|
هل خسائرنا تكتيكات؟!
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 8125 - 2024 / 10 / 9 - 00:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
طلب مني أحد البسطاء أن أشرح له مصطلحين جرى إعادة بعثهما ونشرهما في الشبكات الرقمية بشكل واسع، لأن المصطلحين رددهما القيادي في حركة حماس، خالد مشعل. المصطلحان هما (خسائرنا الباهظة تكتيكية، وخسائر عدونا استراتيجية) اعتبر هذا القيادي كل المجازر في غزة والضفة الغربية وحرب الإبادة الجارية اليوم في كل الساحات تكتيكات لتحقيق استراتيجية نهائية وهي خسارة إسرائيل! هل ينطبق مفهوم المصطلحين على ما يجري في فلسطين من حرب إبادة عنصرية، وما حدث لإسرائيل من خسائر؟! أرجعني هذا السؤال إلى أشهر كتاب ألفه السياسي وزير خارجية حكومة فلورنسا الإيطالية، نيكولو ميكافيللي، وهو صاحب أشهر كتاب في علم السياسة الواقعية "دراسات في علم السياسة" وهو مترجم للعربية باسم (الأمير). عاش ميكافيللي في القرن السادس عشر، توفي عام 1527م أي قبل سبعة قرون، أعتبر كثيرون هذا الكتاب، أسوأ كتب الديكتاتورية في العالم، حتى أن كثيرين أسموه (كتاب الشر) وأطلق عليه آخرون (سفر الطغاة) حتى أن الكنيسة الكاثوليكية جرَّمت نشره وطبعه وترويجه، وهو كتاب عجيب لأنه جاء في صيغة نصيحة لحاكم فلورنسا، كما أنه نشر بعد موت صاحبه بخمس سنوات. حتى أن الأديب الإنجليزي شكسبير صاحب المسرحيات المشهورة اعتبره رمزا للشر، في مسرحية (زوجات وندسور الجميلات) اعتبره كثيرون أيضا بأنه الكتاب الملهم لهتلر وموسوليني، والأستاذ لمعظم الحكام الديكتاتوريين في العالم، وحفظوا منه أشهر الأقوال في علم السياسة وهي؛ (الغاية تبرر الوسيلة) يُردد الناس هذه المقولة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم احتجاجا وشجبا لأنها ضد العدالة والديموقراطية، إن تعبير الغاية يماثل بالضبط (الاستراتيجية) وتعبير الوسيلة يماثل تعبير التكتيك، مع العلم أن (التكتيك) ليس كلمة عربية، بل هي كلمة لاتينية، Tactic دخلت القواميس العربية في العصر الحديث، تعني الخطة أو الخطط المطلوبة أو الإجراءات المعدة لتنفيذ الغاية، أو الهدف الاستراتيجي الرئيس، عرَّف قاموس كمبردج التكتيكات بأنها: استخدام وسائل الإغراء والتضليل في مجال الإعلانات لتحقيق هدف ترويج التجارة، وهو مجموعة الخطط المستخدمة في مجال الرياضات البدنية في ألعاب الرياضة كلها لنيل الكأس والربح! أما في كثير من دول العالم المحكومة بالديكتاتوريين فقد استخدم تعبير (تكتيك) لقمع المعارضين داخل دولهم لهدف تحقيق استراتيجية التطويع أي؛ تمكين الحكام من رقاب الشعوب وإطالة حكمهم، أي إسعاد الحكام بإشقاء الشعوب! ولكن هل يمكن تسمية إبادة الشعوب، وهدم الأوطان (خسائر تكتيكية) لتحقيق أهداف تقوية الحكومات والأحزاب؟ وهل صحيح أن التضحية بالشعوب وإبادتها هي تكتيك مُبرَّر يجوز التضحية بها من أجل (استراتيجية) لأن تخسر إسرائيل أعدادا من الجنود وأعدادا من الآليات، وأن تخسر أرباحها في مجال الاقتصاد؟! معظم الفلسطينيين يؤمنون بأن مخططي هذه الحرب الفلسطينيين لم يضعوا في حسابهم مآسي أهلهم وفواجعهم وتشريدهم وقتلهم، وهم كذلك لم يحسبوا أي حساب لقوة عدوهم وطاقاته وإمكاناته ووسائل دعمه، وردود أفعاله، ولم يكن شعبهم إلا ضحايا للخطة الارتجالية غير محسوبة النتائج، لذلك لا غرابة عندما نسمع أحد القيادات يشبه إبادة الشعب بالخسائر التكتيكية، وهي عنده ليست خسائر كارثية مصيرية، هي فقط تشبه خسارة المتاع وأرصدة البنوك! مما يؤكد أن مقولة التكتيك ليست خطأ عفويا وإنما هي عقيدة حزبية، أن قياديا حزبيا آخر ألقى مسؤولية الشعب الفلسطيني غير المقاوم على عاتق الأمم المتحدة (الأونروا)! إن كل من يؤمن بما يجري من إبادة ومجازر ويسميها خسائر تكتيكية هو نصيرٌ للأنظمة الديكتاتورية في العالم، وهو لا يقيم وزنا لمأساة شعبه! كانت اليابان تملك أقوى الجيوش في العالم، كانت دولة استعمارية خاضت حروبا على دول أسيوية مجاورة عديدة، ووجهت أسطولها البحري إلى ميناء بيرل هاربر الأمريكي في شهر ديسمبر 1941م أثناء الحرب العالمية الثانية ودمرت عددا كبيرا من سفن أمريكا وطائراتها وقتلت أكثر من ألفين وخمسمائة جندي أمريكي، حينها قرر الأمريكيون إخضاع اليابان باعتبارها دولة معتدية، دخلت أمريكا الحرب فألقت أمريكا قنبلتين نوويتين على مدينتين، هيروشيما ونجزاكي يوم 6-8-1945م. فقتل وحرق مئات آلاف اليابانيين، لم يعتبر الإمبراطور، هيرو هيتو الحائز على سلطة القداسة في اليابان وهو بمثابة إله عند اليابانيين، لم يعتبر مئات ألاف الضحايا خسائر تكتيكية، بل سارع لإعلان استسلام اليابان بعد خمسة أيام فقط من إلقاء القنبلتين 11-8-1945م واعتراف بالهزيمة، أوقف القتال ووقع على شروط قاسية، لأنه اعتبر اليابان والشعب الياباني (استراتيجية) ولم يعتبره تكتيكا للإمبراطور! كذلك فعل الرئيس عرفات ومناضلو فلسطين في لبنان عام 1982م حين وافقوا على مغادرة لبنان لإنهم اعتبروا لبنان وفلسطين الاستراتيجية وليس التكتيك!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاغتيالات في إسرائيل!
-
دفنوها في حضن قبر أبيها!
-
مصادر قوة نتنياهو السرية!
-
القبض على مياه المطر!
-
استطلاعات الرأي سلاح خطير!
-
اصطياد الإنترنت على شواطئ غزة!
-
هل أزالت حرب إبادة غزة (ديموقراطية) إسرائيل؟
-
قصة أفلاطون في خيمة اللجوء!
-
إسرائيل أو أمريكا أيهما القائد؟!
-
Baby Sitter من الإيباك لكل عضو كونغرس أمريكي!
-
قصة فرن الطين وسط خيام النازحين
-
إعلام التضخيم والتقزيم!
-
الترنسفير القسري والطوعي!
-
احذروا الاحتراب بين العائلات في غزة!
-
قصة من غزة ..عبوات غذائية متفجرة!
-
لوحات (غرونيكا) في غزة!
-
الموساد يهدد قضاة العدالة!
-
هل الأونروا منظمة دولية إرهابية)
-
قضايا فلسطين المركزية!
-
مضيفة الطائرة لا سامية!
المزيد.....
-
اتفرج دلوقتي وأبدء غني مع أطفالك .. تردد قناة طيور الجنة 202
...
-
قائد الثورة الاسلامية يلقي خطابا يوم الاربعاء حول تطورات الم
...
-
الجهاد الاسلامي: العدوان الاسرائيلي اعتداء صريح على الشعب ال
...
-
الجهاد الاسلامي: توسيع -إسرائيل- احتلالها للأراضي السورية يث
...
-
ما رسائل الشرع من زيارته الجامع الأموي وكيف تغيرت شخصيته؟
-
الجولاني من داخل المسجد الأموي في دمشق: الأسد ترك سوريا مزرع
...
-
رئيس أكبر فصيل معارض بسوريا: سقوط بشار الأسد انتصار للأمة ال
...
-
محبوبة الملايين.. تردد قناة طيور الجنة الجديد على عرب ونايل
...
-
-هذا النصر تاريخ جديد للمنطقة-.. شاهد كلمة الجولاني من الجام
...
-
من الجامع الأموي.. الجولاني يوجه كلمة عن -النصر- (فيديو)
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|