|
سقوط الاعلام العربي وانتهازيته
ابراهيم نور الدين
الحوار المتمدن-العدد: 7822 - 2023 / 12 / 11 - 15:32
المحور:
القضية الفلسطينية
عندما يكون الرقم 59 أكبر من الرقم 63 يصبح السابع من أكتوبر تاليا ليوم الثامن من أكتوبر. هذا هو حال الإعلام العربي أو هذا ما يعمل الإعلام العربي عليه. من غير التغاضي عن حجم الكارثة في غزة وحجم الضحايا المدنيين إلا أن الإعلام العربي لا يتعامل مع الحرب هناك بصورة موضوعية وعقلانية. كما أن كثيرا من المحطات معروفة خلفيتها العقائدية والفكرية ركبت الموجة وأخذت تبيعنا وطنية ومفردات ثورية ونارية وتتفنن في عرض حجم الدمار وصور الضحايا والدماء. أكثر ما يلفت النظر استضافة هذه المحطات والقنوات لمحللين ومعلقين وجنرالات متقاعدين لم يخض أحد منهم أي معركة سوى المناورات التدريبية ليشرح ويفصل ويتوسع في التوقعات التي لا تنطبق على واقع الأمور وان صدف أن تحقق شيء منها فهذا لا يقاس عليه. يذكرنا هؤلاء المحللون والجنرالات بأحمد سعيد الستينات وصحاف العراق وغيرهما ممن بعثتهم السماء هدايا لجمهور الإعلام العربي يسمعوه ما يحب ويرغب. وبعد الحرب يصمتون صمت القبور. يذكروننا بما كانوا يفعلونه في حروب سابقة ونشير هنا إلى الحرب العراقية الإيرانية وحرب تحرير الكويت وغزو العراق في ألفين وثلاثة وحرب تموز في ألفين وستة وغيرها حيث ظهروا في القنوات ليشرحوا ويحللوا ويتوقعوا وفي النهاية كانوا أشبه بالمنجمين. ما زال بعض المحللين العسكرين الذين يظهرون على الشاشات العربية يتغنون بوجود أسلحة عند القسام لم تستعمل بعد تماما مثلما كانوا يقولون في الفين وثلاثة أن لدى العراق أسلحة لم يستخدمها بعد. وفي النهاية سقطت بغداد وانهزم الجيش العراقي وهرب الرئيس القائد واختبأ مثل الجرذان في حفرة حتى أنه لم يدافع عن نفسه عند القبض عليه. كذلك هناك أشخاص آخرون كنا نعتبرهم صحفيون اشداء يتباهون ببطولات لم تحدث ويصورون الواقع على غير حقيقته. ويضخمون قوة مقاتلي حماس بطريقة تبدو ساذجة لكنها أيضا تدمي القلب لأن ما يجري لن تكون له نتائج صالحة أبدا. أحد الأشخاص يعلق على مداخلة لمراسل أحدى المحطات الفضائية قال فيها أن مئات الضحايا سقطوا في الغارات الأخيرة جلهم من المدنيين. هذا المعلق لم تعجبه العبارة وكتب بعد الإشارة إلى المراسل والمحطة يقول (جلهم من المدنيين يعني الباقي من المسلحين؟) وكأنه يستنكر سقوط مسلحي حماس قتلى في العمليات الحربية. محلل آخر يتباهى بشخصية الناطق باسم القسام ويتشفى بوجود إسرائيليين نزحوا من المستعمرات الحدودية ليعيشوا في مخيمات آمنة بعيدا عن الجبهات بدلا من أن يستنكر هذا الإعلامي الكبير إهمال حماس حماية المدنيين وادعائها بصلف وغرور أنها بنت الإنفاق لحماية المقاتلين أما المدنيون فهم في عهدة وكالة الغوث. وإعلامي آخر كبير لا يخجل ان يتشفى بمقتل ابن وزير إسرائيلي في القتال بدلا من أن يدعو أبناء قادة حماس للعودة من المنتجعات التي ينعمون فيها بحياة الرفاهية للوقوف مع أبناء الشعب في محنتهم. يتباكى الإعلام العربي على أطفال فلسطين وهم فعلا يستحقون البكاء ولكن لماذا لم تدمع أعين هذا الإعلام وجميلاته على أطفال سوريا وأطفال اليمن وأطفال ليبيا؟ لماذا لم يتحرك هذا الإعلام للدفاع عن حقوق العراقيين الذين قتلهم نظام صدام حسين؟ أو السوريين الذين قتلهم نظام الأسد وابيه؟ ماذا عن شباب اليمن الذين يقتلون بدون أي ثمن في حرب عبثية لا طائل منها؟ ماذا فعل هذا الإعلام للدفاع عن الشباب العربي بصورة عامة أمام بطش الأنظمة وقمع مخابراتها؟ أكثر ما يضحك أن تتناول بعض المحطات اسم إسرائيل بصيغة "الكيان" أو بصيغة "دولة الاحتلال" مع أن هذه المحطات في دول وقعت اتفاقيات ترسيم حدود مع إسرائيل ومعاهدات سلام معها أيضا. أنا لا اقصد الدفاع عن إسرائيل ولا أنوي ذلك ولا أريد. لكن يجب أن لا نخدع شعوبنا في أعلام يستسهل السير مع التيار وإعطاء الجمهور ما يرغبون في سماعه ويطربون له. لقد استغلت العديد من المحطات مأساة غزة وكارثتها كي تحصد شهرة وانتشارا واعلانات من خلال ركوب الموجة والسباحة مع التيار من دون أن تفعل شيئا حقيقيا لأهل غزة ولم تتبرع لهم بأي شيء سوى بالكلمات وكأننا نعيش في وطن من الكلمات. هناك صحفيون كتبوا في الماضي القريب أن حماس صنيعة إسرائيلية اخذوا الآن يخوضون مع الخائضين ويقدمون شروحات وتفصيلات هي في الواقع محض أمنيات للتغطية على ما كتبوه واعلنوه. كتاب ومعلقون شتموا حماس عندما أسقطت حكم السلطة الفلسطينية في القطاع وسحلت رموزها في الشارع ولن ننسى مشهد القتل البشع الذي تعرض له المناضل سميح المدهون ومع ذلك نجدهم الآن يتباهون بما عملته حماس برغم أن هذا الذي عملته جلب الدمار والكارثة على غزة وأهلها. هناك قنوات تتغنى بالموت والدمار وكأن هذا هو الانتصار. قنوات غارقة في الأحلام وكأن تحرير فلسطين لم يبق له سوى القليل من العمل ليكتمل. في هذه الحرب لا توجد هزيمة ساحقة ولا نصر حاسم. فأي نصر تجنيه اسرائيل بعد أن دمرت كل قطاع غزة؟ وأي نصر ستدعيه حماس بعد هذا الدمار أيضا؟ هل سيقول قادة حماس لو كنا نعلم؟ بل كانوا يعلمون ولكن لا يتدبرون. لقد فقدوا صلتهم بالواقع ويعيشون حالة سكر وخدر لامثيل لها وقد غرقوا أكثر فاكثر بسبب الإعلام العربي الذي يمكن وصفه بأنه إعلام غبي وقد صور لهم أنهم سيجنون من الشوك عنبا ومن العوسج تينا. الإعلام العربي لا ينقل حقيقة ما يجري في غزة سوى أنه ينقل صور الدمار والموت غير مدرك أن ترسخ هذه الصور سيؤدي إلى ردات فعل سلبية في العقلية العربية إن لم تظهر سريعا فذلك لأن هذه العقلية غير قادرة على استيعاب ما يجري ولكن بعد الحرب ستهضم العقلية ما جري وتترسخ فيها رؤية انهزامية عاجزة تستمرىء القتل والدمار وكأن شيئا لم يكن. ماذا يهمهم هؤلاء المحللون الذي ينفخون في النار؟ لقد استأجرتهم القنوات الفضائية لتزيد من انتشارها وتعزز مواقعها على شبكة التواصل الاجتماعي وتحظى بمشاهدات تجلب لها الإعلانات والدخل الإضافي على حساب الدم الفلسطيني. لا يتحدث أحد عن الخديعة التي وفعت فيها حماس لصالح إيران التي تريد أن تحارب إسرائيل حتى آخر فلسطيني. لا يهم إيران كم فلسطيني قتل وكم منزل دمر وكم مؤسسة تهدمت. كل ما تفعله بروباغاندا وحرب إعلامية تزيد من شعبية نظامها لدى شعبها الذي فقد ثقته بها منذ سنوات. ماذا فعلت إيران لقطاع غزة وشعبها؟ كم مدرسة بنت؟ وكم مستشفى أنشأت وكم شارع عبدت وكم مصنع شيدت؟ لا شيء. اغرت أهل غزة بالموت استشهادا بدلا من العيش انتاجا وابداعا وهدفها مشاغلة الولايات المتحدة وكسب نقاط في مفاوضاتها مع العالم الغربي لمصلحتها على حساب فلسطين. تأييد القضية الفلسطينية وادعاء العداء للصهيونية واسرائيل والاحتلال مجرد غطاء تعلمت إيران أن تستخدمه مثلما استخدمه نظام الأسد ونظام صدام حسين وكذلك الأنظمة الطاغية الأخرى من قبل. تغطي الأنظمة العربية من خلال ترك إعلامها ينطلق على سجيته في حالة غباء لا مثيل لها على عجزها فعل أي شيء لصالح فلسطين. عجزها عن فعل أي شيء حقيقي أو بصورة أوضح عدم رغبتها الحقيقية في فعل أي شيء لصالح فلسطين مكتفية بالكلام فالعرب أمة الكلام ومن كثرة الكلام نظن إننا نفعل. حان الوقت لكي يصحو الإعلام العربي ويقود الجماهير نحو العقلانية والموضوعية لكي تستطيع هذه الجماهير أن تعيد النظر في حالها وتنطلق إلى حال أفضل بعيدا عن التهويش والسطحية والنضال الكلامي الذي لا طائل منه.
#ابراهيم_نور_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا قالت طالبان عن الإطاحة ببشار الأسد.. ورؤيتها لمستقبل سو
...
-
هل أمريكا مازالت تعتقد أن هيئة تحرير الشام لها علاقة بداعش؟.
...
-
سجناء سوريا.. الفرج يأتي ولو بعد حين
-
اشتباكات عنيفة في منبج تسفر عن مصرع 26 مقاتلا في هجوم فصائل
...
-
أسلحة سوريا الكيميائية.. قلق أميركي إسرائيلي بعد رحيل الأسد
...
-
وفد حماس يغادر القاهرة بعد مباحثات مع مدير المخابرات المصرية
...
-
مصادر دبلوماسية: اجتماع طارئ لمجلس الأمن لبحث تطورات سوريا
-
نتنياهو يصف سقوط نظام الأسد بـ-الفرصة المهمة- لإسرائيل
-
بلينكن: سنراقب عن كثب التطورات في سوريا ونقيّم أقوال وأفعال
...
-
أوليانوف: روسيا لا تخون أصدقاءها في المواقف الصعبة
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|