|
ويل للجاهلين
ابراهيم نور الدين
الحوار المتمدن-العدد: 8095 - 2024 / 9 / 9 - 17:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الشعب السالك في الجاهلية احتفل بعملية السائق الذي قتل ثلاثة إسرائيليين في ساحة تفريغ البضائع على الجانب الآخر من الحدود مع الأردن. لقد وزعوا الحلوى واطلقوا الألعاب النارية وهتفوا باسم السائق وباسم عشيرته لمجرد ما قام به من ودون تمحيص لحقيقة هذا العمل أو ما سيجره لاحقا. كانت احتفالات الجماهير العربية بعملية السائق في اغلبها في المناطق الشعبية والفقيرة التي ينتشر فيها الجهل والعوز والازدحام والتدين. ومن اسف أن بعض المعلقين السياسيين ومنهم وزراء سابقون لكنهم غوغائيين احتفوا أيضا بهذه العملية وكان هدفهم تسجيل موقف وكسب التعاطف الشعبي. بسرعة أيضا تلقف الإسلام السياسي العملية وتبناها كما تبنتها حماس وبعض القنوات الفضائية العربية الباحثة عن شعبية رخيصة. وفجأة أصبحت عملية قتل بدون أي إطار سياسي عملا بطوليا يرد الكرامة ويعبر عن مشاعر الملايين. احدهم كتب تعليقا يخاطب فيه منفذ العملية: لن ننسى بطولتك .. أعدت لنا بعضا من الأمل. لكن هذا المعلق نسي أن يضيف : سأرسل أولادي لإكمال طريقك. احدهم نشر صورة هوية السائق ووضع منشورا بعنوان: هذا هو الأردني الذي نحب. لكنه للأسف لم يقل أنه يتمنى أن يكون أحد أولاده يمتلك ما يكفي من الشجاعة للقيام بعمل مماثل. فجأة اصبح الثوب البدوي الذي يلبسه السائق نموذجا لثوب الكرامة. من معركة الكرامة إلى معبر الكرامة... الأردنيون جزء من معركة المواجهة مع الكيان. هكذا احتفى البعض بهذه العملية وهنأوا بعضهم البعض عليها فاقدي البصيرة تماما عما يمكن أن تؤدي إليه فيما بعد. ردود الفعل الشعبية دائما ما تثير التساؤلات شان سبب كونها على هذا الشكل؟ يبدو لي أن الشعوب العربية تتوق دائما إلى من ينوب عنها في أي عمل يتطلب ثمنا غاليا. طبعا عملية السائق شفت غليل ا لكثيرين فاحتفلوا بها ووزعوا الحلوى وكانوا في منتهى السعادة والحبور والانبساط. ما هو السبب؟ ليس هذا الشعب محبا للدم والقتل لكنه احتفى حقيقة بالعملية وليس بنتائجها وإنما احتفى لأن منفذها ليس واحدا من إخوانه أو أقربائه أو أولاده . نعم تمت العملية وقام بها آخرون الحمدلله ألف مبروك للبطل ... برغم ما تجره هذه العملية من نتائج سلبية على عائلته وأطفاله وبلده أيضا. هنا يخطر على بالي القول أنه حتى في الهزائم والهزائم الكبرى لا نشعر بها كشعب بل نلقيها على الزعيم ونعتبره هو المهزوم ونكمل يومنا كالمعتاد. في الأدب الكلاسيكي في المسرح الإغريقي بصورة خاصة هناك ما يسمى التفريغ أو التنفيس والتطهر. أي أن الذي يحضر المسرحية يتماهى مع الحدث ومع الأبطال الذين يفرغون بتمثيلهم وأدائهم كل الضغوطات والأحمال التي على كاهل المتفرج فيرتاح ويتطهر منها قلبه مما يجعله يعود إلى بيته مرتاحا. هكذا كان حالا لناس بالأمس. فرغوا كل ما يحملونه من ضغوط ومن نزاعات نفسية داخلية إذ كانوا يريدون أن يفعلوا مثله لكنهم لا يريدون أن يتحملوا وزر العمل بأنفسهم ولا بأولادهم ولا أخوتهم. وإذا كان مثل هذا الفعل بطولي ويورد الجنة ويستقبله فيها الأنبياء والحوريات فلماذا هؤلاء المحتفلين لا يرسلون أولادهم أولا للقيام بعمل مثله؟ والان لندخل إلى صلب الحقيقة وبعض "التفاصيل المتوقعة" لأنني لا املك بالفعل أي تفاصيل دقيقة أو حقيقية عن نتائج التحقيق في هذه العملية وهي نتائج لم تظهر بعد وإن كنت اعتقد أنها لن تظهر أبداً احتراما لمشاعر الجماهير. في اعتقادي أن العملية لم تكن عملية بطولية ولا وطنية والسلاح المستعمل فيها مجرد سلاح فردي أي مسدس ولو كانت عملية وطنية لكان هذا السائق قد جلب معه سلاحا أوتوماتيكيا كلاشنكوف مثلا وهو متوفر بكثرة في بلدته. ثانيا لو كانت العملية بدافع وطني لربما تم تنفيذها من الجانب الشرقي للمعبر حيث يكون حرس الحدود الإسرائيلي من الجنود والمجندات هدفا اسهل ولكان لديه فرصة معقولة للفرار إلى الداخل. ثالثا انتظر السائق حتى الوصول إلى ساحة التفريغ ليقتل ثلاثة من العاملين في الساحة الذين يساعدون في التحميل والتنزيل بحسب البروتوكولات المتفق عليها. رابعا وهذا هو تحليلي الشخصي أن هذا السائق بحمل ثارا شخصيا مع عمال الساحة ولا بد أنها ليست المرة الأولى التي يعبر فيها بشاحنته ولا بد أن ظروف التفتيش أصبحت مشددة للغاية منذ الحرب في غزة. خامسا ما عمله هذا السائق بالتأكيد عمل فردي بما أنه كان انتقاما وثارا شخصيا وكذلك فهذا السائق لا ينتمي بصورة رسمية إلى أي جماعة مع أنه مثل كثيرين من أبناء منطقته من المتشددين دينيا. أما الإعلام العربي ونجوم اليوتيوب الذين يتغنون بهذه العملية ويخجلون من القول أن القتلى في الجانب الآخر هم من المدنيين فيتبححون بأن القتلى من الجيش الإسرائيلي. أما المحطات الفضائية التي فتحت عرسا ومزادا للتباهي بهذه العملية هل يمكنها العودة والاعتراف أن العملية شخصية لو أثبتت التحقيقات أنها كذلك؟ إن ما يحري الآن على الساحة الفلسطينية والعربية عموما تتحمل وزره ومسؤوليته قنوات التحريض العربية التي لا يهمها سوى كسب الشعبية وبالمشاهدين بغض النظر عن الحقيقة ضاربة عرض الحائط بأصول الإعلام المهني، للأسف!
#ابراهيم_نور_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اي غزة بعد الحرب
-
حتى لا تتكرر الخطيئة: اللبنانيون والفلسطينيون يستحقون حياة أ
...
-
الى اين يأخذك حزب الله يا لبنان
-
سقوط الاعلام العربي وانتهازيته
المزيد.....
-
باغته مسلح بمسدس من الخلف.. فيديو يظهر لحظة مقتل رئيس شركة -
...
-
سوريا.. التنظيمات المسلحة تستهدف الأحياء السكنية في حماة بقذ
...
-
مراسلتنا: المضادات الأرضية السورية تتصدى لمسيّرات في أجواء م
...
-
دونيتسك.. RT ترصد عمل الدفاعات الجوية
-
غزة: -بتحس إنك مش بني آدم-.. تقرير للعفو الدولية يتهم إسرائي
...
-
-مبارك رفض شراءها-.. معهد أمني إسرائيلي يدرس إمكانات مصر لام
...
-
-السورية للاتصالات-: توقف الاتصالات في محافظة حلب جراء الاعت
...
-
ماكرون يقبل استقالة الحكومة الفرنسية
-
مقاتلو المعارضة السورية يسيطرون على حماة ويتوجهون نحو حمص
-
قطر تستأنف دورها في جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس للتوصل إل
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|