أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - آرام كربيت - هواجس عامة ــ 290 ــ















المزيد.....


هواجس عامة ــ 290 ــ


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 8102 - 2024 / 9 / 16 - 02:51
المحور: قضايا ثقافية
    


أثناء الإبادة التي ارتكبها الأتراك بحق مواطنيهم الأرمن، أخذ أحد الرجال العرب في مدينة القامشلي طفلًا، رباه، واعتنى به وعامله كأحد أطفاله.
وعندما أصبح شابًا أراد الزواج من إحدى الفتيات في العشيرة.
جلس الرجل مع الشاب، قال له:
ـ أبن أخوي، أنت مسيحي الأصل، تريد أن تتزوج على ديننا فأهلا وسهلًا بك، وإذا أردت أن تعود إلى قومك سأخذك إلى عندهم.
وذكر له أسمه الحقيقي وأسم عائلته.
عاد هذا الشاب إلى دينه وتزوج وأنجب.
وعندما اقتربت المنية منه، كان يكرر هذه الجملة:
ـ يوبا.. يا يوبا.. يا يوبا.. أحبك يا يوبا.
كم كنت كريمًا جميلاً، فضلك في رقبتي إلى يوم القيامة يا يوبا.
هذا كان شعبنا، بمثله، بنبله، بكرمه وتسامحه.
أين كنا وأين أصبحنا؟

على الأرجح أن تركياـ أردوغان، وراء التحريض الاذربيجاني على أرمينيا، لخلق بوئر توتر جديدة حول الصراع الدائر بين الولايات المتحدة وشركائها في أوكرانيا ضد روسيا.
هذا هو أردوغان، بياع لعب صغيرة و وكبيرة، يباع ويشترى مثل أي سلعة في السوق، يلعب على أكثر من ملف، ويرسل أكثر من إشارة إلى أكثر من طرف.
اليوم يريد أن يفتح جبهة القوقاز، أن يكسب المال والنفط والغاز من أذربيجان، وأن يقول للولايات المتحدة أنا الجوكر، جاهز للخدمة، في يدي ملفات أقدر أن أمنحكم أي ملف تريدونه، ويريد أن يقول لروسيا انا لا دخلني بالحرب الجارية، أنا صديقكم.
جميع الفاعلين الدوليين يعرفون أردوغان، وكلهم يريدون تركيا، ويريدون لهذا الجوكر المنتهية صلاحيته أن يرحل من الحكم، ينتظرون الوقت.
أما علليف، أقدر أقول عنه وعن باشاياني، أنهما أطفال سياسة، رهن الأول بلده ووضعه في خدمة أردوغان، يستثمره متى شاء وفي أي ملف يريد، وهذا العلليف لا شخصية له ولا قيمة سياسية له إلا بوجوده في السلطة، وهذه السلطة لا مفاجأت فيه، فهي خرجت وما تزال تخرج الاسوأ من جوفها، وجميع الوساخات.
أرمينيا لا موارد اقتصادية لديها، ولا نفط ولا غاز، ولا خطوط نفط أو غاز، ولا لها اطلالة على البحر، ولا موقع جيوسياسي لها ولا مكانة، لهذا استغرب أن يشعل هذا الاردوغان هذا الملف، إلا لإشغال القوى المتصارعة حول هذا الملف الميت.
أننا في زمن التفاهة والميوعة السياسية والثقافية.
إن عالمنا يموت تحت نظرنا بصمت وببطء، وسيتسيد هؤلاء الحثالة عالمنا المنهار.

في الطفولة المبكرة لي، كنت مجنونًا عاشقًا لدروس الأشغال، وللتكوين الجميل للألوان.
لهذا الأخير سحر، لا يدركه إلا الأطفال الصغار، والقلوب الصغيرة الجميلة التي لم تلوثها الحياة.
في الصف الثالث الأبتدائي، في مدرسة اللواء الخاصة، للأرمن الأرتذوكس في الحسكة، كنت أصنع الطائرات الورقية خلسة، أثناء شرح المعلمة للدرس، ولعبت بها في الباحة وحدي.
إحدى المرات صنعت أجمل طائرة في حياتي، كانت جميلة جدًا، رشيقة كامتداد الزمن، تطير مدة طويلة، وتبقى في الفضاء، وقلبي كان يحلق معها، ووجهي باتجاه السماء، هي تطير وأنا أطير، في الشوارع والساحات، لم يكن يهمني وجود المارة أو السيارات.
كنت سعيدًا.
حطت الطائرة رحالها على شجرة في حوش عربي مملوء بالأشجار، ونامت هناك.
وقفت أنظر إليها حزينًا، وإلى جانبي أختي الصغيرة لوسين والكبيرة أنجيل، كانتا حائرتان بسببي، لا تعرفان ماذا تفعلان، أمام حيرتي واشتياقي وحزني.
قرعت الباب بقوة، بيد أن الصمت ما زال في سكونه في أذني إلى اليوم، وما زلت متحسرًا على طائرة صنعتها بيدي، وذهبت بعيدًا عني.
كل مرة كنت أمر من تحت تلك الشجرة، وذلك الباب الأخضر، يعود حزني إلى قلبي ويكبر ألمي، وأقول:
هنا كانت طائرة غافية، وما زالت، وما زلت أذكرها كما يذكر الغدير قطعة منه.
وهناك من ضيع الأوطان، ويضحك ببلاهة.

الإبداع كالحب، دائمًا متجدد، ودائمًا يرتدي ثياب العيد الجديدة، وينتصب واقفًا بوسامته وفرحه، وابتسامته، واقفًا على ناصية الزمن العابر، يتلقى الهدايا والسكاكر والابتسامات العابرة والتحايا من المحبين.
شاهدت مظاهرة في السويد ضد دائرة الخدمات الاجتماعية، السوسيال، في مدينتي يوتوبوري ومالمو.
في يافظة المظاهرة مكتوب:
اوقفوا الخدمات الاجتماعية عن استغلال السلطة والفساد والاتجار القانوني بالأطفال في السويد.
العبارة ركيكة جدًا، ويفهم منها أن هناك اتجار قانوني بالأطفال، وهذا النص كأنه يشير إلى جريمة تقوم بها الدولة بحق الأطفال.
عدد المتظاهرين لم يكن يتجاوز الأربعين فردًا وربما أكثر او أقل، أغلبهم من بلادنا، ليس هنا المشكلة.
من يقرأ هذه اليافطة يظن أن المظاهرة في أفغانستان أو الهند أو بورما، بيد أن اليافطة تشير إلى السويد.
تعمل الدولة السويدية على التدخل لحماية المرأة أو الأطفال من الضرب فيما إذا تعرض الطفل للاعتداء من قبل أحد الوالدين، أو هناك أسباب أخرى، كأن يكون الأب مريض نفسيًا أو عقليًا، وهذا ينطبق على الأم.
هذه المظاهرة اعتبرها معيبة بحقنا كأجانب، كأن المتظاهرين يريدون القول، اتركوا لنا أولادنا نربيهم على طريقتنا، نضربهم، نعنفهم، نذلهم حتى يخرجوا أطفالًا صالحين مثلنا.
وكأن السويدي لا يعرف يربي طفله، مثل حضراتنا؟
منظور الصلاح وفق هذه النماذج، هو تربية الطفل على مفهوم الخضوع، والإذلال، وبما يمليه الأبوبين على صغارهم، وكأن الطفل لا كيان له، وليس عاقلًا ولا يفهم أو يحس أو يتألم.
يريدون من الطفل أن يخرج إلى الحياة على مقاسهم العقلي والذهني، وعلى نهج دينهم.
تتتدخل الدولة، عندما يتأزم وضع الطفل، عندما ترى المدرسة أن الطفل يعاني من مشاكل نفسية أو جسدية، وأنه خائف، ولديه صعوبات في التأقلم مع اصدقاءه وزملاءه في المدرسة.
تسأل المشرفة الطفل مرة ومرتين وعشرة، ثم يستدعون الأب أو الأم:
يا حضرات، إن طفلكما يقول أنه يتعرض للأذى النفسي والجسدي، هذا لا يصح. تعاملوا مع اولادكم بالحسنى، بالحديث، بالحوار.
ينبهون الأبوين عدة مرات قبل أخذ القرار.
والقرار يذهب إلى المحاكمة، مع تقارير كاملة عن وضع الطفل، وبعد دراسة أوضاعه بالكامل.
وعدد الطلاق زاد في السويد كثيرًا، لأن العلاقة بين الزوج والزوجة كان فيه إشكال قبل مجيئهما، الرابط ربما كان بسبب الوضع الاقتصادي أو العادات والتقاليد أو الدين أو العيب والخجل من الأهل والناس.
أو يكون الحب بينهما قد استنفذ شروط بقاءه، لهذا فإن الانفصال هو ضرورة لكلا الجانبين.
كما زادت الجريمة المنظمة في الأوساط الاجتماعية القريبة منّا كأجانب، وهذه مشكلة، وقد اقترح رئيس حزب المحافظين أنه في حال وصوله إلى السلطة، سيطلب أن يسن قانون سحب الجنسية من كل واحد يقدم على فعل جرمي.


الثقافة العاقرة، كالأرض العاقر، كلاهما لا يزهران، لا ينتجان اللون الأخضر أو الورد النهدي أو الخمري أو الأحمر.
إنهما ينتجان اللون الأصفر، لون الشوك والجفاف.
الثقافة هي المدينة، هي مرحلة انتقال الإنسان من الحياة البسيطة إلى التنوع والتعدد. وفي هذه المدينة هناك الجمال والحرية والقراءات المتعددة للألوان، وجوه كثيرة، وطاقات مفتحة
أقسى حياة عندما تكون بلون واحد ورؤية واحدة، والبقاء في المكان ذاته.
اقصد البقاء في الثقافة الميتة ذاتها، ثقافة عاقرة لم تعد تنتج من ذاتها سوى الحسرةوالألم والانتظار.
لا يمكن أن يكون هناك خصوصية إلا في التنوع.

هل هناك أحلى من النهدي، أنه أحلى الألوان، يعطيك الجمال ويبقى واقفًا على مسافة، ينظر إليك ويناغيك وهو صامت، كأنه حزين، ولكنه ليس بحزين، أنه يتأمل، يقرأ ويكتب برزانة وحب، يريدك أن تقترب منه دون أن يقول، أو يرسل إشارات دون أن يشير.
إنه إله الحب الخالد.

عندما تكون الأيديولوجية تحت الدولة، فهذا يعني أنها تنتمي إلى المجتمع المدني وخادم لها ومعين لها في تنظيم المجتمع، هذا مؤشر أن هذا ما يجعل الدولة والمجتمع يعيشان في ظل الدستور والقوانين الناظمة لبلد ما.
أما أن توضع الأيديولوجية فوق الدولة هنا الكارثة الكبرى والدمار.
أغلب الأنظمة السياسية العربية وإيران وحزب نصر الله وآل سعود وآل قطر وحمد بن جاسم وآل نهيان وعبيان وبوتين واردوغان تركيا الذين سخروا وما زال يسخرون الدولة لأيديولوجيتهم ويحولون الأوطان إلى حمار يركبونه متى شاؤوا وأرادوا، هنا سيكون الدمار وإن طال الزمن.
بالطبع سنهزم في كل معاركنا. وهل تنتصر الأيديولوجية دون الدولة، دون الحرية والدستور والوطن والقوانين.
وبالطبع أن أغلب المشاريع الشمولية باءت بالنكوص والخذلان وسيكون نهايتها الفشل والخراب والزمن هو الفاصل والمجيب على الاسئلة.

لم تأت الخيانة على غفلة منّا، ولم تكن وليدة اليوم او البارحة، فلماذا نحن مستغربين، الخيانة قديمة جدًا، بدأت منذ أن قتل أول مدافع عن فلسطين.
لم تتوقف الخيانة لحظة واحدة، إنها مستمرة بالأحكام العرفية وقانون الطوارئ بانتهاك الكرامة بالسجون وإذلال الإنسان.
ما يحدث هو تحصيل حاصل
وهل ينجب الذليل غير الذل والهوان؟

لم تأت الخيانة على غفلة منّا، ولم تكن وليدة اليوم او البارحة، فلماذا نحن مستغربين، الخيانة قديمة جدًا، بدأت منذ أن قتل أول مدافع عن فلسطين.
لم تتوقف الخيانة لحظة واحدة، إنها مستمرة بالأحكام العرفية وقانون الطوارئ بانتهاك الكرامة بالسجون وإذلال الإنسان.
ما يحدث هو تحصيل حاصل
وهل ينجب الذليل غير الذل والهوان؟

امتدت الأيدي إلى آلات العزف، ومضوا يعزفون ببراعة.
فاض روح الدودوك كنبع الماء الزلال الصافي الخارج توه من باطن الأرض، فغمر الضفاف المتراقصة على ضفافه باحثًا عن مجرى.
انبهق سيل الشفق جاء قادمًا من وراء العتمة واسترخى ورق السرخس على جنبات الخابور.
حلقت الموسيقا، نهضت من غفوتها ورقصت، تمددت فوق الفضاء والسماء، تمايلت ثم بدأت تلوح للفجر المنبلج من باطن الأرض والسماء.
رأيت جبل عبد العزيز ونهر الخابور ينهضان من غفوتهما ويتمايلان، رأيتهما يرتجفان من شدة الانبهار.
انحرف النهر عن مساره تائهًا مغردًا في مجاهل الأرض. تأوهت السهول والوديان، وكلما زاد إيقاع اللحن فوق المنعطفات، تحول المكان إلى كرنفال جميل يبارك الوجود، يعمده بالفرح والحرية.
وتلمظ النسيم فوق البراري العذبة.
قلت لها:
ـ من أين له هذا الأنين، هذه العذوبة العذبة، هذا الصوت الشجي المملوء بالحزن المركب؟
انتشرت قشعريرة لذيذة كغيمة بيضاء فوق البادية السورية والسهول.
قالت لي:
ـ الدودوك بطبعه حزين. نغمه حزين وصوته حزين، يجمل أوراق الأشجار والوديان والحشائش، يجعلهم في حالة تيقظ دائم.
يبكيهم أغلب الأوقات، بيد أنه اليوم على غير عادته. حزنه حزن. حزن مركب كما قلت قبل قليل. الأرض في ظله سارحة منفرجة على وسع، تتنهد.
وقفت بعض الوقت أتامل. هز الحمار خصره وتلمظ. لبطته تحت بطنه، ليسرع. وضعت يدي على فمي وقربتهما، صرخت بأعلى صوتي:
ـ سيلفا، انتظري ساعة واحدة وأكون إلى جانبك. ليبق صوت الدودوك عاليًا، لتسمعه السماء وزل الخابور وصفصافه وأشنياته. لتنتعش رائحة الأعشاب البرية وتتناغم مع رائحة الفجر وزفير التراب حتى أبصر وأصل إليك.
إنني في الطريق، قادم إليك. غني مع الدودوك وليبق صوتًا محلقًا في السماء حتى أراه وأسمعه وأشمه.
ـ سأغني لك بالأرمنية الأغنية التي تحبها وتصبح دليلك للوصول إلي.

ملحمة واحدة صغيرة اسمها جلجامش خلخلت الأديان كلها.
عمر اكتشافها لا يتجاوز المئة والخمسين سنة فقط لا غير.
وما زال الباحثون يدخلون في جوفها وعظامها وقلبها، يقرأونها قراءات متعددة، ويخرجون باستنتاجات متعددة.
دخلت الملحمة إلى جوار الأسطورة كمنافس للدين، سحبت وما زالت تسحب البساط من تحته وتعريه وتقزمه وتعيده إلى مربعه الحقيقي.
إن قراءة الأساطير السورية والمصرية والرافدية ستجعلنا نحلق ونسبح في الحقيقة القادمة، شاء من شاء وأبى من أبى.
على الدين أن يعود إلى المعبد، إلى مكانه الحقيقي عاريًا من ورق التوت والتين والشوندر، هذا خير له ولنا، قبل أن يطرد من المعبد أيضًا.
إن تفكيك الدين يجري على قدم وساق، والذي يميزه عن السحر والخرافة هو وجود الإله.
إن موت الإله بدأ ولن ينتهي.

إن النغم الخارج من الوتر لا يهمه إلى أين الرحيل.
الأمم والأمبراطوريات لا تهزم إلا من الداخل، عندما تصل الثقافة إلى طريق مسدود، أو وصول الهمج إلى سدة القرار، أو الانقسامات الداخلية بفعل عدم التوافق، أو تحول الطبقة السياسية إلى طبقة ماجنة لا هم لها إلا ملذاتها السياسية والاجتماعية والقبض على الاقتصاد كله.
لا تطرف دون أيديولوجية.
المتطرف كائن معبأ بمنظومة سياسية أخلاقية اجتماعية في منتهى القسوة.
إن المتطرف يعيش في المستقبل، في الحياة المتخيلة، أما الحاضر بالنسبة له هي مجرد أرض محروقة.
إنه يريد تجاوز الممكنات للجلوس في الزمن القادم البعيد عن متناول اليد والعقل والقلب.
في أعماق هذا المتطرف تكوين نفسي هش، ونكوص واستسلام سريع لتقلبات التاريخ والقدر وأحداثه.
إنه كائن مهزوم من الداخل قبل أن يبدأ.
إنه يريد قطف التاريخ، تقطيعه، تمزيقه ليرضي ذاته المريضة، وتسخير الواقع لمهماته الخاصة أو القطيعية دون النظر إلى النتائج الكارثية التي سيترتب على ذلك، وذلك لإرضاء غروروه وفراغه وتكوينه.
إن ما يفعله هذا الأيديولوجي الغارق في الذات البعيدة عن الواقع، ليس ليس مبنيًا على وقائع حقيقية، وامتحان لقدرة الحياة على إنتاجه، لإنه كائن حالم، يريد القبض على حلمه عبر تسخير الواقع لأنانيته الذاتية، ولما يجول في عقله الباطن من اختلالات مرضية غريبة لا توزن الحقائق الجارية على الأرض بميزان المنطق والواقع.
إن ما يفعله هو قفز على المكان والزمن وحركته ورتابته وتناقضاته وصرعاته.
إنه إنسان ضعيف يغطي على ضعفه بالكثير من الهياج والحركة والإندفاع، والكلام المعبأ برموز كبيرة وصاعقة.
إنه يريد أن يحول الواقع إلى مداس لقدمه المكسورة.
هؤلاء المهابيل أول الناس انقلابًا على أفكارهم وذواتهم عندما يقعون في فخ الواقع.
ومشكلة المتطرف أنه لا يركن إلى قرار إلا بعد أن تطعنه الحياة بخنجرها المسنون.
والكثير منهم تحولوا إلى براغماتيين مبتذلين بامتياز بعد أن خذلهم الواقع ولمسوه بيديهم وعيونهم.

إن العيش في الماضي بكل ثقله، بجماله أو أحزانه أو فرحه أو سعادته هو مازوخية مرضية، لعدم قدرة المرء على إعادة إنتاج ذاته الحاضرة.
إن العيش في الماضي فيه لذة، لذة مسيطرة، تأخذ بلب المرء ومشاعره وتفصله عن واقعه ومصيره وتغرقه في لجج الألم اللذيذ.
حتى الفرح بالماضي فيه لذة، فيه جلد للذات دون وعي منّا.
إن منازل الأمس العامرة تموت كل يوم، وتستعيد حياتها، موت وحياة يوميًا، ولكنها مع الأيام تفقد من ذاتها الكثير الكثير من الرعشات الحالمة، تمنعنا من التمتع بيومنّا الذي بين أيدينا.
وكأن هذا الحاضر لن يكون ولا يملك القدرة على إنتاج الجمال. وكأن هذا الجمال يكمن في الماضي وحده.
أي مسخ نحن فيه؟
اليوم أنت كائن حقيقي، لكائن مضى ولن يعود. ولا تجدده في الماضي.
تذكر أن التلذذ بالألم هو ألم مضاعف، وعليك أن لا تذكره خلال استعادتك لنفسك، لأن الماضي رحل.
إن من يمنحك السعادة في الماضي هو وهم، لذة الوجع الذي دخل كهف الروح.
تمتع بالحرية والسعادة في يومك، وودع سجن الذات والروح التي قيدتك، وانطلق إلى الحياة بروح الحياة وتجددها.
حياة جديدة تليق بك، بجمالك ونبلك وشجاعتك على أنك على قيد الحياة وتكافح من أجل استمرار الجمال القابع في قلبك.

ما فعله حافظ الأسد باستلامه السلطة في العام 1970 أنه أخرج من جوف التاريخ كل قذارته من طائفية كريهة ومذهبية مقيتة. وتعميم أديان ميتة ومجتمع يعيش على التوكل.
استخدم هذه الأمراض وعومها واتكئ عليها في تمرير بقاءه في السلطة.
كان يعرف ماذا يريد عندما وضع الجميع خلفه ولعب على تناقضات المجتمع والقوى السياسية العاجزة.
أراد غيره تقليده واستخدم الطائفية كما فعل، بيد أنهم كانوا صدى أو مهزلة.
سخر الايديولوجية كعدة للشغل وجعل الجميع يحاججوه سياسيًا عبر هذه الأيديولوجية في الوقت الذي كان قاطعًا مسافة معها، بينما بقي هؤلاء مستمرون في تقليده.
لقد فهم المجتمع كأي إنسان بسيط، ولكنه فعل كل التراكمات المريضة لتأبيد بقاءه.
ونحن لم نخرج من عباءة الماضي ولا نجرأ في الأعلان عن ذلك ولم نكن بديلًا وطنيًا ولا نملك الرؤية حول كيفية إدارة الدولة والمجتمع.
وهل يمكن تفعيل المجتمع التقليدي بأدوات من داخله أو خارجه؟
هذا هو السؤال

لقد ساهم الدين في الانقسام الاجتماعي عندما حول المجتمع إلى فئتين منفصلتين, مؤمنين وكفار, أخيار وأشرار. ومنح المؤمن ميزة كبيرة, أنه أفضل من غيره بكونه يملك ميزة الأيمان, وله مكافأت محرزة بعد ان يشبع موتًا.
وساهم بالانقسام بين الرجل والمرأة, ووسع الشرخ بينهما. ونزل تشريحًا في الجسد الإنساني, ووضع عليه محرمات ومقدسات, وزنره بالقوانين.
لقد تحولت قوانين الدين إلى معضلة في هذا الزمن, بين الرغبة بالانفتاح وبين القيد المعطى تاريخيا, ليدخل الإنسان في أزمة نفسية عويصة.

البلدان الديمقراطية لا يمكن أن تبقى ديمقراطية إلى الأبد. الديمقراطية, هي خادم ممتاز للسلطة, غطاء, برقع, ويمكن رفعه إذا تعرضت هذه البلدان للخطر, وستطيح بكل من يقف في طريقها.
يجب أن يدرك هؤلاء الصغار الذين لجأوا إلى أوروبا أو غيرها, أن الديمقراطية ستبقى ما دام توازن القوى مستمرًا, ولكن إذا اختل لسبب من الأسباب, ستدمر كل من يقف في طريقها.
علينا أن ندرك أن البلدان الديمقراطية قادوا حربين عالميتين, احرقت الأخضر واليابس من اجل تنفيذ أجندة, سيطرة, هيمنة, مصالح, سموها ما شئتم.
إنهم متسامحون, رقيقين, طيوبين, محترمين, لكن إذا دعس على طرفهم, سنرى الويلات, لدينا أمثلة كثيرة عبر التاريخ.

من الذي ادخل في عمق ثقافتنا موضوع يزيد والحسين. من هو يزيد؟ إنه ابن ابيه, واحد داعر وتافه. ثم الحسين, ماذا فعل غير انه طالب بالسلطة لنسبه. وهكذا فعل معاوية وعلي.
حسنًا, علينا أن نفكك هذه الاحجية المريضة ونعيدها الى منتجها الاول, القبيلة, القبلية, نفكك جذر الدين ومنبعه. بالوعي, والثقافة نستطيع ان نفكك هذه الغيبوبة التي ابتدلينا بها. ما يحرك الناس هي ثقافة, بيد انها ثقافة مريضة, تنام في تابوت, تابو, قبر لا عظام فيه.

أنا مع الشغل على الطائفية, تحليلها, سياسيًا, سيكولوجيًا, اجتماعيًا, معرفيًا, ودراسة أبعادها وتأثيراتها. ومع تعريتها بالكامل وتعرية وجهها القبيح والقذر. من أين منشأها, نبتتها, كيف نمت وتعمقت في اللأواعي الاجتماعي في بلداننا. وكيفية التخلص منها وتجفيف منابعها ثقافيا ومعرفيًا وإنسانيًا, بيد أني ضد إتهام أي إنسان بالطائفية. الاتهام مضر جدًا ولا يجلب إلا الضرر.

بلادنا تحتاج إلى شغل كثير من أجل تنمية ثقافة الاختلاف. الثقافة الديمقراطية. والقبول بالبدائل المطروحة على الطاولة تمس قضايا الدولة والمجتمع والاقتصاد وإدارة السياسة والمجتمع والحياة اليومية العامة والخاصة والقضايا الدينية والمذهبية.
نحن بحاجة إلى تأهيل في مجالات كثيرة على أرضية أن الوطن ليس حكرًا على دين أو قومية أو ايديولوجية. والفصل بين علاقة الإنسان بفكره وممارساته السياسية كحاجة عليا تمس حياة الجميع.
الروح المنفتحة وقبول الآخر المختلف هو المدخل لى العصر

نيتشه مجد الارستقراطية، مع الأسف أنا كمان اتمنى بقاءها، لكنها صنم، مهما حاولنا أن نقنع أنفسنا أننا حطمنا الأصنام، لكن لا يوجد معاول أخرى أو بدائل أخرى لتكسير الأصنام.
أليس المال صنم؟
الطبيعة العذراء برأي لا تنتج أصنام، لكن هيهات، من أين لنا هذه الطبيعة البكر.
لقد كسر القطيع، الهمج كل جميل في حياتنا.
ربما العقل، هذا القائم على إدراك الأشياء، من داخله وخارجه، على حقيقتهما، ويملك القدرة على التمييز بين كل المفاهيم والحدود، ويدخل في صلب مفهوم الجمال، في مظهره وتمييزه بين الحسن والقبح، والخير والشر، مع هذا أن هذا العقل مرهون لشروط المكان ومعطياته، ينفصل عن نفسه ويتحول إلى صنم.
كل شيء غامض في عالمنا، ونحن أسرى، لا نستطيع الانفكاك.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس عامة 289
- هواجس ثقافية وأدبية وفكرية ــ 288 ــ
- هواجس ثقافية 287
- هواجس ثقافية وسياسية وفكرية 286
- هواجس ثقافية وإنسانية ــ 285 ــ
- هواجس وجودية 284
- هواجس ثقافية وفكرية ــ 283 ــ
- هواجس ثقافية 282
- هواجس ثقافية أدبية فكرية ــ 281 ــ
- هواجس ثقافية وأدبية وسياسية وفكرية ــ 280 ــ
- هواجس أدبية وفكرية ــ 279 ــ
- هواجس ثقافية ـ 278 ـ
- هواجس ثقافية وفكرية وسياسية وأدبية ــ277 ــ
- هواجس ثقافية عامة ــ 276 ــ
- هواجس ثقافية أدبية 275
- هواجس فكرية وسياسية وأدبية ــ 274 ــ
- هواجس ثقافية ــ 273 ــ
- هواجس ثقافية ــ 272 ــ
- هواجس ثقافية أدب موسيقا ــ 271 ــ
- هواجس سياسية وفكرية وثقافية 270


المزيد.....




- عضو في الكونغرس يتهم مكتب التحقيقات الفيدرالي بحجب معلومات ح ...
- تركيا تؤكد استعدادها لإسقاط الطائرات الإسرائيلية في حالة -دع ...
- نائب مصري يوجه رسالة -للناعقين- عن مصر بعد أحداث سوريا (فيدي ...
- -i24NEWS-: الولايات المتحدة وإسرائيل تنسقان هجوما ضد إيران ل ...
- أحمد الشرع: نعتزم تحويل سجن صيدنايا إلى متحف
- الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا يمشي للمرة الأولى منذ خضوعه ل ...
- إعلام إسرائيلي: أغلبية ساحقة مع صفقة شاملة ونتنياهو يناقض نف ...
- تركيا تحذر إسرائيل من الاستفزاز بسوريا وتعيد فتح سفارتها بدم ...
- مصر.. وفاة -طبيب الغلابة- في الإسماعيلية
- تركيا تحذر إسرائيل من خطورة استراتيجيتها لتدمير امكانات قياد ...


المزيد.....

- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - آرام كربيت - هواجس عامة ــ 290 ــ