أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان رشيد محمد الهلالي - الفرق بين المذهبية والطائفية















المزيد.....

الفرق بين المذهبية والطائفية


سلمان رشيد محمد الهلالي

الحوار المتمدن-العدد: 8061 - 2024 / 8 / 6 - 02:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يطرح البعض اشكالية معينة وهى ان الاحتفال بعيد الغدير في العراق فيه سلوك طائفي او اشارات ذات مغزى طائفي , وهو خطأ بالمصطلحات والمفاهيم يقع به – كالعادة - الكثير من العراقيين - وخاصة المثقفين منهم - ان الاحتفال بعيد الغدير - وكذا باقي الممارسات والطقوس الحسينية - التي يمارسها الشيعة كل عام , لاتدخل ضمن خانة السلوكيات الطائفية ابدا , وانما تدخل ضمن دائرة الممارسات المذهبية . فهناك فرق كبير بين المذهبية والطائفية .
فالمذهبية : هى الممارسات الدينية والشعائر والطقوس التي يمارسها جماعة معينة في موسم معين , او مواسم متعددة في كل عام .
والطائفية : هى ممارسات مختلفة ومن نوع اخر , وتعني التكفير والقتل والارهاب والتهجير والتخوين والسخرية والاقصاء عن الادارة والحكم . اي انها تعطي مدلول سلبي واقصائي واجرامي خطير قد يصل لمرحلة الابادة الجماعية .
والشيعة بصورة عامة مذهبيون وليسوا طائفيون, لان ممارساتهم المذهبية فيها تصاعد كبير من حيث النوع والكم . فمن حيث (النوع) فهناك روزنامة شهرية متنوعة ومتعددة من الاحتفالات السنوية للولادات والوفيات للائمة المعصومين عندهم , وممارسات طقوسية من المسير والمواكب والمجالس وغيرها . واما من حيث (الكم) فهناك تماهي وانغماس اجتماعي كبير جدا , قد يصل الى جميع فئات الجماعة الشيعية , وباعداد تصل الى الملايين كل عام .
وهذا الانغماس بالمذهبية والطقوس الحسينية عند شيعة العراق خاصة , هو ليس ممارسات دينية وشعائر حسينية فقط , بل هو سلوك يتداخل فيه الاجتماعي والنفسي والسياسي والثقافي , الا ان السبب الاساس عندي - كما ذكرته في مقالي في موقع الحوار المتمدن (الطقوس الحسينية والهوية الشيعية في العراق) - هو الرغبة اللاشعورية بالحفاظ على الهوية التي تتعرض الى تحديات خطيرة من قبيل الاستبداد والمكافحة الثقافية ابان الحكم البعثي والطائفي سابقا , والارهاب والتكفير والتخوين بعد السقوط عام 2003 . وعدم وجود تضامن اجتماعي بين الجماعة الشيعية في العراق , وبما ان (الطبيعة تكره الفراغ) – كما يقال - فمن الطبيعي ان تخلق الهوية لذاتها ممارسات وسلوكيات من اجل ان تحفظ نفسها من التلاشي والذوبان في المحيط العشائري والعلماني والسني , فلم تجد بالتالي افضل من الدين , واذا كان ميشيل فوكو يقول (الدين عقل ... لمجتمع بلاعقل) فاننا بالعراق نقول (الدين هوية ... لمجتمع بلا هوية) .
ان السلوكيات المذهبية هى الوحيدة التي تربط شيعة العراق بالتشيع , لان هناك عوامل جذب اخرى اقوى تاثيرا نحو التسنن او اللاهوية والعلمانية , اهمها انهم يشكلون الاغلبية الاجتماعية في البلاد , والاغلبية لاتصنع هوية ابدا , لان الاخر على الدوام سيكون من داخلها وضمن صفوفها , وبما ان الاخر شرط الهوية - كما يقول سارتر - فاننا بالعراق سنواجه صعوبة - ان لم تكن استحالة - صناعة هوية شيعية , ومن اجل ذلك قال الشيخ اللبناني محسن بيضون في النجف (اعدمه نظام صدام عام 1986) (انتم شيعة العراق لستم شيعة , بل انتم سنة تحبون اهل البيت) , للدلالة على عدم وجود رابطة شيعية سياسية واحدة وهوية ثقافية صلدة . واعتقد ان الصحيح هو انهم يخافون اهل البيت اكثر مما انهم يحبون اهل البيت , فالخوف محرك اصلي واساسي في توجه العراقيين وتحديد ارائهم , الخوف من المجهول والخوف من السلطة والخوف من مصائب الحياة . لذا كانت الخشية من اهل البيت والتقصير في زيارتهم والبكاء عليهم ومواساتهم والخوف من التقصير بحقهم , هى من الاسباب الاساسية في التماهي معهم والالتفاف حولهم . كما ان اهل البيت من جانب اخر يشكلون الوسيلة العاطفية الاكثر انتشارا في تبديد حالة الخوف من المجهول , وزرع الطمانينة في نفوسهم القلقلة .
واما هناك من يرفض تلك المفاهيم ويعتبرها (كله تمر عمارة) , وان هذه السلوكيات هى طائفية , فاود ان اسأله : هل يمكنك ان تضع سلوك جماعة في اقصى جنوب العراق يقيمون مجلسا حسينيا عاديا في خانة الطائفية ؟ او تقارنه مع سلوك عتاة الطائفيين كالابادة الجماعية التي قامت بها تظيمات داعش الارهابية , والقمع والتخوين الذي قام به نظام صدام حسين البعثي , او التكفير الذي قام به الارهابي الاردني الزرقاوي في العراق مثلا ؟؟ بالطبع ان هذا غير معقول عقلا وواقعا .
وترجع جذور اعتبار الممارسات المذهبية هى (طائفية) الى الحقبة الطائفية البعثية الحاكمة في العراق , بل وربما ابعد من ذلك الى العهد الملكي . واذا كانت الحقبة البعثية قد تعمدت اعتبار تلك الطقوس والشعائر الشيعية هى سلوكيات طائفية يعاقب عليها الانسان , وذلك من اجل قمعها والحد منها وتهميشها , وعزل الفرد الشيعي عن ثقافته المذهبية وتجفيف منابع هويته الذاتية وتضامنه الاجتماعي , ومن ثم تمرير الاجندات السياسية والسلطوية وثقافة الحكومات الطائفية ومشروعها القومي , على اعتبار ان من ليس عنده هوية سيكون هوية الاخرين , ومن ليس عنده مشروع سيكون مشروع الاخرين , ومن ليس عنده هدف سيكون هدف الاخرين .
واما النخب الملكية ذات التوجه العلماني فان سلوكها هو اقرب للجهل منه للتعمد في التدليس والتضليل في الفرق بين المذهبية والطائفية . فقد روي الشاعر السيد مصطفى جمال الدين : ان السياسي العراقي المعروف كامل الجادرجي دعاه الى لقاء عام 1965 , وشكا له الجادرجي مما وصفه بطائفية الشيعة , ولما استفسر منه السيد جمال الدين عن تفاصيل الموضوع وادلته , فاشار الجادرجي الى الطقوس الحسينية وزيارات المراقد المقدسة وغيرها , فيما اعتبر من جانب اخر ان السنة غير طائفيين , وضرب مثلا عن ذلك ان ولده رفعت (المعماري المعروف فيما بعد) ساله اثناء مروره امام ضريح الامام الاعظم ابو حنيفة في الاعظمية من هو هذا ؟ فاجابه (امام من الائمة) وكفى , ولم يسال ابنه بعد اكثر من ذلك , بينما ينغمس الشيعة بتاريخ ائمتهم وتفاصيل حياتهم .
في الواقع ان الجادرجي كان جاهلا في الفرق بين المذهبية والطائفية . فالشيعة الذين يتماهون مع الطقوس الحسينية والزيارات الدينية لمراقد الائمة , انما هى ممارسات مذهبية وليس طائفية , فهى تعبر عن بواعث وجدانية واجتماعية وليس دينية فقط , فهى تتعلق بالحاجة الى الدين كمعطى روحي عند الانسان الشيعي المقهور والمستلب سابقا , فهو فيتامين الضعفاء واكسير المضطهدين . كما انه من جانب اخر يعبر عن التحدي الذي تتعرض الهوية الشيعية في مواجهة حالة الاقصاء والتهميش الذي تقوم به الحكومات الطائفية والعلمانية , والمكافحة الثقافية التي تعرضوا لها طوال قرون طويلة , او حالة الارهاب والابادة الجماعية التي واجهوها بعد سقوط النظام البعثي عام 2003 . كما ان الجادرجي قارن نفسه مع سلوك الشيعة العوام انذاك , ولم يقارن نفسه مع توجهات العلمانيين الشيعة في العقود التي اعقبت الحرب العالمية الثانية , وانتشار المظاهر العلمانية بقوة عند العراقيين الذين تساموا عن تلك الممارسات المذهبية والدينية بصورة كبيرة جدا . فيما ان المفروض ان يقارن بين تصرفات العامة الشيعة مع سلوكيات اقرانهم السنة الذين كانت لهم ايضا ممارسات مذهبية (وان كانت اقل من الشيعة) كالدروشة واقامة التكايا الصوفية وزيارات المراقد السنية مثل الامام الاعظم والكيلاني والرفاعي ومعروف الكرخي وغيرها .



#سلمان_رشيد_محمد_الهلالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية عبد الكريم سروش في نزول القرأن
- حول تقييم العهدين الملكي والجمهوري في العراق
- كتاب (شيعة العراق بعد 2003 الرؤى والمسارات)
- موقف المثقفين العلمانيين العراقيين من ثورة تموز 1958
- انت ايها العلماني العراقي .. انت (فولتير) في المكان الخطأ
- محمد شرارة ومساراته السياسية والفكرية في العراق حتى عام 1958
- حسين مروة ونشاطه السياسي والثقافي في العراق (1908 - 1949)
- الماركسيون المستقلون في العراق 1945 - 1958
- استلاب الشجاعة عند العراقيين
- الفرق المبسط بين الحكومة والدولة والمجتمع
- حكم الترويكا الانتقالي (نظام سياسي جديد بين الديمقراطية والد ...
- نظرية النسق العراقي (نظرية جديدة في تفسير الشخصية والمجتمع ا ...
- كيف يتكون الرأي العام في العراق ؟؟
- ساطع الحصري ودوره في تاسيس منهج التلقين في المدارس العراقية ...
- لماذا تحول علي الوردي الى المذهب الزيدي ؟؟
- الايرانيون ودورهم في انبعاث الهوية الشيعية في العراق خلال ال ...
- الطقوس الحسينية والهوية الشيعية في العراق (اسباب الطوفان الك ...
- استلاب الحرية عند العراقيين .... هل ان كل علماني عراقي هو حر ...
- الدولة في العراق المعاصر (التأسيس – الفشل – التداعيات - الحل ...
- هل يجتمع الاصلاح مع الحقد ؟؟ (قراءة في المسارات الاصلاحية ال ...


المزيد.....




- بعد غارة استهدفته قبل أيام.. إسرائيل تعلق على احتمالية مقتل ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراضه صاروخ أرض- أرض قادم من اليمن
- بعد قطر.. مصر تؤكد للسعودية استعدادها توفير كل ما تحتاجه من ...
- البنتاغون أكد أن هجوم 7 أكتوبر إرهابي بعد ساعات على وقوعه
- مقتل -أيقونة التصدي- للجنود الإسرائيليين، وصاحب مقولة -بِيهم ...
- سلسلة غارات إسرائيلية تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت وبلدات ...
- رئيس الوزراء السلوفاكي يتعهد بمنع أوكرانيا من الانضمام لحلف ...
- نتنياهو يتعهد بمواصلة العمليات العسكرية حتى تحقيق أهداف الحر ...
- انفجارات قوية تهز بيروت عشية ذكرى السابع من أكتوبر
- عام على هجوم حماس ـ أمن إسرائيل -مصلحة عليا للدولة- الألماني ...


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان رشيد محمد الهلالي - الفرق بين المذهبية والطائفية