سالم روضان الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 8113 - 2024 / 9 / 27 - 00:19
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
يرى المختصون في علم القانون بضرورة دراسة الحاجة العامة واليومية للمواطن عند تشريع أي قانون لأنه محل التطبيق بعد صدوره، وان يراعى جمهور الناس الذي أطلقت عليه تسمية (الجمهور التشريعي)، لان التشريع يهدف إلى تنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع أو بين مكونات الدولة التي يكون أفراد المجتمع النواة والمركز المستقطب لكل الأعمال، ومراعاة المشرع للجمهور التشريعي يكون قبل إصدار التشريع من خلال إشراكه في المناقشة للمشكلة عقدة التشريع المستهدف،
ويقصد بالمشاركة الاتصال بالجهات ذات العلاقة، فإذا كان التشريع يتعلق بالأحوال الشخصية لابد وأن تشرك الجهات الحكومية التي تعمل في هذا المجال والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والمجتمع المدني للوقوف على حجم المشكلة محل البحث والاستماع لما لديهم من حلول نابعة من عملهم الميداني، والاهم من ذلك كله الاستماع والاصغاء الى رأي المختصين من أكاديميين ومثقفين،
وفي الحالة الراهنة المتعلقة بمناقشة قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية، لابد من اصغاء المشرع الى رأي الأكاديمي والحقوقي والمحامي والقضاء وعالم الاجتماع والمختص بعلم النفس ورجل الدين وكل من له صلة بهذا التشريع، سواء كانوا من المؤيدين او المعارضين له، مع التنويه الى ان قانون الأحوال الشخصية له صلة بكل مواطن عراقي دون أي استثناء سواء بالمنصب او بالوجاهة او بالنوع الاجتماعي، فالكل يخضع لأحكامه، وهذه المشاركة سوف تغني المشروع وتحصنه من الغفلة والذهول التشريعي، وأفضل وسيلة للمشاركة والتعبير عن الرأي العام المتحقق تجاه عقدة التشريع محل الجدل، هي وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي،
ويذكر ان الرأي العام هو الحكم الذي تصل إليه الجماعة في مسألة ذات اعتبار بعد مناقشات علنية وافية، فهو عبارة عن حكم وضمير حساس ومحكمة مرهوبة الجانب، ويشير أحد المختصين الى ان (الرأي العام ليس مجملاً للآراء الفردية وإنما هو ثمرة النقاش والجدال بين الأفراد، حيث تسود بعض الآراء الفردية على بقية الآراء أو تصل الجماعة إلى رأي جديد كان في بادئ الأمر رأياً فردياً وبعد النقاش تحول إلى رأي عام جراء التفاعل والتضارب بين آراء الأفراد والجماعات)
وتعتبر مساهمة الجمهور مفيدة حين تتم مشاورة الناس حول تشريع سيؤثر على حياتهم ووظائفهم وواجباتهم العامة، حيث أنه في هذه الحالات يؤدي دمج المعرفة المحلية والعادات الى سياسات تلاقي استحسان شريحة أكبر من المواطنين،
ومجلس النواب العراقي المعني بالتشريع باعتباره السلطة التشريعية المختصة، قد أشار الى ضرورة استشارة الجمهور وعلى وفق ما ورد في دليل الصياغة التشريعية الذي أصدره عام 2014 حيث طرح سؤالين على المعني بالصياغة التشريعية في الصفحة (38) الاتي (1- هـل تمّـت استشـارة الجمهـور والأشـخاص المعنييـن بالتشـريع المقتـرح؟ وإلا، هـل مـن سـبب وراء ذلـك؟ 2- فـي حـال لـم تتـمّ استشـارة الجمهـور والأشـخاص المعنييـن بالتشـريع المقتـرح، هـل سـيتمّ ذلـك بعـد عـرض التشـريع المقتـرح علـى البرلمـان؟)
وهذه ليس بجديدة في الدول الديمقراطية بل ان اعرقها، ومنها إيطاليا، اعتبرت مشاركة الجمهور من المبادئ الدستورية حيث ورد في المادة (15) من الدستور الإيطالي الاتي (يتم إجراء استفتاء شعبي من أجل الموافقة على إلغاء قانون أو نظام ذي سريان قانوني، كليا أو جزئيا، عند طلب ذلك من قبل خمسمائة ألف ناخب أو خمسة مجالس إقليمية) وفي المادة (50) الاتي (جميع المواطنين يمكنهم رفع عرائض إلى البرلمان لطلب اتخاذ إجراءات تشريعية أو لعرض احتياجات عامة)
ومن خلال ما تقدم نضع السؤال الاتي هل تمكن الجمهور من المشاركة في صياغة او مناقشة التشريعات التي تعنى بأحواله الشخصية والعامة؟ ان الجواب لن يكون عبر اقوال ومقالات مطولة وانما عبر الواقع، حيث لمسنا ومن خلال الجدل الدائر حول تعديل قانون الأحوال الشخصية الى ان المساحة المتاحة في الاعلام هي لجانب المؤيد لتشريع التعديل، اما المعترض مهما كانت أسباب اعتراضه، فان التضييق والقيود فرضت عليه، وأصبحت الساحة الإعلامية لطرف واحد، وهذا سيؤثر حتماً في صناعة الرأي العام، ليس بتغيير اتجاهاته فحسب، وانما بحجب الصوت المعترض على التشريع،
ومن ملامح هذا التضييق بعض الممارسات التي اتخذت ضد المعترضين مع انهم من أصحاب الاختصاص الدقيق في جوهر قانون التعديل، وعللت بعض الجهات انها قيدت ظهور أعضائها الى أسباب تتعلق بالسلوك المهني، وعلى سبيل المثال نقابة المحامين الموقرة تلك النقابة العريقة، وحصن الحريات والمدافعة عنها منذ ان تم تشكيلها ولغاية الان، حيث بررت محاسبة بعض المحامين بسبب ظهورهم في الاعلام، مع انها قررت حصر ذلك بعدد من الأشخاص،
ولابد من التذكير بان المحامي يمارس مهنة مستقل فيها عن النقابة وغيرها من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لان ارتباطه بالنقابة هو اجراء تنظيمي وليس وظيفي، ولا توجد على اراءه أي رقابة او وصاية، وان مهمته في المحاماة حددتها المادة (22/1) من قانون المحاماة رقم 173 لسنة 1965 (لا يجوز لغير المحامين المسجلين في جدول المحامين ابداء المشورة القانونية او التوكل عن الغير للادعاء بالحقوق والدفاع عنها امام المحاكم العامة والخاصة ودوائر التحقيق والشرطة واللجان التي خصها القانون بالتحقيق او الفصل في منازعات قضائية) ، وجميع نشاطه النقابي يتعلق بالقضايا التي تنظر من قبل المحاكم العامة والخاصة المتعلقة بالمنازعات القضائية،
اما ما يعبر عنه من رأي باي وسيلة إعلامية بشأن عام، فهوم يمارسه بوصفه مواطن وفر له الدستور الحماية عبر ضمان حرية التعبير عن الرأي وعلى وفق احكام المادة (38/1) من الدستور التي جاء فيها (تكفل الدولة وبما لايخل بالنظام العام والآداب: 1- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل) اما عن واجبات المحامي التي يسأل عنها في حال خرقها هي التي تتعلق بمهنة المحاماة والتي حصرتها المادة (22) بالمنازعات القضائية، وعلى وفق ما ورد في المادة (39) من قانون المحاماة التي جاء فيها (على المحامي ان يتقيد في سلوكه بمبادئ الشرف والاستقامة والنزاهة وان يقوم بواجبات المحاماة المنصوص عليها في هذا القانون وان يلتزم بما تفرضه عليه تقاليد المحاماة وآدابها)،
اما ظهوره في الاعلام لمناقشة قانون معين او يشارك في قضية رأي عام سواء كانت سياسية او اجتماعية او غيرها، فانه لا يمارسها بوصفه محامٍ وانما شخص مختص بالقانون وله دراية بحكم تحصيله الدراسي،
والحال ينصرف الى أساتذة الجامعات المختصين في القانون وغيره فهم عند التصدي لموضوع ما في الاعلام فانهم يعبرون عن رأيهم الخاص والشخصي تجاه الحالة موضوع النقاش، وترجح ارائهم على سواهم عندما يتعلق بالاختصاص الدقيق للأكاديمي، ومع ذلك تجد الاختلاف بينهم ويتعارض فكر بعضهم مع بعض، وهم في كل الأحوال يبدون رأياً وليس الزاماً، اما إذا اعتدى هؤلاء على الأشخاص والجماعات والطوائف والعقائد فان مجاله القضاء وهو تحريك الشكوى من المتضرر،
ومن خلال ما تقدم فان عنصر المشاركة الشعبية او الجمهور التشريعي بإعداد وانضاج التشريعات تكون معدومة، وافرغت الساحة من طرف مهم من اطراف المعادلة، حيث منع المختص مهما كان معارض او مؤيد بينما يسمح لغير المختص ان يجول ويصول في منابر الاعلام دون حسيب ورقيب، وهذا غير عادل،
ويذكرنا هذا الحال بما فعله النظام السابق في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، عندما اصدر تشريع جرم فيه من يترك العمل في الوظائف الحكومية من أصحاب شهادة البكالوريوس والدبلوم والشهادات العليا، وفرض عقوبة السجن وتحميلهم نفقات الدراسة، ومنع عليهم الدخول في القطاع الخاص، مما أدى الى احتكار القطاع الخاص من غير أصحاب الشهادات والمختصين في العلوم مثل الهندسة والاقتصاد والتجارة، فاحتكر هؤلاء رأس المال، بينما المختص بقى على حاله في فقرٍ مدقع، ومن ثم توالى انحدار المجتمع والاقتصاد منذ ذلك الحين وما زالت اثاره لغاية الان، لان من يقود ويتحكم بالمشهد الاقتصادي هو الذي لا يملك التحصيل الدراسي، بل اصبح متحكماً في المختص من أصحاب الشهادات،
لذلك فان هذا المثال قد يعطي المؤشر على الاثار المتعلقة بمنع المختص والأكاديمي والمثقف من الظهر الإعلامي او المشاركة الفعالة في مناقشة التشريعات ذات الصلة والمساس بحياته، مما يترك الساحة لغيرهم حتى لو كانوا من عامة الناس فيتحكمون بالمجتمع بما فيهم المختص والاكاديمي حيث يخضع لرأي هؤلاء العامة.
قاضٍ متقاعد
#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟