|
هل يسري سبق الفصل على القرار التفسيري؟ قراءة في القرار التفسيري للمحكمة الاتحادية العليا حول الهيئات المستقلة
سالم روضان الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 8104 - 2024 / 9 / 18 - 22:47
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
هل يسري سبق الفصل على القرار التفسيري؟
قراءة في القرار التفسيري للمحكمة الاتحادية العليا حول الهيئات المستقلة
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا الموقرة قرارها العدد 237/اتحادية/2024 في 17/9/2024 والذي تضمن رد طلب السيد رئيس مجلس الوزراء في تفسير دور ومهام الهيئات المستقلة، ان أسباب رد الطلب كان من الناحية الشكلية، لان سبق لها الفصل في موضوع الطلب بموجب قرارات عدة أصدرتها المحكمة الاتحادية العليا حول ذلت الموضوع،
وحيث ان القارئ المختص او طالب علم القانون، مهتم بما يصدر عن المحاكم العليا والتي تمثل جهات المرجع الأعلى للطعون في الاحكام، وتعتبر الاحكام الواردة في قرارتها مبادئ يسير ويهتدي بها الجميع فضلاً عن الالزام الوارد تجاه قرارات المحكمة الاتحادية العليا بموجب الدستور،
ومن هذا المنطلق كان لابد من متابعة ما يصدر عنها من احكام، للوقوف على الاتجاهات القضائية في القضايا التي تنظرها، سواء كانت باختصاصها الدستوري في شقيه الأول النظر في الطعن بعدم دستورية القوانين والثاني اختصاصها الحصري بتفسير النصوص الدستورية وعلى وفق ما ورد الفقرتين (أولا وثانياً من المادة 093) من الدستور، او كان باختصاصاتها الأخرى باعتبارها محكمة موضوع فيما يتعلق بالاختصاصات الواردة في بقية فقرات المادة (93) أعلاه،
والجديد في الاتجاه القضائي الصادر في القرار محل القراءة ان المحكمة الموقرة ردت الطلب شكلا والسبب في الرد هو سبق الفصل في موضوع طلب التفسير، وينهض السؤال الاستفهامي هل القرار التفسيري تسري عليه قاعدة الدفع بسبق الفصل فيه؟ وللإحاطة بجوانب السؤال والاجابة عنه اعرض الاتي:
1. ماهية سبق الفصل في الدعوى: ان سبق الفصل في الدعوى يعني وجود حكم قضائي سابق فصل في نزاع بين الخصوم واكتسب درجة البنات وأصبح حجة على الكافة[1]، وعرفه فقه القانون بانه الحكم الذي تصدره المحكمة ويكون حجة فيما بين الخصوم في ذات الحق محلاً وسبباً ولا يجوز رفع دعوى جديده بموضوعه[2]،
وسبق الفصل الذي يكون حجة الحكم القضائي تجاه الكافة، لابد وان يتوفر على ثلاث شروط أساسية وعلى وفق ما اجمع عليه فقه القانون وهي (1- ان يكون حكماً قضائياً 2- ان يكون صادر من محكمة ذات ولاية قضائية 3-ان يكون قطعياً)[3]، والشرط الأول المتمثل بان يكون سبق الفصل بموجب حكم قضائي، وحيث ان الحكم القضائي هو الحكم الفاصل في نزاع بين الخصوم تنظره المحكمة المختصة، الفقه القانوني يكاد يكون قد استقر على التعريف الحكم القضائي بأنه (القرار الصادر عن محكمة في حدود ولايتها القضائية في خصومه بالشكل الذي يحدده القانون للأحكام سواء كان صادر في نهاية الخصومة أو في أثناء سيرها وسواء كان صادر في موضوع الخصومة أو في مسالة إجرائية)[4]
كما يشير احد شراح القانون إلى أن الحكم القضائي له ركنان اثنان، الركن الاول هو صدور الحكم من محكمة في حدود ولايتها القضائية، والركن الثاني ان يصدر بموجب خصومة بالشكل المقرر قانوناً للأحكام وعناصره المنطوق والأسباب[5]، والخصومة هي من اهم اركان الحكم القضائي، فاذا لم تكن هناك خصومة بين طرفين، فان ما يصدر عن المحكمة لا يعد حكماً ، وانما قد يكون قراراً اعدادياً او ولائياً، او في قضاء مستعجل، وقد يكون افتائياً، وهذه لا يسري عليها مفهوم سبق الفصل[6]
2. هل القرار التفسيري حكم قضائي: بعد توضيح شروط الامر المقضي به لسبق الفصل، ساعرض للأمر على وفق الاتي:
أ. ان من اهم تلك الشروط ان يكون حكم فاصل بنزاع بين خصمين، وبموجب دعوى أصولية، والدعوى يعرفها قانون المرافعات المدنية بانها حيث ورد تعريف الدعوى في المادة (2) من قانون المرافعات المدنية التي جاء فيها الاتي (الدعوى – طلب شخص حقه من اخر أمام القضاء)، وكان القضاء العراقي قد أشار إلى هذا التعريف في اكثر من قرار ومنها قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 251/ هيئة مدنية موسعة/2021 في 13/7/2021 عندما أشار إلى تعريف الدعوى،
والدعوى لها ثلاثة اركان الركن الأول المدعي والركن الثاني المدعى عليه والركن الثالث المدعى به[7]،أما الدعوى الدستورية التي تختص بها المحكمة الاتحادية بموجب اختصاصها الوارد في المادة (93/1) من الدستور ومعناها يتمحور حول دعوى دستورية القوانين ويراد بها مخاصمة القانون المخالف للدستور بدعوى أصلية يرفعها الطاعن أمام القضاء وبعد فحص القانون المطعون بدستوريته تحكم المحكمة إما الحكم بعدم الدستورية أو رد الدعوى[8]
ب. اما القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا لم يكن بموجب دعوى بمعناها الوارد في قانون المرافعات المدنية ، او بمعنها الخاص بالدعوى الدستورية، لأنها لم تكن بموجب ورقة دعوى أصولية، وانما كانت بموجب كتاب صادر عن مكتب السيد رئيس الوزراء، ولم يكن فيها خصماً، ولم يطلب فيها طعن بعدم دستورية أي نص قانوني، لذلك لا يمكن ان يكون قراراً صادراً بموجب دعوى او انه يفصل في نزاع بين خصوم،
ج. ان القرار التفسيري هو في اصله طلب فتوى من المحكمة الاتحادية العليا تجاه نص التبس فيه الفهم على طالب التفسير، لذلك فان القرار التفسيري يركز على توضيح النصوص القانونية أو الأحكام السابقة، بينما القرار الفاصل في النزاع يهدف إلى إنهاء النزاع بشكل نهائي وتحديد حقوق اطراف النزاع (الخصوم)
الخلاصة: ان القرار التفسيري لا يكون حكماً قضائياً فاصلا في نزاع، وانما قراراً افتائياً أصدرته المحكمة بصفتها الولائية، أي انها صاحبة الاختصاص بالتفسير، وليس بصفتها محكمة تفصل في نزاع بين الخصوم، وحيث ان سبق الفصل يسري فقط على الاحكام القضائية، ومن خلال ما تقدم أرى الاتي:
أ. ان رد الطلب لسبق الفصل لا يسري على طلب التفسير، وانما للمحكمة ان تقرر ما كانت قد أصدرته من تفسير سابق، او تشير الى القرارات التي أصدرتها في تفسير ما يطلب تفسيره لاحقاً،
ب. ان التفسير كما يعرفه بعض المختصين في علم التفسير بانه العمل الذي يتولاه القضاة أثناء نظرهم الدعوى وهو التفسير الذي يتبادر إلى الأذهان إذا ما أطلق مصطلح التفسير لان عمل القاضي يتطلب بذل قصارى جهده لاستخلاص المعنى الذي أراده المشرع من النص وعادةً التفسير القضائي ليس غاية بحد ذاته وإنما وسيلة تستخدم للفصل في النزاع وتوجد أنواع أخرى من التفسير منها التفسير التشريعي والتفسير الفقهي[9] والحاجة للتفسير وتحديداً الدستوري منه ، تبرز في الدول ذات النظم الديمقراطية أو السائرة حديثاً في هذا الطريق ، ففي النظم الديمقراطية يعمل التفسير القضائي على تطوير النصوص مفهوماً ومعناً دون الحاجة لاستبدال النص بغيره فتحقيق الاستبدال ليس بالمتناول دائما،
ج. عرف البعض الآخر في الفقه الدستوري التفسير الدستوري بأنه تحديد المعنى الذي تتضمنه القواعد الدستورية حتى يمكن تطبيقها في الظروف الواقعية المستجدة والتي تختلف عن الظروف التي وضعت فيها تلك القواعد[10] ، لذلك فان المقصود بتفسير الدستور شرح النص بما يتجاوز التفسير الضيق، وذلك بهدف كشف الخلفيات الكامنة ورائه والغايات، وإزالة الغموض والإبهام واللبس، وتوضيح المقصود منه، واستخراج المعيار الذي ينطوي عليه، أي المعيار الواجب اعتماده في مواجهة وقائع محددة
وأكرر القول بان الرد الشكلي لسبق الفصل لا يرد على القرار التفسيري، مع التنويه الى ان المحكمة الموقرة وفي ثنايا قرارها قد دخلت في صلب موضوع الطلب عند استعراضها للقرارات السابقة، وانها لم تجد خلاف ما ورد فيها بمعنى انها نظرت في الطلب من الناحية الموضوعية، وهذا خلاف الأصل لان الرد الشكلي لا يمنح المحكمة أي فسحة او فرصة لمناقشة الطلب من حيث الموضوع.
سالم روضان الموسوي
قاضٍ متقاعد الهوامش=====================
[1] الدكتور عبدالرزاق السنهوري ـ الوسيط في شرح قانون المدني ـ منشورات الحلبي الحقوقية طبعة بيروت عام 2000 ـ ج2 ـ ص632
[2] المرحوم القاضي حسين المؤمن ـ نظرية الاثبات ، القرائن وحجية الاحكام ـ منشورات مطبعة الفجر في بيروت عام 1977ـ ج4 ـ ص130
[3] ينظر المرحوم القاضي حسين المؤمن ـ مرجع سابق ـ ص162 والسنهوري مرجع سابق ـ ص 635 ـ والمرحوم المحامي محمد علي الصوري ـ التعليق المقارن على مواد قانون الاثبات ـ منشورات المكتبة القانونية بغداد ـ الطبعة الثانية عام 2011 ـ ج3 ـ ص958
[4] الدكتور محمد سعيد عبدالرحمن ـ الحكم القضائي اركانه وقواعد اصداره ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ بيروت ط 1 عام 2011ـ ـ ص 24
[5] للمزيد انظر محمد سعيد عبدالرحمن ـ مرجع سابق ـ ص 21
[6] للمزيد انظر احمد نشأت ـ رسالة في الاثبات ـ بدون جهة نشر ـ طبعة عام 2008 ـ ج2 ـ ص209، فضلا عن السنهوري ، وحسين المؤمن ، ومحمد علي الصوري في المراجع السابقة.
[7] للمزيد انظر القاضي عبدالرحمن العلام ـ شرح قانون المرافعات المدنية ـ توزيع المكتبة القانونية في بغداد ـ ط2 عام 2008 ـ ج1 ـ ص 335
[8] الدكتور رفعت عيد سيد ـ الوجيز في الدعوى الدستورية ـ منشورات دار النهضة العربية ـ الطبعة الأولى عام 2004 ـ ص 188
[9] للمزيد انظر الدكتور محمد شريف احمد ـ نظرية تفسير النصوص المدنية ـ مطبعة وزارة الاوقاف والشؤون الدينية ـ طبعة عام 1980 ـ ص17
[10] الدكتور صالح طليس ـ تفسير النصوص الدستورية الضامنة للحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ـ بحث منشور في مجلة الحقوق والعلوم السياسية التي تصدر عن الجامعة اللبنانية كلية الحقوق ـ العدد الاول عام 2015ـ ص301
#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قوانين الوطن وقوانين الأنظمة في المنظومة التشريعية العراقية
-
كيف يؤدي المواطن واجبه الدستوري بحماية المال العام؟
-
أسباب الخوف والقلق من مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية؟
-
مدة تحديد جلسة النطق بالحكم في المادة (156) مرافعات، هل هي ح
...
-
النشيد الوطني الحسيني (يحسين بضمايرنه)
-
نبذة تاريخية عن قانون الأحوال الشخصية النافذ منذ عام 1959 وم
...
-
اتفاق التحكيم بين الشرط والمشارطة وإشكالية التنفيذ في ضوء ال
...
-
الأوضاع الاقتصادية وأثرها على كتابة الدستور (الدستور العراقي
...
-
قراءة أولية في مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية
-
قراءة دستورية لمناسبة عيد الغدير الاغر
-
الحاكم والحج والحواشي
-
هل تعتبر جميع دعاوى المحكمة الاتحادية العليا دعاوى دستورية؟
...
-
ماهية انعدام الاحكام والاثار المترتب عنها
-
زهرة النرجس بين جمال المنظر وقباحة السلوك
-
دستورٌ تحت التجربة (دستور العراق انموذجاً)
-
هل المحكمة الاتحادية العليا مختصة بإصدار القرارات الولائية (
...
-
قراءات تحليلية وتعليقات فقهية، في ضوء أحكام القضاء الدستوري
-
المانع والممنوع في عمل المحافظين بين النص القانوني والاجتهاد
...
-
هل طلب تصديق قرار التحكيم الأجنبي على وفق احكام القانون الوط
...
-
عندما يكون السلطان ضعيفاً؟
المزيد.....
-
اعتقال أكثر من 11 ألفا و200 فلسطيني بالضفة الغربية
-
صحيفة عبرية: السلطات الإسرائيلية تستولي على مقر- الأونروا- ف
...
-
الهلال الأحمر العراقي: عدد اللاجئين اللبنانيين في العراق يتج
...
-
مجزرة مدرسة النازحين بدير البلح.. حماس: أين المجتمع الدولي و
...
-
بوتين يرحب بالمشاركين في المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان في موس
...
-
يونيسف: واحدة من كل 8 فتيات تتعرض للاعتداء الجنسي قبل بلوغ 1
...
-
وزير الداخلية اللبناني: سنطلب من الحكومة فتح مراكز ايواء جدي
...
-
5 دول أفريقية تفوز بعضوية مجلس حقوق الإنساني الأممي
-
الأمم المتحدة تنتقد تصريحات بن غفير عن تسليح الإسرائيليين
-
تايلور سويفت تتبرع بمبلغ كبير لإغاثة المتضررين من إعصاري ميل
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|