عن تلفيق كل ما جاء في ملف القضية، بما في ذلك القاضي الفرنسي الذي وصف في أحد كتبه كيف استفاد الفرنسيون من التفجيرات التي استهدفت مواطنين فرنسيين في باريس في تلك الفترة ليزيدوا من قساوة العقوبة بالمناضل جورج عبد الله، حيث يقول أن: "جورج عبد الله محكوم بشيء لم يفعله، فبعد فترة اكتشفنا الهوية الحقيقية للمسؤولين عن تفجيرات عام 1986". في سنة 2018، سلمت الحملة الوطنية لتحرير المناضل جورج عبد الله، 128 نائبا في مجلس النواب، ملفا كاملا عن القضية منذ تاريخ توقيفه في فرنسا سنة 1984 إلى تاريخ آخر قرار إفراج عنه تم تعطيله سنة 2013 من قبل السلطات السياسية الفرنسية، التي رضخت للضغوط الصهيو – أمريكية. لكن أخيرا، تغير الوضع و طلبت الدولة اللبنانية بشكل رسمي من الفرنسيين تسلم جورج عبد الله، و هذا ليس إلا واجبا من واجبات الدولة للدفاع عن مواطنيها، خصوصا تجاه مقاوم أفنى سنين عمره دفاعا عن تحرير بلاده، يأتي هذا القرار لتأكيد معنى الصمود الذي أبداه المناضل جورج عبد الله على مدى سنوات اعتقاله الأربعين متمسكا بشرعية المقاومة في وجه الاحتلال. تنبغي الإشارة أن لبنان سبق أن سلم مطلوبين فرنسيين للسلطات الفرنسية، و لم يبادر أي مسؤول سياسي إلى تحريك ملف عبد الله إبراهيم. الجمعيات والأحزاب السياسية وممثلو اليسار المنتخبون: دعت عدة جمعيات فرنسية إلى إطلاق سراح جورج عبد الله، مثل رابطة حقوق الإنسان، وجمعية التضامن الفرنسي الفلسطيني، والاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام، وكذلك الأحزاب السياسية من اليسار وأقصى اليسار، بما في ذلك حزب اليسار، والحزب الشيوعي الفرنسي، والثورة الدائمة، والحزب الجديد المناهض للرأسمالية، وLutte ouvrière، وCNTالبديل التحرري والحزب الشيوعي الماوي والصوت البروليتاري. لم يحدث إجماع على مظلومية مناضل مثل ما كانه الإجماع على جورج عبد الله إبراهيم، فقضيته فريدة من نوعها من ناحية اللاقانون و اللاعدالة في بلدان تدعي الديموقراطية مثل فرنسا، فمنذ أن حكم عليه بالسجن إلى يومنا هذا، لم تتوقف المظاهرات و النداءات من أجل إطلاق سراح مناضل أنهى محكوميته و أنجزت حوله الأفلام الوثائقية و ألفت حوله الكتب بل كان أيضا موضوعا للسينما. جورج عبد الله، ما زال لحد الساعة، يقبع في سجن العار بفرنسا، و مع أحداث 7 أكتوبر (طوفان الأقصى) طلب من المقاومة الفلسطينية أن يكون جورج عبد الله إبراهيم كواحد من المناضلين اللذين وجب إدخالهم في لائحة الأسرى الذين تطالب المقاومة بالإفراج عنهم. ــــ ــــ ــــ يوجد هذا النص بصيغة بدف، وهو مرفق بالعديد من الصور التاريخية على موقع 30 غشت http://www.30aout.info
#موقع_30_عشت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شهداء مغاربة سقطوا على درب التحرير الشامل لأرض فلسطين
-
حول ثورة أكتوبر
-
الحلقة السادسة ــ القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية وال
...
-
الحلقة الخامسة ــ القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية وال
...
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ــ
...
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية
-
الحزب الماركسي ـ اللينيني الثوري في خط منظمة -إلى الأمام-
-
حول كومونة باريس وما بعدها التجربة والدروس
-
بصدد العدوان الدموي التصفوي الصهيوني على الشعب الفلسطيني
-
كلمة الموقع في هول الكارثة الزلزال
-
تحت أعواد المشنقة ـــ يوليوس فوتشيك
-
الثورة الفرنسية ــ إعلان حقوق الإنسان والمواطن 26 غشت 1789 و
...
-
كتاب: -الأقدام العارية ـــ الشيوعيون المصريون: 5 سنوات في ال
...
-
موقف البلاشفة أمام القضاة البلاشفة في الاستنطاقات وأمام الن
...
-
إصدار جديد: محاكمة ماركس ورفاقه في -عصبة الشيوعيين- محاكمة
...
-
بيان هام: جواز تلقيح أم إبادة جماعية
-
إصدار جديد لموقع 30 غشت: -أزمة الرأسمالية العالمية والصراع ا
...
المزيد.....
-
أول تعليق أمريكي على إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية
...
-
محكمة مصرية تسدل الستار في قضية -مستريح المشاهير-
-
بيربوك لا تستبعد مشاركة جنود ألمان في -مهمة لحفظ السلام بأوك
...
-
الجيش السوري يستعيد السيطرة على بلدة وجبل كفراع في ريف حماة
...
-
إسرائيل تهدد بتوسيع الحرب إذا انهارت الهدنة مع حزب الله
-
اللواء باقري: تزامن الهجمات في سوريا مع وقف إطلاق النار في ل
...
-
السعودية توجه تحذيرا لرعاياها في كوريا الجنوبية
-
أوكرانيا تقدم قائمة طلبات إلى -الناتو- لتعزيز دفاعها الجوي
-
دمشق.. وقف المسلحين على محاور ريف حماة
-
كوريا الجنوبية.. أول إعلان للأحكام العرفية منذ 45 عاما
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|